«نسمات أيلول»... كوميديا اليوميات الرتيبة والوقت الضائع

مسلسل سوري يُضحِك على مواقف يحكُمها اللفّ والدوران

نرى في الهَمّ الجماعي همّاً فردياً لمجرّد أنَّ منبعه العيش الصعب («فيسبوك» رشا شربتجي)
نرى في الهَمّ الجماعي همّاً فردياً لمجرّد أنَّ منبعه العيش الصعب («فيسبوك» رشا شربتجي)
TT
20

«نسمات أيلول»... كوميديا اليوميات الرتيبة والوقت الضائع

نرى في الهَمّ الجماعي همّاً فردياً لمجرّد أنَّ منبعه العيش الصعب («فيسبوك» رشا شربتجي)
نرى في الهَمّ الجماعي همّاً فردياً لمجرّد أنَّ منبعه العيش الصعب («فيسبوك» رشا شربتجي)

يُخفِّف المسلسل السوري «نسمات أيلول» ثقل هذه الأيام المفتوحة على الاحتمالات. هو بسمة الموسم الرمضاني واللفتة التي لا يتطلَّب انتظارها تفكيراً طويلاً. نُشاهد لرغبة في المشاهدة ولحاجة إلى قشَّة تُلوّح بالنجاة. فالضحكات، حتى تلك الهشّة، عَوَض. والعمل «خفيف» من دون أن يفقد قيمته. يمنح المرء احتمال الانسلاخ عن اختناقه. بعضُ أحداثه لا يُذكر لاستراحته على السطح، لكنه ضروري لصرفه عن غرقه.

العلاقة بالمسلسل عاطفية مردّها التوق إلى مُتنفَّس («فيسبوك» رشا شربتجي)
العلاقة بالمسلسل عاطفية مردّها التوق إلى مُتنفَّس («فيسبوك» رشا شربتجي)

مسرح المسلسل ريفيّ، حيث للحياة إيقاعها وللبشر نظرتهم إلى جدوى الوقت. تُصوِّر المخرجة رشا شربتجي مع شقيقها يزن شربتجي الهموم واللاهموم، مُقدّمةً إطاراً بصرياً ملائماً لسير الأحداث من دون تسارُع كما تمضي الأيام المُتشابهة. فالمشهد الريفي يمنح إحساساً بالسكينة الداخلية ويُوجِّه حركة المواقف بدورانها وثباتها، تاركاً وَقْعَه في مجريات أحوال الشخصيات. تطلّ صباح الجزائري بشخصية تُخرجها من نمط الأعمال الشامية والحضور العابر في الدراما المُعرَّبة. دور الجدّة «أمينة» يُذكّر بالجدّات الحبيبات. بظهورها المريح تُحرّك العاطفة حيال مَن نناديهنّ «تيتا»، بأثرهنَّ الباقي وإنْ غادرنَ الأرض.

شخصية صباح الجزائري تُخرجها من نمط الأعمال الشامية («فيسبوك» رشا شربتجي)
شخصية صباح الجزائري تُخرجها من نمط الأعمال الشامية («فيسبوك» رشا شربتجي)

نصّ علي معين صالح ليس غبياً. الكوميديا خطرة، ويدرك الخطورة. يعلم أنه أمام امتحان 30 يوماً رمضانياً، والمُشاهد لا يرحم عندما يتعلّق الأمر بالضحكات. يريدها طوال الوقت. ويرفض خَفْض سقفها. اليوم، ونحن في منتصف الطريق نحو وداع الشهر، يمكن على الأقل إنصاف المسلسل والاعتراف له بفضل. ولا بأس بالتصفيق لشخصياتٍ وحلقات. فذلك مُستحق، من دون الادّعاء بأنّ إيقاعه التصاعدي لا يُصاب بارتباك ويتعرّج أحياناً.

في البداية، أمكن تقبُّل أن نضحك حتى على ما لا يُضحك! فالعلاقة بهذا المسلسل عاطفية، مردّها التوق إلى مُتنفَّس. ووسط ضجر تُكرّسه أعمال رمضانية، وكآبة توقظها أخرى تُحركش في بشاعة الحال، يشاء «نسمات أيلول» أن يكون الضيف اللطيف الذي تستقبله المنازل وتشتهي زيارته المقبلة.

تُخبر الحلقات حكايات عائلة ريفية من جدّة وأبناء وأحفاد لا يزالون يحافظون على الاجتماع والتلاقي. وجهان يُجدِّدان حضورهما خارج القوالب المُنتَظرة: نادين تحسين بيك بدور «رلى»، وملهم بشر بدور «نورس». حتى الآن، صدّقنا الموقف المُضحك وهو يتحوّل لحظةً مُنتَظرة. فمنذ قدومها إلى منزل جدّتها من الغربة، والأحداث تُبيّن الشرخ في النظرة إلى الحياة والعلاقات وحقوق الإنسان. يُعلَّب الجدّ بالمزاح، وتُغلَّف اللطشة بالوضعية المريحة، فيُقهقه الوجع ويرقص الطائر المذبوح من الألم. ذلك نتيجته تشكُّل مرآة عاكسة، فنرى في الهَمّ الجماعي همّاً فردياً، لمجرّد أنه حقيقي منبعه العيش الصعب.

العمل «خفيف» من دون أن يفقد قيمته («فيسبوك» رشا شربتجي)
العمل «خفيف» من دون أن يفقد قيمته («فيسبوك» رشا شربتجي)

حفظنا جيداً تعابير الشخصيات ووظيفتها الكوميدية، وهنا نقطة ضعف المسلسل. ولكن ماذا لو كان ذلك مُتعمَّداً لتأكيد الوقت الضائع؟ نعلم أنّ «نورس» و«شاهين» (درويش عبد الهادي) سيكرّران كلّ ما يُثبت نظريتهما بأنّ «العائلة وسخة». فهذه العبارة تُحرّك السياق حدَّ أنه أحياناً يدور حولها. لكنْ ما يشفع هو أنّ الضحك يظلّ ممكناً، ويملك هزيمة الرتابة.

والشخصيات تمثّل هواجس الشباب السوري والعلاقة الشائكة بين الأجيال. فإذا كان الاهتمام بالتعليم بلغ حدَّ «الهوس» بالنسبة إلى جيل الآباء، فإنّ احتدام الصراع حول تحديد مفهوم الفشل يطلُّ من المقلب الآخر مُخفَّفاً على شكل ضحكة. وهو صراع تُعمّقه الفجوة العُمرية والشرخ الهائل في قراءة الأولويات. وبينما الآباء «ينتقمون» من فشل الأبناء في الدراسة والوظيفة، بالترويج للإهانة على أنها السبيل الوحيد لرفض الواقع، نسمع مفردات التشفّي والرفض في محاولة عكسية لتعويض التقصير وإنكار الأسباب المؤدّية إلى فظاعة النتيجة.

العلاقة بالمسلسل عاطفية مردّها التوق إلى مُتنفَّس («فيسبوك» رشا شربتجي)
العلاقة بالمسلسل عاطفية مردّها التوق إلى مُتنفَّس («فيسبوك» رشا شربتجي)

المجموعة متكافئة في تجسيد يوميات سوريّ لا يفعل شيئاً بالضرورة. ينتظر فقط، وغالباً لا يعلم ما ينتظره. «دارين» (رواد علليو) حائمة في التيه بابتسامة تسكُن وجهها. «منهل» (إبراهيم شيخ إبراهيم بدور لافت) في وضعية تصدٍ دائم لنبذه، يقترب من دون أن يتقدّم خطوة. «أيهم» (محمد حداقي المتألّق) المتورّط بالعبارة نفسِها والمسلسل نفسِه. يُحقِّر الآخرين وهو يضحك، كأنه لا يجيد سوى الالتفاف في الدوّامة، ثم يعود لمشاهدة «صراع العروش» لمزيد من التحسُّر على ما لن يكونه.

تتعدُّد الشخصيات المحكومة بالدوران في عنق زجاجة، فنرى «فهد» (مصطفى المصطفى) بانفعالات واحدة؛ حادّ، لكنه مُضحك. ومعه مَن يمتهنون أدوارهم المتورّطة أيضاً في النسق: حسين عباس بشخصية «فواز»، وعلي صطوف بشخصية «نبيل»، وسوسن أبو عفار بشخصية «ريماس»، مع كرم شنان بدور «توفيق»، وغزوان صفدي بشخصية «معتز». رفيق رايقة الملقَّب بـ«زهرة البابونج» في المسلسل كاراكتير بين اللافتين. الجميع يُمثّل بمهارة.

بعد دور «جاويش» الشاقّ في مسلسل «مال القبان» (رمضان الماضي)، يتحوّل ملهم بشر من اختزال للقهر الإنساني إلى «بائع الدنيا بقشرة بصل». ومن خلال الاستخفاف الظاهر، تُمرَّر رسائل في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتعليم. يغيب الذِكْر المباشر للحرب، فيظهر الإحباط والكسل وفقدان الأمل وجوهاً أخرى لهذه التعاسة الباهظة. صباح الجزائري ونادين تحسين بيك ممتعتان في الخصام والمودّة.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق مدحت صالح يختتم ليالي الأوبرا الرمضانية (وزارة الثقافة المصرية)

مدحت صالح يُسدِل ستارة حفلات «ليالي رمضان» مُقدِّماً جميل أغنياته

شدا مدحت صالح على المسرح الكبير في الأوبرا بأشهر أغنياته برفقة عازف البيانو والموزّع الموسيقي عمرو سليم، والفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو أحمد عامر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تاريخ من العراقة والحكايات (تصوير: غازي مهدي)

«المظلوم» في جدة... حارةٌ كثُرت حولها الأساطير والحكايات

في أيام رمضان، يُقبل الزوار على حارة «المظلوم» التي شهدت أسوةً بقرى في المدينة التاريخية فعاليات توزَّعت على جميع الأحياء، تشمل عروضاً ثقافيةً وتفاعليةً.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق ميدان «المصليات» في المدينة المنورة (واس)

ميدان «المصليات» معلم تاريخي يقصده أهالي وزوّار المدينة المنورة

يعدّ ميدان «المصليات» الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي، أحد الأماكن التاريخية بالمدينة المنورة، وكان يصلي فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مسجد الرفاعي حظي بتصميم معماري مميز (وزارة السياحة والآثار)

مساجد مصر الأثرية تتصدر الوجهات السياحية خلال رمضان

في ليالي رمضان، يصبح لمساجد مصر الأثرية طابعها الخاص المميز؛ تلك المساجد التي تشهد صلاة التراويح، والتفرغ للعبادة خصوصاً في العشر الأواخر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

بلاغ للنائب العام في مصر يطالب بوقف مسلسل «سيد الناس»

مسلسل «سيد الناس» يواجه اتهامات في بلاغ للنائب العام  (الشركة المنتجة)
مسلسل «سيد الناس» يواجه اتهامات في بلاغ للنائب العام (الشركة المنتجة)
TT
20

بلاغ للنائب العام في مصر يطالب بوقف مسلسل «سيد الناس»

مسلسل «سيد الناس» يواجه اتهامات في بلاغ للنائب العام  (الشركة المنتجة)
مسلسل «سيد الناس» يواجه اتهامات في بلاغ للنائب العام (الشركة المنتجة)

في خطوة تصعيدية ضمن توابع الاعتراضات على بعض موضوعات الدراما الرمضانية، تَقدَّم محامٍ مصري ببلاغ للنائب العام، يطالب فيه بوقف مسلسل «سيد الناس»، موجهاً إليه اتهامات بـ«ازدراء الأديان» والإخلال بالقيم المجتمعية.

وأكد المحامي المصري، صبرة القاسمي، أنه تقدَّم ببلاغ للنائب العام المصري المستشار محمد شوقي، مطالباً بوقف عرض المسلسل، وحذف ما عُرض منه مخالفاً للعادات والتقاليد المصرية. ودعا في منشور على صفحته بـ«فيسبوك»، السبت، إلى «محاسبة كل مَن تجاوز في حق الذات الإلهية، والأديان السماوية، ومجتمعنا المصري الأصيل».

ووجَّه المحامي بلاغه ضد الفنان أحمد رزق، والمخرج محمد سامي، والمنتج صادق أنور الصباح، بوصفهم المسؤولين عن مسلسل «سيد الناس»، متهماً العمل بـ«ازدراء الأديان والإساءة للذات الإلهية». بحسب وسائل إعلام محلية.

واستشهد المحامي في بلاغه بمشهد للفنان أحمد رزق، يقول فيه إنه بحث كثيراً عن فتوى تسمح بزواج الابن من أرملة أبيه ولم يجد، وإنه يفكر أن يقوم هو بإعلان هذه الفتوى بنفسه ويتحمل مسؤوليتها، وأبدى رغبته في فعل أي شيء مقابل الزواج من أرملة أبيه، مشيراً إلى أرملة أبيه بوصفها «أهم وأقيم إرث تركه لنا الوالد».

مشهد من مسلسل «سيد الناس» (الشركة المنتجة)
مشهد من مسلسل «سيد الناس» (الشركة المنتجة)

وعدّ مقدم البلاغ العبارات التي تضمَّنها المشهد في الحلقة الثامنة من المسلسل «تسيء للذات الإلهية بدعوة قدرة الفنان المذكور على التشريع الإلهي، وتحليل ما حرمه الله وجعله محارم مقدسة، ويضرب بالأديان السماوية والقيم والأعراف الدينية والمجتمعية عرض الحائط، ويدعو إلى الفسق والفجور».

وطالب البلاغ بمنع عرض مسلسل «سيد الناس»، وحذف مقاطع الفيديو، التي تتضمَّن المحتوى المسيء، من وسائل التواصل الاجتماعي، والتحقيق مع الفنان أحمد رزق والمخرج محمد سامي والمنتج صادق أنور الصباح ومعاونيهم، بموجب مواد محددة في القانون المصري.

مسلسل «سيد الناس» من بطولة عمرو سعد، وأحمد رزق، وإلهام شاهين، وتأليف ورشة كتابة وإخراج محمد سامي، ومن إنتاج صادق أنور الصباح. وتدور أحداثه حول شخصية «الجارحي أبو العباس» التي يؤديها عمرو سعد، حيث يجد نفسه في صراعات، وفي مواجهة أعداء وماضٍ غامض لوالده الذي توفي وترك له ثروةً كبيرةً.

ويعدّ هذا البلاغ امتداداً للانتقادات التي طالت الدراما الرمضانية في مصر، حيث شرعت أكثر من مؤسسة في التحرك بلجان ومؤتمرات لـ«ضبط أداء الدراما» لتعبِّر عن المجتمع المصري، وفق توصيات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتوجيهات للجهات المعنية من رئيس الوزراء المصري في أحد الاجتماعات الرسمية.

وسبق أن وجَّه المحامي والإعلامي المصري خالد أبو بكر رسالةً إلى وزير الداخلية منتقداً فيها ما تتضمنه المسلسلات التي تُعرَض في رمضان من عنف وبلطجة، مؤكداً أن هذه الأعمال لا تعكس واقع المجتمع المصري، بل على العكس تنعكس عليه ويتأثر بها المجتمع.

وتعرَّضت أعمال درامية في رمضان لأزمات مشابهة منها مسلسل «شهادة معاملة أطفال» من بطولة محمد هنيدي، إذ طالب وكيل نقابة المحامين، في بلاغ للنائب العام، بوقف عرض المسلسل؛ لما يتضمَّنه من تصدير صورة سيئة للرأي العام عن مهنة المحاماة، عبر شخصية محامٍ فاسد.