ما سر العيش حتى سن المائة؟

العلماء يرصدون الأدلة في الخلايا الجذعية المستخلَصة من المعمّرين

ما سر العيش حتى سن المائة؟
TT

ما سر العيش حتى سن المائة؟

ما سر العيش حتى سن المائة؟

اكتشف الباحثون سراً رائداً للعيش حياة أطول وأكثر صحة، من خلال دراسة الخلايا الجذعية للمعمّرين. وبينما يحاول العلماء رصد العوامل البيولوجية وراء طول العمر، تشير النتائج الجديدة إلى أن مفتاح الوصول إلى 100 عام قد يكمن في كيفية عمل خلايانا الجذعية وتجددها بمرور الزمن.

وتمكن علماء أميركيون في بوسطن بولاية ماساتشوستس الولايات المتحدة من إعادة برمجة خلايا جذعية من دم المعمّرين ويخططون لمشاركة الخلايا مع باحثين آخرين لتحسين فهم العوامل التي تسهم في حياة طويلة وصحية. وتوفر التجارب المبكرة بالفعل رؤى حول شيخوخة الدماغ.

دراسة الخلايا الجذعية للمعمّرين

يقول جورج مورفي، عالم الأحياء المتخصص في الخلايا الجذعية في كلية الطب بجامعة بوسطن، وتوم بيرلز، الطبيب المتخصص في طب الشيخوخة، في الدراسة التي قاداها ونُشرت في مجلة «نيتشر» في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، إن المعمّرين يقدمون فرصة لدراسة طول العمر.

ويظهر أن الأشخاص الذين عاشوا حتى سن 100 عام لديهم قدرة مذهلة على التعافي من الإصابة. إذ تعافى أحد المعمّرين من الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 وتعافى أيضاً من كوفيد-19 مرَّتين. وتفسر إحدى النظريات طول عمر المعمّرين بأنهم يمتلكون تركيبة وراثية تحميهم من الأمراض،

ومع ذلك فإن اختبار هذه النظرية أمر صعب بسبب ندرة المعمّرين، مما يجعل عينات الدم والجلد منهم مورداً قيماً للغاية للبحث، وهو ما دفع مورفي وفريقه إلى إنشاء بنك للخلايا يحتوي على خلايا المعمّرين التي يمكن مشاركتها مع علماء آخرين.

وفي الدراسة الجديدة خضع المشاركون لتقييمات لقدراتهم البدنية والإدراكية، وتم جمع دمائهم للتحليل، إذ كان كثير منهم يتمتعون بصحة إدراكية جيدة ومستقلين في الأنشطة اليومية. وقام فريق البحث بعزل خلايا الدم لنحو 30 من المعمّرين وإعادة برمجتها إلى خلايا جذعية متعددة القدرات (أي خلايا يمكن أن تتحول إلى أي نوع من الخلايا في الجسم)، حيث تسمح هذه العملية للباحثين بدراسة العوامل الوراثية المؤثرة على الشيخوخة دون تغيير الشفرة الجينية وتساعد على فحص المحددات الوراثية للشيخوخة.

وقام الباحثون بتمشيط قوائم الناخبين في الولايات المتحدة ومنشآت الرعاية طويلة الأمد بحثاً عن أشخاص عمرهم 100 عام فأكثر. وقد رحب كثيرون من الأشخاص الذين عثروا عليهم بالمشاركة في الدراسة «إدراكاً منهم كم هم مميَّزون»، كما يقول بيرلز.

وبالفعل فاضت التجارب المبكرة برؤى وأفكار جديدة عن شيخوخة الدماغ، وجرى تقييم المشاركين من حيث قدراتهم المعرفية والجسدية، وتم جمع عينات من دمائهم، وقد كان كثير منهم يتمتعون بصحة جيدة على المستوى المعرفي، وقادرين على الاهتمام بأنفسهم.

ولأن الشيخوخة ترتبط بفقدان آليات مراقبة الجودة في الخلايا التي تسيطر على إنتاج البروتين، مما يسهم في حدوث الأمراض، فقد بدأت التجارب بالفعل باستخدام هذه الخلايا. وتشير النتائج الأولية إلى أن الخلايا العصبية المشتقة من المعمّرين كانت أكثر كفاءة في إدارة هذه العملية عند الإجهاد.

حماية جينية ضد الأمراض

يبدو أن المعمّرين لديهم مستويات أعلى من الجينات المرتبطة بالحماية ضد الأمراض بما في ذلك مرض ألزهايمر وباركنسون. وقد يسهم التركيب الجيني الذي يعزز القدرة على الصمود في مواجهة العدوى والأمراض المزمنة في طول أعمارهم.

كانت مجموعة بحثية أخرى قد أنشأت نماذج دماغية ثلاثية الأبعاد لمرض ألزهايمر باستخدام خلايا مشتقة من المعمّرين، وقارنتها بنماذج من أشخاص في الستينات من العمر. وأظهرت الدراسات الأولية أن الخلايا المشتقة من المعمّرين تعبِّر عن مستويات أعلى من الجينات المرتبطة بالحماية من ألزهايمر، وفق دو يون كيم، أستاذ مشارك في علم الأعصاب بكلية الطب بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة. وفي المستقبل يأمل الباحثون في توسيع نطاق عملهم باستخدام هذه الخلايا الجذعية لتطوير أنواع أخرى من الخلايا المرتبطة بالشيخوخة مثل خلايا الكبد والعضلات والأمعاء أو حتى الأعضاء الصغيرة.

خلايا جذعية تعالج السكري

وفي تجربة رائدة على دور الخلايا الجذعية، نُشرت في مجلة «Cell» في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أخذ دينغ هونغكوي، عالِم الأحياء الخلوية في جامعة بكين بالصين، وزملاؤه، خلايا من ثلاثة أشخاص مصابين بداء السكري من النوع الأول وأعادوها إلى حالة متعددة القدرات (مما يعني أنها يمكن أن تتطور إلى أي نوع من الخلايا). وهذه التقنية التي طوَّرها في الأصل شينيا ياماناكا، الأستاذ والمدير الفخري لمركز أبحاث وتطبيقات الخلايا الجذعية متعددة القدرات المستحثة في جامعة كيوتو في اليابان والحائز جائزة نويل عام 2012 في علم وظائف الأعضاء أو الطب، وعدّلها فريق دينغ لاستخدام جزيئات صغيرة بدلاً من البروتينات مما يسمح بتحكم أفضل.

وقد استخدم الباحثون هذه الخلايا الجذعية المعاد برمجتها كيميائياً لإنشاء مجموعات ثلاثية الأبعاد من جزر البنكرياس المنتجة للإنسولين التي جرى اختبارها من حيث السلامة في الحيوانات. وفي يونيو (حزيران) 2023 زرع الفريق نحو 1.5 مليون جزيرة بنكرياسية في عضلات بطن امرأة مصابة بداء السكري من النوع الأول وهو نهج جديد، إذ عادةً ما يحدث معظم عمليات زرع جزر البنكرياس في الكبد، أما اختيار عضلات البطن بدلاً من الكبد فقد كان ليُمكِّن من مراقبة الخلايا باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي وإزالتها إذا لزم الأمر، وقد استغرقت العملية أقل من 30 دقيقة.

وبعد شهرين ونصف من عملية الزرع بدأت المرأة المصابة بمرض السكري من النوع الأول في إنتاج ما يكفي من الإنسولين من تلقاء نفسها، واستمرت في ذلك لأكثر من عام ومستويات السكر في الدم لديها مستقرة بنسبة 98 في المائة من الوقت مما يزيل الارتفاعات والانخفاضات الخطيرة. ويؤكد جاي سكايلر، أستاذ الطب وطب الأطفال وعلم النفس والخبير في مرض السكري بكلية الطب بجامعة ميامي في الولايات المتحدة، أن المزيد من الناس بحاجة إلى الخضوع للاختبار، وسوف يستغرق الأمر ما يصل إلى خمس سنوات من إنتاج الإنسولين المستمر لاعتبارها قد شُفيت تماماً.

وقال دينغ هونغكوي إن المشاركين الآخرين في التجربة بخير أيضاً، ويخطط لتوسيع البحث نظراً لأن المرأة كانت تتناول بالفعل مثبطات المناعة بسبب عملية زرع كبد سابقة، ولم يتمكن الفريق من تقييم ما إذا كان جسدها سيرفض الخلايا الجديدة، وعلى الرغم من عدم وجود أي علامة على وجود هجوم مناعي ذاتي فإنهم يعملون على طرق لحماية الخلايا من هذا الخطر، وهو أمر شائع في مرض السكري من النوع الأول.



«متلازمة الفم الحارق»: الأسباب والعلاج

«متلازمة الفم الحارق»: الأسباب والعلاج
TT

«متلازمة الفم الحارق»: الأسباب والعلاج

«متلازمة الفم الحارق»: الأسباب والعلاج

تُعدّ متلازمة الفم الحارق من الحالات الطبية الغامضة والمعقدة التي تُسبب إحساساً بالحرقان والألم في الفم وتغييراً في طعم الفم وخدراً في اللسان، بالإضافة إلى جفاف الفم، وقد تؤثر بشكل كبير على جودة حياة المصابين بها.

تُعرف هذه المتلازمة أيضاً بأسماء أخرى مثل «حرقة اللسان» أو «حرقة الشفاه»، وغالباً ما تكون الأسباب الدقيقة وراءها غير واضحة. وتشير أغلب الإحصائيات إلى أن معدل الإصابة بهذه المتلازمة يصل إلى ما بين 1 و15 في المائة بين السكان. كما تصيب هذه المتلازمة النساء أكثر من الرجال ويلعب العمر دوراً مهماً، حيث تكثر معدلات الإصابة بعد عمر الخمسين عاماً.

أسباب الفم الحارق

هناك أسباب محتملة عدة لمتلازمة الفم الحارق، التي يمكن تقسيمها إلى فئات رئيسية:

- الأسباب العصبية: قد تكون ناجمة عن تلف في الأعصاب التي تنقل الإحساس من الفم إلى الدماغ. ويُعتقد أن التغيرات في الجهاز العصبي المركزي والمحيطي تلعب دوراً كبيراً في ظهور الأعراض.

- الاضطرابات الهرمونية تشمل تغيرات هرمونية مثل انخفاض مستويات هرمون الاستروجين لدى النساء بعد انقطاع الطمث؛ ما يمكن أن يؤثر على صحة الفم.

- الالتهابات: يمكن لبعض الالتهابات الفطرية أو البكتيرية أن تُسبب أعراضاً مشابهة لمتلازمة الفم الحارق. وعلى سبيل المثال، فإن العدوى الفطرية مثل الكانديدا قد تكون سبباً محتملاً.

- العوامل النفسية: يلعب القلق والاكتئاب دوراً مهماً في زيادة شدة الأعراض، حيث يمكن أن تزيد هذه الحالات النفسية من التوتر العصبي وتفاقم الإحساس بالألم.

- نقص التغذية: يمكن أن يؤدي نقص فيتامين بي12 B12 أو الحديد إلى ظهور الأعراض. إذ إن الفيتامينات والمعادن (خصوصاً الزنك والحديد) ضرورية لصحة الأعصاب والأنسجة الفموية.

الأعراض والعلاج

تتميز متلازمة الفم الحارق بمجموعة من الأعراض التي قد تختلف في شدتها من شخص إلى آخر، وتشمل:

- الإحساس بالحرقان أو الوخز في اللسان أو الشفتين أو الحنك، الذي قد يكون مستمراً أو متقطعاً.

- جفاف الفم وزيادة العطش؛ مما يزيد من الإحساس بعدم الراحة.

- التغير في حاسة التذوق، مثل الطعم المعدني أو المر في الفم، الذي يمكن أن يؤثر على الشهية وتناول الطعام.

- الصعوبة في تناول الطعام أو التحدث بسبب الألم؛ مما يؤثر على الحياة اليومية والتفاعل الاجتماعي.

- الشعور بالخدر والتنميل في اللسان وقد تتغير أماكن الخدر من أسبوع إلى آخر.

أما العلاج، فيتطلب نهجاً متعدد الأوجه يشمل أساليب عدة:

- العلاج الدوائي: يشمل استخدام مسكنات الألم، مضادات الاكتئاب، أو أدوية أخرى تهدف إلى تخفيف الأعراض العصبية. يُمكن أن تُستخدم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة أو مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين.

- العلاج السلوكي: يهدف إلى مساعدة المرضى في إدارة القلق أو الاكتئاب المرتبط بالأعراض، وذلك من خلال تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي.

- التعديلات الغذائية: يُمكن أن تُساعد مكملات غذائية مثل فيتامين بي12 أو الحديد في تعويض النقص الغذائي وتحسين الأعراض. يُنصح باتباع نظام غذائي متوازن وصحي. وقد أثبتت دراسة من معهد ايستمان لطب الأسنان نُشرت في عام 2023 في مجلة «طب الأسنان» البريطانية، أن تناول الزنك بصفته مكملاً غذائياً يومياً يمكن أن يخفف كثيراً من أعراض هذه المتلازمة.

- العلاجات البديلة: تشمل تقنيات مثل العلاج بالإبر الصينية أو العلاج بالروائح، التي يُمكن أن تُساهم في تخفيف الألم وتحسين حالة المريض العامة.

وتعدّ متلازمة الفم الحارق تحدياً طبياً للعديد من الأطباء والمرضى بسبب غموض أسبابها وتنوع أعراضها. لكن من خلال الفهم العميق للأسباب المحتملة واتباع نهج علاج متكامل يشمل العلاجات الدوائية والسلوكية والغذائية، يمكن تحسين جودة حياة المصابين بشكل كبير. علاوة على ذلك، يُظهر الذكاء الاصطناعي إمكانيات واعدة في تحسين دقة التشخيص وتطوير خطط علاج مخصصة؛ ما يمنح الأمل في تحقيق نتائج أفضل للمصابين بهذه المتلازمة الغامضة.