بين الواقع والتجريد... بيروت كما تراها ليلى داغر

في «حوار غير متوقّع»... التشكيلية اللبنانية تُطرِّز العاصمة بالورق والخيطان

التشكيلية ليلى داغر أمام مجموعتها «لاند سكايب» (الشرق الأوسط)
التشكيلية ليلى داغر أمام مجموعتها «لاند سكايب» (الشرق الأوسط)
TT

بين الواقع والتجريد... بيروت كما تراها ليلى داغر

التشكيلية ليلى داغر أمام مجموعتها «لاند سكايب» (الشرق الأوسط)
التشكيلية ليلى داغر أمام مجموعتها «لاند سكايب» (الشرق الأوسط)

بتقنيات متنوعة ورؤية مُتجدِّدة، نسجت الفنانة التشكيلية ليلى داغر لوحات معرضها «حوار غير متوقَّع». استعانت بخيالها وخبرتها المتراكمة لتعيد بناء بيروت وبيئتها. ولطالما شكّلت العاصمة مصدر إلهامها، ومنطلقاً لأعمالها الفنية.

بألوان دافئة وباردة، وباستخدام الورق والخيطان، صاغت داغر أحاديث صامتة بين لوحاتها في غاليري «آرت أون 56» في الجميزة. ولم تخطّط لهذا المشروع مسبقاً، لذا جاء عنوان المعرض انعكاساً لطبيعته التلقائية.

بألوان دافئة وأخرى باردة رسمت لوحاتها (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» توضح ليلى داغر: «كنت أتساءل دائماً كيف سأستخدم أكياس الورق المكدّسة في مشغلي؟ لونها «Ocre» (لون ترابي مشتق من أكسيد الحديد) ألهمني، إذ يشبه دفء منطقتنا، فبدأت تنفيذ الفكرة تلقائياً».

اعتمدت داغر تقنيات من بينها «الكولاج»، و«الميكسد ميديا»، و«الأكريليك»، ما أضفى على أعمالها تنوعاً بصرياً لافتاً. وتنوَّعت المشاهد بين المدنية والطبيعية لتشكِّل معاً نواة المعرض. وجمعت بين الورق والكرتون والتطريز بالخيط، وانطلقت من صور فوتوغرافية التقطتها لبيروت، أعادت تركيبها بأسلوب تجريدي مع الوقت، فتكوّنت سلسلة «بيروت المدينة». في هذه الأعمال، تحضر عناصر العاصمة بتفاصيل مفككة مرتبطة بخيوط مطرَّزة، ما يخلق ترابطاً بصرياً بين الأجزاء.

بتقنيات مختلفة نفَّذت معرضها «حوار غير متوقّع» (الشرق الأوسط)

التجدد في أسلوب ليلى داغر يحضر بوضوح، وتترجمه من خلال مشهديتين مختلفتين، تقدِّم فيهما عصارة خبراتها وتجاربها النوعية. ومن خلالها، تخرج عن المألوف، فتلوِّنه بجوقة أدوات، فينشد بتقنياته العديدة ترانيم مدينة تطفو على ماضيها وحاضرها.

من عناوين لوحاتها تلمس رؤيتها لعاصمة تتجدَّد باستمرار، ومن تاريخها ورموزها تتعرَّف إليها. وكما في «قصص بيروت» و«نسيج حضاري»، كذلك تستشفّ التَّجدد في «المحيط والأفق»، فتستوقفك تفاصيل بيوت بيروت الهادئة حيناً، والمتشابكة سطوحها بتمديدات المولدات الكهربائية حيناً آخر.

أما مجموعة المناظر الطبيعية، فتأخذك إلى تلال رملية وأخرى خضراء، وكذلك إلى حدائق ضيقة، وفسحة مزروعة بزهور طرَّزتها بالإبرة والخيط. «استخدمتُ الخيط في لوحات الطبيعة ليعكس الروحية نفسها الموجودة في مجموعة المدينة، فحضر هذا الحوار غير المتوقّع بين المشهديين. وشعرت كأن اللوحات تتقرَّب من بعضها بعضاً، فتبدو الصغيرة منها مصطفّة بانضباط أمام تلك الكبيرة، تماماً كتركيبة مدينة تقوم على مشاهد مجزّأة».

أما فيما يخصّ الألوان، فبحثت ليلى داغر عن كل ما يتلاءَم مع الأكسيد منها. «لون الكرتون كان أساسياً، حتى بطيّاته النافرة، وركنتُ مرات إلى تلوينه، وفي أخرى إلى تركه على طبيعته، في محاولة لتوليد التناغم بين اللوحات».

استوحت من بيروت فكرة المعرض فطرّزتها بالخيط والألوان (الشرق الأوسط)

تتألف لوحات الفنانة التشكيلية من مجموعة صور فوتوغرافية تُعيد تركيبتها بخيالها. وإضافة إلى ذلك، تقولبها في طقوس تتبعها عادة في دوام العمل. «إنها تتراءى لي كشريط طويل ومجزَّأ، أختَرِع له تغييرات في رأسي. ولا بدّ للموسيقى أن ترافقني في أثناء الرسم، لتسرق مني الملل، أعمل لساعات طويلة. إنها وليدة تراكمات لمشاهد أُخزّنها، وهي في الحقيقة لا تُشبه واقعها. فاللاوعي عندي هو الذي يحرّكني، ومن ثم أرسمه على الورق لولادة جديدة».

وعن نقلة «حوار غير متوقّع» النوعية، تؤكد: «انطلقت من آخر لوحة في مجموعتي السابقة، وقرَّرت المضي في اتجاه جديد، لأمنح الزائر تجربة مختلفة، لا تكراراً لما عرضته من قبل».

في السابق، كانت تعتمد على شخصيات ومربَّعات ملوّنة، لكنها تخلّت عنها هذه المرة، انسجاماً مع شخصيتها المرنة ورغبتها الدائمة في التجديد. تقول: «أشعر وكأنني أسير بسرعة هائلة، ولا أحد يستطيع إيقافي. بعد آخر معرض قدّمته قبل 3 سنوات، كان همّي الرئيسي في هذا المعرض أن أقدِّم شيئاً مختلفاً، وأن أدعو الناس لمشاهدة جديدٍ. الزمن يمضي، ونحن نتغيّر، وهذا التغيّر ينسحب على أفكارنا أيضاً. وحتى الظروف التي مررت بها لعِبت دوراً في هذا التحوُّل».

«حوار غير متوقّع» في غاليري «آرت أون 56» في الجميزة (الشرق الأوسط)

على أحد جدران صالات الغاليري في الجميزة، تصطفُّ لوحات منمنمة من مجموعة داغر الخاصة بالمناظر الطبيعية. تشكِّل كل واحدة منها فكرة مستقلة خطَّتها تحت تأثير الريشة، قبل أن تجمعها تحت عنوان واحد: «لاند سكيب». تبدو هذه الأعمال كفسيفساء نابضة بالألوان والتطريز، مزجت فيها داعر تقنيتي اللصق و«الأكريليك»، وأضافت إليها زخرفات مُتقنة تُضفي عليها طابع الحدائق المعلّقة. تبرز فيها بيوت القرميد التراثية، وأشجار الصنوبر، وشاطئ البحر، وزهور الربيع البرّية، وكأنها مشاهد تنبض بالحياة.

وتختم ليلى داغر: «التقنيات المتعدِّدة الأبعاد التي استخدمتها أوجدت حواراً بصرياً بين الخيال والواقع».


مقالات ذات صلة

معرض فنّي يستلهم الحضارة المصرية القديمة في مراسم بني حسن

يوميات الشرق بورتريهات لأشخاص وأماكن من الحضارة المصرية (هيئة قصور الثقافة)

معرض فنّي يستلهم الحضارة المصرية القديمة في مراسم بني حسن

المعرض الذي ضمَّ أكثر من 40 عملاً أُقيم بعد معايشة الفنانين للمكان لأيام تعرَّفوا خلالها على طبيعة الموقع وآثاره المتنوّعة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق منمنمات آسيوية (دليل باريس)

شمس الجمال تغرب بصمت... أعمال الفيتنامية ثاو نغوين فان للمرّة الأولى في باريس

هناك لوحات تتجاور مع منحوتات وتمائم وتجهيزات وتسجيلات فيديو، وتُركز بشكل خاص على شخصيات تاريخية مُختلفة تربط بين فرنسا وفيتنام.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشاركة مصرية لافتة في معرض «النقطة والخط» في اليابان (الشرق الأوسط)

حضور مصري لافت يعرض جماليات الخط العربي في اليابان

يستطيع زائر المعرض الاستمتاع بمشاهدة 138 قطعة، منها 22 لوحة فنية أصلية، إضافة إلى صور فوتوغرافية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)

معرض «بيروت عدتُ إليك»... عندما يصبح الحنين إلى الوطن حاجة ملحّة

سبق أن عبّرت ماجدة شعبان عن أحاسيسها خلال الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان. يومها، تأثرت بمشهد طائرة تابعة لـ«طيران الشرق الأوسط» تشق طريقها بين دخان القذائف.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تأثيرها هائل في الذوق (سوذبيز)

سِحر ماري أنطوانيت في قلب لندن

سيُفتَتح أول معرض في المملكة المتحدة مخصّص لحياة الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت، في متحف «فيكتوريا وألبرت» بجنوب كنسينغتون في لندن.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أزمة «هولوغرام» عبد الحليم بـ«موازين» تعيد الجدل بشأن ملكية إرث «العندليب»

«العندليب» مع نجل شقيقه محمد شبانة طفلاً (صفحة محمد شبانة على «فيسبوك»)
«العندليب» مع نجل شقيقه محمد شبانة طفلاً (صفحة محمد شبانة على «فيسبوك»)
TT

أزمة «هولوغرام» عبد الحليم بـ«موازين» تعيد الجدل بشأن ملكية إرث «العندليب»

«العندليب» مع نجل شقيقه محمد شبانة طفلاً (صفحة محمد شبانة على «فيسبوك»)
«العندليب» مع نجل شقيقه محمد شبانة طفلاً (صفحة محمد شبانة على «فيسبوك»)

ما زال الجدل قائماً حول الحفل «الهولوغرامي»، المنتظر لـ«العندليب»، عبد الحليم حافظ، والمقرر إقامته يوم الاثنين المقبل ضمن فعاليات الدورة الـ20 من مهرجان «موازين»، التي تقام حالياً في العاصمة المغربية الرباط.

وبينما تهدد أسرة الفنان الراحل باللجوء إلى القضاء للحفاظ على حقها بشأن ملكية «إرث» «العندليب»، تؤكد إدارة المهرجان قانونية الحفل، وإقامته في موعده المحدد، بحضور المنتج محسن جابر مالك شركة «عالم الفن»، وفق مصدر بالمهرجان لـ«الشرق الأوسط».

الملصق الترويجي للحفل الهولوغرامي للعندليب عبد الحليم حافظ (حساب المهرجان على «فيسبوك»)

وبدأت الأزمة عقب إعلان صفحات المهرجان على مواقع التواصل عن الحفل، وكتبت تعليقاً على الملصق الترويجي جاء فيه: «حين يمتزج الفن بالتكنولوجيا... يعود أحد عمالقة الطرب ليحيي الزمن الجميل، بصيغة لا تشبه إلا المستقبل».

وأثار الإعلان حفيظة أسرة العندليب، التي أعلنت أنها بصدد مقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، عبر بيان صحافي أكد أن الأسرة ليست على علم بأي عرض من هذا النوع، ولم يتم التواصل، أو الاتفاق معها بشأن استخدام اسم أو صورة عبد الحليم.

وأكد البيان أن «جميع الحقوق المتعلقة باسم وصورة عبد الحليم محفوظة بشكل حصري لشركة واحدة تم التعاقد معها رسمياً، وأي استخدام لهذه الحقوق دون الرجوع إليها يعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية».

بدورها ردت إدارة مهرجان «موازين»، في بيان رسمي، أوضح أن الشركة التي تم الاتفاق معها لتقديم العرض بالأساس ليست مغربية خالصة، وهو ما دفع القائمين عليه لمراجعة موقفهم، خصوصاً أن الدعم الفني والمالي الوطني موجه بالأساس للمؤسسات المحلية.

ونوهت إدارة المهرجان أن «الحفل لا يتضمن استخدام صورة حقيقية، أو مقاطع أرشيفية أصلية لعبد الحليم، بل يعتمد على شخص شبيه، وهو ما لا يستدعي موافقة الورثة».

وأوضحت الشركة المنفذة أن «الحفل يتم وفق تعاقد قانوني مع المنتج محسن جابر»، مشيرة إلى أنها حريصة على احترام الحقوق الأدبية والفنية، وأن كل الخطوات تمت بشكل قانوني ورسمي قبل الإعلان عن الحفل.

أزمة الإرث الفني لـ«العندليب» مستمرة (ورثة عبد الحليم حافظ)

وتعليقاً على الجدل الدائر حول الحفل أكد الناقد الفني المصري أحمد السماحي أن «ما تفعله أسرة عبد الحليم يسيء له بشكل كبير»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأسرة مهمومة بالناحية المادية، أكثر من المعنوية أو الأدبية للعندليب». على حد تعبيره.

وأشار السماحي إلى أن «الأسرة ليس لها حق المطالبة بأي عائد مادي من المهرجان»، لافتاً إلى أن «عبد الحليم رمز وقيمة، و(موازين)، يكرمه من خلال هذه التقنية الحديثة، واستعادة روائعه، أمام جيل جديد من الشباب الذين لا يعرفونه».

وعقب الإعلان رسمياً عن إقامة الحفل، أصدرت أسرة «العندليب»، بياناً جديداً أوضح أن الحفل، الذي سيقام رغم الإنذارات، وعدم الحصول على التصريحات، مخالف لقانون الملكية الفكرية، الذي ينص على أن اسم وصورة أي فنان لا يتم عرضها إلا بموافقة الشخص نفسه إذا كان على قيد الحياة، أو ورثته فيما بعد.

وأكد بيان الأسرة أن «العائلة رفضت التعامل مع الشركة المنظمة للحفل المنتظر لأنها تسيء لكل الفنانين من حيث الشكل والصورة وجودة الصوت، حيث تم التعاقد مع شركة أخرى عرضت على (موازين)، إقامة الحفل في البداية، لكن بشروط تقنية معينة تسمح لهم بإخراجه بأحسن جودة ممكنة، لكنهم رفضوها».

وهددت الأسرة بمقاضاة المهرجان، والشركة المنفذة للحفل؛ للتعدي الواضح والمقصود على حقوق الورثة وإقامته من دون الرجوع إليهم رغم الإنذارات والتحذيرات، كما طالب البيان، بمقاطعة الحفل لأنه يسيء لحليم ولكل رموز الفن العربي، خصوصاً أن الشركة المنفذة أظهرته من قبل بشكل مضحك وكارتوني لا يليق به وبجماهيريته. على حد تعبيرها.

صورة نشرها محمد شبانة للتدليل على «الإساءة للعندليب» في حفل هولوغرامي سابق

ويؤكد الشاعر والناقد الفني المصري فوزي إبراهيم، أمين عام جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين المصرية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الجمعية غير مسؤولة عن الحق المادي لأسرة عبد الحليم لأن القانون يسمى بـ«حق المؤلف»، وهو الحق الأصيل، ويندرج تحت اسم المؤلف، والمبتكر، ومؤلف وملحن الأغنية، لكن حق المطرب يندرج تحت مسمى «الحق المجاور»، وهو المستفيد من هذا الابتكار، بمعنى أن المطرب مؤدي لهذا الابتكار، لذلك يطلق عليه حق مجاور للحق الأصيل، فلو لم يكن الابتكار الأصلي موجوداً فلن يكن له أي حقوق.

وأكد أنه «من حق أسرة عبد الحليم الاعتراض على إقامة الحفل».

وتعد أزمة «هولوغرام» العندليب بمهرجان «موازين» المغربي حلقة مكررة في مسلسل ملكية حقوق الفنان الراحل، فقد نشبت أزمة كبيرة بين المُنتج محسن جابر، وأسرة العندليب عام 2021، حول حقوق ملكية الإرث الفني إذ تبادل الطرفان الاتهامات عبر بيانات صحافية، قدم خلالها كل طرف أدلة تزعم أحقيته بحقوق الملكية في أعمال الفنان الراحل، وما زالت بعض القضايا المتعلقة بهذا الشأن منظورة أمام القضاء.