متحف «كوكب الشرق» يروي «سيرة الحب»

محبو «الست» يتوافدون عليه في ذكرى رحيلها الـ50

TT

متحف «كوكب الشرق» يروي «سيرة الحب»

متحف أم كلثوم (الشرق الأوسط)
متحف أم كلثوم (الشرق الأوسط)

وسط أجواء شتوية منعشة، كانت السيدة الأربعينية سوسن محمود، تتهادى رفقة زوجها نحو متحف أم كلثوم، لكن موظف الأمن باغتهما «المتحف يغلق أبوابه في تمام الرابعة عصراً»، فرمقت زوجها بنظرة عتاب أوقفت الكلام في حلقه، ولسان حالها يقول «فات الميعاد».

المتحف من الخارج (الشرق الأوسط)

المتحف الذي يتوسط مقياس النيل الأثري وقصر ومسجد المانسترلي، يستقبل زواره بتمثال غرانيتي للسيدة أم كلثوم، بينما لا تعكس هيئة المبنى البسيطة من الخارج الكنوزَ التي يضمها بين أركانه.

يستقبلك الصوت الأيقوني لـ«كوكب الشرق» لدى الدخول، في حين يأسرك منديل أحمر كانت تمسكه «ثومة» في إحدى حفلات الخميس الأول من كل شهر.

منديل أحمر (الشرق الأوسط)

يتشوَّق محبو «سيدة الغناء العربي» لرؤية المقتنيات التي لطالما اعتادوا على مشاهدتها في الأفلام والحفلات، ومن بينها مجموعة نظارات شمسية وطبية مطعمة بالماس، كأنها تركتها بالأمس، تتخيل من خلالها «ثومة» وهي تلوح بمنديلها الشهير، وتغني بنبرة عتاب «حيرت قلبي معاك»، أو وهي تصدح بكل ما أوتيت من قوة في «مسرح الأولمبيا» الباريسي الشهير ورأسها مرفوع للأعلى في دعمها للمجهود الحربي المصري «أعطني حريتي أطلق يدي».

نظارة مطعمة بالماس (الشرق الأوسط)

تلخص المقتنيات «ألف ليلة وليلة» من حياة أم كلثوم، بين سنوات عامرة بـ«الحب كله»، وأخرى مفعمة بالحيرة والحزن نسيت فيها «الست» النوم وأحلامه، وثالثة تعكس تقديراً لا مثيل له من قادة وزعماء وشعوب العالم العربي، إذ تُوجِّت بأرفع الأوسمة والنياشين من المغرب ولبنان وتونس والجزائر والأردن، معظمها موجود في إحدى زوايا المتحف المنمق.

وسام تونس (الشرق الأوسط)

في الركن الأيمن للمتحف، تخطف الأنظار مذكرات مكتوبة بخط يدها، توثق لحفل عيد الشرطة في ستينات القرن الماضي بالجامعة، التي حضرها «الرئيس» ووصفتها أم كلثوم بأنها «كانت بديعة». بالإضافة إلى جوازَي سفرها «الدبلوماسي» و«العادي»، فقد كانت بمنزلة «صوت مصر» وأحد أوجه فخرها و«قوتها الناعمة» في جميع المحافل. وفق كُتّاب ونقاد وموسيقيين.

مجموعة كبيرة من فساتين «كوكب الشرق» (الشرق الأوسط)

وتأسر فساتين ومناديل أم كلثوم المتراصة بقلب المتحف الأبصار والقلوب، عند مشاهدتها للمرة الأولى؛ بداية من الفستان البرتقالي المطرز بالخرز، والزيتي الذي يليه، ثم الفضي، والبني، والأسود والأخضر، والليموني، والبنفسجي... أنت هنا في حضرة «الست» صاحبة الهيبة القوية، والحضور الطاغي الذي أربك المذيع المصري فهمي عمر ذات مرة عندما «نال شرف» تقديم حفلها في الإذاعة في خمسينات القرن الماضي، حيث قال متلعثماً: «والآن أيها الستارة ترفع السادة عن أم كلثوم» بحسب ما ذكره في كتابه «نصف قرن أمام الميكروفون».

مجموعة من فساتين «الست» (الشرق الأوسط)

أنت هنا أمام فساتين كانت جزءاً من «أجمل حكاية في العمر كله»، وشاهدة على «قسوة التنهيد والوحدة والتسهيد»، و«سيرة الحب»، وهتاف «عظمة على عظمة يا ست» المقبل من وسط القاعة الصاخبة، وأجمل الألحان والمقدمات الموسيقية «الخالدة» التي يعاد اكتشافها بين الأجيال الجديدة.

مجموعة صور (الشرق الأوسط)

المشاعر المختلطة التي تنتاب الزائرين لدى رؤية المقتنيات القريبة جداً من «سيدة الغناء العربي» تخفف من حدتها الصور المتناثرة على جدران المتحف، وتوثِّق للمراحل العمرية المختلفة لأم كلثوم، حتى الدخول إلى ركن مقتنيات الآلات الموسيقية وأجهزة تسجيل وتشغيل الصوت، فتقف حائراً أمام العود الخاص بكوكب الشرق، وأسطوانات أغانيها المتعددة، والميكروفون الذي كان محظوظاً، بمرور صوتها الساحر عبره، بحنجرتها الذهبية، وسجَّل لها كثيراً من أغانيها باستوديوهات الإذاعة.

ميكروفون شهد تسجيل كثير من أغنيات أم كلثوم (الشرق الأوسط)

وبالإضافة إلى المقتنيات الإلكترونية، يعرض المتحف الذي يستقبل زواراً كُثراً على مدار العام، وفق العاملين به، جانباً من مستندات وأوراق أم كلثوم المهمة، ومنها أول عقد بين أم كلثوم والإذاعة، وخطاب من الرئيس المصري الراحل أنور السادات في عام 1973 يشكرها فيه على جهودها الكبيرة لدعم المجهود الحربي، وخطاب أقدم يعود إلى عبد الناصر يشكرها فيه على تقديمها «ألف جنيه» مصري مساهمة في تسليح الجيش (الدولار الأميركي كان يعادل وقتها نحو 25 قرشاً) بجانب «نيشان الكمال» الممنوح من الملك فاروق الأول، وشهادة «قلادة الجمهورية»، وخطاب من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة يشكر فيه أم كلثوم على حفاوة استقبالها لحرمه في القاهرة.

جهاز تسجيل موسيقى (الشرق الأوسط)

يعيد هذا الركن الزائرين نحو 6 عقود وأكثر إلى الوراء، حيث عدد من القصائد والأغاني الشهيرة التي غنتها أم كلثوم، مكتوبة بخط يد مؤلفيها على غرار «هذه ليلتي» لجورج جرداق، وقصيدة «سلوا كؤوس الطِّلا هل لامست فاها» لـ«أمير الشعراء» أحمد شوقي، و«حيرت قلبي» لأحمد رامي، و«إنت عمري» للشاعر أحمد شفيق كامل، والتي جمعت بين «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب و«كوكب الشرق» للمرة الأولى، وهو اللقاء المعروف بـ«لقاء السحاب».

عود أم كلثوم الخاص (الشرق الأوسط)

وبينما يبدي الناقد المصري طارق الشناوي سعادته برؤية مقتنيات أم كلثوم داخل متحف يطل على نيل القاهرة، فإنه في الوقت نفسه يعرب عن حزنه للتفريط في فيلتها، التي تم هدمها وتحوَّلت لاحقاً إلى فندق ضخم، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لو تم الحفاظ عليها، لكانت هذه الفيلا من أهم المزارات السياحية في مصر».

إحدى نظارات أم كلثوم (الشرق الأوسط)

وداخل قاعة ضيقة يعرض المتحف، الذي بدأ العمل على إقامته بمبنى ملحق بقصر المانسترلي في نهاية الألفية الماضية، فيلماً وثائقياً عن حياة صاحبة «الأطلال»، يروي سيرتها الأولى منذ قدومها من قرية طماي الزهايرة بدلتا مصر، مروراً بمحطاتها الذهبية والاستثنائية وحتى مغادرتها إلى التاريخ عبر جنازة عسكرية وشعبية حاشدة، خرج فيها الملايين إلى الشوارع لعزف لحن جنائزي حزين.

جهاز موسيقي قديم من مقتنيات أم كلثوم (الشرق الأوسط)

ورغم مرور نصف قرن على الرحيل، وتوالي الأجيال، جدَّدت الجنازة التي يتضمَّنها الفيلم الأحزان داخل القاعة، حيث انخرطت إحدى الفتيات في البكاء بصوت مسموع، معيدة إلى الأذهان رثاء الشاعر أحمد رامي لها عندما قال: «ما جال في خاطري أني سأرثيها... بعد الذي ُصغتُ من أشجى أغانيها... قد كنت أسمعها تشدو فتطربني... واليوم أسمعني أبكي وأبكيها».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد أغاني وأعمال صلاح جاهين في ذكرى رحيله

يوميات الشرق صلاح جاهين (صفحة ابنته الفنانة سامية جاهين على «فيسبوك»)

مصر تستعيد أغاني وأعمال صلاح جاهين في ذكرى رحيله

استعادت قنوات ومواقع مصرية أغاني الشاعر والفنان الراحل صلاح جاهين في الذكرى 39 لرحيله التي تحلّ، الاثنين، بالتزامن مع احتفالات مصر بعيد «شم النسيم».

محمد الكفراوي (القاهرة )
الوتر السادس جانب من مؤتمر الإعلان عن مسرحية أم كلثوم (حسابه على {فيسبوك})

مدحت العدل: أغنيات أم كلثوم حفزتني لكتابة الشعر

كشف الشاعر الغنائي والمؤلف المصري د. مدحت العدل عن تعاون جديد يجمعه بالمطرب عمرو دياب عبر أغنية كتبها له، بعد أن قدم لدياب عدداً كبيراً من الأغنيات الناجحة في ب

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المغنية الأميركي كيتي بيري تظهر بعد الرحلة الفضائية في تكساس (إ.ب.أ)

بعد الرحلة الفضائية النسائية... كيتي بيري تصف العودة إلى «الواقع»

بعد أن سافرت إلى الفضاء ضمن طاقم شركة «بلو أوريجين» التابعة للملياردير جيف بيزوس - والذي ضمّ لورين سانشيز وجايل كينغ - عادت نجمة البوب كيتي بيري إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق ملصق دعائي لأغنية رمضان الجديدة (حسابه على «فيسبوك»)

محمد رمضان يرد على منتقديه بأغنية «بحب أغيظهم»

بعد تعرضه لموجة واسعة من الانتقادات خلال الأيام القليلة الماضية، طرح الفنان المصري محمد رمضان أحدث أغنياته «بحب أغيظهم»، عبر قناته الرسمية بموقع «يوتيوب».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من حفل محمد رمضان في «كوتشيلا» (حسابه بموقع فيسبوك)

اتهامات لمحمد رمضان بارتداء أزياء لرجال «فاقدي الاعتبار» من القرن الـ19

تجددت الانتقادات الموجهة للفنان المصري محمد رمضان، بسبب الزي الذي ارتداه في حفله الأخير بمهرجان «كوتشيلا» بالولايات المتحدة الأميركية.

داليا ماهر (القاهرة )

«الصحفيين المصرية» تصعّد ضد تجاوزات بحق «مصورين» في الجنازات

«نقابة الصحفيين المصرية» (صفحة النقابة)
«نقابة الصحفيين المصرية» (صفحة النقابة)
TT

«الصحفيين المصرية» تصعّد ضد تجاوزات بحق «مصورين» في الجنازات

«نقابة الصحفيين المصرية» (صفحة النقابة)
«نقابة الصحفيين المصرية» (صفحة النقابة)

أعلنت «نقابة الصحفيين المصرية» اتخاذ إجراءات قانونية ضد المتورطين في الاعتداء على المصورين الصحافيين، على خلفية الأحداث المرتبطة بجنازة الفنان سليمان عيد، وما شابها من تجاوزات لفظية بحقّ عدد من المصورين الصحافيين.

وأكدت النقابة، في بيان، الاثنين، رفضها القاطع لأي إساءة أو اعتداء لفظي على المصورين الصحافيين، مشددة على حقّهم الكامل في ممارسة مهنتهم بحرية واحترام، بما يتوافق مع المعايير المهنية والإنسانية في تغطية جميع الفعاليات والأحداث.

وأضاف البيان: «ستتخذ النقابة كل الإجراءات القانونية الرادعة ضد أي شخص اعتدى فعلاً أو قولاً على صحافي، أو حال دون قيامه بعمله دون سند قانوني، وهي التجاوزات التي صدرت عن أشخاص يُعبّرون عن سلوك يفتقر إلى الحد الأدنى من المسؤولية، ويمثل اعتداء على حرية الصحافة وكرامة العاملين بها».

وكانت «نقابة الصحفيين» قد عقدت في وقت سابق اجتماعاً موسعاً بمقرها (وسط القاهرة) بحضور خالد البلشي، نقيب الصحافيين، والدكتور أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية، وجمال عبد الرحيم سكرتير عام «نقابة الصحفيين»، ومجدي إبراهيم رئيس شُعبة المصورين، وعدد من أعضاء مجلسي النقابتين، لبحث سبل التعاون المشترك ووضع آليات واضحة لتنظيم تغطية مراسم الجنازات والعزاء الخاصة بالفنانين.

وأسفر الاجتماع عن عدد من التفاهمات، من بينها إخطار النقابة في حال عدم رغبة بعض أسر الفنانين في التغطية الإعلامية للعزاء باعتباره مكاناً خاصاً، وهو ما التزمت به «نقابة الصحفيين» وشعبة المصورين.

وأكدت «الصحفيين» التواصل المشترك بين النقابتين على مدار الساعة، خلال عام كامل، لتنسيق منع تصوير العزاءات التي يرفض أصحابها التصوير، وهو ما التزمت به شُعبة المصورين الصحافيين.

وطلبت «نقابة الصحفيين» من نقيب المهن التمثيلية اتخاذ كل الإجراءات القانونية تجاه أي صفحة تواصل اجتماعي تنتهك حرمة الموت بالبحث عن «الترند»، وكذلك التقدم لـ«نقابة الصحفيين» بشكوى ضد أي صحافي يصدر عنه تجاوز.

وتؤكد النقابة أن تصوير الجنازات في العالم كله بغرض «التوثيق» و«التأريخ» هو من صميم العمل الصحافي، ولولا المصورون الصحافيون ما وصلتنا الصور التاريخية لجنازات رموز مصر، مثل: أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأحمد زكي، وغيرهم من قوى مصر الناعمة، التي سنظل نفخر بها عبر الأجيال.

وبينما أكدت النقابة احترامها لمشاعر أسر وأصدقاء المتوفين من كل الفئات، شدّدت أيضاً على أن تغطية الجنازات عمل صحافي يُوثق حدثاً يهم الجمهور، ويؤرشف لحظات قد تكون لها أهميتها مستقبلاً.

وأشارت النقابة إلى أن حدوث تجاوزات من بعض المواطنين، الذين يرفعون هواتفهم للتصوير، أو الدخلاء على المهنة المكلفين من صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالبحث عن «ترند»، لا يُعد عملاً صحافياً، ولا يُعبّر عن الصحافيين والمصورين الصحافيين، ولا يُمثّلهم.

وسبق أن أصدرت النقابة وشُعبة المصورين معايير بشأن تغطية الجنازات، وشدّدت على ضرورة الالتزام بها، وعدم الانسياق خلف محاولات تشويه المهنة، وتتمثل هذه المعايير في «تصوير جنازات الشخصيات العامة كحدث بشكل عام من دون التركيز على مشاعر الأفراد بشكل مخصص»، و«يمكن تصوير النعش وحامليه في جنازات الشخصيات العامة»، و«مراعاة المصور هيبة الموقف الجنائزي في جميع تصرفاته»، و«احترام خصوصية الأقارب المفجوعين، والامتناع عن دفع الميكروفون في وجوههم»، و«عدم دخول المصورين والصحافيين إلى سرادق العزاء، ويمكن الانتظار في الساحة الخارجية، بموافقة أسرة الفقيد». كما يُحظر على المصور والصحافي دخول المدفن والقبر، ويجب تجريم هذا الفعل.

وتؤكد نقابة الصحافيين الاستمرار في تطبيق باقي الإجراءات المقترحة بشكل متدرج، بما يحقق التوازن المنشود بين حقّ الصحافي في التغطية، واحترام خصوصية الحدث ومشاعر ذوي الراحل.

وأعلنت النقابة، في المقابل، أنها «لن تتهاون في الدفاع عن كرامة أعضائها، ولن تسمح بمرور التجاوزات ضدهم دون محاسبة قانونية رادعة».