في كل مرة تمضغ فيها علكة… تملأ فمك بالبلاستيك

الفرد الأميركي يبتلع 30 ألفاً من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة سنوياً

في كل مرة تمضغ فيها علكة… تملأ فمك بالبلاستيك
TT

في كل مرة تمضغ فيها علكة… تملأ فمك بالبلاستيك

في كل مرة تمضغ فيها علكة… تملأ فمك بالبلاستيك

عندما تضع قطعة علكة في فمك، فإنك قد تأمل في إنعاش أنفاسك، أو تخفيف بعض التوتر، أو مجرد الاستمتاع بنكهة مميزة. ولكنك قد تُطلق أيضاً آلافاً من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة مع كل قطعة تمضغها.

علكة مصنوعة بمطاط بلاستيكي

يعود ذلك إلى أن معظم أنواع العلكات نفسها مصنوعة من البلاستيك؛ وغالباً ما تستخدم بوليمرات صناعية لصنع قاعدة العلكة، مثل «أسيتات البولي فينيل»، وهو بلاستيك يُستخدم في المواد اللاصقة؛ أو «ستايرين بوتادين»، وهو نوع من المطاط البلاستيكي يُستخدم في الإطارات ونعال الأحذية.

البلاستيك موجود بالفعل في كل مكان: مياهنا المعبأة، وتربتنا، وحتى في هوائنا. يمكن للجسيمات البلاستيكية الدقيقة أن تتسرب إلى أجسامنا من خلال كل هذه الأشياء، وكذلك من خلال الأطعمة المحفوظة أو المُسخنة في عبوات بلاستيكية.

البلاستيك يتسرب نحو اللعاب

ولكن مع العلكة، يكون التعرض أكثر مباشرة. يقول سانجاي موهانتي، أستاذ الهندسة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس: «هنا، الطعام هو البلاستيك» نفسه.

موهانتي هو الباحث الرئيس في الدراسة التجريبية التي بحثت في كيفية وصول المواد البلاستيكية الدقيقة من العلكة إلى لعابنا. وقد أجرى الدراسة مع ليزا لو، طالبة الدكتوراه في مختبره، التي ستقدم نتائجها في الاجتماع الربيعي للجمعية الكيميائية الأميركية هذا الأسبوع.

يدرس موهانتي المواد البلاستيكية الدقيقة منذ سنوات؛ وقد أجرى أبحاثاً حول كيفية نفخ الرياح للمواد البلاستيكية الدقيقة من الأسمدة في الهواء، وكيف يمكن أن تحتوي ملاعب الأطفال على مواد بلاستيكية دقيقة أكثر من مناطق أخرى من الحدائق الحضرية.

أما لو، التي نشأت في هاواي وشهدت الآثار المدمرة للتلوث بشكل مباشر، فقد توصلت إلى فكرة تحديد التأثير البلاستيكي للعلكة. حتى أن هذا الموضوع فاجأ بعض زملائها في الفصل. تقول: «الناس لا يعرفون حقاً أن العلكة مصنوعة من البلاستيك. إنه ببساطة أمر لا نفكر فيه لأنه يشبه الطعام، لذلك لا نتوقعه».

مقارنة العلكة الاصطناعية والطبيعية

قام الباحثون بفحص العلكة الاصطناعية والطبيعية، واختاروا خمس علامات تجارية من كل نوع، وهي الأكثر توفراً تجارياً. قامت لو بنفسها باختبارها: كانت تشطف فمها (وتأخذ تلك العينة، لمعرفة مستوى المواد البلاستيكية الدقيقة في لعابها من البداية)، ثم تمضغ قطعة علكة لمدة أربع دقائق، وتبصق عينات من اللعاب كل 30 ثانية، قبل الشطفة الأخيرة.

100 قطعة بلاستيكية في غرام واحد

في المتوسط، وجدوا أن كل غرام من العلكة يُطلق 100 قطعة بلاستيكية دقيقة، على الرغم من أن بعض القطع أطلقت ما يصل إلى 600. يتراوح وزن معظم قطع العلكة بين 2 و6 غرامات، ما يعني أن القطعة الكبيرة يمكن أن تُطلق ما يصل إلى 3000 جسيمة بلاستيكية دقيقة. وفقاً لبعض التقديرات، يتراوح متوسط ​​تناول الأمريكيين من قطعة إلى ثلاث قطع يومياً، ولكن بالنظر إلى كمية معتدلة، فإذا مضغ شخص ما من 160 إلى 180 قطعة صغيرة من العلكات سنوياً، فقد قدر الباحثون أن ذلك قد يؤدي إلى ابتلاعه 30 ألف قطعة بلاستيكية دقيقة.

وقبل بدء الدراسة، توقعت لو أن تحتوي العلكة الطبيعية على عدد أقل من المواد البلاستيكية الدقيقة، لكنها في الواقع أطلقت كميات مماثلة. وليس من الواضح من أين تأتي هذه المواد البلاستيكية بالضبط، مع ذلك؛ قالت لو إنه من المحتمل أن يكون ذلك من عملية التصنيع.

وكانت دراستهم محدودة أيضاً من حيث المواد البلاستيكية الدقيقة التي يمكنهم تحديدها بدقة في اللعاب: فقد بحثوا فقط عن قطع بلاستيكية أكبر من 20 ميكروناً، والتي يمكن رؤيتها تحت المجهر. هذا يعني أنهم لم يبحثوا عن جزيئات بلاستيكية نانوية - جزيئات أصغر من 200 نانومتر (على النقيض من ذلك، يبلغ عرض شعرة الإنسان حوالي 80000 نانومتر).

وقد وجدت الأبحاث السابقة بالفعل أن زجاجة ماء واحدة يمكن أن تحتوي على مئات الآلاف من المواد البلاستيكية النانوية. يقول موهانتي: «قد يكون هناك الكثير والكثير من المواد البلاستيكية (التي تطلقها العلكة) والتي تكون صغيرة جداً بحيث لا يمكن رؤيتها في مستشعرنا».

إطلاقة بلاستيكية في أول دقيقتين

اختبرت لو أيضاً مضغ القطع لفترة أطول، وجمع عينات لأكثر من 20 دقيقة، لمعرفة كيفية إطلاق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بمرور الوقت. تم إطلاق معظم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة خلال أول دقيقتين من المضغ. بعد 8 دقائق، تم إطلاق 94 في المائة من جزيئات البلاستيك التي تم جمعها أثناء الاختبارات.

إذا كنت تتطلع إلى تقليل تعرضك للجسيمات البلاستيكية الدقيقة ولكنك غير مستعد تماماً للتخلي عن العلكة، تقول لو، يمكنك تجربة مضغ قطعة واحدة لفترة أطول، بدلاً من البدء في قطعة جديدة.

العلكة... ضارة

لا يوجد حتى الآن الكثير من الأبحاث العلمية حول كيفية تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحتنا، ولكن هناك مؤشرات على أنها تضر أجسامنا. يقول الباحث موهانتي: «نعلم أنها ليست شيئاً طبيعياً».

يأمل الباحثون أن تساعد دراستهم الناس على زيادة وعيهم بشكل آخر من أشكال التعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة. ويضيف موهانتي: «عندما تمضغ العلكة، تعتقد أنك تحصل على النكهة. أنت أيضاً تحصل على بعض البلاستيك معها». بينما تأمل لو أيضاً أن يدفع هذا الناس إلى التفكير في كيفية التخلص من علكتهم الممضوغة أيضاً. تقول: «إنها مصدر للبلاستيك، لذا يجب التخلص منها بشكل سليم».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

كيف تعتني بدماغك؟ أطباء يقدمون 10 طرق بسيطة

صحتك الأطباء يؤكدون وجود صلة راسخة بين النشاط البدني وصحة الدماغ (رويترز)

كيف تعتني بدماغك؟ أطباء يقدمون 10 طرق بسيطة

كلما تقدمنا ​​في العمر، ازداد خطر إصابتنا بالضعف الإدراكي. ويتساءل الكثير من الناس حول كيفية تأخير ظهور الأعراض.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أفادت الدراسات بأن الكركمين يؤثر على معدل حيوية الخلايا وتنظيم دورة الخلية للخلايا الدهنية (موقع ايفري دا هيلث)

الكركمين... فاعلية مذهلة لعلاج السمنة والالتهابات والأمراض العصبية

يُظهر الكركمين فعالية واعدة في علاج السمنة والالتهابات والأمراض العصبية التنكسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك بطانة الرحم المهاجرة حالة صحية شائعة ومؤلمة (رويترز)

«بطانة الرحم المهاجرة» تزيد خطر الإصابة بأمراض المناعة

أظهرت دراسة جديدة أن مرض بطانة الرحم المهاجرة يجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بمجموعة من أمراض المناعة الذاتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك التمارين الرياضية قد تُخفف من الآثار الجانبية الضارة لعلاج السرطان (رويترز)

ممارسة مرضى السرطان للرياضة تقلل الآثار الجانبية للعلاج

يمكن للتمارين الرياضية أن تُخفف من الآثار الجانبية الضارة لعلاج السرطان، وفقاً لما أكدته دراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو
TT

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

لم تعد التهديدات الصحية المرتبطة بالسكر قاصرة على البالغين فحسب، بل باتت تطال الفئات الأكثر هشاشة: الأطفال. ورغم الجهود التوعوية المتزايدة، فإن الواقع يكشف عن أزمة متفاقمة تهدد صحة الصغار، خصوصاً فيما يتعلق بصحة الفم والأسنان.

تقرير وفضيحة

في تقرير حديث نشرته «هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)»، ضمن برنامج «بانوراما»، يوم أمس (الثلاثاء)، سلط الضوء على فضيحة تتعلق بأكياس طعام الأطفال التجارية (baby food pouches) التي تُسوّق على أنها صحية، طبيعية، وخالية من الإضافات الضارة. لكن التحليل المخبري كشف عن نسب مرتفعة جداً من السكر في العديد من هذه المنتجات، لدرجة أن بعض الأكياس تحتوي على ما يعادل 5 ملاعق من السكر، أي ما يزيد أحياناً عن المشروبات الغازية.

والسكر ليس مجرد طعمٍ حلو يذوب على اللسان، بل هو مادة تتراكم آثارها في الجسد والعصب واللثاة... شيئاً فشيئاً. وتؤكد الدراسات أن أكثر من 75 في المائة من الأطفال والبالغين يستهلكون كميات من السكر تفوق ما توصي به الهيئات الصحية، دون وعي بخطورة ذلك.

خطر مضاعف على أسنان الأطفال

تعلق مؤسسة صحة الفم البريطانية، في تقريرها المنشور اليوم، على هذا الاكتشاف بقولها إن هذه المنتجات «تعزز تسوس الأسنان لدى الأطفال الرُضّع»، خصوصاً مع الاستخدام المتكرر وبقائها لفترات طويلة في الفم؛ ما يسمح للسكر بأن يتفاعل مع البكتيريا مسبباً إنتاج الأحماض التي تؤدي إلى تآكل مينا الأسنان. وهذا التأثير لا يقتصر على الأسنان اللبنية، بل قد يؤثر على صحة الفم والنمو السليم للطفل على المدى البعيد.

السكر كالتبغ: تهديد صامت؟

ربط بعض الخبراء بين أخطار السكر المزمن ومخاطر التبغ، من حيث الآثار التراكمية طويلة الأمد على الصحة العامة، فبينما يؤدي التبغ إلى أمراض القلب والرئة والسرطان، فإن السكر مرتبط بالسمنة، داء السكري، تسوس الأسنان، وأمراض القلب، بل إن البعض يدعو إلى وضع تحذيرات صحية على عبوات الأغذية عالية السكر، تماماً كما هو الحال مع علب السجائر.

وكان الخبراء دعوا في السابق إلى معاملـة السكر كما عومل التبغ، مشيرين إلى أن الإعلان عن المشروبات السكرية في برامج الأطفال يجب أن يُحظر، وأن تُرفع الضرائب على المنتجات السكرية. وأكدوا على دور أطباء الأسنان كخط الدفاع الأول، ليس فقط لعلاج آثار السكر، بل للوقاية منه بالتعليم والمشاركة المجتمعية الفاعلة.

هنا ويعلو صوت الباحث البريطاني تيموثي آيفز، صارخاً في مقال نُشر بـ«المجلة البريطانية لطب الأسنان» (British Dental Journal) في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، قائلاً: «اجعلوا السكر التبغ الجديد»!

غياب الرقابة والتوعية

رغم وجود توصيات من منظمات صحية عالمية بتحديد استهلاك السكر للأطفال، فإن كثيراً من المنتجات الغذائية المُعدة للصغار تتجاوز هذه التوصيات بشكل صريح. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ثغرات تنظيمية، وغياب وعي الأهل بمضار السكر «الطبيعي» الموجود في الفاكهة المركزة أو العصائر. وقد لوحظ وجود مثل هذه الأطعمة الضارة في الأسواق العربية.

معدلات تسوس الأسنان لأطفال الخليج

تشير الدراسات الحديثة إلى أن معدلات تسوس الأسنان بين الأطفال في دول الخليج مرتفعة بشكل ملحوظ، ما يعكس تحدياً صحياً كبيراً في المنطقة. وهذه معدلات تسوس الأسنان لدى الأطفال في دول الخليج حسب آخر الدراسات:

* السعودية: أظهرت دراسة أن معدل انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال في المدارس يصل إلى 93 في المائة، مما يجعلها من أعلى النسب عالمياً.

* الإمارات: أشارت دراسة إلى أن نسبة انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال دون سن السادسة تبلغ 74.1 في المائة.

* الكويت: أفاد اختصاصي طب أسنان الأطفال بأن 79 في المائة من الأطفال في الكويت مصابون بتسوس الأسنان.

* قطر: أظهرت دراسات أن معدل انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال القطريين يصل إلى 80.3 في المائة.

خطوات ونصائح

ينبغي على الجهات الصحية إصدار لوائح أكثر صرامة تلزم الشركات بالإفصاح الدقيق عن محتوى السكر في طعام الأطفال.

- على الأهل تجنُّب الاعتماد على الأطعمة الجاهزة للأطفال، خصوصاً الأكياس الجاذبة التي تُستهلك بسهولة دون رقابة.

- من المهم تعويد الأطفال منذ الصغر على المذاق الطبيعي للأطعمة دون إضافة محليات، ومراجعة طبيب الأسنان دورياً منذ ظهور أولى الأسنان.

- أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن قيام المكتب التنفيذي لوزراء صحة دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضرائب إضافية على السكر قد ساعد في التقليل من معدلات الإصابة بتسوُّس الأسنان لدى الأطفال، ويمكن تعميم هذه التجربة على كل الدول العربية.

السكر يشبه الوردة؛ يغرينا بجماله، لكن أشواكه تختبئ تحت البتلات. وإن لم نُحسن التعامل معه، فقد نُزهِر ألماً لا يُرى. ولذا علينا أن نحمي أطفالنا، لنحفظ ابتساماتنا، ولنصنع مستقبلاً أكثر صحة.