هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

وسط حرصها على التوازن في علاقاتها مع الجانبين

مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
TT

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)

هل يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للجلوس على طاولة المباحثات؟ بعد الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى أوكرانيا، التي تُعد الأولى على الإطلاق من جانب رئيس وزراء هندي بعد استقلال أوكرانيا عام 1991، من المرجح أن يسعى مودي بدأبٍ لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خاصة أنه يجري النظر إليه بوصفه حليفاً وثيقاً لروسيا ورئيسها. تأتي هذه الدفعة الدبلوماسية في وقت حرِج تدخل معه الحرب بين روسيا وأوكرانيا سنتها الثالثة دون أدنى مؤشر على انحسار الحرب. وحقاً أسفرت هذه الحرب عن معاناة إنسانية وخسائر اقتصادية، في حين يشعر المجتمع الدولي بقلق متزايد إزاء تداعياتها العالمية.

جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بعد ستة أسابيع من زيارة له إلى روسيا التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأثارت تلك الزيارة عاصفة انتقادات هائلة من حلفاء غربيين للهند، أشاروا فيها إلى أن نيودلهي تحاشت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ثم إنه لم يسبق أن خاض رئيس وزراء هندي رحلة بالقطار طوال 10 ساعات، برفقة وفد رفيع المستوى، لزيارة منطقة حرب.

الدبلوماسي الهندي السابق، فيفيك كاتجو، علّق على الأمر بقوله: «يُعدّ مودي واحداً من الزعماء الدوليين القلائل، الذين زاروا موسكو وكييف. وكان قد دعا باستمرار إلى اتخاذ مسار الدبلوماسية والحوار، لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا. وفي الواقع، أكد مودي لبوتين مباشرة، أثناء لقاءٍ جمعهما في أوزبكستان، خلال سبتمبر (أيلول) 2022، أن هذه ليست حقبة حرب. وجاء هذا الكلام بمثابة تعبير واضح، وإن كان غير مباشر، عن رفض مودي العمل العسكري الروسي».

وبالفعل، شدّد الزعيم الهندي، عبر مترجم: «نقول بصوت عالٍ وواضح: إننا ندعم احترام السيادة والسلامة الإقليمية». من جهته، نشر زيلينسكي، عبر قناته على «تلغرام»، مقطع فيديو عن لقائه بمودي، بينما ذكّر مودي بأنه أثناء زيارته لروسيا، الشهر الماضي، أخبر الرئيس الروسي بوتين بأنه «لا يمكن حل المشاكل في ساحة المعركة»، بل يجب علاجها، بدلاً عن ذلك، عبر «الحوار والدبلوماسية»، دون تأخير.

اتصال هاتفي بين مودي وبوتين

كان التساؤل الكبير، قبل زيارة رئيس الوزراء الهندي لأوكرانيا، ما إذا كانت هذه الزيارة محاولة لاحتواء الأضرار الجيوسياسية، على أثر ردود الفعل الغربية الغاضبة تجاه زيارته موسكو، الشهر الماضي، وما إذا كانت هذه رسالة إلى شركاء نيودلهي الغربيين بأن الهند ليست في صف بوتين.

لكن بعد زيارة أوكرانيا، رجّحت مصادر مطّلعة احتمال أن ينجح مودي في دفع الزعيمين المتحاربين، الروسي والأوكراني، للجلوس إلى طاولة التفاوض، وجهاً لوجه فيما يُعدّ أمراً حيوياً لإحلال السلام.

يُذكر أنه في الفترة السابقة، أجرى مودي اتصالاً هاتفياً بالرئيس الروسي، بعد يوم من مكالمته مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي عبّر فيها عن دعم الهند العودة المبكرة إلى مسار السلام والاستقرار.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الهندية أنه خلال المكالمة الهاتفية مع بوتين، أكد مودي أهمية الحوار والدبلوماسية، بالإضافة إلى «المشاركة الصادقة والعملية بين جميع الأطراف المعنية». ووفقاً لصحيفة الـ«موسكو تايمز»، أبلغ مودي بوتين بدعمه وضع نهاية سريعة للصراع الطاحن الدائر في أوكرانيا، بعد زيارته للأخيرة، الأسبوع الماضي. وأفادت الصحيفة بأن مودي سعى نحو تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات الدافئة تاريخياً بين الهند وروسيا، وبين مساعي بناء شراكات أمنية أوثق مع الدول الغربية، بوصفها «حصناً» في مواجهة المُنافس الإقليمي للهند؛ أي الصين.

وقال مودي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنه «تبادل وجهات النظر حول الصراع بين روسيا وأوكرانيا» مع بوتين، وتشارك معه في «رؤيته التي خرج بها من زيارته الأخيرة لأوكرانيا». وأفاد أيضاً بأنه «أكد التزام الهند الراسخ بدعم إقرار حل مبكر ودائم وسِلمي للصراع الدائر».

تجدر الإشارة هنا إلى أنه من المعروف وجود أواصر صداقة تربط بين مودي وبوتين. وتاريخياً، ارتبطت الهند بعلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد السوفياتي أولاً، ثم الاتحاد الروسي. وتميزت صلات البلدين بمصالح دفاعية قوية، ودعم موسكو لموقف نيودلهي بشأن قضية كشمير داخل الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد، قال هارش بانت، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة «أوبزرفر للأبحاث» بنيودلهي: «أعتقد أن مباحثات مودي تأتي في خِضم جهود هندية لتوصيل رسالة مفادها أنها جادة في استخدام نفوذها لحل هذا الصراع، وإثبات نفسها بصفتها فاعلاً مستقلاً. ولقد سبق أن تعرضت الهند لانتقاد على تأخرها في لعب هذا الدور، في الماضي، لذا فهي تتواصل مع البلدان الأكثر تورطاً في الصراع».

لا خطة سلام مقترحة حتى الآن

في الواقع لم تقترح نيودلهي أي خطة سلام لإنهاء الحرب. ومع ذلك، نظراً لكون الهند واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من روسيا والغرب، فإنها تأمل في دفع عملية التفاوض بين موسكو وأوكرانيا قُدماً. وهنا لا بد من التذكير بأن علاقات الهند بأوكرانيا، منذ استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفياتي، لم تكن وثيقة.

وهنا يوضح فيفيك كاتجو: «الحقيقة أن العلاقات الهندية الأوكرانية بدأت بشكل سيئ، ربما نسينا الآن أن أوكرانيا زوّدت باكستان بأكثر من 300 دبابة قتالية طراز (تي-80)، رغم اعتراضات الهند الشديدة، وأنها كانت أيضاً واحدة من الدول القليلة التي أدانت التجارب النووية التي أجرتها الهند عام 1998. طبعاً ألقى هذا ظلالاً طويلة على العلاقات بين البلدين، لكن مع ذلك، ينبغي عدم السماح لهذه التجارب بالتأثير سلباً على العلاقات الثنائية على الأمد البعيد. ثم إن رد الهند على عمل روسيا في شبه جزيرة القرم عرقل، هو الآخر، النمو الفاعل في العلاقات».

هل تستضيف الهند القمة الثانية للسلام؟

على أية حال، مع تصاعد الضغوط على روسيا وأوكرانيا للجلوس إلى طاولة التفاوض، وإنهاء الحرب التي لم تثمر سوى تفاقم التحديات الاقتصادية العالمية، تحاول الهند إيجاد موطئ قدم لها بصفتها «صانعة سلام». وقد وردت فكرة أن تكون الهند مقراً لقمة سلام بين روسيا وأوكرانيا، إذ قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي أخيراً: «أما فيما يخص قمة السلام، أعتقد حقاً أنه يجب عقد قمة السلام الثانية، وسيكون جيداً أن تُعقَد في إحدى دول الجنوب العالمي». وأردف، بعد يوم من استضافته الزعيم الهندي في كييف، قائلاً: «أخبرت رئيس الوزراء مودي بأنه يمكننا عقد قمة السلام العالمية في الهند، إنها دولة كبيرة وديمقراطية عظيمة... الديمقراطية الكبرى».

معلوم أن قمة السلام الأولى عُقدت في سويسرا، خلال يونيو (حزيران) الماضي. وأثناء لقائه زيلينسكي، أكد مودي التزام الهند باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، مؤكداً أن الحرب يجب تصفيتها عبر الحوار والدبلوماسية، وأن الهند «ليست محايدة، بل تقف بحزم إلى جانب السلام».

ارتبطت الهند بعلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد السوفياتي أولاً، ثم الاتحاد الروسي،

وتميّزت صلات البلدين بمصالح دفاعية قوية،

ودعم موسكو لموقف نيودلهي بشأن قضية كشمير

من جهته، أعرب هارش بانت عن اعتقاده أن زيارة مودي لأوكرانيا أكدت رغبة الهند في رؤية نهاية للصراع، «وجلوس كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات... إذ لا ترى الهند احتمالاً للحل دون وجود روسيا على الطاولة». وأوضح بانت: «لا تريد الهند أن يستمر الانفصال بين روسيا والغرب إلى الأبد؛ لأن هذا يعني مزيداً من التقارب بين موسكو وبكين، ثم إن الهند ترغب كذلك في وجود أوروبا مستقرة، تستطيع بعد ذلك لعب دور أكبر في ضمان استقرار المنطقة المُطلة على المحيطين الهندي والهادئ. هذا أمر بالغ الأهمية للهند. الهند لا تريد حتماً أوروبا منهمكة في تحدياتها الداخلية، بدلاً من اضطلاعها بدور عالمي».

زيلينسكي وخطوطه الحمراء

خلال مؤتمر صحافي، بمشاركة عدد من الصحافيين الهنود، بعد مغادرة مودي كييف، رحّب زيلينسكي بزيارة رئيس الوزراء الهندي، لكنه أطلق، ضمن كلامه، عدة مواقف، فقال: «أخبرت رئيس الوزراء مودي بأنه يمكننا عقد قمة سلام عالمية في الهند... لكننا لن نتمكن من عقد قمة سلام في دولة لم تنضمّ إلى البيان الصادر عن قمة السلام الأولى».

ولمّح زيلينسكي كذلك بشكل غير مباشر إلى مغامرات الصين على طول حدودها مع الهند، إذ قال: «إذا كان هناك ما يبرّر تصرفات بوتين، فأنا واثق من أنه ستكون هناك عواقب في أجزاء أخرى من العالم، فيما يتعلق بانتهاك سلامة الأراضي». وانتقد واردات الهند من النفط الروسي الرخيص، لمساعدة «اقتصاد الحرب» في موسكو، متابعاً: «إذا أوقفت الهند شراء النفط، فستواجه روسيا مشاكل وتحديات كبيرة».

توازن بين العلاقات أم استهداف لروسيا؟

لقد كان التساؤل الكبير قبل زيارة مودي لأوكرانيا عما إذا كان الهدف منها السيطرة على الأضرار الجيوسياسية، بعد الانتقادات الغربية لزيارته إلى موسكو. أما الآن، بعد انتهاء الزيارة، فيبدو أن التساؤل الأهم بات عما إذا كانت الزيارة قد نقلت رسالة خفية إلى موسكو. ووفق بعض الدلائل، هذا قد يكون صحيحاً.

الصحافية الهندية بيا كريشنامورثي ترى أن الزيارة «سلّطت الضوء على التوازن الدقيق الذي حققته نيودلهي في علاقاتها مع الغرب وروسيا إبّان الحرب الجارية، بينما يسعى نهج الهند المتعدد الأطراف إلى تعزيز مصالحها الوطنية وثقلها الإقليمي. وفي الوقت الذي زار فيه مودي النصب التذكاري للأطفال الذين قُتلوا خلال الحرب في المتحف الوطني للتاريخ بأوكرانيا، ووقف بجانب زيلينسكي، وذراعه ملتفّة حول الرئيس الأوكراني، أعرب مودي، لاحقاً، عن حزنه العميق على وفاة أطفال روس».

وبدا أن حسابات زيلينسكي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل بالتناغم مع حسابات رئيس الوزراء الهندي، فقد كتب زيلينسكي: «اليوم، في كييف، احتفيت أنا، ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، بذكرى الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب العدوان الروسي. يستحق الأطفال في كل بلد أن يعيشوا في أمان. يجب أن نجعل هذا ممكناً»، وشارك مقطع فيديو لمودي وهو يزور النصب التذكاري.

وأضافت كريشنامورثي: «هذه البادرة لإظهار الحداد ذات مغزى خاص، عندما تقترن بزيارة مودي لموسكو، التي تزامنت مع ضربة صاروخية روسية على مستشفى للأطفال في كييف. والدليل الثاني على رسالة محتملة إلى موسكو، الإشارة الصريحة لمسألة الدفاع في البيان المشترك بين أوكرانيا والهند، إذ أشار البيان إلى الدور الحاسم للمحرّكات الأوكرانية في السفن الحربية الهندية، وجاء هذا الذكر الصريح لمبادرات الدفاع المشتركة بمثابة مفاجأة. ومن المحتمل أن يثير هذا حفيظة موسكو، التي طالما أقامت علاقة دفاعية وأمنية قوية مع نيودلهي. وما زاد حجم الإثارة أن وزير دفاع مودي كان في واشنطن العاصمة، حيث وقَّع اتفاقيتين جديدتين، في أثناء وجود مودي نفسه في كييف».

تنافس هندي ــ صيني في مجال صنع السلام

مع طرح كل من الهند والصين نفسيهما، بشكل متزايد، بصفتيهما لاعبين أساسيين في الدبلوماسية العالمية، تحولت الحرب في أوكرانيا إلى ساحة لعرض قدراتهما في صنع السلام.حول هذا الجانب، شرح أمي فيلانجي، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، الذي يعمل حالياً زميلاً في جامعة تشاناكيا الهندية، أن «الأدوار المتطورة للعملاقين الآسيويين لا تعكس طموحاتهما على الساحة العالمية فحسب، بل تؤكد كذلك التفاعل المعقّد بين المصالح الاستراتيجية والحقائق العملياتية، في خِضم السعي لتحقيق السلام بأوكرانيا».وتابع: «تميَّز دور الصين في حرب أوكرانيا بالمشاركة الحذِرة، وموازنة علاقاتها العميقة مع روسيا، ومصالحها في الحفاظ على علاقات اقتصادية مع أوروبا والغرب الأوسع. وفي وقت سابق من هذا العام، قدّمت الصين خطة سلام من 12 نقطة، دعت إلى وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات. ومع ذلك قوبلت هذه الخطة بالتشكك، خصوصاً من أوكرانيا وحلفائها الغربيين، الذين عدُّوا اقتراح بكين بمثابة دعم خفي لموقف روسيا». وأضاف: «أما تورط الهند في حرب أوكرانيا فجاء أكثر تحفظاً، ما يعكس التزامها التاريخي باللاالانحياز والاستقلال الاستراتيجي». وكشفت زيارة مودي إلى كييف عن استعداد الهند للعب دور أكثر نشاطاً في الصراع، ما قد يجعل منها وسيطاً للسلام. وبعكس الصين، لا يثقّل على الهند المستوى نفسه من الالتزام الاستراتيجي تجاه روسيا أو أوكرانيا، ما يمنحها ميزة فريدة تتمثل في النظر إليها بوصفها لاعباً أكثر حيادية.في المقابل، شككت صحيفة «غلوبال تايمز»، الناطقة الرسمية باسم الصين، في إمكانية اضطلاع الهند بدور «صانع سلام». وذكرت أن التركيز الأساسي لنيودلهي ليس على الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بل على تحقيق توازن في علاقاتها مع روسيا والغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة. يُذكر أنه في يوليو (تموز) الماضي، أثارت زيارة مودي لروسيا استياءً شديداً لدى الولايات المتحدة والغرب.


مقالات ذات صلة

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

أوروبا مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وارد.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
أوروبا مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)

موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

ضربت مسيّرة، اليوم (الجمعة)، مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان الروسية، ما أدى إلى اندلاع حريق امتد على عدة طوابق.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز) play-circle

تحليل إخباري انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

يتعاظم القلق الأوروبي من النهج الأميركي في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
أوروبا حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

«الشرق الأوسط» (كييف)

14 عاماً من الاستقلال والأزمات في جنوب السودان

TT

14 عاماً من الاستقلال والأزمات في جنوب السودان

بعد نحو ما يقارب العقد ونصف العقد على استقلالها، لا تزال دولة جنوب السودان تواجه مساراً مليئاً بالاضطرابات السياسية والتحديات الاقتصادية والصراعات المتكررة.

فالدولة التي انطلقت بآمال واسعة عقب استفتاء يناير (كانون الثاني) 2011، وجدت نفسها سريعاً أمام واقع معقد أعاق بناء المؤسسات، وأثقل كاهل المجتمع بتقلبات أمنية وإنسانية مستمرة.

9 يوليو (تموز) 2011

تم إعلان عن الاستقلال الكامل للدولة الأفريقية عن السودان

العاصمة: جوبا

الموقع: شرق أفريقيا

يحدها من الشمال السودان، ومن الجنوب أوغندا وكينيا ومن الشرق إثيوبيا، ومن الغرب الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى.

الجغرافيا: تبلغ مساحة جنوب السودان نحو 644329 كلم²، وتغطي الأراضي الرعوية نحو 40 في المائة من مساحة البلاد، والأراضي الزراعية نحو 30 في المائة، والمسطحات المائية ما يقارب 7 في المائة من المساحة الكلية للبلاد.

عدد السكان: 12.1 مليون نسمة. تنقسم البلاد إلى 60 مجموعة عرقية أصلية.

الأقاليم: تضم 10 ولايات بموجب اتفاقية السلام الموقعة في 22 فبراير (شباط) 2020.

ولاية الاستوائية الوسطى، وغرب الاستوائية، وشرق الاستوائية والبحيرات، وواراب وغرب بحر الغزال وشمال بحر الغزال وجونقلي والوحدة وأعالي النيل.

المساحة: تبلغ نحو 644329 كيلومتراً مربعاً.

اللغة الرسمية: الإنجليزية بجانب لهجات محلية.

النظام السياسي: نظام جمهوري رئاسي، ودستور انتقالي و3 سلطات رئيسية

الاقتصاد: يعتمد على النفط، الذي يمثل أكثر من 90 في المائة من الإيرادات الحكومية.

أزمات عديدة: شهدت دولة جنوب السودان حرباً أهلية بين عامي 2013 و2018 إثر صراع على السلطة والنفط بين الرئيس كير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار. تم التوصل إلى اتفاق هش بين الطرفين في 2018.

في 13 سبتمبر (أيلول) 2024 عادت الأزمة السياسية وأعلن مكتب الرئيس كير عن تأجيل الانتخابات المقررة في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى نهاية 2026، بدعوى إكمال المهام الضرورية بالانتخابات وسط تخوف غربي من انهيار اتفاق السلام.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.