انقسامات ديمقراطية تواكب ديناميكيات «حرب غزة»

قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)
قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)
TT

انقسامات ديمقراطية تواكب ديناميكيات «حرب غزة»

قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)
قوات إسرائيلية محتشدة على اطراف قطاع غزة (رويترز)

> الهجوم على المستشفى المعمداني في غزة دفع واشنطن وكثير من العواصم الأوروبية إلى جمع «أدلة» تشير إلى أن صاروخاً أطلقه الفلسطينيون خطأً هو المسؤول عن تلك المجزرة. لكن تبني الرئيس الأميركي جو بايدن السردية الإسرائيلية حياله بلا تحفظ أطلق ضغوطاً مضادة من أعضاء حزبه في الكونغرس، ولا سيما التيار اليساري، وكذلك الجماعات اليهودية التقدمية، الذين نظموا احتجاجاً على الحرب في مبنى الكابيتول.

بالنسبة لهذا التيار، كان تعامل بايدن مع العنف في إسرائيل وغزة مرفوضاً. ومع دعوة البيت الأبيض إلى إرسال 14 مليار دولار أميركي مساعدات لإسرائيل، يتعاطف كثرة من جمهور هذا التيار مع ضرورة تقديم المساعدة للفلسطينيين وتغيير ظروفهم السياسية والحياتية. ويعكس هذا التعاطف موجة تأييد قوية للفلسطينيين من جانب التقدميين، وخاصة الشباب منهم، يمكن أن تعرّض للخطر التحالف الهشّ الذي رعاه بايدن بعناية مع هذا التيار على مدى السنوات الثلاث الماضية. ومن تغيّر المناخ إلى القروض الطلابية إلى النشاط العمالي، استحوذت سياسات بايدن وخطابه على تأييد كثير من الليبراليين الذين طالما شككوا فيه. ومن ثم، تعهد كثير من القادة التقدميين البارزين في الصيف الماضي بدعمه لولاية ثانية.

أيضاً، انتقد موظفون حكوميون ومساعدون لأعضاء الكونغرس من الديمقراطيين رفض بايدن المتكرر وقف إطلاق النار في غزة، وقدّم بعضهم استقالته احتجاجاً. ووقّع 400 من موظفي الكونغرس، من دون الكشف عن هوياتهم، على رسالة إلى رؤسائهم يطالبون فيها بتغيير النهج الأميركي تجاه الحرب. وطالب الموقعون المشرّعين بالمطالبة بوقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية، والعودة الآمنة لحوالي 200 رهينة لدى «حماس»، وتوفير مساعدات إنسانية إضافية لغزة. وقال أحد المساعدين الديمقراطيين، الذين وقعوا على الرسالة، إنهم يخشون من أن البيت الأبيض وحملة بايدن «يقللان من أهمية التغيير الكبير في الرأي العام، تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني». وأوضح المساعد أن «كثيراً من الناخبين الشباب قد يمتنعون عن التصويت في الانتخابات المقبلة إذا خاب أملهم في بايدن». وأردف: «نحن قلقون من أن القرارات تعمل على تمكين ترمب وتجعل الناس يغادرون الحزب الديمقراطي».

وفعلاً، تكشف استطلاعات الرأي حول استجابة إسرائيل والولايات المتحدة للأزمة الحالية، عن وجود فجوة كبيرة بين الأجيال. ففي استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك، هذا الشهر، أعرب حوالي نصف الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة عن معارضتهم إرسال الولايات المتحدة أسلحة إلى إسرائيل. في المقابل، قال 59 في المائة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و49 سنة إنهم يوافقون على ذلك، مع دعمٍ أقوى في الفئات العمرية الأكبر سناً. وتعكس هذه الأرقام، جزئياً، تطوراً في المواقف تجاه إسرائيل، وخاصة في الحزب الديمقراطي.

أيضاً يتزايد الانقسام بشأن إسرائيل بشكل خاص، بسبب ظهور بايدن المتكرّر للدفاع عن إسرائيل، وبالتالي يهدد الجدل بتعقيد مسعاه للفوز بولاية أخرى. ومع أن الناخبين اليساريين، والشباب خصوصاً، يؤكدون أنهم لن ينسوا دعمه الكامل لإسرائيل. في المقابل، رغم إعراب الجاليات العربية والمسلمة عن غضبها من دعم بايدن الغارات على غزة، يظل ممكناً مع اقتراب موعد الانتخابات بعد سنة، أن تتراجع أخبار الحرب بحلول الوقت الذي يدلي فيه الأميركيون بأصواتهم. ورداً على سؤال حول تلك المعارضة، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، إن بايدن يدعم حق الأميركيين في التكلم علناً إذا شعروا أن الإدارة تفتقد الهدف. وأضافت: «في ما يتعلق بالاحتجاجات السلمية، من حق الناس القيام بذلك».

أما عمّار موسى، الناطق باسم حملة بايدن، فقال إن الرئيس «كان واضحاً في معارضته للإسلاموفوبيا»، ساعياً أيضاً إلى مقارنة تعامل بايدن مع القضايا التي تؤثر على المجتمعات الإسلامية والفلسطينية مع تعامل الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يتقدّم في استطلاعات الرأي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.

وللعلم، فإن ترمب بعدما سخر من رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيسها وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وأشاد بـ«ذكاء» حزب الله، تعرض لموجة انتقادات واسعة، بما فيها من حزبه. ومن ثم عاد ليعلن في حال فاز بالرئاسة، أنه سيفرض قيوداً على الهجرة مع المتعاطفين مع «حماس» ومنتقدي إسرائيل. كذلك تعهد ترمب بتوسيع حظر السفر الذي كان قد فرضه على عدة دول ذات غالبية إسلامية في ولايته الأولى، بما في ذلك رفض قبول اللاجئين من غزة.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي خلال عمليته في الضفة الغربية

المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية العسكرية في جنين بالضفة الغربية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي خلال عمليته في الضفة الغربية

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مقتل أحد جنوده في رابع أيام عمليته في الضفة الغربية المحتلة حيث يتركز القتال في مخيم جنين للاجئين.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
تحليل إخباري قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: المفاوضات تترقب «اقتراحاً نهائياً»

جولة مفاوضات جديدة مرتقبة هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار في غزة تشمل «مقترحاً أميركياً نهائياً» لوقف الحرب، وفق إعلام إسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قوات إسرائيلية تتحرك داخل مخيم جنين للاجئين في اليوم الرابع من العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية... 31 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

معارك دامية في جنين بالضفة الغربية لليوم الرابع

تدور معارك في مدينة جنين السبت مع مواصلة الجيش الإسرائيلي لليوم الرابع تواليا عمليته العسكرية الدامية «لمكافحة الإرهاب» في شمال الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي قوات الأمن الإسرائيلية تفحص سيارة انفجرت في محطة وقود بالضفة الغربية (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل «مهاجمين» اثنين في الضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إن قواته قتلت شخصين في واقعتين منفصلتين بالضفة الغربية، بعد أن تسلل أحدهما إلى مستوطنة وأطلق آخر النار على جنود بعد انفجار سيارته.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي سيارة محترقة عقب غارة إسرائيلية استهدفتها في قرية بجوار جنين في الضفة الغربية الجمعة (أ.ف.ب)

أسلحة الفلسطينيين في الضفة من إيران وإسرائيل

تقول إسرائيل إنها تسعى إلى تفكيك «40 كتيبة» لجماعات فلسطينية ناشطة في الضفة الغربية، مشيرة إلى امتلاكها عبوات ناسفة جُهزّت في إيران.

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (لندن)

أميركا: تحذيرات إلى هاريس من الركون لأرقام الاستطلاعات... وهزيمة ترمب ليست حتمية

الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)
الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)
TT

أميركا: تحذيرات إلى هاريس من الركون لأرقام الاستطلاعات... وهزيمة ترمب ليست حتمية

الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)
الرئيس بايدن يلقي كلمته في المؤتمر (بلومبرغ)

بعد مرور أكثر من شهر على المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، الذي ثبّت رسمياً ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبه جيمس دي فانس، لخوض سباق الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أنهى الحزب الديمقراطي، الخميس، مؤتمره الوطني بتأكيد ترشيح كامالا هاريس ونائبها حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، على بطاقة السباق نفسه. المؤتمران أظهرا حملتين رئاسيتين تجسّدان هويتين ثقافيتين واجتماعيتين مختلفتين للغاية، وقدّما تناقضاً صارخاً للناخبين ولمستقبل الولايات المتحدة. ولقد بدا الانقسام أكثر وضوحاً من أي وقت مضى منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، ما أدى إلى قلب سباق كان يضم رجلين أبيضين وُلدا في الأربعينيات من القرن الماضي، مفسحاً المجال لامرأة أصغر سناً ومتعددة الأعراق أن تحل محله. ولكن مع هذا، لا يزال على حملة الحزب الديمقراطي أن تختصر الزمن في عملية تقديم هاريس، ليس للناخب الأميركي فقط بل لجمهور الحزب نفسه، الذي بدا قبل شهر وكأنه استسلم لاحتمال أن ترمب عائد إلى البيت الأبيض.

في خطاب كامالا هاريس قبولها ترشيح الحزب، قدمت نائبة الرئيس الحالية سردية شخصية ركّزت على أنها نتاج عائلة من الطبقة المتوسطة جعلت من العمل الدائم في حياتها هو الدفاع عن الناس، ومقارنة رؤيتها للمستقبل مع «الخطط المظلمة والخطيرة» لدونالد ترمب.

أمام الديمقراطيين الذين يتطلعون عبر هاريس للحفاظ على الزخم الذي اكتسبوه، وتحديد وتيرة الحملة، أقل من 75 يوماً لبناء حيثيتها. وهي، بخلاف شخصيات مثل باراك أوباما وبيل كلينتون، لم تكن معروفة أبداً بخطبها الحماسية، كما أنها بحاجة إلى تغيير صورة «المدعية العامة». ومع ذلك، يقول العديد من الديمقراطيين إن اجتماعاتها الحاشدة منذ أصبحت المرشحة الرئاسية أظهرت ارتياحاً أكبر لدورها.

الظهور المفاجئ لكمالا هاريس في الليلة الأولى من فعاليات المؤتمر الوطني الديكقراطي في شيكاغو (آ ب)

شعار ديمقراطي جديد

ومقابل تمسك ترمب بشعاره الشهير، الذي رفعه قبل 8 سنوات، «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، غيّرت هاريس وحزبها الديمقراطي شعار «الدفاع عن الديمقراطية»، الذي رفعته حملة بايدن قبل انسحابه من السباق، بشعار «الدفاع عن الحرية». وحول ذلك، يقول الديمقراطيون إنه لهزيمة ترمب، لا يكفي فقط التحذير من خطره على الديمقراطية، بل من برنامجه «المعادي للحرية»، مستشهدين بالوثيقة الجمهورية المسماة «مشروع 2025»، التي يرون أنها تروّج لخنق الحريات وتحويل الحكومة إلى «أتباع» لترمب.

يوم الأربعاء الفائت، خصّص برنامج المؤتمر بأكمله لموضوع «الكفاح من أجل حرياتنا»، لإعادة تعريف أخطار السباق، عله يعطي الديمقراطيين دفعة جديدة، ويلقى صدى لدى الناخبين، وبالأخص لدى المستقلين ذوي الميول اليمينية، والجمهوريين الساخطين، الذين تكلم بعضهم في اليوم الثاني للمؤتمر، عن ترمب وخطورته.

بالتوازي، في تجمع انتخابي لهاريس ووالز في مدينة ميلووكي، بولاية ويسكونسن، ليلة الثلاثاء، جرى بث جزء منه في مؤتمر الحزب في شيكاغو، رُفعت لافتات «الحرية»، وصرخت هاريس: «هل نؤمن بالحرية؟»، ليردّد الحشد: «نعم».

مراقبون عدّوا اختيار هاريس هذا الشعار، وسيلة أفضل لاستخدامها في التعبير عن الكثير من القضايا ذات التأثير الملموس على حياة الناس اليومية، بما في ذلك حق الإجهاض، والحق في اختيار التعليم، والسيطرة على الأسلحة والاقتصاد. ووفق بريان فالون، الناطق باسم حملة هاريس: «النقطة الأساسية لنائبة الرئيس هي نفس نقطة أولئك الذين يتذرّعون بالديمقراطية، لكنها تعتقد أن مناقشتها من حيث الحريات الأساسية تجعلها ملموسة أكثر فيما يتعلق بما سيخسره الأميركيون في ظل رئاسة ترمب».

الرئيس الأسبق بيل كلينتون... يحيي ويخطب ويهاجم ترمب (غيتي)

الديمقراطية ليست حافزاً

تقول صحيفة «الواشنطن بوست» إن ما دفع هاريس لتغيير شعار بايدن، هو استطلاعات الرأي التي أظهرت أنه في الفترة التي سبقت انسحابه من السباق، وتخلّفه بشكل كبير، لم تعُد رسالة «الديمقراطية» حافزاً، وأن أعداداً كبيرة من ناخبي ست ولايات فاز بها بايدن بفارق ضئيل عام 2020، قالوا إنهم يثقون بترمب في التعامل مع التهديدات للديمقراطية أكثر من بايدن. وذكر معظمهم أن الضوابط الموضوعة لحماية المؤسسات الديمقراطية ستصمد، حتى لو حاول ديكتاتور السيطرة على البلاد.

يُذكر هنا أن ترمب كان قد أعلن أنه سيكون ديكتاتوراً في «اليوم الأول»، ولكن ليس بعد ذلك. وكرّر الادعاء أنه «المدافع الحقيقي» عن الديمقراطية؛ لأنه يحارب الملاحقات القضائية التي ترقى إلى مستوى «التدخل في الانتخابات».

وبالأمس، صوّر كبار الديمقراطيين استخدامهم لكلمة «الحرية» على أنه استعادة للمعتقد الأميركي الأساسي الذي ظل لفترة طويلة حكراً على الحزب الجمهوري. وحقاً تساءل السيناتور تشارلز شومر، زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، يوم الأربعاء: «من كان يظن أن الحرية ستكون شعار الحزب الديمقراطي، وليس الحزب الجمهوري؟».

مع هذا، بدا أن مؤتمر الحزب الديمقراطي لم يتمكن بعد من جسر الهوة التي لا تزال تشير إلى مسألة الفوز في السباق الرئاسي، والحفاظ على سيطرته على مجلس الشيوخ، وتجديد سيطرته على مجلس النواب، ليست مضمونة.

على الأقل هذا ما أشار إليه العديد من قيادات الحزب، وعلى رأسهم الرئيس السابق أوباما وزوجته ميشيل، في خطابيهما أمام المؤتمر.

هزيمة ترمب ليست حتمية

وما يعزز تلك المخاوف هو أن استطلاعات الرأي، ورغم إظهارها تحسّن أرقام هاريس وتقدّمها في بعض الولايات المتأرجحة، لتظهر أيضاً أن السباق متقارب، وأن هزيمة ترمب والجمهوريين، قد لا تكون سهلة.

وفي هذا الاتجاه، نقلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن ديفيد أكسلرود، المستشار السابق لأوباما، تحذيره للديمقراطيين بأن عليهم ألا ينخدعوا بأرقام استطلاعات الرأي الجيدة التي حققتها هاريس؛ «لأن استطلاعات الرأي غالباً ما تقلل من شأن الدعم الحقيقي لترمب». وتابع أكسلرود: «نعم، على الجميع أن يدركوا تماماً أن هذا سباق يمكنه الفوز به... وفي الواقع، إذا أجريت الانتخابات اليوم، أعتقد أنه سيفوز، على الرغم من تلك الاستطلاعات».

من جهة ثانية، بينما يعرض المرشّحون وتجمّعاتهم وفعالياتهم الانتخابية، جانبين منقسمين من أميركا، حسب التركيبة السكانية والمحاور الثقافية، وليس فقط حول الحزب والسياسة، تظهر الاستطلاعات أن حركة ترمب التي تغذيها المظلومية، مليئة بالحنين إلى الماضي وفترة ولايته، والخوف والغضب من كيفية تغيير الهجرة والعلمنة لتركيبة البلاد الديمغرافية على حساب البيض.

ترمب أطلق بالأمس تحذيرات خطيرة بشأن أمن الحدود الجنوبية، كما وعد باتخاذ إجراءات صارمة ضد «جنون المتحولين جنسياً»، وتمسّك بادعاءاته حول خسارته زوراً انتخابات عام 2020، وقلل من شأن منتقديه وتعهد بالانتقام من أعدائه المفترضين. وحول ما سبق، علّق أكسلرود بأن لدى ترمب «عبقرية قاسية» في إثارة مناصريه، وسوف يتوجهون إلى صناديق الاقتراع للتعبير عن سخطهم. وأردف أن الاستطلاعات لا تزال تشير إلى أن الولايات المتحدة «دولة تسير على المسار الخاطئ بنسبة 65 في المائة، ولا تزال رسالة ترمب بأن العالم خارج نطاق السيطرة يتردّد صداها».

في المقابل، نجحت هاريس بالحصول على «طاقة جديدة» من الناخبين الشباب والأشخاص الملوّنين الذين يقولون إنهم يشعرون بالقلق من أن ترمب سيعيد أميركا إلى الوراء، حيث تواجه النساء والملونون ومجتمع المثليين وغيرهم المزيد من التحديات. وهو ما عبرت عنه في خطابها أمام المؤتمر الذي حرص على دفع الحشود إلى إطلاق صيحات الاستهجان ضد ترمب، وعلى ارتياحهم في إشارتها إلى «المستقبل»، الذي كان من المتعذّر ربطه ببايدن.

«التقدميون» يدعمون هاريس رغم غزة

هنا، لا يخفى أن شريحة واسعة من هذا الجمهور تدين بالولاء للتيار «التقدمي» الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في دفع الحزب لتبني بعض أجندته إزاء السياسة الاقتصادية وتغير المناخ والعلاقات الدولية. إلا أنه بعد فشله في دفع الحزب لتبني المزيد من برامجه، شعر كثيرون من هذا الجناح وكأنهم ينتصرون في الحرب الآيديولوجية من خلال احتضان الرئيس بايدن لبعض أكثر أولوياتهم ليبرالية.

ولكن مع استمرار الحرب في غزة، بدأ «التقدّميون» يتساءلون عن حجم التغيير الذي يمكنهم إحداثه داخل الحزب. ورغم أنهم أصيبوا بخيبة أمل من بايدن وهاريس بسبب دعمهما لإسرائيل، فقد فرضت مخاوفهم من عودة ترمب واحتمال تراجعه عن السياسات الأكثر ليبرالية؛ كرفع الحد الأدنى للأجور، وتوسيع برامج شبكات الأمان الاجتماعي، والترحيب بالمهاجرين، عليهم الالتفاف حول هاريس.

هكذا منح «عميد» هذا التيار، السيناتور بيرني ساندرز، والنائبة الكساندريا أوكاسيو كورتيز، تأييدهما الواضح لهاريس، رغم مطالبتهما بوقف الحرب «فوراً» في غزة. وقال النائب «التقدمي» رو خانا إنه على الرغم من أنه قد يختلف مع قادة حزبه بشأن بعض القضايا، لا سيما الوضع في غزة، فهو يدرك أن التهديد الأكبر الذي سيواجهه «التقدميون» سيكون إذا عاد ترمب إلى منصبه، مضيفاً: «إن حركة بيرني تدرك أخطار الانتخابات وتدعم بطاقة هاريس - والز».

وللعلم، شكّك كثيرون في أن يكون أنصار التيار «التقدمي» يقفون وراء الاحتجاجات التي نظمت للضغط على المؤتمر في قضية غزة، نظراً لضآلة عدد المشاركين فيها، ولمحوا إلى احتمال أن تكون مدفوعة من أطراف «خارجية».

تعريف هوية هاريس السياسية

في هذه الأثناء، بينما سعى الديمقراطيون لترسيخ صورة هاريس بوصفها وطنية أميركية من الطبقة المتوسطة، واصل ترمب وصفها بأنها «تشبه بايدن» - بل وصفها بـ«الشيوعية» التي تمثل الماضي والتضخم - وحاول إقناع الناخبين بأنهم كانوا أفضل حالاً إبّان فترة حكمه، وبأن أجندته التطلعية ستنقذ الاقتصاد، وتوقف أزمة الحدود الجنوبية، وتستعيد السلام من خلال القوة بعد الفوضى في جميع أنحاء العالم.

بما يخصها، حرصت هاريس على تأكيد صورتها مدعيةً عامة صارمة، ولكن رحيمة. وربطت سيرتها الذاتية بأفكار سياسية، مثل خطتها التي أعلنتها أخيراً لخفض أسعار المواد الغذائية، مؤكدة أنها تفهم الطبقة المتوسطة بطريقة لا يفهمها ترمب الثري.

أخيراً، بينما يقول حلفاء ترمب إنهم يريدون منه التركيز على الاختلافات السياسية بدلاً من التهجمات الشخصية، بحجة «أن لدى الرئيس السابق الفرصة لتعريف هاريس بناءً على مواقفها السياسية الأكثر ليبرالية»، تخلت هاريس عن تلك المواقف، حين تنصلت من برنامج «الرعاية الطبية للجميع»، وتراجعت عن دعمها لحظر التكسير الهيدروليكي، وأوضحت أنها لن تلغي وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك.