من زِينة رمضان التي تُضيء القرى والحارات، إلى الإفطارات الجماعية التي تجاوز عُمر بعضها عقوداً، وأطباق الفطور التقليدية المتبادَلة بين العائلات، يُشكّل «رمضان القرية» منصّة بطابع مختلف للاحتفاء بالشهر الفضيل من خلال إحياء طقوس وعادات الاجتماعية تبرُز في القرى وتغيب عن المدينة، عاكسةً صورة التضامن بين المجتمع الواحد.
وقبل بدء شهر الصوم، يُزيِّن أهالي القرى الجدران والأحياء احتفاءً بالمناسبة، لتزدهر طوال لياليه تفاصيل الحياة، وينتعش الطابع الاجتماعي للقرية من خلال إبراز روح التضامُن بين الأهالي وتواصلهم عبر الطقوس والعادات التي ورثتها الأجيال وحافظت عليها على مرِّ السنوات.

«الإفطار الجماعي» شاهد على الالتزام
التزامٌ طويل عرفه كثير من القرى والحارات بعادة الإفطار الجماعي الذي يلتئم فيه أفراد القرية على مائدة واحدة تكون بمنزلة اجتماع سنوي لا يتغيَّب عنه أحد.
وانطلاقاً من مسجد القرية العتيق، أو جامع الحيّ الأكبر، يُحدّد الأهالي موعدهم السنوي لتشارُك لحظة الإفطار، ويُعاهد بعضهم بعضاً على التواصل والاطمئنان على الحال.
من هنا، يُخبر أحمد فيحان الذي يُنظِّم أحد أشهر الإفطارات في مسجد إحدى قرى جنوب غربي السعودية، عن تجربته في العمل على إبقاء هذه التظاهرة التضامنية حيَّة، وذلك منذ نحو 3 عقود؛ وقد تولَّى المَهمَّة نيابة عن أحد رجال الحيّ بعدما تقدَّم في السنّ؛ فيقول إنَّ الموعد السنوي للإفطار الجماعي في مسجد القرية يُعدُّ تقليداً متَّبعاً منذ 28 عاماً بلا انقطاع، باستثناء عامين بسبب جائحة «كورونا» التي عطَّلت الحياة.


الابتهاج في رمضان بروح التراث
وفي مركز «القحمة» شمال منطقة عسير، يحتفل الأهالي بشهر رمضان عبر إحياء كثير من عادات الشهر المُتناقَلة عبر العقود، مع إضفاء لمسة لتطويرها بروح متجدّدة، فتُعلَّق داخل الحيّ الزِينة والفوانيس والأنوار، وتكتسي المنازل والشوارع والأزقّة بحلَّة جديدة تُعمّق ارتباط الناس ببهجة الموسم.
وخلال شهر رمضان المبارك أيضاً، تتنافس الحارات داخل القرى في تزيين الأماكن العامة وإضفاء الطابع الفنّي عليها، مع تنفيذ لوحات تشكيلية مُستَمدة من تراث المكان تحاكي روح العصر. ذلك يُحوّل جدران المنازل داخل الأحياء واجهاتٍ فنيةً بمشاركة عدد من الفنانين التشكيليين ومواهب القرية الناشئين، إلى جانب إقامة أنشطة رياضية وترفيهية وثقافية مثل الألعاب الشعبية، مما يُعزّز الجهود المبذولة لإحياء التراث وتقديم تجربة مميّزة تُسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين الأفراد، وتُحيي التراث الثقافي للمنطقة، وتعكس روح الشهر الكريم.
ويحتفظ كثير من القرى بالأطباق الشعبية التقليدية؛ ومن خلال مناسبات الإفطار الجماعي، يتشارك أهالي كل قرية الوجبات التقليدية التي تتعرَّف إليها الأجيال الجديدة، فتعيد الاتصال بالموروث الاجتماعي والثقافي الذي احتفظت به القرى وتتزيَّن فيه خلال أيام رمضان ولياليه.