شتاء «421 للفنون» يطوف بين الذاكرة والذكريات

معرضان لعبد الله السعدي وآلاء عبد النبي في أبوظبي

الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
TT

شتاء «421 للفنون» يطوف بين الذاكرة والذكريات

الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)
الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض «مجمع 421» فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)

اتخذ «مجمع 421 للفنون» في أبوظبي من «الذاكرة والذكريات» عنواناً لموسمه الشتوي لعام 2025، الذي انطلق في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي ويستمر حتى 21 مارس (آذار) المقبل.

وضمن برنامج «421 للفنون»، وهو منصة في أبوظبي مستقلة مخصصة لدعم الممارسات الإبداعية الناشئة، أكثر من 30 ورشة وفعالية خاصة تركز على الأنشطة اللطيفة والحسية التي تعزز مساحات التجمع، والترميم، والشعور الجماعي بالتجديد. لكن النشاط الأساسي يرتكز على معرضين؛ الأول للفنان الإماراتي عبد الله السعدي بعنوان: «أماكن للذاكرة... أماكن للنسيان»، والثاني للفنانة آلاء عبد النبي بعنوان «ذكرياتك عني كفاية؟».

وفي حين يتضمن معرض السعدي حصيلة أكثر من 40 عاماً من ممارسته الفنية، فإن عبد النبي تقدم معرضاً فردياً هو الأول لها، وهي أيضاً من المشاركين في «برنامج التطوير الفني لعام 2025».

السعدي وعالمه المتخيّل

الفنان الإماراتي عبدالله السعدي (وام)

يقدم السعدي في معرضه، الذي يضمّ 10 من أعماله، تأملاً في مسيرته الفنية التي تمتدّ لعقود، عبر نسخة صُممت خصيصاً لأبوظبي وجمهور الإمارات من المعرض الذي أقيم لأول مرة بالجناح الوطني لدولة الإمارات في «بينالي البندقية للفنون» عام 2024.

السعدي، وهو فنان تحمل ممارسته الفنية ملامح فريدة في قيامه بدور الرحالة والمؤرخ ورسّام الخرائط والشاعر، يدعو الزائر إلى التأمل في تشابه نهج ممارساته الفنية المعاصرة مع العملية الإبداعية للشعراء في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.

من أعمال الفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)

في أثناء الرحلة التي تستمر أياماً عدة، يخيّم السعدي في البرية، وبشكل تدريجي، يتولد إحساسه بالتوحد مع الطبيعة، وعندها فقط يبدأ الرسم أو الكتابة على قماش اللوحات أو الأوراق، في تطابق مع الممارسة الإبداعية للشعراء العرب القدماء حين كانوا يخرجون ويرتحلون؛ وعند الشعور بانغماسهم في الطبيعة يبدأون نظم الشعر. يرحل السعدي وحيداً، بمصاحبة كتاب عن موضوع محدد، أو مع حيوانات أليفة، أو وسيلة تنقل. ينعكس الوجود الحميمي لرفقاء السفر هؤلاء بشكل واضح في الأعمال الفنية التي تكتشف الأرض والمكانة التي يحتلها الإنسان فيها.

عمل للفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)

لا تظهر الطبيعة في أعمال السعدي بهدف التوثيق، ولا تتضمن رسوماته ولوحاته، التي تشبه الخرائط، جميع العناصر المكانية والطبيعية من جبال وصحراء ووديان، بل يخلق السعدي عالماً متخيلاً خاصاً به تحتضنه تلك الطبيعة، التي لا تخلو من عناصر من الحياة المعاصرة. فهو يختار بشكل واعٍ ودقيق الأماكن التي يحتفظ بها في لوحاته، وتلك التي تذهب طي النسيان، كلُّ ذلك ضمن عملية إبداعية فكرية وجمالية، وحسية وعاطفية في الوقت نفسه.

أعمال للفنان عبدالله السعدي في المعرض (421 للفنون)

يدعو المعرض الزائر إلى الدخول في ذلك العالم الاستثنائي الذي ابتكره السعدي، والتجول بين معالمه الفريدة والغنية. ففي هذه الرحلة، يسلك الزائر مساراً يشابه الطرق التي يرسمها عبد الله في لوحاته، ليكتشف عبره الأعمال الفنية المعروضة. في أجواء شبيهة بالاستوديو الخاص بالسعدي في خورفكان، يكشف الممثلون الذين يوجدون باستمرار في المعرض الأعمال الفنية المخفية في الصناديق ويتفاعلون مع الزوار، ويخبرونهم القصص ويقدمون لهم المعلومات عن رحلات الفنان والذاكرة الجماعية التي يستدعيها إلى الحاضر ويحرص على الاحتفاظ بها والحفاظ عليها للمستقبل.

عبد النبي و«الأسد البربري»

الفنانة آلاء عبد النبي تتحدث لزائرين عن بعض أعمالها في المعرض (421 للفنون)

أما معرض عبد النبي فيذهب إلى مكان مختلف تماماً؛ إذ تقدم مجموعة أعمال تستكشف مفهوم المحاكاة أو «التشابه الزائف» من منظور نقدي، بوصفه مفهوماً يُستخدم في الفلسفة والدراسات الثقافية بهدف تحليل تأثير الرموز على إدراكنا لما يعدّ «حقيقياً». وتسلط أعمالها الضوء على الطرق التي حُفظت بها الأيقونات ورُممت عبر عصور تاريخية مختلفة. وانطلاقاً من حفظ هذه الرموز في الأعمال الفنية، والمتاحف، والمساحات العامة، تستقصي الفنانة تأثيرها ودورها في تشكيل السرديات الثقافية والسياسية في المستقبل​.

الأسد البربري أحد أعمال الفنانة آلاف عبد النبي في المعرض (421 لفنون)

تستدعي هذه الديناميكية فكرة الفيلسوف جان بودريار الذي يرى أن وجود الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا يستلزم «موت» موضوع الدراسة مجازياً، وفي هذا السياق، يتحول الشيء الذي كان نابضاً بالحياة ومترسخاً من الناحية الثقافية إلى قطعة أثرية جامدة ومجردة من وظيفتها أو معناها الأصلي، لكنها تواصل التأثير بوصفها محاكاة رمزية.

وفي هذا المعرض تشكل قصة «الأسد البربري» محور هذه الاستقصاء، فواقع انقراضه وخلوده الرمزي يجسّد تجسيداً مثالياً هذه الظاهرة؛ إذ إن «الأسد البربري» الذي كان يسكن شمال أفريقيا انقرض جرّاء حملات الصيد التي شنتها القوى الاستعمارية، ليصبح ضحية للدمار البيئي وتجسيداً لفرض الهيمنة الاستعمارية على الطبيعة. ولكن حتى بعد موته، يظل «الأسد البربري» حاضراً بوصفه رمزاً قوياً للعظمة وأيضاً للسلطة الإمبريالية.

الحسن والروح التأملية

الفنانة آلاء عبد النبي ومدير معرض 421 فيصل الحسن يتحدثان في ندوة على هامش المعرض (421 للفنون)

فيصل الحسن، مدير «مَجمع 421 للفنون»، تحدث عن المعرضين قائلاً: «يعكس كلا المعرضين روحاً تأملية تتحدى الوضع الراهن من منظورين مختلفين تماماً، فمعرض عبد الله السعدي يعبر عن أكثر من 40 عاماً من تاريخ الفن المعاصر الإماراتي، ويقدم نظرة دقيقة على تأثير المناظر الطبيعية في الإمارات على ممارسته الفنية على مدار السنين. لطالما كان قربه من البيئة الطبيعية قوة جوهرية في عمله. ومن المهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، تقديم معارض تمنحنا الفرصة للتفكير بشكل أعمق في العالم من حولنا، ومكاننا فيه. أما آلاء عبد النبي، فتقدم في معرضها دراسة معبّرة عن الحفاظ على الأيقونات وترميمها عبر مختلف الفترات التاريخية، فتطرح من خلالها أسئلة مهمة بشأن كيفية استمرار الرموز واكتسابها معاني جديدة عند إعادة تقديمها في سياقات معاصرة». وأضاف الحسن: «إنه لمن دواعي سروري أن نقدم هذا البرنامج الجديد لأفراد مجتمعنا، وأن ندعم الفنانين والمبدعين الذين يشكلون جزءاً جوهرياً منه».

أنشطة مصاحبة

يصاحب المعرض كثير من الأنشطة والأدوات المصممة خصيصاً لجمهور الشباب؛ لتفتح لهم كثيراً من الأبواب لدخول عالم الفن المعاصر، وتتضمن جولات صوتية للبالغين والأطفال، وكتب الشعر المكتوبة بطريقة «برايل»، والملصقات المصممة لتناسب جميع أفراد العائلة، والمعاجم التي تقدم تفسيرات للمفاهيم والتعبيرات المتعلقة بسياق المعرض.

ويتضمن البرنامج مجموعة من الفعاليات التي تدعو المجتمع إلى الاسترخاء والبحث عن الراحة في التجربة الجماعية من خلال التطريز، والكتابة، والمشي، والطهي، والمشاهدة، والحركة، بوصفها أنشطة مشتركة. وتعود فعاليات أخرى مثل جلسات الطهي، والمعمل الأدائي، و«سلسلة خيال وبالأقلام»، لتكون محور هذا الموسم، إلى جانب ورشات يقودها فنانون، وأنشطة «التطريز الجماعي»، بقيادة أفراد المجتمع، وعروض الأفلام ذات الطابع الإقليمي... وغيرها كثير. «في هذا الشتاء، نتوقف معاً لبعض الوقت للتخفيف من وطأة الإرهاق الجماعي ولخوض تجارب يقودها الفضول، والرغبة في الإبداع، بينما نجسّد روح (مجمع 421) ونعزّز الإحساس المشترك بالمجتمع».


مقالات ذات صلة

اللبنانية ميراي بستاني تستقي فنها من أشجار لبنان وعمارتها

يوميات الشرق الفنانة اللبنانية ميراي بستاني في معرضها في لندن (الشرق الأوسط)

اللبنانية ميراي بستاني تستقي فنها من أشجار لبنان وعمارتها

شهدت منطقة بارنز، في غرب لندن، معرضاً فنياً كبيراً استمر على مدى أربعة أيام احتضنه مركز «OSO»، الذي يعدُّ من أبرز المراكز الفنية في المدينة

جوسلين إيليا (لندن)
يوميات الشرق عمل الفنانة السعودية تارا الدغيثر استند إلى أساطير سومرية (الشرق الأوسط)

«مفكرة أبريل»: 3 أيام من الإنصات العميق لما تخفيه الذاكرة وتبوح به الأصوات

لا ترى «مفكرة أبريل» في بينالي الشارقة نقطة وصول، وإنما سبيل يتشعَّب إلى طرق وأساليب تُواصل التشكُّل والتطوُّر حتى بعد انتهاء الفعالية...

فاطمة عبد الله (الشارقة)
يوميات الشرق الورد جعله عطاراً (موقع متحف ديور)

حدائق «ديور» الساحرة تستقبل الزوار في منزل طفولة المُصمّم الشهير

من الأزياء الراقية إلى الإكسسوارات التي رأت النور عام 1947 وعطر «مِسْ ديور»، إلى أحدث الإبداعات التالية، يتجلّى موضوع الحدائق ويحضُر في جميع مجموعات الدار.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الطفولة تبرز في لوحات معرض «في الطريق إلى البيت» (الشرق الأوسط)

«في الطريق إلى البيت»... موعد مع شغف العودة

تروي ميسم هندي بلوحاتها الصراع الذي كانت تعيشه على طريق العودة إلى البيت وخوفها من الظلمة. فأدرجت ألوان الأكليريك الداكنة والفاتحة لتُترجم مشاعرها تلك.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة والمغنية اليابانية يوكو أونو (د.ب.أ)

«موسيقى العقل»... يوكو أونو تحوّل «غروبيوس باو» إلى مساحة للتأمل والمشاركة

تُسلط العاصمة الألمانية برلين، الضوء على الرسامة اليابانية يوكو أونو بإقامة معرضين جديدين لها، افتُتحا في 11 أبريل (نيسان) الحالي.

«الشرق الأوسط» (برلين)

منع خبيرة تغذية علاجية «شهيرة» من الظهور في وسائل إعلام مصرية

دعاء سهيل عبر حسابها بموقع «فيسبوك»
دعاء سهيل عبر حسابها بموقع «فيسبوك»
TT

منع خبيرة تغذية علاجية «شهيرة» من الظهور في وسائل إعلام مصرية

دعاء سهيل عبر حسابها بموقع «فيسبوك»
دعاء سهيل عبر حسابها بموقع «فيسبوك»

قرّرت «نقابة الإعلاميين» في مصر منع ظهور دعاء سهيل، المعروفة إعلامياً بـ«خبيرة التغذية العلاجية»، على أي وسيلة إعلام محلية، وذلك لـ«ممارستها النشاط دون قيد أو تصريح من النقابة».

كما قرّر «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في بيان، الخميس، وبناء على ما أسفرت عنه أعمال «الإدارة العامة للرصد» باستدعاء الممثل القانوني لقناة «النهار» المصرية، لعقد جلسة استماع بشأن ما تم رصده من مخالفات في برنامج «حياتك من الطبيعة»، الذي تم إذاعته، وتقدمه دعاء سهيل، وفق بيان «المجلس»، الذي قرر الإحالة إلى «نقابة الإعلاميين»، لاتخاذ الإجراءات اللازمة طبقاً لقانون النقابة رقم 93 لسنة 2016.

وقبل 3 سنوات، أعلنت وزارة الداخلية المصرية، توقيف دعاء على خلفية ظهورها على بعض القنوات الفضائية، والترويج لتركيبات دوائية تساعد على التخسيس وعلاج النحافة، وجاء في بيان «الداخلية» حينها، أن الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية بقطاع الشرطة المتخصصة قامت برصد وتتبع نشاط المذكورة، حيث قامت بإنشاء وإدارة قناة على «السوشيال ميديا»، من دون ترخيص من الجهات المعنية، والترويج لمنتجات علاجية تقوم بتصنيعها، والاتجار في أدوية تصنع من مكونات مجهولة دون اتخاذ الاشتراطات الصحية اللازمة.

وأمرت النيابة العامة بمصر حينها بحبس دعاء سهيل 4 أيام على ذمة التحقيقات، بينما قضت المحكمة الاقتصادية في القاهرة ببراءتها فيما بعد، عقب معاقبتها بالسجن 3 أشهر، وتغريمها مبلغ 100 ألف جنيه، وفق وسائل إعلام مصرية.

وقال استشاري التغذية العلاجية، الدكتور هشام العامري، إن مريض السمنة أو النحافة يتحمل المسؤولية كاملة عن أي أدوية يتناولها، بعد إعلامه بخطورتها ومضاعفاتها، وخصوصاً الأدوية مجهولة المصدر، و«غير المرخصة والمسجلة» بوزارة الصحة المصرية.

الملصق الترويجي لبيان نقابة الإعلاميين على «فيسبوك»

وأكد العامري لـ«الشرق الأوسط» أن بعض أدوية التخسيس مجهولة المصدر تتسبب في ارتفاع ضغط الدم، والصداع الشديد، ومضاعفات صحية خطيرة، خصوصاً لمرضى القلب، قد تؤدي إلى الوفاة، لافتاً إلى أن هذه الأدوية ربما تتعارض مع أدوية أخرى يتناولها المريض، مثل مريض السكري والضغط، وهذه الحالة يطلق عليها طبياً بـ«التفاعل الدوائي الكيميائي»، مما قد يؤدي للوفاة.

ورحب العامري بقرار منع دعاء من الظهور الإعلامي، في حال عدم حصولها على تصريح مزاولة المهنة من «نقابة الأطباء» بمصر، وكذلك ظهورها من دون تصريح «نقابة الإعلاميين»، حرصاً على المشاهدين، وحتى لا يتم الترويج لأدوية أو معلومات خاطئة من دون رقابة.

وتعرف دعاء سهيل نفسها عبر حسابها بموقع «فيسبوك» بأنها حاصلة على دكتوراه من جامعة نيوكاسل ببريطانيا، وماجستير من الجامعة الكندية، ودبلومة من المؤسسة البريطانية في «التغذية العلاجية»، وصاحبة مبادرات «مصر بلا سمنة»، و«أطفال بلا سمنة»، و«شباب أصحاء»، وأول مؤسسي فكرة التخسيس «أون لاين» في مصر.

ووفق حسابها بموقع «فيسبوك»، فقد ألفت دعاء كتاباً بعنوان «التغذية وأثر الوعي والممارسات الغذائية على النمو الجسمي»، كما تم تكريمها من مهرجاني «دير جيست»، و«الفضائيات العربية»، بينما تقدم برنامج «حياتك من الطبيعة»، كما ظهرت في برنامج «بنت البلد»، الذي تقدمه الفنانة نشوى مصطفى على قناة «النهار» المصرية.

وأنذر نقيب الإعلاميين المصريين، الدكتور طارق سعدة، في بيان النقابة، الخميس، الوسائل الإعلامية الرسمية والخاصة، والمرئية والمسموعة، بعدم السماح لأي شخص بممارسة النشاط الإعلامي بها دون قيد أو تصريح، وإلا تعرضت الوسيلة للغلق وفقاً للمادة (89) من قانون النقابة.