تزداد الأجواء بهجةً هذه الأيام في حارة «المظلوم» الواقعة بين حارتَي «اليمن» و«الشام» في المدينة التاريخية بجدة، مع تدفُّق الزوار إليها من مختلف الجنسيات للاستمتاع بالفعاليات الرمضانية والوقوف على أبرز معالم هذه الحارة وتاريخها الغني بالحكايات والأساطير.

ونُسجت حول الحارة حكايات خيالية تناقلتها الأجيال؛ منها الواقعة التي لم تُسجَّل في كتب التاريخ بخصوص رجل قتل زوجته من غير عمد، فنُفِّذ فيه القصاص واتّضح أنه مظلوم وهو ما دُوّن على الجدار، وكذلك قصة تعود إلى عام 1134، منسوبةً إلى مقتل عبد الكريم برزنجي الذي فرَّ من المدينة المنورة بعدما حُكم عليه بالإعدام في قضية أغوات المدينة المنوّرة ورجال الحامية.

هذه الحكايات خرجت على نطاق المدينة، لتلتحق بالآثار التي يضمّها الحيّ، منها مسجد الشافعي الأقدم في جدة، وبيت رجل الأعمال فرج يسر الذي أسهم في إصلاح العين القوصية في القرن 13 هجرياً، ومدارس الفلاح التي شُيِّدت قبل 125 عاماً، ويُرتقب تحويل جزء منها مزاراً سياحياً تعليمياً، إضافة إلى سوق البدو الأشهر بين الأسواق الواقعة بالقرب من باب مكة، الذي جذب سكان البادية. ذلك يُصاحب أحد أهم مواقع الاحتفالات بعيدَي الفطر والأضحى، «كدوة عواد»، غرب مدارس الفلاح.

وفي أيام رمضان، يُقبل الزوار على حارة «المظلوم» التي شهدت، أسوةً بقرى في المدينة التاريخية، فعاليات توزَّعت على جميع الأحياء، تشمل عروضاً ثقافية وتفاعلية في باحة الفلاح، تُحاكي تاريخ المنطقة وإفطار البلد، وسوق رمضان التراثية التي تعرُض منتجات حرفية ومأكولات تقليدية، مع فرصة تعلُّم فنون الخطّ العربي وصناعة الفخار؛ فيما تشهد الباحات ألعاباً جماعيةً وأنشطة تفاعلية للأطفال والعائلات.

ويضع كثيرٌ من الزوار في مخيلته أنه سيسمع أو يشاهد إحدى القصص المروية غير الموثّقة، وإنما خالد أبو الجدائل يُشدّد على أنّ كثيراً من الروايات مُختَلق، وليس له أساس من الصحة، وأنّ المصادر التاريخية هي الفيصل في إثبات أي رواية أو نفيها.

وقال أبو الجدائل، الباحث والمتخصِّص في تاريخ جدة، لـ«الشرق الأوسط»، إنّ محلة «المظلوم» تتميّز بموقعها الجغرافي وسط «الشام» و«اليمن»، موضحاً أنه يجب استعمال مفردة «محلّة» لأنها شمولية أكثر، وهي جزء من المدينة، بخلاف الحارة التي تكون جزءاً من الحيّ، كاشفاً عن أنّ المصادر التاريخية تختلف كثيراً في الاعتقاد السائد بأنّ التسمية تعود إلى الشيخ عبد الكريم برزنجي الذي فرَّ من المدينة المنوّرة بعدما حُكم عليه بالإعدام، عام 1134 للهجرة، وعثر على جثته في هذا الجزء من جدة القديمة، وإيماناً ببراءته، عُرفت المحلّة بـ«المظلوم».

وأضاف أنّ المصادر تُثبت غير ذلك، إذ بيَّن «الفضل المزيد على بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد»، للمؤلِّف وجيه الدين عبد الرحمن الديبع الشيباني، الصادر عام 1983، أنه ورد ذكر قبر الشيخ عبد الله المظلوم في حوادث عام 910 للهجرة، فيما أشارت إحدى المخطوطات إلى أنه لا يزال حياً، وسط قول أحد المصادر إنّ التسمية تعود إلى حوادث عام 927 المتمثّلة في حريق مركب عائد إلى أحد النواخذه وما كان يطلق عليه «الخواجا» السقطي، وأنهم استهتروا بالشيخ عبد الله المظلوم المدفون بجدة عندما طلب خادمه النذر منهم.

ولفت أبو الجدائل إلى أنّ جميع المصادر تؤكد على وفاة الشيخ عبد الله المظلوم، كما ذكر كتاب «السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة» لكاتبه عبد القادر بن فرج الشافعي عام 1010 للهجرة، إذ أشار إلى أنه كان في المنطقة رجل صالح محبوب عند الأهالي اسمه الشيخ عفيف الدين عبد الله المظلوم، وبعد وفاته سُمّيت الحارة باسمه من باب تسمية الحال، وأنّ موقع قبره كان داخل السور من جهة الشام، ما يؤكد أنّ تسمية الحارة كانت قديمة وسبقت جميع الروايات غير المؤرَّخة.