«نريد عاماً مستعملاً»... مصريون يستقبلون 2025 بـ«كوميكسات» ساخرة

متابعون تمنّوا العودة إلى 2008

أزمة الغلاء تُلقي بظلالها على بداية العام الجديد في مصر (الشرق الأوسط)
أزمة الغلاء تُلقي بظلالها على بداية العام الجديد في مصر (الشرق الأوسط)
TT

«نريد عاماً مستعملاً»... مصريون يستقبلون 2025 بـ«كوميكسات» ساخرة

أزمة الغلاء تُلقي بظلالها على بداية العام الجديد في مصر (الشرق الأوسط)
أزمة الغلاء تُلقي بظلالها على بداية العام الجديد في مصر (الشرق الأوسط)

في الساعات الأخيرة من كل عام، يسارع مصريون بكتابة عبارات مفعمة بالبهجة والتفاؤل والأمنيات السعيدة عبر حساباتهم على «السوشيال ميديا»، وتواصلهم اليومي مع الآخرين، وذلك وسط توقعات أن يكون العام الجديد أفضل من سابقه، لكن قبيل دخول عام 2025 تمنى مصريون العودة للوراء والعيش في أي سنة تسبق عام 2010؛ إذ يعتقدون أنها كانت أفضل على كل المستويات.

واستعان متابعون بمقاطع وصور من مسلسلات وأفلام مصرية للتعبير عن أمنيتهم للعيش في «عام مستعمل»، ومن بين تلك المنشورات صورة يظهر فيها الفنان الكوميدي الراحل عبد المنعم مدبولي مع أشرف عبد الباقي، وقد ظهر الأسى على ملامحهما مع تعليق: «أنا مش عاوز سنة جديدة... أنا عاوز سنة مستعملة من بتوع 2008 أو 2009». كما تم تداول لقطة من مسرحية «المتزوجون»، بطولة: الفنان سمير غانم، وجورج سيدهم، ولقطة من فيلم «عنتر شايل سيفه لعادل إمام»؛ للتعبير عن الأمر ذاته.

وبصورة كوميدية تم تداولها على موقع «إكس»، للفنانين محمد هنيدي ومحمد فؤاد وخالد النبوي من فيلم «إسماعلية رايح جاي»، تم التعبير عن الأمر نفسه: «صدقني يا هيما أنا مش عايز سنة جديدة أنا عايز سنة مستعملة من بتوع زمان».

صورة متداولة من فيلم «إسماعيلية رايح جاي» (إكس)

«يتمتع المصريون بحسٍّ ساخر ينشط في وقت الأزمات»، بحسب وصف الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم الاجتماع، والتي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه التعليقات الساخرة تعبر عن سمة رئيسية من سمات الشعب المصري، وتتضمن رسائل عدة من بينها عدم التفاؤل والرضا والمطالبة بتحسين الأوضاع».

ورغم تغليف هذه الأمنيات بلمحات ساخرة عبر الاستعانة بصور وفيديوهات لمشاهد درامية لنجوم الكوميديا المصريين، فإنها تعبر عن «واقع اقتصادي وإقليمي صعب»، وفق الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي.

وبالإضافة إلى «النوستالجيا» التي يهواها الكثيرون، حيث «دفء البيوت ووجود الأهل والأحباب»، في تلك السنوات، فإن هذه الحالة تنسحب كذلك على أزمة الغلاء التي يعاني منها الكثير من المصريين راهناً، لا سيما مع عقد مقارنات مع أسعار السلع والخدمات في سنوات العقد الأول من الألفية الجديدة، وفق صادق.

وشهدت قيمة الجنيه تراجعاً حاداً خلال السنوات الأخيرة أمام «العملات الأجنبية»، فبينما كان يساوي سعر الدولار الأميركي 5 جنيهات ونصف جنيه في عام 2008، فإن سعره حالياً يعادل نحو 51 جنيهاً، وهو ما انعكس على غلاء أسعار السلع الأساسية بنسب تتجاوز 300 في المائة خلال السنوات الـ15 الماضية، حيث كان يبلغ سعر زيت الطعام نحو 8 جنيهات للكيلو عام 2008، لكن متوسط سعره حالياً يصل إلى 80 جنيهاً، والأمر نفسه ينطبق على كل من الفول - (الغذاء الرئيسي لملايين المصريين) - والعدس، فالأول كان يباع بـ6 جنيهات للكيلو والثاني بـ9 جنيهات في 2008، لكن سعرهما حالياً 50 جنيهاً، و70 جنيهاً، وبينما كان يباع كيلو اللحم البلدي بـ40 جنيهاً في 2008 فإنه يباع اليوم بنحو 430 جنيهاً في المتوسط، كما زاد سعر طن حديد التسليح من 6600 جنيه عام 2008 إلى 40 ألف جنيه بنهاية عام 2024.

ويرى صادق أن «أزمة الغلاء والأوضاع الإقليمية المضطربة بمنطقة الشرق الأوسط، تدفعان الكثيرين إلى عدم التفاؤل بتحسن الأوضاع في العام الجديد، وهو شعور يعززه تصريحات المسؤولين المصريين الذين لم يتوقعوا حدوث انفراجة قريبة في الأوضاع، وطلب سنوات عدة لتحقيق انتعاشة». وفق ما قاله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط».

الاستعانة بلقطة من فيلم «عنتر شايل سيفه» لعادل إمام (إكس)

وبينما سدّدت مصر، بحسب تصريحات رئيس وزرائها مصطفى مدبولي، ديوناً بقيمة 38.7 مليار دولار خلال عام 2024، فإنها مطالَبة في العام الجديد بدفع نحو 22 ملياراً، وفق بيانات البنك المركزي المصري. كما يتوقع متابعون وخبراء رفع أسعار الوقود في شهر أبريل (نيسان) من العام الجديد، مع انتهاء مدة عدم رفع أسعار الوقود التي حددتها الحكومة بـ6 أشهر.

ونوهت فايد إلى أن النداء الساخر بالعيش في عام «مستعمل» يشير إلى أن المصريين يعرفون أن العام الجديد سيكون امتداداً للأعوام السابقة التي شهدت أزمات وصعوبات عدة، موضحة أن هذه «التعليقات تحمل رسائل قوية تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية لتحقيق البهجة المفقودة».

ممشى النيل في القاهرة من الأماكن المفضلة للتنزه ليلاً (الشرق الأوسط)

في المقابل، أعرب متابعون وإعلاميون مصريون عن تفاؤلهم بتحسن الأحوال في العام الجديد؛ إذ يعولون على عقد صفقة تنهي الحرب في غزة، وتحسن معدلات الملاحة في قناة السويس بعد تكبد مصر خسائر فادحة جراء تحويل خطوط نقل عالمية مسارها الملاحي من القناة إلى «رأس الرجاء الصالح»، بسبب هجمات الحوثيين على سفن بالبحر الأحمر، كما توقعوا حدوث انتعاش كبير في تدفق السائحين إلى البلاد، لا سيما مع قرب الافتتاح الرسمي للمتحف الكبير، بجانب اجتذاب كبرى شركات الاستثمار.


مقالات ذات صلة

مصر تنفي تقارير إسرائيلية عن استعدادات لتدخل عسكري في اليمن

شمال افريقيا مصر تنفي تقارير إسرائيلية عن استعدادات لتدخل في اليمن (الشرق الأوسط)

مصر تنفي تقارير إسرائيلية عن استعدادات لتدخل عسكري في اليمن

نفى مصدر مصري مسؤول، الأحد، ما تناولته تقارير إعلامية إسرائيلية عن «قيام مصر باستعدادات بهدف التدخل العسكري في اليمن».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الاجتماع الوزاري لـ«اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بمصر» (الخارجية المصرية)

مصر تستعد لـ«مراجعة دورية» لملف حقوق الإنسان في جنيف

تستعد الحكومة المصرية لجلسة «المراجعة الدورية الشاملة» لملف حقوق الإنسان في البلاد، المقرر لها 28 يناير الحالي، في جنيف.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الري المصري يستعرض موقف مشروعات التعاون بين مصر ودول حوض النيل (وزارة الري المصرية)

مصر تُعزّز حضورها الأفريقي بالتوسع في مشروعات المياه

تعزز مصر حضورها الأفريقي بالتوسع في مشروعات المياه بدول القارة

عصام فضل (القاهرة )
شمال افريقيا مخاوف من تراجع جديد للجنيه أمام الدولار (تصوير: عبد الفتاح فرج)

سؤال 2025 الأبرز في مصر: أين سيذهب الدولار؟

«أين سيذهب الدولار؟» سؤال بات متكرراً في أوساط مصرية عدة، وسط مخاوف من تراجع جديد للجنيه أمام العملة الأميركية؛ ما ينذر بمزيد من الغلاء وارتفاع الأسعار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا في مثل هذا التوقيت من كل عام يتجدد جدل تهنئة المسيحيين بالأعياد (المركز الإعلامي للأزهر)

شيخ الأزهر يزور تواضروس وسط جدل متكرر حول «تهنئة المسيحيين» بالأعياد

زار شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بابا الإسكندرية، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، البابا تواضروس الثاني، في مقر الكاتدرائية المرقسية الكبرى بحي العباسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
TT

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

مع بداية العام الجديد، انتشر تحدٍّ جديد عبر تطبيق «تيك توك» باسم «هارد 75». وتُعدّ القواعد الأساسية لهذا التحدي أن عليك الالتزام بنظام غذائي صحي من دون وجبات إضافية أو كحوليات لمدة 75 يوماً.

بالإضافة إلى ذلك، في كل يوم من الأيام الـ75 عليك القيام بتمرينين لمدة 45 دقيقة؛ أحدهما في الخارج، وشرب أكثر من 3 لترات من الماء، وقراءة 10 صفحات من كتاب غير خيالي.

وأفادت «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)»، اليوم (الأحد)، بأن شخصين قالا إنهما أنهيا التحدي، فيما حذر الخبراء من أنه إذا بدا التحدي صارماً بعض الشيء؛ فقد يكون من الأفضل أخذه بشكل أكثر استرخاءً.

«مجالات جديدة عليّ أن أتعامل معها»

تعرف على ديفامشا جانبوت، البالغة من العمر 29 عاماً، التي أكملت التحدي في مارس (آذار) الماضي، أثناء عملها بدوام كامل مستشارة رقمية لشركة كبيرة. وتقول لـ«بي بي سي»: «لقد كان الأمر صعباً بالتأكيد. كما أنني أعيش في أدنبرة، وكان الجو مظلماً ورطباً وبارداً، وكان عليَّ القيام بأحد التدريبات في الخارج».

وتتابع ديفامشا أن أحد أصعب جوانب التحدي كان «وضع الحدود» عند زيارة عائلتها من جنوب آسيا حتى تتمكن من الالتزام بنظامها الغذائي.

وتقول ديفامشا: «كان الاضطرار إلى ممارسة الرياضة مرتين في اليوم والالتزام بنظام غذائي صارم أمراً غير مريح حقاً، ومجالات جديدة بالنسبة لي للتعامل معها، لأنني لم أجرِ هذه المحادثة من قبل»، ولكن منذ إكمال التحدي، لاحظت التأثيرات الدائمة حتى الآن، وتتابع: «أمارس الرياضة بانتظام أكثر، وتغيرت عادات القراءة وعلاقتي بالطعام».

في حين تحول التحدي الرياضي إلى ما يشبه الجنون على مدار الأسابيع القليلة الماضية، فقد اخترعه في الواقع المؤلف والمذيع آندي فريسيلا، في عام 2019. وقال في «البودكاست» الخاص به إنه أمضى «20 عاماً في اكتشاف كيفية إتقان القوة العقلية»، واستخدم هذه المعرفة لإنشاء الخطة.

وتابع المذيع أنه ليس مدرباً شخصياً مؤهلاً أو طبيباً، ولا يقدم إرشادات حول ما يُصنَّف على أنه نظام غذائي صحي في الخطة، ولكن يُفهم أنه يعني متوازناً وغنياً بالمغذيات.

وقد ظهرت أشكال أكثر مرونة من التحدي على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً؛ حيث يمكن للمشاركين تناول وجبة غير صحية أثناء ممارسة التمارين الرياضية والقراءة.

«لقد أذهلَتْني عائلتي وأصدقائي»

وفي سياق متصل، أكملت صوفي ديكينز، 27 عاماً، أيضاً التحدي، العام الماضي، أثناء عملها مساعدة مدير في إحدى دور السينما بلندن. وتقول إنها خاضت التحدي بعد صراع «مع الانضباط والاتساق» مع خطط أخرى، وتتابع: «لقد أصلحت نظامها الغذائي، فتوقفت عن تناول الشوكولاته والحلويات، ولكنها سمحت بأي شيء يحتوي على سكر طبيعي، مثل الفاكهة والعسل».

كما أعدَّت صوفي جميع وجباتها في المنزل، وتتبعت استهلاكها من البروتين والماء باستخدام تطبيق. وجدت أنه من المفيد منح نفسها مكافآت صغيرة، مثل قص أظافرها أو شراء كتاب جديد، لكن الجزء الأصعب بالنسبة لها كان التواصل الاجتماعي؛ حيث يدور هذا حول تناول الطعام في الخارج. ولحل هذه المشكلة، تشرح: «كنت صريحة للغاية بشأن ما كنت أفعله، لذا لم يكن هناك أي ضغط عندما وصلت إلى هناك (للمناسبات الاجتماعية)، ولكن كان لا يزال هناك انضباط ذاتي حقيقي للقيام بذلك».

ومنذ أن أكملت ذلك، التزمت ببعض أجزاء الخطة، مثل عدم تناول الطعام في الخارج أو شراء القهوة والكعك غير الضروريين، مما ساعدها على «توفير كثير من المال». وتتابع: «لكن الشيء الأكبر ربما هو تحول في طريقة تفكيري - التشجيع الذي حصلت عليه من معرفتي أنني أستطيع القيام بذلك، والأعذار حول الوقت والشك الذاتي قد ولَّت».

إيجابيات وسلبيات التحدي

لكن التحدي ليس للجميع، وهو أمر تريد مدربة القوة واللياقة البدنية، تانا فون زيتزويتز، أن يضعه أولئك الذين يفكرون في ذلك بالاعتبار. وتقول لـ«بي بي سي»: «أنت بحاجة إلى كثير من الوقت، ليس فقط للتدريبات، ولكن لقراءة الكتاب. يبدو أن الأمر يتطلب الكثير لمحاولة فعل كل ذلك في يوم واحد».

وتضيف تانا: «أعتقد بالتأكيد أن هناك عناصر يمكن للناس تنفيذها، مثل الالتزام بـ45 دقيقة من الحركة اليومية، والوعي بشرب المزيد من الماء، وتقليل وقت الشاشة، ولكن عليك أن تكون على دراية بما ينطوي عليه الأمر»، وتقول: «هناك كثير من الضغوط على الناس لتغيير حياتهم في هذا الوقت من العام».

وتقترح المدربة إيجاد طريقة «لتحدي نفسك مع كونك لطيفاً أيضاً»، بحيث تضيف المتعة والقيمة إلى كل يوم، دون أن تشعر بأن التمرين والطعام بمثابة عقاب.

من منظور طبي، من الصعب تحديد ما إذا كان التحدي مفيداً؛ إذ يشير طبيب عام في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، سام وايتمان، إلى أنه نظراً لأنه «لم تتم دراسته» في بيئة سريرية، فلا يمكن أن يدعي أنه سيغير حياتك بأي شكل من الأشكال. كما يقول إنه يجب مقارنته بنظام أكثر أساسية، لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يحقق نفس النتائج. ويتابع: «إذا كانت هذه طريقة للناس للخروج والنشاط، فأنا أؤيدها تماماً، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بما إذا كان هذا أفضل من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية 3 مرات في الأسبوع أو الركض مرة واحدة في الأسبوع وتناول الطعام الصحي، فلستُ متأكداً».

في حين يشجع التحدي الأشخاص على التقاط صور التقدم كل يوم، فإن الكثير من محتوى «تيك توك» حوله يركز على شعور الشخص في النهاية، بدلاً من مظهره، مما يساعد على تجنُّب الهواجس غير الصحية بالمظهر.