انقسامات ديمقراطية تواكب ديناميكيات «حرب غزة»

قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)
قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)
TT

انقسامات ديمقراطية تواكب ديناميكيات «حرب غزة»

قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)
قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)

> الهجوم على المستشفى المعمداني في غزة دفع واشنطن وكثير من العواصم الأوروبية إلى جمع «أدلة» تشير إلى أن صاروخاً أطلقه الفلسطينيون خطأً هو المسؤول عن تلك المجزرة. لكن تبني الرئيس الأميركي جو بايدن السردية الإسرائيلية حياله بلا تحفظ أطلق ضغوطاً مضادة من أعضاء حزبه في الكونغرس، ولا سيما التيار اليساري، وكذلك الجماعات اليهودية التقدمية، الذين نظموا احتجاجاً على الحرب في مبنى الكابيتول.

بالنسبة لهذا التيار، كان تعامل بايدن مع العنف في إسرائيل وغزة مرفوضاً. ومع دعوة البيت الأبيض إلى إرسال 14 مليار دولار أميركي مساعدات لإسرائيل، يتعاطف كثرة من جمهور هذا التيار مع ضرورة تقديم المساعدة للفلسطينيين وتغيير ظروفهم السياسية والحياتية. ويعكس هذا التعاطف موجة تأييد قوية للفلسطينيين من جانب التقدميين، وخاصة الشباب منهم، يمكن أن تعرّض للخطر التحالف الهشّ الذي رعاه بايدن بعناية مع هذا التيار على مدى السنوات الثلاث الماضية. ومن تغيّر المناخ إلى القروض الطلابية إلى النشاط العمالي، استحوذت سياسات بايدن وخطابه على تأييد كثير من الليبراليين الذين طالما شككوا فيه. ومن ثم، تعهد كثير من القادة التقدميين البارزين في الصيف الماضي بدعمه لولاية ثانية.

أيضاً، انتقد موظفون حكوميون ومساعدون لأعضاء الكونغرس من الديمقراطيين رفض بايدن المتكرر وقف إطلاق النار في غزة، وقدّم بعضهم استقالته احتجاجاً. ووقّع 400 من موظفي الكونغرس، من دون الكشف عن هوياتهم، على رسالة إلى رؤسائهم يطالبون فيها بتغيير النهج الأميركي تجاه الحرب. وطالب الموقعون المشرّعين بالمطالبة بوقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية، والعودة الآمنة لحوالي 200 رهينة لدى «حماس»، وتوفير مساعدات إنسانية إضافية لغزة. وقال أحد المساعدين الديمقراطيين، الذين وقعوا على الرسالة، إنهم يخشون من أن البيت الأبيض وحملة بايدن «يقللان من أهمية التغيير الكبير في الرأي العام، تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني». وأوضح المساعد أن «كثيراً من الناخبين الشباب قد يمتنعون عن التصويت في الانتخابات المقبلة إذا خاب أملهم في بايدن». وأردف: «نحن قلقون من أن القرارات تعمل على تمكين ترمب وتجعل الناس يغادرون الحزب الديمقراطي».

وفعلاً، تكشف استطلاعات الرأي حول استجابة إسرائيل والولايات المتحدة للأزمة الحالية، عن وجود فجوة كبيرة بين الأجيال. ففي استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك، هذا الشهر، أعرب حوالي نصف الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة عن معارضتهم إرسال الولايات المتحدة أسلحة إلى إسرائيل. في المقابل، قال 59 في المائة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و49 سنة إنهم يوافقون على ذلك، مع دعمٍ أقوى في الفئات العمرية الأكبر سناً. وتعكس هذه الأرقام، جزئياً، تطوراً في المواقف تجاه إسرائيل، وخاصة في الحزب الديمقراطي.

أيضاً يتزايد الانقسام بشأن إسرائيل بشكل خاص، بسبب ظهور بايدن المتكرّر للدفاع عن إسرائيل، وبالتالي يهدد الجدل بتعقيد مسعاه للفوز بولاية أخرى. ومع أن الناخبين اليساريين، والشباب خصوصاً، يؤكدون أنهم لن ينسوا دعمه الكامل لإسرائيل. في المقابل، رغم إعراب الجاليات العربية والمسلمة عن غضبها من دعم بايدن الغارات على غزة، يظل ممكناً مع اقتراب موعد الانتخابات بعد سنة، أن تتراجع أخبار الحرب بحلول الوقت الذي يدلي فيه الأميركيون بأصواتهم. ورداً على سؤال حول تلك المعارضة، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، إن بايدن يدعم حق الأميركيين في التكلم علناً إذا شعروا أن الإدارة تفتقد الهدف. وأضافت: «في ما يتعلق بالاحتجاجات السلمية، من حق الناس القيام بذلك».

أما عمّار موسى، الناطق باسم حملة بايدن، فقال إن الرئيس «كان واضحاً في معارضته للإسلاموفوبيا»، ساعياً أيضاً إلى مقارنة تعامل بايدن مع القضايا التي تؤثر على المجتمعات الإسلامية والفلسطينية مع تعامل الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يتقدّم في استطلاعات الرأي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.

وللعلم، فإن ترمب بعدما سخر من رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيسها وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وأشاد بـ«ذكاء» حزب الله، تعرض لموجة انتقادات واسعة، بما فيها من حزبه. ومن ثم عاد ليعلن في حال فاز بالرئاسة، أنه سيفرض قيوداً على الهجرة مع المتعاطفين مع «حماس» ومنتقدي إسرائيل. كذلك تعهد ترمب بتوسيع حظر السفر الذي كان قد فرضه على عدة دول ذات غالبية إسلامية في ولايته الأولى، بما في ذلك رفض قبول اللاجئين من غزة.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي خلال عمليته في الضفة الغربية

المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية العسكرية في جنين بالضفة الغربية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي خلال عمليته في الضفة الغربية

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مقتل أحد جنوده في رابع أيام عمليته في الضفة الغربية المحتلة حيث يتركز القتال في مخيم جنين للاجئين.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
تحليل إخباري قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: المفاوضات تترقب «اقتراحاً نهائياً»

جولة مفاوضات جديدة مرتقبة هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار في غزة تشمل «مقترحاً أميركياً نهائياً» لوقف الحرب، وفق إعلام إسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قوات إسرائيلية تتحرك داخل مخيم جنين للاجئين في اليوم الرابع من العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية... 31 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

معارك دامية في جنين بالضفة الغربية لليوم الرابع

تدور معارك في مدينة جنين السبت مع مواصلة الجيش الإسرائيلي لليوم الرابع تواليا عمليته العسكرية الدامية «لمكافحة الإرهاب» في شمال الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي قوات الأمن الإسرائيلية تفحص سيارة انفجرت في محطة وقود بالضفة الغربية (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل «مهاجمين» اثنين في الضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إن قواته قتلت شخصين في واقعتين منفصلتين بالضفة الغربية، بعد أن تسلل أحدهما إلى مستوطنة وأطلق آخر النار على جنود بعد انفجار سيارته.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي سيارة محترقة عقب غارة إسرائيلية استهدفتها في قرية بجوار جنين في الضفة الغربية الجمعة (أ.ف.ب)

أسلحة الفلسطينيين في الضفة من إيران وإسرائيل

تقول إسرائيل إنها تسعى إلى تفكيك «40 كتيبة» لجماعات فلسطينية ناشطة في الضفة الغربية، مشيرة إلى امتلاكها عبوات ناسفة جُهزّت في إيران.

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (لندن)

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
TT

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)

هل يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للجلوس على طاولة المباحثات؟ بعد الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى أوكرانيا، التي تُعد الأولى على الإطلاق من جانب رئيس وزراء هندي بعد استقلال أوكرانيا عام 1991، من المرجح أن يسعى مودي بدأبٍ لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خاصة أنه يجري النظر إليه بوصفه حليفاً وثيقاً لروسيا ورئيسها. تأتي هذه الدفعة الدبلوماسية في وقت حرِج تدخل معه الحرب بين روسيا وأوكرانيا سنتها الثالثة دون أدنى مؤشر على انحسار الحرب. وحقاً أسفرت هذه الحرب عن معاناة إنسانية وخسائر اقتصادية، في حين يشعر المجتمع الدولي بقلق متزايد إزاء تداعياتها العالمية.

جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بعد ستة أسابيع من زيارة له إلى روسيا التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأثارت تلك الزيارة عاصفة انتقادات هائلة من حلفاء غربيين للهند، أشاروا فيها إلى أن نيودلهي تحاشت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ثم إنه لم يسبق أن خاض رئيس وزراء هندي رحلة بالقطار طوال 10 ساعات، برفقة وفد رفيع المستوى، لزيارة منطقة حرب.

الدبلوماسي الهندي السابق، فيفيك كاتجو، علّق على الأمر بقوله: «يُعدّ مودي واحداً من الزعماء الدوليين القلائل، الذين زاروا موسكو وكييف. وكان قد دعا باستمرار إلى اتخاذ مسار الدبلوماسية والحوار، لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا. وفي الواقع، أكد مودي لبوتين مباشرة، أثناء لقاءٍ جمعهما في أوزبكستان، خلال سبتمبر (أيلول) 2022، أن هذه ليست حقبة حرب. وجاء هذا الكلام بمثابة تعبير واضح، وإن كان غير مباشر، عن رفض مودي العمل العسكري الروسي».

وبالفعل، شدّد الزعيم الهندي، عبر مترجم: «نقول بصوت عالٍ وواضح: إننا ندعم احترام السيادة والسلامة الإقليمية». من جهته، نشر زيلينسكي، عبر قناته على «تلغرام»، مقطع فيديو عن لقائه بمودي، بينما ذكّر مودي بأنه أثناء زيارته لروسيا، الشهر الماضي، أخبر الرئيس الروسي بوتين بأنه «لا يمكن حل المشاكل في ساحة المعركة»، بل يجب علاجها، بدلاً عن ذلك، عبر «الحوار والدبلوماسية»، دون تأخير.

اتصال هاتفي بين مودي وبوتين

كان التساؤل الكبير، قبل زيارة رئيس الوزراء الهندي لأوكرانيا، ما إذا كانت هذه الزيارة محاولة لاحتواء الأضرار الجيوسياسية، على أثر ردود الفعل الغربية الغاضبة تجاه زيارته موسكو، الشهر الماضي، وما إذا كانت هذه رسالة إلى شركاء نيودلهي الغربيين بأن الهند ليست في صف بوتين.

لكن بعد زيارة أوكرانيا، رجّحت مصادر مطّلعة احتمال أن ينجح مودي في دفع الزعيمين المتحاربين، الروسي والأوكراني، للجلوس إلى طاولة التفاوض، وجهاً لوجه فيما يُعدّ أمراً حيوياً لإحلال السلام.

يُذكر أنه في الفترة السابقة، أجرى مودي اتصالاً هاتفياً بالرئيس الروسي، بعد يوم من مكالمته مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي عبّر فيها عن دعم الهند العودة المبكرة إلى مسار السلام والاستقرار.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الهندية أنه خلال المكالمة الهاتفية مع بوتين، أكد مودي أهمية الحوار والدبلوماسية، بالإضافة إلى «المشاركة الصادقة والعملية بين جميع الأطراف المعنية». ووفقاً لصحيفة الـ«موسكو تايمز»، أبلغ مودي بوتين بدعمه وضع نهاية سريعة للصراع الطاحن الدائر في أوكرانيا، بعد زيارته للأخيرة، الأسبوع الماضي. وأفادت الصحيفة بأن مودي سعى نحو تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات الدافئة تاريخياً بين الهند وروسيا، وبين مساعي بناء شراكات أمنية أوثق مع الدول الغربية، بوصفها «حصناً» في مواجهة المُنافس الإقليمي للهند؛ أي الصين.

وقال مودي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنه «تبادل وجهات النظر حول الصراع بين روسيا وأوكرانيا» مع بوتين، وتشارك معه في «رؤيته التي خرج بها من زيارته الأخيرة لأوكرانيا». وأفاد أيضاً بأنه «أكد التزام الهند الراسخ بدعم إقرار حل مبكر ودائم وسِلمي للصراع الدائر».

تجدر الإشارة هنا إلى أنه من المعروف وجود أواصر صداقة تربط بين مودي وبوتين. وتاريخياً، ارتبطت الهند بعلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد السوفياتي أولاً، ثم الاتحاد الروسي. وتميزت صلات البلدين بمصالح دفاعية قوية، ودعم موسكو لموقف نيودلهي بشأن قضية كشمير داخل الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد، قال هارش بانت، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة «أوبزرفر للأبحاث» بنيودلهي: «أعتقد أن مباحثات مودي تأتي في خِضم جهود هندية لتوصيل رسالة مفادها أنها جادة في استخدام نفوذها لحل هذا الصراع، وإثبات نفسها بصفتها فاعلاً مستقلاً. ولقد سبق أن تعرضت الهند لانتقاد على تأخرها في لعب هذا الدور، في الماضي، لذا فهي تتواصل مع البلدان الأكثر تورطاً في الصراع».

لا خطة سلام مقترحة حتى الآن

في الواقع لم تقترح نيودلهي أي خطة سلام لإنهاء الحرب. ومع ذلك، نظراً لكون الهند واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من روسيا والغرب، فإنها تأمل في دفع عملية التفاوض بين موسكو وأوكرانيا قُدماً. وهنا لا بد من التذكير بأن علاقات الهند بأوكرانيا، منذ استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفياتي، لم تكن وثيقة.

وهنا يوضح فيفيك كاتجو: «الحقيقة أن العلاقات الهندية الأوكرانية بدأت بشكل سيئ، ربما نسينا الآن أن أوكرانيا زوّدت باكستان بأكثر من 300 دبابة قتالية طراز (تي-80)، رغم اعتراضات الهند الشديدة، وأنها كانت أيضاً واحدة من الدول القليلة التي أدانت التجارب النووية التي أجرتها الهند عام 1998. طبعاً ألقى هذا ظلالاً طويلة على العلاقات بين البلدين، لكن مع ذلك، ينبغي عدم السماح لهذه التجارب بالتأثير سلباً على العلاقات الثنائية على الأمد البعيد. ثم إن رد الهند على عمل روسيا في شبه جزيرة القرم عرقل، هو الآخر، النمو الفاعل في العلاقات».

هل تستضيف الهند القمة الثانية للسلام؟

على أية حال، مع تصاعد الضغوط على روسيا وأوكرانيا للجلوس إلى طاولة التفاوض، وإنهاء الحرب التي لم تثمر سوى تفاقم التحديات الاقتصادية العالمية، تحاول الهند إيجاد موطئ قدم لها بصفتها «صانعة سلام». وقد وردت فكرة أن تكون الهند مقراً لقمة سلام بين روسيا وأوكرانيا، إذ قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي أخيراً: «أما فيما يخص قمة السلام، أعتقد حقاً أنه يجب عقد قمة السلام الثانية، وسيكون جيداً أن تُعقَد في إحدى دول الجنوب العالمي». وأردف، بعد يوم من استضافته الزعيم الهندي في كييف، قائلاً: «أخبرت رئيس الوزراء مودي بأنه يمكننا عقد قمة السلام العالمية في الهند، إنها دولة كبيرة وديمقراطية عظيمة... الديمقراطية الكبرى».

معلوم أن قمة السلام الأولى عُقدت في سويسرا، خلال يونيو (حزيران) الماضي. وأثناء لقائه زيلينسكي، أكد مودي التزام الهند باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، مؤكداً أن الحرب يجب تصفيتها عبر الحوار والدبلوماسية، وأن الهند «ليست محايدة، بل تقف بحزم إلى جانب السلام».

ارتبطت الهند بعلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد السوفياتي أولاً، ثم الاتحاد الروسي،

وتميّزت صلات البلدين بمصالح دفاعية قوية،

ودعم موسكو لموقف نيودلهي بشأن قضية كشمير

من جهته، أعرب هارش بانت عن اعتقاده أن زيارة مودي لأوكرانيا أكدت رغبة الهند في رؤية نهاية للصراع، «وجلوس كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات... إذ لا ترى الهند احتمالاً للحل دون وجود روسيا على الطاولة». وأوضح بانت: «لا تريد الهند أن يستمر الانفصال بين روسيا والغرب إلى الأبد؛ لأن هذا يعني مزيداً من التقارب بين موسكو وبكين، ثم إن الهند ترغب كذلك في وجود أوروبا مستقرة، تستطيع بعد ذلك لعب دور أكبر في ضمان استقرار المنطقة المُطلة على المحيطين الهندي والهادئ. هذا أمر بالغ الأهمية للهند. الهند لا تريد حتماً أوروبا منهمكة في تحدياتها الداخلية، بدلاً من اضطلاعها بدور عالمي».

زيلينسكي وخطوطه الحمراء

خلال مؤتمر صحافي، بمشاركة عدد من الصحافيين الهنود، بعد مغادرة مودي كييف، رحّب زيلينسكي بزيارة رئيس الوزراء الهندي، لكنه أطلق، ضمن كلامه، عدة مواقف، فقال: «أخبرت رئيس الوزراء مودي بأنه يمكننا عقد قمة سلام عالمية في الهند... لكننا لن نتمكن من عقد قمة سلام في دولة لم تنضمّ إلى البيان الصادر عن قمة السلام الأولى».

ولمّح زيلينسكي كذلك بشكل غير مباشر إلى مغامرات الصين على طول حدودها مع الهند، إذ قال: «إذا كان هناك ما يبرّر تصرفات بوتين، فأنا واثق من أنه ستكون هناك عواقب في أجزاء أخرى من العالم، فيما يتعلق بانتهاك سلامة الأراضي». وانتقد واردات الهند من النفط الروسي الرخيص، لمساعدة «اقتصاد الحرب» في موسكو، متابعاً: «إذا أوقفت الهند شراء النفط، فستواجه روسيا مشاكل وتحديات كبيرة».

توازن بين العلاقات أم استهداف لروسيا؟

لقد كان التساؤل الكبير قبل زيارة مودي لأوكرانيا عما إذا كان الهدف منها السيطرة على الأضرار الجيوسياسية، بعد الانتقادات الغربية لزيارته إلى موسكو. أما الآن، بعد انتهاء الزيارة، فيبدو أن التساؤل الأهم بات عما إذا كانت الزيارة قد نقلت رسالة خفية إلى موسكو. ووفق بعض الدلائل، هذا قد يكون صحيحاً.

الصحافية الهندية بيا كريشنامورثي ترى أن الزيارة «سلّطت الضوء على التوازن الدقيق الذي حققته نيودلهي في علاقاتها مع الغرب وروسيا إبّان الحرب الجارية، بينما يسعى نهج الهند المتعدد الأطراف إلى تعزيز مصالحها الوطنية وثقلها الإقليمي. وفي الوقت الذي زار فيه مودي النصب التذكاري للأطفال الذين قُتلوا خلال الحرب في المتحف الوطني للتاريخ بأوكرانيا، ووقف بجانب زيلينسكي، وذراعه ملتفّة حول الرئيس الأوكراني، أعرب مودي، لاحقاً، عن حزنه العميق على وفاة أطفال روس».

وبدا أن حسابات زيلينسكي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل بالتناغم مع حسابات رئيس الوزراء الهندي، فقد كتب زيلينسكي: «اليوم، في كييف، احتفيت أنا، ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، بذكرى الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب العدوان الروسي. يستحق الأطفال في كل بلد أن يعيشوا في أمان. يجب أن نجعل هذا ممكناً»، وشارك مقطع فيديو لمودي وهو يزور النصب التذكاري.

وأضافت كريشنامورثي: «هذه البادرة لإظهار الحداد ذات مغزى خاص، عندما تقترن بزيارة مودي لموسكو، التي تزامنت مع ضربة صاروخية روسية على مستشفى للأطفال في كييف. والدليل الثاني على رسالة محتملة إلى موسكو، الإشارة الصريحة لمسألة الدفاع في البيان المشترك بين أوكرانيا والهند، إذ أشار البيان إلى الدور الحاسم للمحرّكات الأوكرانية في السفن الحربية الهندية، وجاء هذا الذكر الصريح لمبادرات الدفاع المشتركة بمثابة مفاجأة. ومن المحتمل أن يثير هذا حفيظة موسكو، التي طالما أقامت علاقة دفاعية وأمنية قوية مع نيودلهي. وما زاد حجم الإثارة أن وزير دفاع مودي كان في واشنطن العاصمة، حيث وقَّع اتفاقيتين جديدتين، في أثناء وجود مودي نفسه في كييف».

تنافس هندي ــ صيني في مجال صنع السلام

مع طرح كل من الهند والصين نفسيهما، بشكل متزايد، بصفتيهما لاعبين أساسيين في الدبلوماسية العالمية، تحولت الحرب في أوكرانيا إلى ساحة لعرض قدراتهما في صنع السلام.حول هذا الجانب، شرح أمي فيلانجي، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، الذي يعمل حالياً زميلاً في جامعة تشاناكيا الهندية، أن «الأدوار المتطورة للعملاقين الآسيويين لا تعكس طموحاتهما على الساحة العالمية فحسب، بل تؤكد كذلك التفاعل المعقّد بين المصالح الاستراتيجية والحقائق العملياتية، في خِضم السعي لتحقيق السلام بأوكرانيا».وتابع: «تميَّز دور الصين في حرب أوكرانيا بالمشاركة الحذِرة، وموازنة علاقاتها العميقة مع روسيا، ومصالحها في الحفاظ على علاقات اقتصادية مع أوروبا والغرب الأوسع. وفي وقت سابق من هذا العام، قدّمت الصين خطة سلام من 12 نقطة، دعت إلى وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات. ومع ذلك قوبلت هذه الخطة بالتشكك، خصوصاً من أوكرانيا وحلفائها الغربيين، الذين عدُّوا اقتراح بكين بمثابة دعم خفي لموقف روسيا». وأضاف: «أما تورط الهند في حرب أوكرانيا فجاء أكثر تحفظاً، ما يعكس التزامها التاريخي باللاالانحياز والاستقلال الاستراتيجي». وكشفت زيارة مودي إلى كييف عن استعداد الهند للعب دور أكثر نشاطاً في الصراع، ما قد يجعل منها وسيطاً للسلام. وبعكس الصين، لا يثقّل على الهند المستوى نفسه من الالتزام الاستراتيجي تجاه روسيا أو أوكرانيا، ما يمنحها ميزة فريدة تتمثل في النظر إليها بوصفها لاعباً أكثر حيادية.في المقابل، شككت صحيفة «غلوبال تايمز»، الناطقة الرسمية باسم الصين، في إمكانية اضطلاع الهند بدور «صانع سلام». وذكرت أن التركيز الأساسي لنيودلهي ليس على الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بل على تحقيق توازن في علاقاتها مع روسيا والغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة. يُذكر أنه في يوليو (تموز) الماضي، أثارت زيارة مودي لروسيا استياءً شديداً لدى الولايات المتحدة والغرب.