يرى الإعلامي اللبناني - الألماني جعفر عبد الكريم في التنوّع لمحاكاة أمزجة الجمهور، ضرورة قصوى. فالزمن يتقلَّب، وما اعتاد تقديمه عبر الشاشة غيُره ما تتطلّبه مواقع التواصل. إطلالته متعدّدة التوجّه. فمن خلال 3 برامج يُطلقها، يشاء جَمْع الإنسان بالآخر وخلق مساحة للتعبير والتشارُك. يُخبر «الشرق الأوسط» عن علاقة النجاح بالشغف، وعما لا يتحقّق من دون فريق يُساند وإيمان بالنفس.
يُعرِّف عن برنامجه «خطوة بخطوة» بأنه «جديد من نوعه»؛ فهو تلاقٍ إنساني عبر الألعاب. همُّ جعفر عبد الكريم واحد منذ إطلالته الأولى على الشاشة قبل 14 عاماً: الفرد. ولمزيد من التحديد؛ حقيقة الإنسان في عالم يمارس عليه الضغوط ويُشوّش جوهره. برامجه الثلاثة محاكاة لما يجمع وسط ما يُفرّق، فتتلاقى وُجهات النظر، ويوصل النقاش إلى قواسم مشتركة يظنّ كثيرون أنها ذهبت مع الريح وفُقد لها كلّ أثر.

تُقسم برامجه، وعنوانها «خطوة بخطوة»، و«افتح قلبك»، و«هذا سرّي»، بين أهداف لا تبدو متباعدة، وإنْ تنوَّع الأسلوب والشكل. الأول غرضه التعريف بالآخر والاقتراب نحوه خطوة تلو الخطوة، ليطرح الثاني موضوعات الزواج والعلاقات والحالات النفسية، متيحاً لضيوفه مجالاً للتعبير الصريح. ثالث برامجه يؤمّن للضيف حماية نفسية بحَجْب وجهه وإخفاء هويته، ليُجنّبه الأحكام والإدانة، ويمنحه مساحة ليُخبر عن سرّ آلمه أو حكاية لوّعته، لعلَّ الأعماق تستريح بالإخراج إلى العلن ما ظلَّ مستوراً ولم يجد مَن يُصغي إليه ويتفهّمه.
العرض عبر منصات «جعفر توك»، حيث نحو 8 ملايين متابع يراسلون ويتفاعلون ويشاركون الرأي والقصص. نوَّع لمخاطبتهم، وليشعروا بالانتماء إلى برنامج والتماهي مع فكرة. وبتطلّعه إلى النجاح والثقة، يشترط الشغف حيال مهنة يقول إنه يتنفّسها ولا يدرك جدوى الحياة من دونها. فالشغف شكَّل مساراً اتّبعه وآمن به، واليوم يُشدِّد عليه بوصفه سرَّ الاستمرار والمحبة.
يجد نفسَه في قناة «دوتشيه فيله» الألمانية ومنصّاتها، ويُخبر عن دفء تمنحه المؤسّسات لأصحاب العطاء فيها، فيُظهرون الأفضل من مهاراتهم ومواهبهم. يقول: «أنا عنصر من مجموعة، بنجاحها أنجح. كلما تماسك الفريق ودَعَمَت المؤسّسة، تحلّى النجاح بفرص. حين بدأتُ، أتعبني قلق الاستمرار. طرحتُ أسئلة حول ما أفعله وأريده. ثم تأكدتُ أنّ الشغف يهوّن التحدّيات».
تحوم برامجه الثلاثة حول إشكالية كيفية التعايش رغم الاختلاف والتنوّع؛ وتنضمّ إلى ما سبق أن قدّمه، خصوصاً في «شباب توك» و«جعفر توك». وهو إن انتُقد أو تلقّى أسهماً جرحت، ظلَّ واثقاً مما يفعل، وأكمل. ذلك لأنّ الإقناع بالألوان بدل اللون، والآراء بدل الرأي، أحياناً عملٌ شاق. ويقول إنه جلّاد نفسه، لا يتهاون معها؛ لذا يُجدِّد خشيةَ أن يُصاب بالاطمئنان إلى «النجاح الرتيب» والثابت على إيقاع مُتشابه: «أُجيبُ عن سؤال هل أخاف التجديد بعَكْسه. أخاف ألا أُجدِّد، فأرتاح إلى وضعية واحدة. العالم تغيَّر وأنا أيضاً. لا مفرَّ من مجاراة التغيير».

تُواجهه صاحبة السطور بنقد مفاده أنّ فكرة برنامجه «هذا سرّي» ليست جديدة، وقد دَرَجت فيما مضى برامج تعتمد الستارة لإخفاء الهوية أو التعديل في الصوت وتمويه الوجه، فأشارت أصابع إلى احتمال دسِّ الفبركة لتضخيم إثارة تلفزيونية. الوجوه بلا ملامح، والبعض يُفضّل السرد الصادم. جواب جعفر عبد الكريم أنّ هذه البرامج مطلوبة ولا يعتق. وهو تلقّى رسائل متابعين تسأله تقديم برنامج يتيح الحديث بصراحةٍ لا تتسبَّب بإدانة اجتماعية. ويتابع: «حتى اليوم، ثمة مَن يخافون إخبار القصص بصوت عالٍ. يُقلقهم حُكم المجتمع ونظرات الآخرين. لولا الحاجة إلى هذا البرنامج لما التحق بالبرامج الأخرى. إنه مساحة للمتردّدين ولمَن يعلمون أنّ الصدَّ نتيجة حتمية للبوح إنْ حصل. ثمة مَن يرفض قبل أن يسمع. الستارة تحمي».
وعن الصدقية، يؤكد كفالتها، «لالتزام مؤسسة (دوتشيه فيله) بالمعايير الصحافية؛ ولأنّ الضيف يُتابَع لأشهر قبل التصوير، فنتحقّق بقدر الإمكان من القصة». ويُكمل أنه يشاء من هذه الإتاحة بعض الشفاء للألم ومَنْح الجروح إمكان الالتئام بتشارُكها واحتضانها: «كلما أصغينا إلى الآخر سهُلَ فَهْمه وتقبّله».
يُعلن جعفر عبد الكريم أنه «ابن الشارع» بمعنى التفاعُل مع اختلاف البشر والأمزجة. تنقَّل بين الدول وفي المساحات العامة، واستمع إلى القصص: «عبَّرتُ عن جيل. مَن شاهدني قبل 14 عاماً وكان في الـ20، أصبح اليوم في الـ34. الشارع يُخمِّر التجربة».
ويرى في التعرُّف إلى الآخر وتقبّله تعرُّفاً إلى النفس وصَقْلها: «تحلُّ سعادةٌ وسكينة داخلية بإدراك ما نريد حقاً وما نحبّ بصدق. هذا الغنى الدائم».