ليست إدارة التوتّر الذي بات خبزاً يومياً بالنسبة للبشر، مهمةً سهلة. فكيف إذا حاول المرء أن ينجز تلك المهمة تحت وطأة ظروفٍ قاسية وخارجة عن إرادته، كالحرب على سبيل المثال؟
انطلاقاً من هذا التحدّي ومن كل الثقل المُلقى على عاتق اللبنانيين في هذه الآونة التي يتعرّض فيها البلد للقصف والتدمير، بادرت مؤسسة «SPI» إلى تقديم دورة في إدارة التوتّر (stress management). يقول وائل جابر، مدير التطوير في المؤسسة، إن «نحو 300 شخص أبدوا اهتمامهم بالمشاركة في الدورة»، وليس هذا العدد سوى دليل على تعطّش النفوس إلى محاولة الشفاء ممّا يُتعبها.
يُعنى المعهد الكنديّ ذات الفروع المنتشرة حول العالم العربي، بتطوير القدرات الرياضية، البدنيّة منها والذهنيّة، وهي ليست المرة الأولى التي ينظّم فيها دورة كهذه. «الفرق هذه المرة أنها مجانية»، يلفت جابر في حديثه مع «الشرق الأوسط». باستثناء الشهادة، سيحصل المتدرّبون على المعلومات والنصائح والمتابعة من دون مقابل مادي، أما الدافع خلف مجّانيّة الدورة فيشرحه جابر قائلاً: «أردنا أن نساعد، على طريقتنا، مَن هم بحاجة للمساعدة في هذه المرحلة الصعبة. تعمّدنا أن تكون الدورة مجانية حتى نزيل كل مسبّبات التردّد أمام المشاركة فيها، لا سيّما أننا الآن في حرب والأولويات المادية هي لأمور أخرى».
دورة عابرة للحدود والموضوعات
رغم أن ما أوحى بإطلاقها كان الظرف اللبناني القاهر، فإن دورة إدارة التوتّر مفتوحة أمام الجميع، أينما وجدوا حول العالم. فهي ستُنظَّم عن بُعد وستُقسَم إلى جزأين: حصص مسجّلة يدخلها المتدرّبون عبر رابط حيث يتلقّون المعلومات، تليها لقاءاتٌ مباشرة مع جابر عبر تقنية «زوم» لمراجعة تلك المعلومات والإجابة عن أسئلتهم وتقديم مزيد من النصائح العمليّة.
تنطلق الدورة في 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتُختتم مع نهاية السنة، ليكون المتدرّب قد شارك بذلك في 14 جلسة تعليم ذاتي؛ مدة كل واحدة منها ساعة، و5 جلسات تدريب مباشر. أما أبرز الموضوعات والمهارات التي تغطّيها فهي: الاطّلاع على تركيبة الدماغ وكيفية عمله خلال اليوم وأثر التوتّر عليه، والتعمّق في مفهوم الامتنان (gratitude) والتمييز بين الامتنان الحقيقي والمزيّف، ومدخل إلى مهارات الحضور الواعي (mindfulness) وإدراك الفرق بينه وبين التأمل (meditation)، وأهمية تدوين اليوميات (journaling) أي الكتابة اليومية للاختبارات السلبية والإيجابية التي يمر بها المتدرّب خلال نهاره، وتمارين التنفّس، والتعرّف على مراتب تقدير الذات (self esteem)، والتعمّق في مفهوم التعاطف (compassion)، وإدارة تعدد المهام (multitasking).
توقّعات واقعية
يدعو جابر إلى التعامل بواقعيّةٍ مع هذه الدورة و«عدم التوقّع أن تشكّل حلاً سحرياً للتوتّر الناجم عن الحرب، لكنها في المقابل قد تكون مدخلاً للتركيز على أمور مختلفة ومفيدة، بعيداً عن الأخبار»، وفق تعبيره. يؤكّد أن العودة إلى تعاليم الدورة ومهارات إدارة التوتّر «في كل مرة نواجه فيها ظروفاً عصيبة، تساعد على تحفيز التفكير الإيجابي وعلى حَرف الانتباه عن كل ما هو سلبي».
أما الأشخاص المتضررون مباشرةً من الحرب، كالذين خسروا قريباً أو منزلاً أو تعرّضوا للنزوح، فيكون التركيز معهم خلال الدورة على التعاطف، الذي يلعب دوراً أساسياً في أوضاع كهذه. ويشدد جابر هنا على ضرورة التمييز بين التعاطف والشفقة. ثم يوضح أن ذلك لا يكفي، إذ يجب أن يترافق ما هو نظري مع الشق التطبيقي؛ أي تمارين التنفس، والمشي، والتأمّل وغيرها. ووفق جابر، فإنّ مَن ليسوا جاهزين فكرياً للتعامل مع توتّرهم، عليهم أن يبدأوا بالأنشطة الجسمانية.
في السياق الواقعي ذاته، يحرص جابر على إيضاح أن «إدارة التوتر ليست تمريناً على النكران، إذ ليس بالإمكان أن نحيد الطرف عمّا يدور حولنا من قتل وقصف ودمار وعنف، لكن بالإمكان تخفيف التعرّض لما يثير التوتّر، أي بدل مشاهدة الأخبار لـ5 ساعات، يُكتفى بساعة واحدة خلال اليوم». أما الهدف الأساسي من ذلك فهو التخفيف من الألم النفسي، ليَليَه لاحقاً التفكير في إمكانات تطوير الذات وتنمية الروح.
حكاية ريتا
أمضت ريتا خاطر الجزء الأكبر من حياتها رهينة «الفيبروميالجيا» أو الألم العضلي التليّفي، كما أرهقها التقرّح الحاد في المعدة. أدركت متأخرةً أن تلك العوارض كانت ناجمة عن أزمات نفسية تسببت بها مشكلاتٌ عائلية.
تخبر «الشرق الأوسط» بأنها شاركت للمرة الأولى في دورة إدارة التوتر من باب الفضول. «كنت حينها مستسلمة أمام أوجاعي وعجزي عن تحقيق شغفي في العمل، وهناك اكتشفت تطوير الجسد بالتوازي مع تطوير النفس». بعد تلك الدورة، لم تختفِ المشكلات من حياة ريتا، إلا أن كل ما تعلّمته شكّل دافعاً بالنسبة إليها كي تؤسس عملها الخاص وتبدأ في تحقيق أهدافها.
راكمت الدورات وهي ملتزمة منذ 4 سنوات بتمارين التنفس والتأمل. تقول إنها تعلمت التواصل مع المحيطين بها، وألّا تكبت الغضب في داخلها، وأن تستسلم لمشاعرها الإنسانية من دون صدّها. «آلامي خفّت كثيراً، وتقبّلت نفسي كما أنا، وركّزت على اكتشاف شغفي وتحقيقه».
نصائح لإدارة التوتّر
- المواظبة على تمارين المشي.
- الالتزام بتمارين التنفس العميق.
- تخصيص وقت قبل النوم لقراءة كتب خاصة بتطوير الذات.
- الحرص على عدم الاطّلاع على الأخبار قبل الخلود إلى النوم.
- الامتناع عن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي عند الاستيقاظ من النوم، لمدة ساعة على الأقل.
- تدوين 10 أمور إيجابية حصلت خلال اليوم، وتحويل هذا الأمر إلى تمرين مسائي يوميّ.