أبراج الرياح البحرينية والسبلة العُمانية تجيب عن تساؤلات حول البيئة والعمارة

من ضمن الأجنحة البارزة في بينالي فينيسيا

جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)
جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)
TT

أبراج الرياح البحرينية والسبلة العُمانية تجيب عن تساؤلات حول البيئة والعمارة

جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)
جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)

تحول بينالي فينيسيا للعمارة في دورته الـ19 نداءً عالمياً يدعو للتفكير في البيئة والتعامل مع الظروف المناخية المتقلبة واتباع طرق جديدة لجعل البيئة المبنية مناسبة لحاجة السكان، مع الحفاظ على الوسائل القديمة التي أثبتت نجاحها.

وبحسب بيان كارلو راتي، منسق البينالي لهذه الدورة، فالعمارة كانت، ولا تزال، «استجابة لظروف مناخية معادية وحاجة الإنسان إلى الملجأ، ودائماً ما كانت العمارة جسراً ما بين البيئة القاسية والمساحة الآمنة للعيش».

يعترف راتي بأن التغيرات المناخية الحالية تجبر المعماريين على تبني وسائل جديدة لمواجهة تحديات البيئة «لعقود كانت استجابة العمارة لأزمة المناخ تتركز على التعايش وتلطيف الآثار السلبية، ولكن هذا الأسلوب لم يعد كافياً. حان الوقت لأن تتأقلم العمارة مع عالم متغير».

حاولت الأجنحة المختلفة تقديم حلول ومقترحات تنسجم مع الموضوع الرئيس الذي اختُصر في أربع كلمات «الذكاء، الطبيعي، الاصطناعي، والجماعي»، فلم يعد ممكناً الاكتفاء بالاستعانة بالتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي، بل يتطلب الأمر الاستعانة أيضاً بالذكاء الطبيعي والجماعي.

البحرين صاحبة «الأسد الذهبي»

نجح جناح البحرين الذي يحمل عنوان «موجة حر» في تقديم معطيات مقنعة للتعامل مع التغيرات المناخية القاسية وارتفاع درجات الحرارة المتزايد الذي يشكل تهديداً لصحة الإنسان وقابلية العيش في المناطق المتضررة؛ ما أهَّله للحصول على جائزة الأسد الذهبي لأفضل جناح وطني.

جناح البحرين الفائز بجائزة الأسد الذهبي (الجناح)

لعل أول ما يلفت نظر الزائر للجناح هو الإحساس ببرودة الأجواء، فارق واضح بين الجناح، وما يجاوره من أجنحة أخرى، ولم يكن الأمر عبر أجهزة تكييف ملحقة بالجناح، بل عبر وسائل مبتكرة استُخدمت لخدمة فكرة الجناح.

وبحسب وفاء الغتم، من فريق التقييم والبحث في جناح البحرين، فقد كان الاقتراح الأول للفريق الهندسي المكون من ماريو مونوتي وألكسندر بوزرين، إنشاء بئر حرارية أرضية ومدخنة شمسية لخلق مناخ محلي مستدام ذاتياً.

غير أن الاقتراح اصطدم بعوائق محلية، إذ لم يكن الحفر ممكناً في موقع البينالي؛ لذا استُخدمت التهوية الميكانيكية بدلاً من ذلك لمحاكاة تأثير التبريد الذي أراده المهندس المعماري، ولهذا صُمِّمت وحدة «هيت ويف» بصفتها وحدة معيارية قابلة للتطوير على نطاق أوسع لتوفير التبريد للأماكن العامة.

ركّز هذا المعرض الفني، الكائن في آرسنالي، على نحو خاص على توفير التبريد للعاملين في وظائف تتطلب جهداً بشرياً كبيراً في الهواء الطلق، وفي مواقع البناء.

يضم الجناح مقاعد مصنوعة من أكياس الرمل الضخمة موزعة على الجوانب، ويبدو أن الفكرة أثبتت نجاحها بصفتها خطوة أولى في البينالي، حيث اجتذبت جوالات الرمل الزوار للجلوس عليها والراحة في أجواء باردة بعد المشي لساعات في الأجنحة المختلفة.

تقول الغتم لـ«الشرق الأوسط» إن الجناح تطورت فكرته من معاناة السكان والعمال على نحو خاص من الحر الشديد في البحرين «لاحظنا أن العمال في مواقع البناء يقضون فترات الراحة في كابينات مغطاة لتناول الغداء، وفكرنا في إنشاء أماكن خاصة لهم تُصنع من مخلفات عمليات الإنشاء، لتصبح أماكن راحة للعمال وأيضاً للجمهور».

ما يميز تصميم الجناح البحريني هو اللجوء لأشكال تقليدية لاستلهام الوحي منها مثل أبراج الرياح والأفنية.

سلطنة عُمان

تُشارك سلطنة عُمان في بينالي فينيسيا من خلال جناحها الوطني الذي يحمل عنوان «أثر»، ويُمثّل أول مشاركة رسمية لها في هذا المحفل العالمي.

يعكس الجناح رؤية معمارية معاصرة مستوحاة من مبدأ «السبلة» (مجلس عُماني تقليدي)، ويقدّم مساحة تدمج بين الذكاء الإنساني والتقني، وتحتفي بالحوار، والبيئة، والهوية.

جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)

يشكّل «أثر» مساحة للضيافة والتأمل والتجمع، يستند إلى منطق البُنى المدنية غير الرسمية المنتشرة في عُمان، ويُعيد تصورها بما يواكب متطلبات الحياة العامة المعاصرة.

فالسبلة لا تُستحضر هنا بوصفها رمزاً بصرياً، بل تُوظَّف بصفتها منهجاً تصميمياً متكاملاً، تُترجم من خلاله خصائصها المكانية والاجتماعية.

شُيّد الجناح من الألمنيوم الخام، باستخدام نظام مخصّص من الألواح المقصوصة والمطوية. وتضم كل لوحة فتحات دقيقة التصميم مستوحاة من مفردات الثقافة العُمانية، مثل أنماط نسج سعف النخيل، ونقوش الأبواب الخشبية التقليدية، وتفرّعات نظام الفلج للري.

صُمِّم الجناح بالكامل بحيث يمكن تفكيكه وإعادة تركيبه؛ ما يتيح نقله وتركيبه الدائم في سلطنة عُمان بعد انتهاء المعرض، مع الحفاظ على حجمه ووظيفته مساحةً مدنيةً مستدامة.

وخلال حديث خاطف لـ«الشرق الأوسط» مع المهندسة ماجدة الهنائي، منسقة العرض، قالت: «يظهر (أثر) كيف يمكن للعمارة أن تنشأ من أنظمة موروثة في البناء والصيانة والتكيّف. (أثر) ليس رمزاً للتقاليد، بل نموذج عملي لإعادة تصوّر المساحات المدنية من خلال المعرفة المتجذّرة».

تشير الهنائي إلى أن الجناح مستوحى من عناصر تراثية مرتبطة بالذاكرة الجمعية للبلاد مثل المندوس (صندوق خشبي مزخرف متعدد الاستخدامات) والخنجر العماني، وتضيف: «يحمل الجناح إشارات إلى عناصر و(موتيفات) مختلفة في مجتمعنا مثل الأبواب على هيئة الأقواس. هنا تغيرت طبيعة ما كنا نعدّه (زخارف للزينة) لتصبح هي (البناء نفسه)».

تشير إلى أن التكوين المتوسط للجناح شُيِّد من الألمنيوم الذي يعكس بريق الفضة التي تحتل جانباً من تراث الزينة في عُمان.

الإمارات العربية المتحدة

«على نار هادئة» عنوان يشير مباشرة إلى تأثير تغيرات المناخ على الإنسان؛ حيث يحاول جناح دولة الإمارات من خلاله الوصول إلى حلول مبتكرة للتحديات البيئية وانعكاساتها على الزراعة.

يستكشف المعرض، الذي أشرفت على تنسيقه المعمارية والباحثة الإماراتية عزة أبو علم، العلاقة المتطورة بين العمارة وإنتاج الغذاء في دولة الإمارات، مقترحاً حلولاً مبتكرة لإنتاج غذائي أكثر استدامة على المستويين الفردي والجماعي.

يستكشف المعرض موضوعات الاكتفاء الذاتي، ويقدم حلولاً معمارية مصممة خصيصاً للبيئات القاحلة من خلال إعادة تصور البيوت الزجاجية للمناخات القاحلة، كما يطرح وجهات نظر جديدة حول الأمن الغذائي.

جناح دولة الإمارات العربية المتحدة (الجناح)

المغرب

تشارك المملكة المغربية بمشروع يحمل عنوان «طرس مادي»، للمهندسين المعماريين خليل مراد الغيلالي والمهدي بلياسمين؛ الذي يتميز بمزجه بين التقاليد المعمارية المغربية والابتكار الحديث؛ ما يتيح للزوار تجربة فريدة تعكس جماليات البناء بالتراب، مع إعادة تعريف مفهوم الذكاء الجماعي.

جانب من جناح المغرب (الشرق الاوسط)

الجناح منسق بأسلوب جمالي جذاب، فتدلت من سقفه أدوات العمارة التقليدية مصنوعة من الخشب نرى منها سلال القش وقوالب صب الطين وغيرها.

يتعامل الجناح مع الموضوع الرئيسي للبينالي عبر استخدام مفردات البناء التقليدي أساساً لتوظيفها في بناء حديث مستدام والوصول إلى أشكال معمارية جديدة. ولعل ما يلفت النظر في الجناح أيضاً استخدام تقنية الهولوغرام في عرض ممارسات حرفيين تقليدين أثناء عملهم.

«مسألة إشعاع» في جناح أوزبكستان

من الأجنحة التي لفتت أنظار الزوار في البينالي كان جناح دولة أوزبكستان الذي حمل عنوان «مسألة إشعاع».

استوحى تصميم الجناح من مبنى Heliocomplex «معهد الشمس لعلوم المواد» خارج العاصمة طشقند. ويتأمل الجناح في أهمية معمار أوزبكستان الحديث وإمكاناته، ويتناول الأهمية التاريخية والمعاصرة للمبنى، مسلطاً الضوء على دوره العلمي وأهميته الثقافية خارج الحدود الوطنية.

فرن شمسي خارج جناح أوزبكستان (الشرق الاوسط)

يستكشف الجناح السرديات المزدوجة للموقع؛ دوره في التراث المعماري الحديث لأوزبكستان، وإمكاناته المستقبلية مركزاً علمياً دولياً، يُسهم في التزام البلاد الأوسع بمستقبل مستدام.

يُعدّ «معهد الشمس لعلوم المواد» أحد آخر المشاريع العلمية الكبرى للاتحاد السوفياتي، ولا يزال واحداً من فرنين شمسيين كبيرين فقط موجودين حول العالم لدراسة سلوك المواد في درجات الحرارة القصوى.

يشرف على الجناح استوديو GRACE للهندسة المعمارية والتصميم والتخطيط الحضري، وأتيحت لنا الفرصة للحديث مع المهندسة المعمارية والقيّمة المشاركة إيكاترينا غولوفاتيوك التي تقول إنَّ العرض يحاول تقديم Heliocomplex «معهد الشمس لعلوم المواد» عبر مجموعة من العناصر والقطع المتفرقة التي تسهم في تفسير أهمية المبنى الأيقوني في أوزبكستان.

من العناصر التي يعتمد عليها العرض، وبالفعل جذبت الزوار لمشاهدتها، هو الفرن الحراري الذي أقيم خارج الجناح، واستخدم لغلي الماء في إبريق فضي معلق أمامه. الفرن الحراري يشبه في تصميمه عناصر مبنى «معهد الشمس»، ويسهم على نحو بليغ جداً في تقديم فكرة الجناح للزوار.

في الجناح لوحة ضخمة معروضة على أحد الجدران تشير إليها غولوفاتيوك تصور الخطة المعمارية للمعهد أعدت في سبعينات القرن الماضي، يلفتنا في أعلاها رسم يصور إله الشمس عند اليونان «هيليوس»، وتقول: «أعتقد أنه من المثير أن معمارياً من السبعينات عمل في الاتحاد السوفياتي على تصميم سري للغاية لمعهد علمي أن يضيف رسماً من الميثولوجيا اليونانية».

القطعة الأساسية في العرض هي جهاز ناظم شمسي يتكون من مجموعة من المرايا، وهو مماثل للنسخ الموجودة في «معهد الشمس» في منطقة باركنت في أوزبكستان، تقول المهندسة: «تبدو هذه القطعة عملاقة هنا في مساحة الجناح، ولكنها في الحقيقة تماثل أقل من خمس مساحات مثيلاتها في باركنت».


مقالات ذات صلة

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وجه مرسوم على ورق هندي مصنوع من القطن (الشرق الأوسط)

«تاريخ الورق»... معرض مصري لسبر أغوار الذاكرة الإنسانية

لا يتعامل الفنان التشكيلي المصري محمد أبو النجا مع الورق باعتباره وسيطاً فنياً فحسب، بل يقدّمه على أنه مركز تاريخي يمكن عبره إعادة النظر إلى رحلة الإنسان نفسه.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق أعمال الفنانين تناولت مظاهر الحياة في الأقصر (قومسير الملتقى)

«الأقصر للتصوير» يستلهم تراث «طيبة» وعمقها الحضاري

بأعمال فنية تستلهم التراث القديم والحضارة الموغلة في القدم لمدينة «طيبة» التاريخية، اختتم ملتقى الأقصر أعماله الخميس.

محمد الكفراوي (القاهرة )

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.