«تشرب شاي بالياسمين»، تحولت هذه الجملة التي أطلقها عادل إمام في مشهد بفيلم «مرجان أحمد مرجان»، لموظف عمومي حتى يتغاضى عن مخالفاته، إلى أمثولة في الشارع المصري لفترة، كنايةً عن «الرشوة»، لكن في الوقت نفسه لفتت الجملة نظر أسر مصرية يمثل الشاي جزءاً حميماً من مزاجها، إلى وجود نكهات أخرى لهذا المشروب الأكثر انتشاراً، بخلاف «الشاي بالنعناع» و«الشاي باللبن».
«هو عادة ثابتة في بيوتنا، وغالباً ما نشربه بعد الوجبات؛ سواء الإفطار أو الغداء أو العشاء، أو يتم تقديمه للضيوف على أنه نوع من التحية والترحيب»، بهذه الكلمات وصف المعلم محمد إبراهيم، 50 عاماً، من إحدى قرى محافظة الغربية (دلتا مصر) طريقة التعامل الاعتيادية مع الشاي، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الشاي الذي اعتدنا عليه بلا نكهات، وهو الأكثر شيوعاً ولا نعرف غيره»، وقال إن «بعض المحال في محيط سكنه حاولت ترويج أنواع مختلفة من الشاي لكن لم تجد قبولاً لدى الناس»، واستذكر إبراهيم الطريقة المثلى لإعداد الشاي على الحطب في الحقول، ويراها «أفضل طريقة؛ فالشاي المغليّ هو الذي يعطي الطعم المضبوط».
في اليوم العالمي للشاي الذي يوافق 21 مايو (أيار)، تناقلت صفحات سوشيالية كثيراً من الأمثلة والأشعار، بل الحكم والوصفات المرتبطة بالشاي، إلا أن حضوره في مصر يظل مرتبطاً بالطبقات الشعبية، أو ما يمكن تسميته «شاي الغلابة» الأكثر انتشاراً وحضوراً، ويعدّ جزءاً من الحصص التموينية، في مقابل الصرعات الجديدة والنكهات المستحدثة.
وانتشر الشاي في مصر بعد الاحتلال الإنجليزي في عام 1882، وتربط المراجع التاريخية بين الشاي ونفي الزعيم أحمد عرابي إلى جزيرة سيلان (سريلانكا حالياً)، حيث تعرّف هناك على هذا المشروب، ونقله معه إلى مصر، ليصبح مع الوقت الأكثر شعبية من المشروبات المحلية السابقة مثل القرفة والحلبة والكركديه والزنجبيل التي كانت منتشرة في المقاهي، حسب مراجع تاريخية متعددة.
يأتي الشاي من الشجرة المعروفة باسم «الكاميليا»، التي تعيش لفترات طويلة، وتزدهر زراعتها في الصين والهند واليابان، حيث تتطلب مناخات باردة. وتعود معرفة الشاي واكتشافه إلى الصين منذ نحو 5 آلاف سنة قبل الميلاد، وفق منظمة الأمم المتحدة التي عدَّته ثاني أكثر المشروبات استهلاكاً في العالم بعد الماء، وأكدت تخصيص يوم 21 مايو (أيار) للاحتفال بـ«اليوم العالمي للشاي»، لتعزيز الأنشطة الداعمة لإنتاج الشاي واستهلاكه، وإذكاء الوعي بأهمية الشاي في مكافحة الجوع والفقر، معتبرةً هذا اليوم بدايةَ موسم جني محصول الشاي، مع الإشارة إلى فوائده الطبية المتعددة.
وحسب الخبير السوشيالي، معتز نادي، في اليوم العالمي للشاي، اجتمع كثير من الحسابات على الاحتفاء بالمشروب الشعبي المعبِّر عن مزاج المصريين، فهذا يسأل عن عدد الأكواب التي يشربها وذاك يستفسر عمَّا يحبه من أنواعه الشهيرة، والتنافس بين الأحمر والأخضر والممزوج بالحليب.
فيما لفت مصطفى عبد الفتاح (خبير تسويق بالمعاش) إلى اعتياده تجريب كثير من النكهات الخاصة بالشاي، والأنواع الجديدة منه، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن معظم هذه الأنواع الجديدة الممزوجة بالنكهات لا توجد عادةً إلى في الأسواق التجارية الكبرى الأشبه بـ«المولات».
ووصلت واردات مصر من الشاي إلى أكثر من 314 مليون دولار عام 2022، وفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وفي الفترة الأخيرة مع تغير سعر صرف الدولار؛ يتراوح سعر كيلو الشاي من الأصناف الشعبية بين 300 و350 جنيهاً (الدولار يساوي 50 جنيهاً)، فيما تصل الأنواع المميزة ذات النكهات إلى أكثر من 400 جنيه للكيلوغرام. وأكدت شعبة البقالة والمواد الغذائية في بيان سابق، أن استيراد مصر من الشاي يصل إلى 6 مليارات جنيه سنوياً، وأن الأنواع الشعبية هي الأكثر تداولاً في الأسواق، وفق تقارير تجار الجملة.
وإلى جانب حضوره وصموده في البيوت المصرية، يحتل الشاي قيمة خاصة في المقاهي الشعبية، بل له أكثر من تسمية حسب الطريقة التي يُعدُّ بها؛ ومن بينها: الكشري، والخمسينة، والطيارة، والبنورة، والصعيدي... وغيرها من المسميات التي يذكرها نادي في كتابه «مطبخ مصر» الصادر عن دار «معجم» في القاهرة، موضحاً أن «الشاي تبوَّأ مكانة مميزة بوصفه مشروباً اجتماعياً شعبياً، على عكس القهوة التي يتم تقديمها للضيوف، وتحمل دلالات على الوجاهة الاجتماعية»، مؤكداً أن الشاي يظل المشروب المفضل للطبقات الشعبية خصوصاً في الأرياف.



