تحولات تاريخية لضبط مواقيت الصلاة في قبلة المسلمين

في العهد السعودي تحولت ساعة مكة إلى توقيت دولي

في العشرين من رمضان عام 1432 للهجرة أعلنت السعودية افتتاح ساعة مكة المكرمة بوصفها أكبر ساعة في العالم (واس)
في العشرين من رمضان عام 1432 للهجرة أعلنت السعودية افتتاح ساعة مكة المكرمة بوصفها أكبر ساعة في العالم (واس)
TT

تحولات تاريخية لضبط مواقيت الصلاة في قبلة المسلمين

في العشرين من رمضان عام 1432 للهجرة أعلنت السعودية افتتاح ساعة مكة المكرمة بوصفها أكبر ساعة في العالم (واس)
في العشرين من رمضان عام 1432 للهجرة أعلنت السعودية افتتاح ساعة مكة المكرمة بوصفها أكبر ساعة في العالم (واس)

ترتفع أهمية الوقت في الحرمين الشريفين؛ لارتباطه بمواقيت الصلاة التي ينضبط على توقيتها ملايين المسلمين من ضيوف الرحمن، والتي تلتئم خلالها الصفوف كجسد واحد، وتتجه فيها القلوب والوجوه إلى القبلة، في لحظة إيمانية واحدة. ولضبط مواقيت الصلاة في الحرمين، تَعاهد القائمون عليهما عبر التاريخ، على استقطاب كل ما من شأنه أن يُسهل على ضيوف الرحمن أداء عباداتهم ونُسكهم في يسر وسهولة. وتعكس قصة ضبط مواقيت رفع الأذان والإقامة ومواعيد الصلوات صورة عن التحولات التي طرأت على أحد عناصر التسهيل على المسلمين في الحرمين الشريفين.

وحتى أوائل القرن العشرين، كانت المزولة آخِر ما وصلت إليه التطورات بشأن ضبط المواقيت في الحرمين، واتخذت الآلة أداة مؤقتة للأذان في الحرم المكي، واتخذت المزولة الشمسية لتحديد أوقات الصلوات، قبل أن يجري طباعة ونشر التقويم الهجري، وقد كانت مثبتة على سطح بئر زمزم ومؤرخة منذ عام 1023 للهجرة. وفي معرض عمارة الحرمين، تحتفظ أروقته بقطعة من جهاز المزولة، كشاهد تاريخي يوثق التحولات التي طرأت على الآلات التي اتخذت لقياس الوقت في الحرمين الشريفين، وما شهدته من قفزات وتحديثات استُخدمت فيها آخر التقنيات، وما يزيد من دقتها وضبطها لأوقات العبادات.

اتخذت المزولة الشمسية لتحديد أوقات الصلوات في الحرم المكي قبل أن تجري طباعة ونشر التقويم الهجري (هيئة العناية بالحرمين)

آلة حساب الوقت قديماً

كانت المزولة هي آلة ضبط التوقيت، منذ وضَعها لأول مرة الوزير جواد الأصفهاني في صحن المطاف وجعلها على طرف ركن الكعبة الشامي، وكان رئيس المؤذنين هو أول من يستعملها في المسجد الحرام، وفق تتبع تاريخي قدّمته «دارة الملك عبد العزيز» لآلة التوقيت التقليدية في الحرم المكي. والمزولة عبارة عن عصا مستقيمة أو شيء شاخص يُنصب على سطح أفقي، ويكون لها ظل يتغير بتغير مسار الشمس، وتتحدد الساعة من طول ظل العصا، وتُعرف بميزان الشمس.

ساعة مكة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز عام 1352 للهجرة وبرزت وسط عمران مكة العريق (دارة الملك عبد العزيز)

وفي عام 1023 للهجرة، وضع عالم الفلك، السيد بركات المغربي، مزولة من رخام المرمر الأبيض في المقام الشافعي فوق بئر زمزم. وخلال العهد السعودي، حظي الحرمان الشريفان بعناية خاصة، منذ وضع الملك عبد العزيز التزاماً تاريخياً، تَعاهده ملوك السعودية بالتتالي، لخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من أصقاع الأرض، وهو الأمر الذي انعكس على كل تفاصيل الواجب التاريخي للارتقاء بالخدمات، وتحسين تجربة الزائر، واستقطاب كل عناصر تسهيل وتيسير أداء المناسك، وزيارة قبلة المسلمين ومدينة الرسول الكريم. وعلى صعيد ضبط مواقيت الأذان والإقامة والصلوات، بدأت ملامح العناية السعودية بروح معاصرة ومتطلعة للتجديد مع إنشاء ساعة مكة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز عام 1352 للهجرة، وبرزت وسط عمران مكة العريق، وعُدّت آلية حديثة لضبط المواقيت، وتبليغ قاصدي الحرمين وجيرانه بالمواقيت على نحو دقيق.

ترتفع أهمية الوقت في الحرمين الشريفين لارتباطه بمواقيت الصلاة التي ينضبط على ساعتها ملايين المسلمين من ضيوف الرحمن (واس)

«ساعة مكة» رمز عالمي لمواقيت الصلاة

واستمرت الرعاية السعودية في إيلاء الحرمين الشريفين كل ما من شأنه التسهيل على المسلمين في رحاب الإيمان، وفي العشرين من رمضان عام 1432 للهجرة، أعلنت السعودية افتتاح ساعة مكة المكرمة بوصفها أكبر ساعة في العالم، وإطلاق توقيتها، بعد 4 أعوام من العمل على بنائها المميز بتفاصيله الجمالية والتقنية الدقيقة والإبداعية، وبعمر تشغيلي يمتد لثلاثمائة عام. وأصبحت منذ إطلاق توقيتها من رحاب مكة المكرمة بمكانتها الدينية الأثيرة في قلوب الملايين من المسلمين، وإرثها التاريخي العريق، رمزاً لمواقيت الصلاة في السعودية والعالم، وفي عام 2016 انضمت ساعة مكة المكرمة إلى شبكة التوقيت العالمي «UTC»، لتحصل المملكة بذلك على الاعتراف العالمي بتوقيتها.

وفي أعلى برج ساعة مكة، يفتح متحف متخصص أبوابه للزوار ويأخذهم في رحلة كونية إيمانية تحكي لهم طريقة قياس الوقت، بدءاً من الكون والمجرّات، وانتهاءً بساعة مكة المجاورة للحرم؛ مهوى أفئدة المسلمين ووجهة صلاتهم ورمز توقيت العالم الإسلامي. ويستعرض المتحف إسهامات المسلمين ودور المملكة في علوم الفضاء لسبر أغوار الكون الفسيح برؤية عميقة، والطرق التي اعتمدها الإنسان في قياس الوقت باستخدام كل من الساعتين الكونيتين؛ وهما الشمس والقمر، حتى أدق معايير الوقت وهي النانو ثانية، ومشاهدة تفاصيل صناعة أكبر ساعة في العالم، وروائع كل قطعة فيها، وكيف اجتمعت لتشكّل هذا الصرح والمَعلم الجليل، مقدماً لهم تجربة معززة بأحدث التقنيات التي تشرح لهم الميكانيكية الدقيقة التي تُسيّر عمل توقيت ساعة مكة.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
TT

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة»، ووصل الأمر إلى تقدم نائبة مصرية ببيان عاجل، طالبت خلاله بوقف عرض المسلسل.

وأثار العمل منذ بداية بثه على قنوات «ON» جدلاً واسعاً؛ بسبب تناوله قضايا اجتماعية عدّها مراقبون ومتابعون «شائكة»، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات العائلية المشوهة، وطالت التعليقات السلبية صناع العمل وأداء بطلاته.

وقالت النائبة مي رشدي، في البيان العاجل: «إن الدراما تعدّ إحدى أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم الصورة الذهنية للمجتمعات والشعوب سلباً أو إيجاباً لسرعة انتشارها، وهي انعكاس ومرآة للمجتمع».

وأضافت: «هناك عمل درامي (وتر حساس) يُعرَض هذه الأيام على شاشات القنوات التلفزيونية، يحتاج من المهمومين بالمجتمع المصري إلى تدخل عاجل بمنع عرض باقي حلقات هذا المسلسل؛ لما يتضمّنه من أحداث تسيء للمجتمع المصري بأسره؛ فهو حافل بالعلاقات غير المشروعة والأفكار غير السوية، ويخالف عاداتنا وتقاليدنا بوصفنا مجتمعاً شرقياً له قيمه الدينية».

وتدور أحداث المسلسل، المكون من 45 حلقة، حول 3 صديقات هن «كاميليا» إنجي المقدم، وابنة خالتها «سلمى» صبا مبارك، و«رغدة» هيدي كرم، وتقوم الأخيرة بإرسال صورة إلى كاميليا يظهر فيها زوجها «رشيد»، محمد علاء، وهو برفقة مجموعة فتيات في إحدى السهرات، في حين كانت «كاميليا» تشك في زوجها في ظل فتور العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة.

صبا مبارك ومحمد علاء في مشهد من المسلسل (قناة ON)

بينما تغضب «سلمى» من تصرف «رغدة» وتؤكد أنها ستكون سبباً في «خراب بيت صديقتهما»، وعند مواجهة كاميليا لزوجها بالصورة ينكر خيانته لها، ويؤكد لها أنها سهرة عادية بين الأصدقاء.

وتتصاعد الأحداث حين يعترف رشيد بحبه لسلمى، ابنة خالة زوجته وصديقتها، وتتوالى الأحداث، ويتبدل موقف سلمى إلى النقيض، فتبلغه بحبها، وتوافق على الزواج منه؛ وذلك بعد أن تكتشف أن كاميليا كانت سبباً في تدبير مؤامرة ضدها في الماضي تسببت في موت زوجها الأول، الذي تزوجت بعده شخصاً مدمناً يدعى «علي»، وأنجبت منه ابنتها «غالية».

وتعرف كاميليا بزواج سلمى ورشيد، وتخوض الصديقتان حرباً شرسة للفوز به، بينما يتضح أن الزوج الثاني لسلمى لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان قد سافر للخارج للعلاج من الإدمان، ويعود للمطالبة بابنته وأمواله.

ويتعمّق المسلسل، الذي يشارك في بطولته لطيفة فهمي، ومحمد على رزق، وأحمد طارق نور، ولبنى ونس، وتميم عبده، وإخراج وائل فرج، في خبايا النفس الإنسانية، وينتقل بالمشاهدين إلى قضايا اجتماعية مثل فكرة الانتقام، والتفريط في الشرف، وتدهور العلاقات بين الأقارب، وصراع امرأتين على رجل واحد.

وتعليقاً على التحرك البرلماني ضد المسلسل، عدّ الناقد المصري محمد كمال أن «الأمر لا يستدعي هذه الدرجة من التصعيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل بالفعل مليء بالعلاقات المشوهة، التي لا تقتصر على الخيانة الزوجية، وإنما تمتد إلى خيانة علاقة الأقارب والأصدقاء فيما بينهم؛ فيظهر معظم أبطال العمل غير أسوياء، فالشخصية الرئيسة الثالثة في العمل (رغدة) تخون أيضاً صديقتيها سلمى وكاميليا، وكل ما تسعى وراءه هو جني المال، والإساءة إليهما!».

ويتابع كمال: «فاجأتنا الأحداث كذلك بأن طليق سلمى، ووالد ابنتها كان ولا يزال مدمناً، وكان قد عقد اتفاقاً معها في الماضي بتزوير أوراق تفيد بوفاته؛ كي يثير شفقة والده، ويكتب ثروته بالكامل لابنته غالية، ويسافر هو للعلاج، مع وعدٍ بأنه لن يرجع، وهو جانب آخر من الأفعال المنحرفة».

كاميليا وسلمى... الخيانة داخل العائلة الواحدة (قناة ON)

ويتابع: «وهكذا كل شخوص المسلسل باستثناءات قليلة للغاية، فهناك مَن اغتصب، وسرق، وخان، وقتل، وانتحر، لكن على الرغم من ذلك فإني أرفض فكرة وقف عمل درامي؛ لأن المجتمعات كلها بها نماذج مشوهة، والمجتمع المصري أكبر مِن أن يمسه أي عمل فني، كما أن الجمهور بات على وعي بأن ما يراه عملٌ من خيال المؤلف».

ويرى مؤلف العمل أمين جمال أن «المسلسل انعكاس للواقع»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قضية احتدام الصراع أصبحت سمة غالبة على علاقات البشر عموماً، وموجودة في العالم كله، ولا يمكن أن تنفصل الدراما عن الواقع».

وتابع: «المسلسل يأتي في إطار درامي اجتماعي مشوق، لذلك نجح في أن يجتذب الجمهور، الذي ينتظر بعد عرض كل حلقة، الحلقة الجديدة في شغف، ويظهر ذلك في تعليقات المشاهدين على (السوشيال ميديا)».

وأشار إلى أنه «بالإضافة لتقديم الدراما المشوقة، في الوقت نفسه أحرص على تقديم رسائل مهمة بين السطور، مثل عدم الانخداع بالمظهر الخارجي للعلاقات؛ فقد تكون في واقع الأمر علاقات زائفة، على الرغم من بريقها، مثل تلك العلاقات التي تجمع بين أفراد العائلة في المسلسل، أو العلاقة بين الصديقات».

من جهتها، هاجمت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله المسلسل، وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا هذا الحشد لذلك الكم الكبير من الخيانات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب؟»، وقالت: «لست ضد أن تعرض الدراما أي موضوع أو قضية من قضايا المجتمع، على أن تقدم معالجة فنية بها قدر من التوازن بين الأبعاد المختلفة، لا أن تقتصر على جانب واحد فقط».

وعن القول إن العمل يقدم الواقع، تساءلت ماجدة: «هل هذا هو الواقع بالفعل؟ أم أن الواقع مليء بأشياء كثيرة بخلاف الخيانات وانهيار العلاقات بين الناس، التي تستحق مناقشتها في أعمالنا الدرامية، فلماذا يختار العمل تقديم زاوية واحدة فقط من الواقع؟».

وعدّت «التركيز على التشوهات في هذا العمل مزعجاً للغاية، وجعل منه مسلسلاً مظلماً».