«طوفان ليبيا» يعصف بالديار... ويهدد الساسة

ضحايا درنة «أيقظوا روح الوحدة» في البلاد

منظر يعبر عن فداحة الكارثة في درنة المنكوبة (رويترز)
منظر يعبر عن فداحة الكارثة في درنة المنكوبة (رويترز)
TT

«طوفان ليبيا» يعصف بالديار... ويهدد الساسة

منظر يعبر عن فداحة الكارثة في درنة المنكوبة (رويترز)
منظر يعبر عن فداحة الكارثة في درنة المنكوبة (رويترز)

تفجّرت شرارة غضب مفاجئة، من قلب الركام في مدينة درنة الليبية الجريحة، مهددة على نحو غير متوقع مواقع «الساسة التقليديين» في ليبيا، ومعلنة على ما يبدو أن «ساعة الحساب قد اقتربت»، وأن «الطغمة الحاكمة» ستسدد حتماً فاتورة «الخراب» الذي حلّ بالمدينة... كل من واقع مسؤولياته. فلقد ظن البعض أن «دفتر الأحزان» الممتد على طول ليبيا وخارجها قد يُلهي المكلومين عن تتبع «الجناة» والمطالبة بالاقتصاص منهم، لكن ما شهده محيط مسجد الصحابة وسط درنة، منتصف الأسبوع الماضي، جاء مذهلاً لمَن في سدة الحكم: فها هم «أصحاب الدم»، بعد ما فرغوا من مواراة جثامين أبنائهم وذويهم الثرى، جاءوا بالآلاف غاضبين محتجين متوعّدين بالبحث عن قاتليهم، وهم يهتفون باسم «ليبيا الموحدة».

كـ«طائر الفينيق»، انتفضت أسر ضحايا فيضانات شرق ليبيا واحتشدت قُبالة المسجد الذي يجاوره مقابر أربعة من الصحابة في مدينة درنة المنكوبة، فيما اعتلى بعض المتظاهرين سقفه والتفوا حول قبته الذهبية التي تعد أحد معالم المدينة، مطالبين بمحاسبة عدد من المسؤولين من بينهم رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح.

عبدالحميد الدبيبة (غيتي)

وهناك من قلب المدينة، المطلّة على البحر المتوسط، التي تحولت إلى خلية نحل لفرق إنقاذ محلية وعربية ودولية، بدا أن الضحايا الذين قضوا تحت الركام يبعثون من مرقدهم رسائل رفض إلى المتكلمين باسمهم في «حِسبة سياسية» على وقع تناحر وانقسام حكومي.

الغضب الشعبي في درنة يتمثل في أن «الفساد» الذي تعانيه ليبيا - وفق تقارير ديوان عام المحاسبة - كان أحد أسباب الدمار الذي لحق بالمدينة ومضاعفة أعداد ضحاياها، وفقاً لرؤيتهم، وذلك بالنظر إلى تجاهل تحذيرات أُطلقت قبل سنة، تشير إلى أضرار جسيمة ببعض سدودها تتطلب إخضاعها للصيانة.

عقب ساعات من اندلاع الإعصار، الذي شبهه بعض الناجين المصريين بطوفان سيدنا نوح. سارعت السلطة التنفيذية في العاصمة، ممثلة في محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى مطالبة النائب العام بفتح تحقيق «شامل» في تداعيات الكارثة، ومحاسبة المسؤولين عن انهيار سدّي «وادي درنة» و«أبو منصور» بالمدينة.

غضب وطلب محاسبة

في تلك الأثناء، كان سكان المدينة يوارون المئات من القتلى في مقابر جماعية، في حين لا تزال الجثث عالقة تحت الركام، ورائحة الموت تفوح في جميع الأنحاء، والمطالب تتصاعد بضرورة محاسبة «المتورطين». وفي جلسة برلمانية لبحث تداعيات أزمة السيول، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إن ما حصل في درنة «فاجعة كبرى». وسعى إلى صرف اللوم عن السلطات المسيطرة على درنة، واصفاً الإعصار بـ«الكارثة الطبيعية»، وقال إنه «ينبغي عدم التركيز الآن على ما كان يمكن القيام به».

تصريح صالح، وضعه في مرمى الغاضبين في درنة، فوجهوا إليه انتقادات لاذعة، مردّدين هتافات تطالب بـ«رحيله»، غير أن عددا من السياسيين الذين تكلموا إلى «الشرق الأوسط» لفتوا إلى أن موجة الغضب هذه لم ولن تتوقف عند صالح، بل «ستطول جميع الساسة في عموم البلاد»، لكونهم «انشغلوا طوال العقد الماضي بتحقيق مكاسب سياسية لهم ولجبهتهم على حساب الشعب الليبي».

ولقد قال جمال الفلاح، رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية: «عندما نتحدث عن رحيل الأجسام السياسية فإننا نشير إلى ضرورة رحيلها جميعاً، مجالس وحكومات». وما ذهب إليه الفلاح تبنته تيارات سياسية عديدة ترى أن السياسيين في البلاد «عملوا طوال السنوات الماضية على عرقلة المسار الانتخابي بهدف بقائهم في السلطةعلى حساب المواطنين الذين طحنتهم الأزمات المتلاحقة».

أيضاً اعتبر المحتجون في درنة تصريحات صالح «تستراً» على حكومة أسامة حمّاد، المكلفة من مجلسه، ولذا تمسكوا في مطالبهم بـ«إجراء تحقيق دولي» في انهيار السدّين، وأن تكون «إعادة إعمار مدينتهم تحت إشراف دولي» أيضاً، كما حمّلوا المسؤولية «للحكومات المتعاقبة حتى الآن، ولمجلس النواب الحالي بشكل خاص». وأرجع المتظاهرون غضبتهم إلى التحذيرات السابقة التي أوردها الباحث الليبي عبد الونيس عاشور، في كلية الهندسة جامعة عمر المختار بالبيضاء، ورأى فيها الحاجة الملحة لصيانة سدود درنة، خوفاً من تعرضها للغرق حال حدوث فيضان، وذلك بعدما عاين ما بها من تشققات.

«تحقيق دولي» ... وتداعيات

للعلم، تقع درنة شمال شرقي ليبيا، ويبسط «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر سيطرته عليها، بجانب إشراف حكومة أسامة حمّاد. والسيول التي أوقعت آلاف الضحايا في مدن شرق ليبيا هي الآن محل تحقيق من المستشار الصديق الصور النائب العام الليبي، وسط تبرؤ الحكومتين مما لحق بالبلاد من كارثة. هذا، وقال مصدر في النيابة العامة الليبية، لـ«الشرق الأوسط» إن النائب العام بدأ التحقيقات في القضية، منتصف الشهر الحالي، لمعرفة الأسباب التي أدت لانهيار سدي «وادي درنة» و«أبو منصور». وتابع أن «المساءلة ستشمل مسؤولين من السلطات التي تعاقبت على حكم البلاد خلال العقد الماضي». وما يُذكر هنا أنه سبق واستدعى النائب العام مسؤولين من وزارة الموارد المائية والهيئة المختصة بصيانة السدود لسماع أقوالهم، بالنظر إلى وجود تحذيرات سابقة من «كارثة» قد تتعرض لها درنة في حال تعرضها لأي فيضان، ما لم تبدأ السلطات في صيانة السدود.

من جهة ثانية، كان الدبيبة قد نقل عن وزارة التخطيط التابعة لحكومته «وجود تشققات وهبوط أرضي ومشكلات إنشائية بالسدّين المنهارين، وعدم إخضاعهما للصيانة منذ عام 2011». وبدا لليبيين عديدين سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين أن كارثة الإعصار لن تمر على البلاد كأزمة اعتيادية شهدت مثلها منذ رحيل الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. إذ إن أكثرهم يعتبرون أيضاً ما حدث في البلاد بمثابة «طوفان» سيعصف بسياسييها كما أتى على ديار «الدرناوية»، وأغرق قرابة ربعها في البحر.

محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالح» يرى أن «التحقيق ومعاقبة المُقصّرين مطلب لا يمكن التنازل عنه». وبالفعل، أضرم متظاهرون النار في منزل عبد المنعم الغيثي عميد بلدية درنة، بعد اتهامات بـ«الفساد والإهمال» اللذين تسببا في عدم إجراء الصيانة اللازمة للسدود وانتهى بالكارثة. لكن رئيس حكومة شرق ليبيا سارع بإقالة جميع أعضاء المجلس البلدي لدرنة وأحالهم إلى التحقيق. ومع تعاظم تداعيات الإعصار المميت، وتصاعد المطالب بالتحقيق، سارعت بعض الجهات السياسية بتقديم ما يمكن وصفه بـ«كشف حساب» عن تحركاتها حيال تأثير الكارثة. وفوّض المجلس الأعلى للدولة الجهات المعنية في الدولة بمطالبة إجراء «تحقيق دولي شامل» في أسباب الكارثة، وقال إنه أعلن درنة «مدينة منكوبة» وطلب اتخاذ ما يلزم من إجراءات وترتيبات لاستصدار قرار دولي بهذا الشأن وبما يضمن تخصيص ورصد الأموال اللازمة لإعادة إعمارها. وأضاف المجلس أنه طالب بضرورة الإسراع في توفير الإمكانيات اللازمة للرعاية الصحية في درنة، واستحداث مركز للدعم النفسي والاستعانة بجهود دول أو منظمات متخصصة في هذا الشأن.

المكاسب السياسية

في سياق آخر، بعد 10 أيام من وقوع الكارثة واستمرار عمل فرق الإنقاذ في درنة، واندماج الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية التابعة لغرب ليبيا وشرقها معاً هناك، بدا أن أطرافاً سياسية لم تتخل بعد عن «الروح الانقسامية». وظهر ذلك جلياً في اتهامات موجهة لحكومتي الدبيبة وحمّاد.

وأمام جلسة برلمانية، خرج يوسف العقوري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، عن تحفظه، واتهم وزراء حكومة حمّاد وبعض النواب بالسعي لتحقيق «مكاسب سياسية» لكونهم طالبوا المنظمات الدولية والسفراء الأجانب بالتوقف عن التواصل مع الدبيبة. وقال «الناس تموت والجثث في البحر، وأنتم تبحثون عن مكاسب سياسية».

وفي المقابل، عدّد علي القطراني، نائب رئيس حكومة حمّاد عضو اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة، الجهود الإغاثية التي تجريها حكومته على الأرض، وأشار في مؤتمر صحافي لما سماه «متاجرة سياسية رخيصة بدماء وأرواح الضحايا» من بعض أطراف (لم يسمها) وقال إنها «تنسب هذه المجهودات لنفسها؛ وهم أبعد ما يكونون عن الواقع أو الأرض»، في إشارة إلى حكومة الدبيبة.

من جهة ثانية، سبق للمتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نجوى مكي، القول لوكالة «رويترز» للأنباء إن «فريقاً من الأمم المتحدة كان من المقرر أن يذهب إلى درنة من بنغازي (الثلاثاء) للمساعدة في مواجهة آثار السيول، ولكن لم يسمح له بذلك»، وطالبت بالسماح بوصول الفرق دون عراقيل. وعلى الفور أمر الدبيبة مصلحة الجوازات والجنسية بوزارة الداخلية، التابعة لحكومته، بتسهيل منح تأشيرات دخول فرق الإنقاذ العربية والأجنبية، وتيسير إجراءات الموافقة لدخول بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساهمة الإغاثة.

كلام عبد الجليل

اليوم يربط بعض المراقبين بين مطالبة حكومة حمّاد للصحافيين ووسائل إعلام بمغادرة درنة، وبين المظاهرات الاحتجاجية لأسر الضحايا التي خرجت تطالب برحيل صالح، ويرون أن الحكومة «لا تريد نقل حالة الاحتقان الحاصلة إلى الرأي العام الدولي». غير أن الدكتور عثمان عبد الجليل، وزير الصحة في حكومة حمّاد وعضو اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة، قال إن «فرق الإنقاذ المحلية والدولية لا تزال تتوافد على درنة للمساعدة في عمليات الإغاثة (...) ويوجد 14 فريق إنقاذ يعملون على الأرض منهم 10 فرق أجنبية». وبشأن إخلاء المدينة، نفى عبد الجليل ذلك، وقال «إخلاء جزئي لبعض المناطق فقط؛ لتسهيل عمل فرق الإنقاذ لاستخراج الجثث من تحت الأنقاض». وكان صحافيون ووسائل إعلام ينقلون الأحداث على الهواء من المدينة منذ أيام قد ادعوا أنهم «أُمروا بالمغادرة».

تسييس المعاناة

أمام هذه التجاذبات تساءل المحلل السياسي الليبي يوسف الحسيني «كم هو بشع تسييس المعاناة الإنسانية»؟ وأردف «... والأبشع أن يحدث ذلك باسم الله». ثم إنه على الرغم مما يحدث قال السفير الليبي إبراهيم موسى قرادة، كبير المستشارين بالأمم المتحدة سابقاً، إن درنة، التي شبهها بطائر الفينيق «تسمو على مصابها، وتُسمع العالم صوتها؛ بشعار صادح وصادق وصادم يعري انتهازيي الداخل، ويهز متربصي الخارج هو ليبيا وحدة وطنية... لا شرقية ولا غربية».

الحقيقة، أن لليبيا تاريخاً ممتداً في الإفلات من العقاب، على مدار العقد الماضي، والذي شهد العديد من الجرائم دون محاسبة المتورطين فيها. لكن بعض المنظمات الحقوقية المحلية والعربية دعت إلى ضرورة إجراء تحقيقات «شاملة ومستقلة ونزيهة وشفافة» في ظروف هذه الكارثة و«إعلان نتائجها على الملأ». ولكن في هذه الأثناء، لم يتحدد بعد العدد الإجمالي للقتلى، إذ لا يزال الآلاف في عداد المفقودين. وظهر تفاوت كبير في الأعداد التي أعلنها مسؤولون، علماً بأن «منظمة الصحة العالمية» أكدت وفاة 3922 مع نهاية الأسبوع الماضي.

أيضاً، ما يستحق الإشارة أن «إعصار دانيال» ضرب يوم سبتمبر (أيلول) الحالي معظم منطقة الجبل الأخضر بشرق ليبيا، متسبباً بأضرار بشرية ومادية بالغة في كل من مدن درنة والبيضاء وشحّات والمرج وسوسة وتاكنس والبياضة ووردامة وتوكرة.

مواطنان أمام الدمار الكبير (رويترز)

ليبيا: سنوات من الفوضى والفشل في عقد الانتخابات

شهدت ليبيا خلال السنوات الـ12 الماضية عشرات الأزمات على مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، بداية من الفوضى الأمنية التي سادت البلاد عقب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وما أعقبها من انقسام سياسي ضرب البلاد عام 2014، واستمر حتى الآن.

وهنا نرصد أهم هذه المحطات في تاريخ البلاد:

> بدأت التوترات تظهر في ليبيا عندما حملت ميليشيات محلية السلاح ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، إلى أن تمكنت من إسقاطه في مشاهد مأساوية. ومن ثم، انزلقت البلاد إلى حالة الفوضى بعد الإطاحة بالنظام السابق في عام 2011.

> أجريت في ليبيا انتخابات برلمانية شهدت نزاعاً على نتيجتها وتصعيد الاقتتال في عام 2014. وفي أعقاب ذلك ظهرت حكومتان متنافستان: واحدة تتمركز في الشرق والأخرى في العاصمة طرابلس.

> انقسم مصرف ليبيا المركزي إلى فرعين في غرب ليبيا وشرقها بعد ظهور إدارة موازية في الشرق لدى انقسام ليبيا جراء الحرب الأهلية.

> تولى البنك المركزي في طرابلس التعامل مع عائدات الطاقة، وكان يصرف المرتبات الحكومية ويوفر العملة الصعبة للمستوردين والتمويل الحكومي.

> ضمت طرابلس حينها حكومة «الوفاق الوطني» غير المنتخبة التي ترأسها فائز السراج، وكانت تشكلت بموجب «اتفاق الصخيرات» الموقع في المغرب، والذي توسطت فيه الأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2015.

> نسجت حكومة «الوفاق الوطني» تحالفات في المناطق الغربية، أما شرق ليبيا فيخضع منذ فترة ما بعد رحيل القذافي لسيطرة «الجيش الوطني الليبي» الذي أعاد خليفة حفتر تكوينه هناك، حتى بات يسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد.

> طردت عناصر «البنيان المرصوص» تنظيم «داعش» من سرت عام 2016 بإسناد أميركي. وتعافى جزئياً إنتاج النفط وانحسرت شبكات تهريب المهاجرين إلى حد ما في تلك الأثناء إثر ضغوط قوية من جانب إيطاليا، لكنها نشطت عقب ذلك.

> تحديات سياسية وأمنية ولوجيستية عديدة جعلت من الصعب إجراء انتخابات ناجحة، في ظل مساعٍ أممية لإنهاء المرحلة الانتقالية.

> اعتبر سياسيون ليبيون أن الحملة العسكرية التي شنها «الجيش الوطني الليبي» ضد حكومة «الوفاق الوطني» بالعاصمة طرابلس عام 2019 انتكاسة للجهود الأممية حينها للوصول إلى اتفاق يُعجّل بالعملية الانتخابية.

> عقب «مؤتمر برلين»، نظمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «ملتقى الحوار السياسي» الليبي الذي اختار حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأنيط بها تجهيز البلاد لانتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في 24 ديسمبر 2021. لكن ذلك لم يحدث لأسباب تتعلق بالقوانين الانتخابية.

> بعد فشل انتخابات 24 ديسمبر أصدر مجلس النواب مرسوماً في 10 فبراير (شباط) 2022 يسمح بتعيين فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة، لتجد ليبيا نفسها مرة أخرى أمام حكومتين متنازعتين على السلطة.

> تمسكت حكومة «الوحدة الوطنية» بالاستمرار في الحكم حتى إجراء انتخابات جديدة (رغم انتهاء ولايتها) بعد تكليف البرلمان لحكومة باشاغا.

> تصدت ميليشيات مسلحة موالية لحكومة الدبيبة لمسؤولي حكومة باشاغا ومنعتهم من الدخول إلى العاصمة طرابلس لممارسة مهامهم، ما اضطر باشاغا لقيادة الحكومة من سرت وبنغازي إلى أن أعلن مجلس النواب عزله وإسناد الحكومة إلى أسامة حمّاد.

- أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا عن الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة «6 6» مكونة من أعضاء مجلس النواب و«الدولة» لحسم الملفات الخلافية بينهما، بشأن القوانين الانتخابية، لكنها حتى الآن لم تتوافق على الشكل النهائي للقاعدة التي من المفترض أن يجرى على أساسها الاستحقاق.

- تسعى الأمم المتحدة لدى الأطراف السياسية في ليبيا إلى حالة من التوافق، والاتفاق معها على ضرورة انتهاء اللجنة المشتركة «6 6» من وضع القوانين الانتخابية، وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات.

- تسببت كارثة درنة التي وحدت الجهود الشعبية في انصراف الحديث عن الانتخابات راهناً، وبات الجميع منشغلا بعمليات الإنقاذ والإغاثة مع ارتفاع أعداد الضحايا والمفقودين والمشردين بمدن شرق ليبيا.


مقالات ذات صلة

«الوحدة» الليبية تؤكد استمرار العمل على «مسار السلام»

شمال افريقيا الباعور مستقبلاً وزير خارجية الكونغو برازافيل جان كلود جاكوسو (وزارة الخارجية بحكومة الوحدة)

«الوحدة» الليبية تؤكد استمرار العمل على «مسار السلام»

تمسكت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، باستمرار العمل على «مسار السلام والمصالحة الوطنية»، مع المجلس الرئاسي والأجسام والجهات الأخرى المختصة بهذا الشأن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صالح خلال زيارته واشنطن برفقة ريتشادر المبعوث الأميركي إلى ليبيا (مجلس النواب)

صالح يعوّل على واشنطن لحل أزمة ليبيا... ونائبه ينتقد سفارتها

انتقد النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، «إصرار السفارة الأميركية على فرض ترتيبات مالية على الليبيين»، في حين طالب صالح واشنطن بلعب دور لحل الأزمة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا من أشغال الجلسة المخصصة لمناقشة الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

خوري تحذر من «التدابير الأحادية» لأفرقاء الأزمة في ليبيا

ستيفاني خوري ترى أن هناك «تطوراً إيجابياً» طرأ في الأزمة الليبية، بعد التوصل إلى اتفاق بين القيادات على تعيين محافظ للبنك المركزي، واستئناف الصادرات النفطية.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا من اجتماع سابق في مقر هيئة الرقابة الإدارية بليبيا (الهيئة)

زيادة «الإنفاق العام» خلال العقد الماضي تثير شكوك وتساؤلات الليبيين

أثار تقرير أصدرته هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا يتحدث عن ارتفاع الإنفاق العام خلال العقد الماضي موجة من التساؤلات والانتقادات.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا الاجتماع الذي نظمته البعثة الأممية لعدد من الدبلوماسيين في طرابلس (البعثة)

«النواب» يعوّل على دور أميركي لإنهاء الانقسام في ليبيا

قال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إن «بلاده تعول على الدور الأميركي لحل أزمة الانقسام في ليبيا».

خالد محمود (القاهرة )

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)

منذ اندلاع «حرب مساندة» غزة التي أطلقها «حزب الله» قبل نحو سنة، كانت المؤشرات كلها توحي بأن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل رداً على «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، ستنتقل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوض «حرباً ستكون طويلة لتغيير خريطة الشرق الأوسط». ومع ذلك، كانت معظم التحليلات تتكلّم عن «مأزق» إسرائيل «المأزومة»، وعن خلافاتها في الداخل ومع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، ما سمح للبعض بالترويج أن أهداف هذه الحرب لم تتحقق، وقد لا تتحقق، سواء في غزة والأراضي الفلسطينية، أو في لبنان. لكن على أرض الواقع، كان من الواضح أن ما حقّقته إسرائيل حتى الآن من حربها على غزة يتجاوز كثيراً الردّ على «هجوم أكتوبر».

بعدما نجحت إسرائيل في تعزيز «صورة» ربط حربها التهجيرية في غزة بأنها «صراع وجود» مع إيران وأذرعها الساعين إلى تدميرها، وفّرت تلك الحرب للإسرائيليين أيضاً غطاءً دولياً واسعاً، ليس لإطالة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فقط، بل الانتقال أيضاً إلى حرب إبادة أخرى ضد لبنان.

هذا الأمر طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الأميركي تجاه أهداف إسرائيل، وعمّا إذا كانت حربها لتغيير «المشهد الإقليمي» ممكنة من دون موافقة أميركية. بيد أن الوقوف على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت على سياسة واشنطن يظهر تغييراً كبيراً في مقاربتها ونظرتها تجاه إيران، مع التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

«فرصة استراتيجية» لأميركا

قبل الدخول في ما عدّه البعض «تجاهلاً» من تل أبيب للمساعي الأميركية لفرض وقف لإطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد «حزب الله»، روّجت تحليلات العديد من الصحف الأميركية ولا تزال لـ«خلافات» بين واشنطن وتل أبيب. إلا أن دينيس روس، المبعوث الرئاسي السابق في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى أن ما جرى حتى الآن «يُعد فرصة استراتيجية لأميركا، ليس لتغيير المنطقة فقط، بل تغيير الوضع في لبنان أيضاً بعد اغتيال حسن نصر الله وإضعاف (حزب الله)». وخلال ندوة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، حضرتها «الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء، وشاركت فيها دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب، أضاف روس: «بات بمقدور أميركا اتخاذ إجراءات رادعة مباشرة، ليس ضد إيران فقط، بل المشاركة قبل ذلك في ضرب أذرعها مباشرة وملاحقتهم».

وبحسب روس، فإنه بعدما تمكّنت إسرائيل من ضرب و«تحييد» الخطر الذي يمثله «حزب الله» و«حماس»، يمكن لواشنطن الآن «ضرب وملاحقة الحوثيين، كإشارة إلى أننا قادرون على تعريض ما نعتقده نحن مصالح مهمة لها، وخصوصاً برنامجها النووي، وليس المصالح التي تعتقد إيران أنها مهمة بالنسبة لها فقط».

تغيير مسار المنطقة

من جهتها، قالت سترول، إن إرسال الأصول العسكرية الأميركية، منذ اندلاع الحرب قبل نحو سنة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة «لا يُعبّر عن تصميم إدارة بايدن على مواجهة التهديدات الإقليمية، والدفاع عن إسرائيل، ومنع توسّع الحرب فقط، بل تغيير المسار في المنطقة أيضاً». وأضافت: «كل الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، بما فيها تصفية قوة (حماس) وضرب (حزب الله) وتوجيه ضربات لإيران، لم يكن بالضرورة مخطط لها. لكن اليوم، بعد كل الذي جرى، ينبغي أن نستغل ما حصل لنمضي في مسار مختلف، بما يعيد الاستقرار والسلام إلى المنطقة، وإعادة مسار العلاقات الإسرائيلية العربية إلى مسارها الذي انقطع بعد 7 أكتوبر».

من ناحيته، قال شينكر: «ثمة فهم خاطئ لتفسير ما تعنيه المطالبة بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، وذلك لأن الأهداف التي وضعت لا يمكن تحقيقها من دون تغيير الديناميات السابقة». وأردف أنه بمعزل عن الإدارة الجديدة التي ستأتي بعد الانتخابات الأميركية، وسواء أكان الفائز فيها كامالا هاريس أم دونالد ترمب، لا شك أنه «سيكون من الصعب العودة إلى السياسات الأميركية السابقة تجاه إيران وأذرعها وبرنامجها النووي». وأكد أن أميركا «ستلعب دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل وترتيب الأوضاع بعد حرب غزة، التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكذلك في لبنان».

وهكذا، أمام هذه «الرؤية» التي تعكس حقيقة الموقف الأميركي للصراع الجاري، إن إصرار البعض على اعتباره إذعاناً وارتباكاً أميركياً أمام رغبات إسرائيل، قد يكون من الضروري قراءة «التحولات» التي طرأت على موقف إدارة الرئيس جو بايدن، منذ اندلاع الحرب.

تقديرات مختلفة للحرب في لبنان

كانت هناك تقديرات مختلفة داخل إدارة بايدن عن طبيعة الأخطار التي يمكن أن تواجهها «العملية» العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ضد «حزب الله»، وعن قدراته العسكرية الحقيقية التي جرى تضخيمها. ولكن، بدلاً من تبيّن صحة تلك التقديرات، انتهى الأمر بتبنّي العديد من المسؤولين الأميركيين النجاح الذي حقّقته إسرائيل في سعيها - بزخم مذهل - إلى إضعاف «حزب الله». وهو ما بدا أنه يتناسب مع نمط إدارة بايدن، التي لطالما تدرّجت في التعبير عن مواقفها من الأحداث السياسية الخارجية.

إذ بعدما تحثّ إسرائيل على لجم اندفاعاتها، كانت لا تلبث أن تتراجع لاحقاً. وبعدما أوضح بايدن رغبته في «الوقف الفوري» للقتال في لبنان، وتحفّظه عن التوغّل البرّي، ظهر انقسام بين المسؤولين الأميركيين حول «الحكمة» من الحملة الإسرائيلية ضد «حزب الله»، خاصة منذ مقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين ركّز البعض كثيراً على المخاطر، قال آخرون إنه إذا أمكن توجيه ضربة قوية للحزب من دون إثارة صراع إقليمي أوسع يجذب إيران فإن ذلك قد يُعدّ نجاحاً.

واليوم، يذهب كثيرون إلى القول إن وجهة النظر الأخيرة هي التي تغلبت في النهاية، وعبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، «غير المعهودة» من كبير الدبلوماسيين، حين تكلّم عن «العدالة» التي نفّذت بحق نصر الله.

الضغط العسكري يدعم الدبلوماسية

يوم الاثنين الماضي، قال ماثيو ميللر، الناطق باسم الخارجية للصحافيين: «نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه، هناك أمران آخران صحيحان أيضاً: الضغط العسكري يمكن في بعض الأحيان أن يمكّن الدبلوماسية. وطبعاً، قد يؤدي أيضاً إلى سوء التقدير... يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن نتحادث مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن».

وحقاً، حتى الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وفرنسا وإسرائيل ودول عدة توصُّلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 3 أسابيع، بدا أن واشنطن قد تخلت عنه.

هذا ما بدا بعدما رأى مسؤولون في إدارة بايدن أن إسرائيل تحاول توجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله» عبر اغتيال زعيمه، بعد الضربات الساحقة التي نفّذتها على امتداد الأشهر الماضية، وتوجّت بما سُمي بهجوم «البيجر»، وبتصفية العديد من قياداته العليا والوسطى.

ورغم اتهام بنيامين نتنياهو بأنه هو الذي عاد عن الاتفاق الذي وافق عليه، فإن «الصمت» الأميركي الذي تلا اغتيال نصر الله، كاد يؤدي إلى تأجيل حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، التي أصرّ قصر الإليزيه عليها في نهاية المطاف، تعبيراً عن «غضب» فرنسا، الذي قابلته إسرائيل بقصف هدف في العاصمة بيروت، للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.

الحسم في تفكيك بنية «حزب الله»

بعدها، يوم الاثنين، في إشارة واضحة لحسم التردد ودعم العملية الإسرائيلية، قال «البنتاغون» إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتفق مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، لضمان عجز (حزب الله) عن شنّ هجمات على غرار هجمات 7 أكتوبر على المجتمعات الإسرائيلية في تلك المنطقة». وأردف «البنتاغون» أن أوستن «راجع التطورات الأمنية والعمليات الإسرائيلية» مع غالانت، وأكد مجدداً «دعم الولايات المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران و(حزب الله) و(حماس) والحوثيين وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران».

ورغم تأكيد أوستن على أهمية «التحول في نهاية المطاف من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن»، فإنه أوضح أن واشنطن في وضع جيد للدفاع عن أفرادها وشركائها وحلفائها في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة منها، وأنها عازمة على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع. كذلك ناقش أوستن مع غالانت ما سمّاه «العواقب الوخيمة» التي ستتحمّلها إيران في حال اختارت شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل.

ومقابل تركيز إدارة بايدن كثيراً من مساعيها منذ ما يقرب من سنة على منع التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»، أعجب بعض المسؤولين بالإنجازات الإسرائيلية. ومع شلل الحزب وتراجع قدراته «الإقليمية»، بات هؤلاء يعتقدون أن الوضع بات الآن مختلفاً تماماً، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ بدأ الجانبان تبادل إطلاق النار منذ 8 أكتوبر بعد فتح «جبهة الإسناد» لغزة.

ولكن، مع ذلك، قال مسؤولون كبار إنهم كانوا ينصحون إسرائيل بألّا تشنّ غزواً برّياً للبنان، ويحذرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، تتمثّل ببناء الدعم السياسي لـ«حزب الله» داخل لبنان وإطلاق العنان لعواقب غير متوقعة على المدنيين والتدخل الإيراني.

لا كلام عن وقف التصعيد

من جهة ثانية، مع الهجمات الصاروخية الإيرانية «المحسوبة» ضد إسرائيل، رداً على قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، بدا لافتاً أن الرئيس بايدن لم يتكلّم - للمرة الأولى - عن ضرورة «وقف التصعيد» و«ضبط النفس». بل العكس، أكّد أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل بعد الهجوم الذي جرى صدّه بدعم أميركي و«أثبت انعدام فاعليته»، وأن المناقشات مستمرة مع إسرائيل بشأن الردّ، مضيفاً أن «العواقب على إيران لم تُحدد بعد».

موقف بايدن لم يكن وحيداً، إذ اندفع المشرّعون الأميركيون من الحزبين مؤيدين مواقف أكثر حزماً من إيران، وداعين إلى تبني سلسلة من التدابير المحددة والمصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها، وإلى تمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

وبالفعل، يرى كثرة من المسؤولين الأميركيين اليوم، أن إدارة بايدن تحوّلت من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى إدارة «الحرب الشاملة»، في ظل رؤية غدت موحّدة مع إسرائيل تجاه الأهداف المأمول تنفيذها. وتساءلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، في ظل مخاوف من احتمال أن ترد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، ما قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة.

لكن بايدن عاد وأوضح، يوم الأربعاء، أنه لا يدعم أي استهداف إسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني، فاتحاً المجال أمام تكهنات عن بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الطرفين. وهذا، بالتوازي مع تقديم مزيد من المساعدات لإسرائيل لإنهاء الحرب ضد «حماس» في غزة، والتصدّي للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، ودعم غزوها البرّي للبنان «لتفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله».

تساؤلات مع تغيير أميركا نبرتها واستراتيجيتها

> وسط تحذيرات من أن يكون لبنان هو ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، أشار مسؤول أميركي كبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب بنيامين نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى «الخلافات» القديمة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان. وأضاف المسؤول: «لكن بعد دخول إيران المعركة بشكل مباشر، التي تشكل (تهديداً مدمراً) لإسرائيل، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها». أما «النيويورك تايمز» فنقلت عن جوناثان بانيكوف، مدير «مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي»، قوله إن «الحرب الشاملة حتى الحرب الأكثر محدودية، يمكن أن تكون مدمّرة للبنان وإسرائيل والمنطقة. ولكن من خلالها ستأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، مثلاً. وبالتالي، ينبغي للإدارة الجديدة أن تكون جاهزة للاستفادة من هذه الفرص». لكن مع المفاجأة التي تعرّضت لها إسرائيل أخيراً خلال «توغّلاتها» البرّية، وسقوط العديد من جنودها بين قتيل وجريح من قبل مقاتلي (حزب الله)، طرح العديد من التساؤلات... منها عمّا إذا كانت ستعيد النظر بخططها العسكرية وبحساباتها فيما يتعلق بكيفية إقامتها «المنطقة العازلة» في جنوب لبنان، تطبيقاً للقرار 1701؟ وأيضاً، هل ستكثّف قصفها الوحشي والتدميري، بما يؤدي بتلك التوغّلات إلى احتلال جديد، أو تحويل المنطقة إلى «أرض محروقة»؟ وهل سيكون متاحاً مرة أخرى أمام الحزب واللبنانيين عموماً، إعادة تنظيم «مقاومة» ما، على قاعدة توافق سياسي ينهي سلطة «حزب الله» لمصلحة الدولة... أم أن المقوّمات مستعصية في ظل الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان؟