الأمل... نبتة تُزهر من قلب الدمار وتعودُ بمنافع كثيرة

علم النفس يصفه بردّ الفعل الطبيعي على المصائب والتحديات والحروب

جداريّة الأمل في وسط بيروت (فيسبوك)
جداريّة الأمل في وسط بيروت (فيسبوك)
TT

الأمل... نبتة تُزهر من قلب الدمار وتعودُ بمنافع كثيرة

جداريّة الأمل في وسط بيروت (فيسبوك)
جداريّة الأمل في وسط بيروت (فيسبوك)

فوق هدير الطيران الحربي تعلو أغنية «بكرا بيخلص هالكابوس وبدل الشمس بتضوي شموس». فالحرب، وإن كانت قدَراً محتوماً، اختار جزءٌ كبير من اللبنانيين أن يقاوموها بالأمل.

في مقابل المنصات الإخبارية التي تبثّ مشاهد القصف والدمار والموت، تواظب حساباتٌ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على نشر صورة لبنان الجميل، والتذكير بأيّامٍ حلوة مضت، وبمواسم أحلى آتية. هنا صورة لخليج بيروت وهو يتزيّن بألوان مغيبٍ ساحر، ومَن غير صوت فيروز يليق بتلك اللوحة صادحاً: «احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي».

والوطن ليس شاطئاً وثلجاً وأرزاً فحسب، بل هو بشرٌ يثبتون كل يوم، ورغم الحرب، أنّ قلوبهم مشغولة بالإنسانية، وأنّ ما يفعلون هو بريق الأمل الحقيقي وسط الخراب. من بين هؤلاء مجموعة من الناشطين الذين لم ينسوا الكائنات الأليفة، فهرعوا إلى إنقاذها من تحت بقايا منازل أصحابها في الجنوب وضاحية بيروت.

الأمل ابنُ الألم

لا يخطئ اللبنانيون إن تسلّحوا بالأمل؛ فحتى علم النفس يصنّف هذا الشعور الإنساني العابر للحدود والهويات والأزمنة والأعمار، في خانة غريزة البقاء. ودائماً، وفق علم النفس البشري، فإن الأمل أداة لجأ إليها الناس عبر التاريخ، كلّما واجهوا الكوارث والمِحَن، من أجل الاستمرار.

ليس في الحروب فحسب، بل في سائر محطات الحزن، يشهد كثيرون على ضوءٍ صغير يلمع في قلوبهم، حتى خلال أعمق لحظات اليأس. إنه الأمل الذي يتميّز عن سواه من مشاعر إنسانية، لكونه الشعور الإيجابي الوحيد الطالع من رحم السلبيّة. يُولَد الأمل من نقيضه، فالمرء لا يستحضره إلّا في الأوقات العصيبة.

الأمل هو الشعور الإيجابي الوحيد الطالع من رحم السلبيّة (أ.ف.ب)

تؤكّد المعالجة النفسية بيرلا سمعان تلك النظرية في حديثها مع «الشرق الأوسط»؛ إذ تقول إن «الأمل شعور يُولَد بالفطرة، ويتحرّك بفعل التحديات والمصاعب التي تواجه البشر، فيشكّل ردّ فعل طبيعياً تجاهها». بكلامٍ أوضح، فإنّ الآلام والصعوبات هي مبرّر الأمل وسبب وجوده. لا تستغرب سمعان بالتالي أن يكون الأمل مضاعفاً في نفوس اللبنانيين وسط الحرب التي يواجهون، وهي تفسّر ذلك بالقول: «كلّما قست الحياة علينا ترسّخ منطق تحدّي تلك القسوة وتَجاوزِها».

تتعدّد أشكال الأمل المُواكب للحرب، لكن يبقى أبرزها حلم العودة إلى القرى والبيوت التي تُركت بداعي النزوح. ورغم أن الحرب ما زالت دائرة، فإنّ النازحين يعيشون على ذلك الأمل.

أما مَن خسروا بيوتهم أو أقرباء لهم، فمن الصعب جداً عليهم استحضار الأمل. وتلفت الاختصاصية النفسية إلى أنّ «هذه الفئة من ضحايا الحرب بحاجة إلى دولة تحتويهم وأصدقاء يحتضنونهم وعلاجٍ نفسي يعيد ترميم ما تدمّر». وتشدّد سمعان في هذا الإطار على «ضرورة توفّر وسائل دعم معنوي في حالات كهذه، كي يعود الأمل تدريجياً».

الإرادة والتصميم... رفيقا الأمل

يسير الأمل جنباً إلى جنب مع الظروف الصعبة والأحاسيس الهدّامة، فيضخّ الطاقة والإلهام حتى في أكثر النفوس يأساً. لكن من الخطأ الاعتقاد بأنّه مجرّد أمنيات بأن الغد سيكون أجمل وبأننا نستطيع تحقيق كل ما نبتغي؛ فتلك الأفكار لا تكتمل من دون التسلّح بالتصميم على تحقيقها. يتطلّب الأمل بالتالي تفكيراً إيجابياً، وقوّة إرادة، وقدرة على التنفيذ والسير في اتجاه الأهداف.

تشدّد سمعان في هذا الإطار على ضرورة «أن يتوازى الأمل مع الإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف، أي الوسائل التي تسهّل الوصول إلى المُراد». أما عندما تكون تلك الأدوات، المعنوية منها والمادية، غير متوفّرة، ويصرّ المرء على توقّع حصول أمرٍ جيّد رغم ذلك، يخرج الأمل عن السياق الواقعي، وفق تعبير المعالجة النفسية. وهي تذكّر هنا بأهمية «الموازنة بين الواقع والمَرجو، والتمييز بين الأمل والتوقعات اللاواقعيّة».

ليس الأمل مجرّد أمنيات بل يجب أن يترافق مع قوّة إرادة (أ.ف.ب)

الأمل علاجٌ لعلّاتٍ كثيرة

وفق دراسة معمّقة أُجريت عام 2010 وخلُصت إلى توصيف الأمل بـ«رأس المال النفسي»، فإنّ الأشخاص المتسلّحين به يتمتّعون بصحة جسدية ونفسية أفضل من سواهم، كما أنهم يحققون نتائج مميّزة في مجالاتٍ كثيرة، كالرياضة، والدراسة، والعمل. حتى الأمراض المستعصية تسجّل نسبة شفاء أعلى لدى المصابين الذين لا يتخلّون عن الأمل.

يرفع الأمل من منسوب هرمون الإندورفين المعروفة بتخفيف الألم وبمَنح شعورٍ بالراحة؛ ما يساعد في تخفيض منسوب القلق والتوتّر والشعور بالعجز.

جداريّة الأمل دعماً لضحايا الحرب في أوكرانيا (رويترز)

نصائح للعناية بالأمل

صحيح أن الحرب خارجة عن إرادة ضحاياها، وأنها تُفرَض عليهم ولا يستطيعون التحكّم بظروفها ولا بمواعيد نهايتها، غير أن الأمل جزءٌ أساسي من الصمود في وجهها. وقد أصبح اللبنانيون، بما عاصروا من حروب، خبراء في تشييد جدران الصمود والاستثمار في الأمل.

تحت وطأة ما يحصل من قصفٍ وموتٍ ونزوحٍ وقلق، تنصح سمعان بـ«التركيز على الأمور التي باستطاعتنا التحكّم فيها، وليس ما هو خارج عن إرادتنا»؛ أي صبّ الاهتمام على العمل والصحة النفسية والجسدية وتقديم المساعدة للآخرين، والابتعاد قدر المستطاع عن متابعة الأخبار والأحداث السياسية والأمنية التي لا يمكن التحكّم بها.

طفلة لبنانية نازحة تحمل دميتها في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)

كما أنه من المفيد، وسط هذه الظروف، وضع أهدافٍ محدّدة وسهلة التحقيق حتى وإن كانت صغيرة وبسيطة، كالمواظبة على رياضة يومية، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو ري النباتات في المنزل مثلاً؛ فأي نشاطٍ منبثقٍ عن دورة الحياة الطبيعية يعزّز شيئاً من الأمل.

يبقى الأهمّ عدم صدّ الشعور باليأس ولا الحكم على الذات بقسوة، بل يجب استقبال ذلك الشعور ومحاولة فهمه وتبريره وسط ظروف الحرب القاسية، لكن من دون السماح له بالتحوّل إلى ضيفٍ دائم يسحب المعنويّات إلى القعر.

أزهار تنبت من حائط متشقّق اتّخذ شكل خريطة لبنان (مؤسسة إيكزوتيكا)

«هي أيامٌ صعبة، لكنها ستمضي». إنها العبارة الفضلى لدى اللبنانيين الجالسين في قلب فسحة الأمل. ولعلّ تلك الصورة التي نشرها أحد متاجر الورد في لبنان أصدق تعبيرٍ على تمسُّك أهل البلد بخيط الأمل، مهما كان رفيعاً، فالأمل زهرة تنبت من بين الأنقاض.


مقالات ذات صلة

كيف تكتشف علامات الاكتئاب لدى كبار السن؟

صحتك الافتقار إلى الروابط الاجتماعية أحد أسباب إصابة كبار السن بالاكتئاب (رويترز)

كيف تكتشف علامات الاكتئاب لدى كبار السن؟

الاكتئاب هو حالة صحية عقلية شائعة تقدر منظمة الصحة العالمية أن 5 % من البالغين يعانون منه... إليكم بعض العلامات والأعراض التي يجب الانتباه إليها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكثير من الناس يتحدثون بصوت عالٍ مع أنفسهم (أ.ف.ب)

خبراء يؤكدون: التحدث مع ذاتك بصوت عالٍ يعزز صحتك النفسية

يتحدث الكثير من الناس بصوت عالٍ مع أنفسهم، وهو ما يُطلق عليه عادةً الحديث الذاتي الخارجي أو الحديث الخاص، فما مميزات أو عيوب هذا الأمر؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك للذكاء العاطفي دور حيوي في التعامل مع تحديات الحياة (رويترز)

لماذا تحدث أشياء سيئة للأشخاص الطيبين؟... دليل السعادة في الأوقات الصعبة

الحياة رحلة مليئة بلحظات من السعادة، ولكن أيضاً التحديات والنكسات يمكن أن تجعلنا نشعر بالضياع والإحباط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استخدام الذكاء الاصطناعي للقيام بالكشف الأولي على المريض يمكن أن يؤدي للكشف عن كسور بالعظام قد يغفل عنها الإنسان (أ.ف.ب)

4 طرق لتحسين الرعاية الصحية بواسطة الذكاء الاصطناعي

يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة على تحقيق ثورة في الرعاية الصحية العالمية، خصوصاً مع وجود 4.5 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

الصحة النفسية للبنانيين في خطر... وخطة طوارئ وطنية لمواكبتهم

وضع «البرنامج الوطني للصحة النفسية» خطة مع عدد من النقابات والمنظمات؛ لمواجهة تفاقم الأزمات النفسية التي يعاني منها النازحون وغير النازحين في لبنان.

بولا أسطيح (بيروت)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.