العراق على الطريق الصحيح في 2024

السوداني لدى إدلائه بصوته في انتخابات مجالس المحافظات ببغداد (رئاسة الحكومة العراقية)
السوداني لدى إدلائه بصوته في انتخابات مجالس المحافظات ببغداد (رئاسة الحكومة العراقية)
TT

العراق على الطريق الصحيح في 2024

السوداني لدى إدلائه بصوته في انتخابات مجالس المحافظات ببغداد (رئاسة الحكومة العراقية)
السوداني لدى إدلائه بصوته في انتخابات مجالس المحافظات ببغداد (رئاسة الحكومة العراقية)

يترقب العراقيون العام الجديد بقلوب يملأها الأمل في أن تنتهي محنة غزة في وقت يتعرض فيه القطاع لحرب شاملة تهدد بانفجار الوضع في المنطقة كلها.

لم ولن نتخلى عن القضية الفلسطينية، وأكدنا في مناسبات عدة على ضرورة أن يحظى الفلسطينيون بدولتهم وعاصمتها القدس. ومنذ اليوم الأول من اندلاع الحرب في الأراضي الفلسطينية وقفنا مع أهلنا في غزة بتوفير المساعدات الإنسانية والدعم الدبلوماسي والسياسي.

هذه الحرب الظالمة صاحبتها تحديات كبرى للمنطقة برمتها، فخطورة توسيع رقعة الحرب ما زالت قائمة، وقد يشن الكيان الصهيوني حرباً على أكثر من جبهة على دول مجاورة، ولهذا يجب أن تتكاتف الجهود من أجل منع الكيان من استغلال الدعم الدولي وترجمته لحرب شاملة تحرق المنطقة بأسرها.

كما علينا كدول عربية وإسلامية أن نعمل على حشد إجماع إقليمي للحفاظ على الاستقرار والازدهار لدول المنطقة وشعوبها من خلال تعميق الشراكات وترسيخ المصالح المشتركة.

ونحن في العراق، ومنذ اليوم الأول في عمر هذه الحكومة، تبعنا نهج الدبلوماسية المنتجة وأسسنا مبدأ العراق القوي المقتدر في تطوير العلاقات الخارجية مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، كي يستعيد العراق دوره الريادي التاريخي والطبيعي في المنطقة والعالم، فهذا هو قدرنا، ولا بد من أن نضطلع بهذا الدور حتى تتحقق التنمية المنشودة التي يتوق لها شعبنا. نحن نبذل جهوداً استثنائية على مستويات عدة للارتقاء بوضع المواطن أمنياً ومعيشياً، وقد بدأ بالفعل يشعر العراقيون بالأمن والاستقرار اللذين افتقدوهما على مدى عقود طويلة.

واتخذنا شعار العراق أولاً في صلب أعمالنا وأفكارنا أثناء اتخاذ القرارات المصيرية والمهمة، فالحكومة هي الممثل الشرعي المنتخب والمسؤول حسب الدستور لرسم سياسة الدولة والدفاع عن مصالح العراق، على رأسها حماية سيادة العراق، فالدولة يجب أن تكون لها اليد العليا. ولن تسمح لأي طرف بزعزعة صورتنا كدولة قادرة على حماية البعثات الدبلوماسية والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة.

قوات أمن في ساحة التحرير وسط بغداد (أ.ف.ب)

خلال العام المنصرم عملنا على تحقيق خمس أولويات في البرنامج الحكومي؛ ممثلة في معالجة الفقر ومواجهة البطالة ومكافحة الفساد المالي والإداري، إضافة لتقديم الخدمات والإصلاح الاقتصادي. وبسرعة سعينا ليرى العراقيون الإنجازات على هذه الأصعدة كي يعلموا أن حكومتهم جادة في الارتقاء بمعيشتهم وحل مشاكلهم من دون إبطاء. وسنستمر على ذلك المسار ونزيده بالشروع في مشاريع البنى التحتية وبرامج التطوير والتأهيل للكوادر الإدارية والبشرية في مؤسسات الدولة، التي لطالما تأخرت لعقود مضت. ولإعادة التنمية إلى مسارها الصحيح، رفعت الحكومة من وتيرة تنفيذ المشاريع الموجودة، وعددها أكثر من 7 آلاف، ناهيك عن تنفيذ مشاريع جديدة تمثل قيمة تنموية وخدمية عليا.

استكملت الحكومة تنفيذ عشرات المشاريع الاستراتيجية والتنموية، في مقدمتها ميناء الفاو ومصفاة كربلاء، ووضعنا حجر الأساس لمشروع السكك الحديدية بين البصرة وشلامجة، الذي سيعزز الربط مع الجارة إيران. ونضع نصب أعيننا المضي قدماً في مشروع طريق التنمية الاستراتيجي الذي سيجعل العراق مركزاً للتجارة العالمية بين شرق العالم وغربه. يضاف إليها مشاريع بشبكة متكاملة من الطرق والجسور الرئيسية لفك الاختناقات وتسهيل السفر والتحرك من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال.

في قطاع الغاز، وقعنا عقود جولة التراخيص الخامسة وعقداً مع شركة «توتال إنرجيز» الفرنسية العملاقة لتنفيذ أربعة مشاريع ضخمة للنفط والغاز والطاقة المتجددة، وأطلقنا جولة التراخيص السادسة وهذا جلّه لسعي حكومتنا لإنهاء ممارسة حرق الغاز البغيضة.

مسار التنمية والريادة حتم علينا إجراء تعديلات جوهرية للإصلاح الداخلي عبر تجاوز حلقات الروتين الإداري وخلق بيئة استثمارية متقدمة؛ للمستثمرين للعرب والأجانب، وتأسيس صندوق العراق للتنمية الذي يهدف لتكوين بيئة استثمارية متكاملة. ولكي تكتمل الصورة وضعنا أجندة قوية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في المشاريع الكبرى.

وواجهنا جائحة الفساد التي ظلت تبث سمومها في العراق طيلة العقود الماضية، وقطعنا شوطاً كبيراً في تعقب مرتكبي هذه الجرائم التي لا تقل خطورة عن الإرهاب، واسترداد الأموال المنهوبة.

واتخذنا العديد من الإجراءات للسيطرة على الارتفاع غير الواقعي لسعر صرف الدولار أمام الدينار من خلال تنويع الاحتياطات من العملات الأجنبية لزيادة حجم تجارتنا الدولية مع الدول الصديقة والشقيقة.

ووفينا بعهدنا بإجراء انتخابات مجالس المحافظات التي تعطل إجراؤها منذ عام 2013 وانتخابات مجلس محافظة في كركوك التي لم تجر منذ 2005، هذه المدينة التي تُعد عراقاً مصغراً بمكوناتها المتعددة وحساسية وضعها السياسي الداخلي، وهذا يُعد إنجازاً مهماً لهذه الحكومة بإعادة ركن دستوري مهم لمبدأ اللامركزية. وهيأنا كل المتطلبات الأمنية والمالية واللوجستية لإنجاح الانتخابات.

وبالفعل شهدنا يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي عملية تصويت سلسة مع نجاح خطتنا الأمنية من دون فرض حظر التجوال أو قطع الطرق أو غلق المطارات. مجالس المحافظات ركن أساس في النظام الديمقراطي القائم على اللامركزية ومفصل تحتاجه الحكومات المحلية التي تمثل الذراع التنفيذية الثانية في الدولة بعد الوزارات. كما نعتزم في العام الجديد إجراء أول تعداد للسكان في العراق للمرة الأولى منذ عام 1997، إيماناً بأن بناء قاعدة بيانات قوية هو الأساس لخطط حكومية دقيقة وناجحة.

أمام التحدي الكبير في التغير المناخي ومواجهة الجفاف الذي يهدد العراق، صغنا استراتيجية مناخية تمتد إلى 2030 وتشمل الحد من انبعاث الغازات لتقليل الضرر البيئي وتحفيز المزارعين الذين يستخدمون تقنيات ري حديثة، واستخدام الطاقات المتجددة. وكان للعراق حضور لافت ومهم في مؤتمر المناخ «كوب 28» في دبي.

المهمة منذ أن أقسمنا على حملها لم تكن سهلة والتحديات كانت ولا تزال تتطلب دأباً وجَلَداً وهمة وقبلها جميعاً إيماناً لا ريب فيه برفعة العراق واستحقاقه ليكون دولة رائدة مزدهرة على مستوى الشرق الأوسط والعالم.

الشعب ينتظر بشغف أجراس العام الجديد وبنفس الهمة والعزيمة سنواصل مسيرة التنمية والسلام والريادة التي بدأناها، وسيظل العراق دوماً سداً منيعاً أمام من يرغبون في تعطيل هذه المسيرة. وكل عام والعراقيون وأهل غزة والأمة العربية والعالم بخير.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».