لِمَ بالكاد تَعلق أغنية اليوم ومعظمها فقّاعي؟

مدرّب الصوت طوني البايع لـ«الشرق الأوسط»: الواقع الجديد عالمي

يدرك أنّ ما عُرف بـ«العصر الذهبي» انطوى مع الأمس وذكرياته (حساب طوني البايع على فيسبوك)
يدرك أنّ ما عُرف بـ«العصر الذهبي» انطوى مع الأمس وذكرياته (حساب طوني البايع على فيسبوك)
TT
20

لِمَ بالكاد تَعلق أغنية اليوم ومعظمها فقّاعي؟

يدرك أنّ ما عُرف بـ«العصر الذهبي» انطوى مع الأمس وذكرياته (حساب طوني البايع على فيسبوك)
يدرك أنّ ما عُرف بـ«العصر الذهبي» انطوى مع الأمس وذكرياته (حساب طوني البايع على فيسبوك)

على سبيل المزاح، والجدّية أيضاً، يسأل مدرّب الصوت اللبناني، طوني البايع، الاتصال به بعد 10 سنوات لإجراء الحوار. وإذا كانت سرعة العصر وزمن الرقمية يبدّلان اتجاهات ويصنعان مسارات، فإنه يعترف بالحقيقة من دون إطاحة أغنيات تُحقّق مشاهدات قياسية، ونكران واقعها. في حواره مع «الشرق الأوسط» بشأن مصير الأغنية اليوم، ولِمَ بعضها عابر وفقّاعي، يُحلّل أسباباً تجعلها قصيرة العمر؛ بالكاد تَعلق.

يُسمّيها «هبّات» تلك الأغنيات التي تُظهر حالة عَصْف ثم تَهْمَد. تبدأ بزخم وتنتهي بضآلة الأثر. ويُشبّه مَشهدها بمَن يفتتح مطعماً لبيع البيتزا مثلاً، ويتهافت الزبائن عليه لتميُّز الخلطة، وبعد العام الأول؛ يُهجَر. أما مطاعم مضى على افتتاحها 30 عاماً، فلا تزال تزدحم حتى آخر مقعد. برأيه؛ «الواقع الجديد عالمي، وليس عربياً فقط. لنأخذ روائع مثل (وِذَاوِتْ يُو) لماريا كيري، أو (إتْس ناو أُورْ نِفَر) لإلفيس بريسلي... هذه لا تُولّدها أيامنا. ورغم المشاهدات القياسية لأغنيات هذا العصر، فإنها بالكاد تدوم؛ لحقيقة أنّ الجديد يتبعه جديد، والعجلة تسير بسرعة مجنونة».

لا يُنكر واقع أغنيات العصر ولا ينسف وجودها (حساب طوني البايع على فيسبوك)
لا يُنكر واقع أغنيات العصر ولا ينسف وجودها (حساب طوني البايع على فيسبوك)

يتحدّث طوني البايع عن الاستمرار الصعب... «حتى المغنّين الكبار تؤرقهم السوق لتحكُّمها في المزاج وفَرْض شروطها. طابعها التجاري يغلب الفنّي. إرضاء جيل (تيك توك) هاجس الجميع تقريباً، و(الترند) سيد المشهد. المفارقة أنّه جيلٌ يرضى بما يُقدَّم له. قلّما ينتقد أو يُصوِّب... ثقافته ضئيلة، ولم يطَّلع على القديم».

يبدو أنه يهوى التشبيه بحسٍّ مَرِح: «إن ارتأى الجيل الجديد ارتياد حفل زفاف بالشورت، لحقه الفنانون! ما وظيفة فساتين الأعراس؟ لِمَ وُجدت الأقمشة؟ ذلك يطغى في الغناء بما يفوق وَقْعه في الرسم أو المسرح مثلاً. لقراءة النصّ المسرحي، لا بدّ من أداء مُتقَن. جمال الممثلة لا يحسم المعادلة. الغناء يشهد الانجراف خلف موجة هي المُسيطرة».

يدرك أنّ ما عُرف بـ«العصر الذهبي» انطوى مع الأمس وذكرياته. لا جديد في مسألة نَعْيِه أو الترحُّم عليه... أَفَل، ولن ينفع التباكي شيئاً. مع ذلك، لا يستعجل مدرّب الصوت وخبير الفوكاليز تقييم هذا الزمن. فهو ليس متفائلاً بالمطلق، لكنه لا يُفرط في التشاؤم. يقول: «لن نفهم واقع الأغنية اليوم، فالمسألة تتطلّب عقداً أو عقدين لإجراء تقييم عادل. الغربال شغَّال». ولكن، ماذا لو أتى جيلٌ بعد 20 عاماً ورأى في غناء اليوم «زمناً جميلاً»؟ ردُّه: «لن يُصنَّف كذلك، وإنما سيُقال عن الجيّد جيّد، وعمَّن استمرَّ وأعطى إنه ترك بصمته».

لا يستعجل مدرّبُ الصوت وخبير الفوكاليز تقييمَ هذا الزمن (حساب طوني البايع على فيسبوك)
لا يستعجل مدرّبُ الصوت وخبير الفوكاليز تقييمَ هذا الزمن (حساب طوني البايع على فيسبوك)

يُذكّر بأغنية «لمّا بمشي عالرصيف» للفنانة ميشكا، لتعريف «الترند»: «كانت لافتة في عصرها، وهي اليوم من أغنيات الثمانينات التي نحبّ. (الترند) ليس واقعاً جديداً، إنما جديده الخواء من الفكرة. أغنية (قومي تَنرقص يا صبية) لسامي كلارك (ترند). و(كان الزمان وكان) لفيروز. كلها درجت وتحلّت بموضوع منحها قيمة».

قراءته النقدية لا تجعله يُعلن الإصابة بخيبة. بالنسبة إليه؛ «الفنّ بخير». يعطي ماجدة الرومي مثالاً: «حين تتغيَّر، فسأعلن يأسي. حتى الآن، ثمة ما يُعوّض ويُحسَب. ثم؛ فلنكن واقعيين: أي أغنية رسخت لسيلين ديون من جديدها؟ أو لكريستينا أغيليرا؟ حتى ماريا كيري، خارج ألبومها الميلادي الذي يُعاد تذكير الجيل الشاب به عشية أعياد الميلاد كل عام، لم تقدّم مؤخراً ما يَعلق. ذلك لا ينسف التاريخ والمسيرة. كلاهما مضيء ومُكرَّس. لكنه الواقع الجديد ومزاج السوق».

لنتحدَّث عربياً؛ أيُّ الأغنيات سيُنصفه الغربال؟ والتاريخ إنْ شاء خطّ سطوره بعد عقد أو اثنين، ماذا سيدوّن؟ يجيب من دون حصر: «(يا ضلّي يا روحي) لوائل كفوري (ترند) على الدوام. (حدا عارف) لآدم، من كلمات مروان خوري وألحانه، أيضاً. ستُذكَر وإن دَرَجت عبر (تيك توك). (مغرم) لجاد نخلة، و(يا غالي عليّ) لنانسي عجرم، تدخلان ضمن صِنف يُذكَر».

ويستغرب كيفية تلقّي أُذن الإنسان الضخّ الهائل للأصوات في زمن السرعة والأجهزة. وإذ يُحزنه لَهْوُ الأطفال خارج الطبيعة وعصافيرها والأرض وكرة القدم، يرى أنّ الإشكالية تبدأ من هنا. فتَعوّدهم على الجاهز والسريع يُهوّن قبولهم بالمُتاح والسهل. يتابع: «لنكن أكثر إنصافاً، لا يُلام الفنان وحده طوال الوقت. دعونا لا ننسى مسألتَي الكلمة واللحن. معظم ما يُغنَّى اليوم من نوع (خانني وخنته/ تركني وتركته). في (من أيّا ملاك جايب هالحلا) لعازار حبيب مثلاً، قُدِّم الحبّ بعمق. بات هاجس اللحاق بـ(الترند) يحكُم الكتابة والموسيقى».

المسألة تتطلّب عقداً أو عقدين لإجراء تقييم عادل (حساب طوني البايع على فيسبوك)
المسألة تتطلّب عقداً أو عقدين لإجراء تقييم عادل (حساب طوني البايع على فيسبوك)

لا يطلب طوني البايع من الجميع التحلّي بحنجرة أم كلثوم. برأيه؛ «في عصرها حضرت شادية أيضاً، وشكّلتا مشهدية فنّية لائقة». ويعلم أنّ محاكاة الشباب واقع لا مفرّ منه؛ لكنّ الكيفية تصنع الفارق. يذكُر تأثّر جيل السنوات الـ10 الأخيرة بطلاب «ستار أكاديمي» مثلاً، لما شكّلوه من محاكاة لامستهم. ويرى أنّ البحث عن جديد هاجس كل الأجيال، وهذا بديهي: «رونالدو وميسي قدوة الشباب ومُلْهِماهُم. السابقون اتّخذوا بيليه أو مارادونا نموذجاً. الهوية تُميّز الفنان، والمعرفة أيضاً. وإنما التشابُه يسود؛ والاستسهال. كان كاتب الأغنية يبحث ويتعمَّق. البحث اليوم غير موجود».


مقالات ذات صلة

ليلة طربية لرابح صقر تُحلّق بجمهور «موسم الرياض»

يوميات الشرق رابح صقر على «مسرح محمد عبده أرينا» (روتانا)

ليلة طربية لرابح صقر تُحلّق بجمهور «موسم الرياض»

وسط التصفيق والحفاوة، اعتلى الفنان الخشبة وردَّ التحية، معلناً بدء ليلة طربية تُشبه لونه المختلف في الغناء والأداء، ضمن أجواء فريدة شهدها المسرح.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الملصق الدعائي لحفل تامر حسني (الشركة المنظمة)

حفلات «عيد الحب» لاستعادة بريقها في مصر

يسعى منظمو حفلات، ومطربون مصريون، لاستعادة بريق حفلات عيد الحب، عبر عدد من الفعاليات الكبرى التي يحييها نجوم الغناء، بدايةً من مساء الخميس الموافق 14 فبراير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان محمد العزبي قدَّم أغنية «الأقصر بلدنا» مع فرقة رضا (يوتيوب)

الأوبرا المصرية تحتفي بمشوار «سلطان الموَّال» محمد العزبي

تحتفي الأوبرا المصرية بالذكرى الـ12 لرحيل «سلطان الطرب»، أو كما وصفته «سلطان الموَّال»، الفنان المصري محمد العزبي الذي ترك بصمة لا تُنسى في مسار الأغنية الشعبية

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق أم كلثوم غنّت العديد من القصائد (وزارة الثقافة المصرية)

لماذا لم تشدُ «كوكب الشرق» بقصائد أحمد شوقي في حياته؟  

مع الاحتفاء المصري بـ«كوكب الشرق» أم كلثوم في الذكرى الخمسين لرحيلها، وتخصيص وزارة الثقافة «2025 عام أم كلثوم»، توالت البرامج الفنية والثقافية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق متحف أم كلثوم (الشرق الأوسط) play-circle 01:38

متحف «كوكب الشرق» يروي «سيرة الحب»

يتشوق محبو «سيدة الغناء العربي» لرؤية المقتنيات التي لطالما اعتادوا على مشاهدتها في الأفلام والحفلات.

عبد الفتاح فرج (القاهرة )

شتاء «421 للفنون» يطوف بين الذاكرة والذكريات

الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
TT
20

شتاء «421 للفنون» يطوف بين الذاكرة والذكريات

الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)

اتخذ «مجمع 421 للفنون» في أبوظبي من «الذاكرة والذكريات» عنواناً لموسمه الشتوي لعام 2025، الذي انطلق في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي ويستمر حتى 21 مارس (آذار) المقبل.

وضمن برنامج «421 للفنون»، وهو منصة في أبوظبي مستقلة مخصصة لدعم الممارسات الإبداعية الناشئة، أكثر من 30 ورشة وفعالية خاصة تركز على الأنشطة اللطيفة والحسية التي تعزز مساحات التجمع، والترميم، والشعور الجماعي بالتجديد. لكن النشاط الأساسي يرتكز على معرضين؛ الأول للفنان الإماراتي عبد الله السعدي بعنوان: «أماكن للذاكرة... أماكن للنسيان»، والثاني للفنانة آلاء عبد النبي بعنوان «ذكرياتك عني كفاية؟».

وفي حين يتضمن معرض السعدي حصيلة أكثر من 40 عاماً من ممارسته الفنية، فإن عبد النبي تقدم معرضاً فردياً هو الأول لها، وهي أيضاً من المشاركين في «برنامج التطوير الفني لعام 2025».

السعدي وعالمه المتخيّل

الفنان الإماراتي عبدالله السعدي (وام)
الفنان الإماراتي عبدالله السعدي (وام)

يقدم السعدي في معرضه، الذي يضمّ 10 من أعماله، تأملاً في مسيرته الفنية التي تمتدّ لعقود، عبر نسخة صُممت خصيصاً لأبوظبي وجمهور الإمارات من المعرض الذي أقيم لأول مرة بالجناح الوطني لدولة الإمارات في «بينالي البندقية للفنون» عام 2024.

السعدي، وهو فنان تحمل ممارسته الفنية ملامح فريدة في قيامه بدور الرحالة والمؤرخ ورسّام الخرائط والشاعر، يدعو الزائر إلى التأمل في تشابه نهج ممارساته الفنية المعاصرة مع العملية الإبداعية للشعراء في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.

من أعمال الفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)
من أعمال الفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)

في أثناء الرحلة التي تستمر أياماً عدة، يخيّم السعدي في البرية، وبشكل تدريجي، يتولد إحساسه بالتوحد مع الطبيعة، وعندها فقط يبدأ الرسم أو الكتابة على قماش اللوحات أو الأوراق، في تطابق مع الممارسة الإبداعية للشعراء العرب القدماء حين كانوا يخرجون ويرتحلون؛ وعند الشعور بانغماسهم في الطبيعة يبدأون نظم الشعر. يرحل السعدي وحيداً، بمصاحبة كتاب عن موضوع محدد، أو مع حيوانات أليفة، أو وسيلة تنقل. ينعكس الوجود الحميمي لرفقاء السفر هؤلاء بشكل واضح في الأعمال الفنية التي تكتشف الأرض والمكانة التي يحتلها الإنسان فيها.

عمل للفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)
عمل للفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)

لا تظهر الطبيعة في أعمال السعدي بهدف التوثيق، ولا تتضمن رسوماته ولوحاته، التي تشبه الخرائط، جميع العناصر المكانية والطبيعية من جبال وصحراء ووديان، بل يخلق السعدي عالماً متخيلاً خاصاً به تحتضنه تلك الطبيعة، التي لا تخلو من عناصر من الحياة المعاصرة. فهو يختار بشكل واعٍ ودقيق الأماكن التي يحتفظ بها في لوحاته، وتلك التي تذهب طي النسيان، كلُّ ذلك ضمن عملية إبداعية فكرية وجمالية، وحسية وعاطفية في الوقت نفسه.

أعمال للفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)
أعمال للفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)

يدعو المعرض الزائر إلى الدخول في ذلك العالم الاستثنائي الذي ابتكره السعدي، والتجول بين معالمه الفريدة والغنية. ففي هذه الرحلة، يسلك الزائر مساراً يشابه الطرق التي يرسمها عبد الله في لوحاته، ليكتشف عبره الأعمال الفنية المعروضة. في أجواء شبيهة بالاستوديو الخاص بالسعدي في خورفكان، يكشف الممثلون الذين يوجدون باستمرار في المعرض الأعمال الفنية المخفية في الصناديق ويتفاعلون مع الزوار، ويخبرونهم القصص ويقدمون لهم المعلومات عن رحلات الفنان والذاكرة الجماعية التي يستدعيها إلى الحاضر ويحرص على الاحتفاظ بها والحفاظ عليها للمستقبل.

عبد النبي و«الأسد البربري»

الفنانة آلاء عبد النبي تتحدث لزائرين عن بعض أعمالها في المعرض (421 للفنون)
الفنانة آلاء عبد النبي تتحدث لزائرين عن بعض أعمالها في المعرض (421 للفنون)

أما معرض عبد النبي فيذهب إلى مكان مختلف تماماً؛ إذ تقدم مجموعة أعمال تستكشف مفهوم المحاكاة أو «التشابه الزائف» من منظور نقدي، بوصفه مفهوماً يُستخدم في الفلسفة والدراسات الثقافية بهدف تحليل تأثير الرموز على إدراكنا لما يعدّ «حقيقياً». وتسلط أعمالها الضوء على الطرق التي حُفظت بها الأيقونات ورُممت عبر عصور تاريخية مختلفة. وانطلاقاً من حفظ هذه الرموز في الأعمال الفنية، والمتاحف، والمساحات العامة، تستقصي الفنانة تأثيرها ودورها في تشكيل السرديات الثقافية والسياسية في المستقبل​.

الأسد البربري أحد أعمال الفنانة آلاف عبد النبي في المعرض (421 لفنون)
الأسد البربري أحد أعمال الفنانة آلاف عبد النبي في المعرض (421 لفنون)

تستدعي هذه الديناميكية فكرة الفيلسوف جان بودريار الذي يرى أن وجود الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا يستلزم «موت» موضوع الدراسة مجازياً، وفي هذا السياق، يتحول الشيء الذي كان نابضاً بالحياة ومترسخاً من الناحية الثقافية إلى قطعة أثرية جامدة ومجردة من وظيفتها أو معناها الأصلي، لكنها تواصل التأثير بوصفها محاكاة رمزية.

وفي هذا المعرض تشكل قصة «الأسد البربري» محور هذه الاستقصاء، فواقع انقراضه وخلوده الرمزي يجسّد تجسيداً مثالياً هذه الظاهرة؛ إذ إن «الأسد البربري» الذي كان يسكن شمال أفريقيا انقرض جرّاء حملات الصيد التي شنتها القوى الاستعمارية، ليصبح ضحية للدمار البيئي وتجسيداً لفرض الهيمنة الاستعمارية على الطبيعة. ولكن حتى بعد موته، يظل «الأسد البربري» حاضراً بوصفه رمزاً قوياً للعظمة وأيضاً للسلطة الإمبريالية.

الحسن والروح التأملية

الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض 421 فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض 421 فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)

فيصل الحسن، مدير «مَجمع 421 للفنون»، تحدث عن المعرضين قائلاً: «يعكس كلا المعرضين روحاً تأملية تتحدى الوضع الراهن من منظورين مختلفين تماماً، فمعرض عبد الله السعدي يعبر عن أكثر من 40 عاماً من تاريخ الفن المعاصر الإماراتي، ويقدم نظرة دقيقة على تأثير المناظر الطبيعية في الإمارات على ممارسته الفنية على مدار السنين. لطالما كان قربه من البيئة الطبيعية قوة جوهرية في عمله. ومن المهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، تقديم معارض تمنحنا الفرصة للتفكير بشكل أعمق في العالم من حولنا، ومكاننا فيه. أما آلاء عبد النبي، فتقدم في معرضها دراسة معبّرة عن الحفاظ على الأيقونات وترميمها عبر مختلف الفترات التاريخية، فتطرح من خلالها أسئلة مهمة بشأن كيفية استمرار الرموز واكتسابها معاني جديدة عند إعادة تقديمها في سياقات معاصرة». وأضاف الحسن: «إنه لمن دواعي سروري أن نقدم هذا البرنامج الجديد لأفراد مجتمعنا، وأن ندعم الفنانين والمبدعين الذين يشكلون جزءاً جوهرياً منه».

أنشطة مصاحبة

يصاحب المعرض كثير من الأنشطة والأدوات المصممة خصيصاً لجمهور الشباب؛ لتفتح لهم كثيراً من الأبواب لدخول عالم الفن المعاصر، وتتضمن جولات صوتية للبالغين والأطفال، وكتب الشعر المكتوبة بطريقة «برايل»، والملصقات المصممة لتناسب جميع أفراد العائلة، والمعاجم التي تقدم تفسيرات للمفاهيم والتعبيرات المتعلقة بسياق المعرض.

ويتضمن البرنامج مجموعة من الفعاليات التي تدعو المجتمع إلى الاسترخاء والبحث عن الراحة في التجربة الجماعية من خلال التطريز، والكتابة، والمشي، والطهي، والمشاهدة، والحركة، بوصفها أنشطة مشتركة. وتعود فعاليات أخرى مثل جلسات الطهي، والمعمل الأدائي، و«سلسلة خيال وبالأقلام»، لتكون محور هذا الموسم، إلى جانب ورشات يقودها فنانون، وأنشطة «التطريز الجماعي»، بقيادة أفراد المجتمع، وعروض الأفلام ذات الطابع الإقليمي... وغيرها كثير. «في هذا الشتاء، نتوقف معاً لبعض الوقت للتخفيف من وطأة الإرهاق الجماعي ولخوض تجارب يقودها الفضول، والرغبة في الإبداع، بينما نجسّد روح (مجمع 421) ونعزّز الإحساس المشترك بالمجتمع».