الدهون الجيدة تساعدنا على إنقاص الوزن لا زيادته، وفق تقرير لصحيفة «تلغراف» البريطانية.
ووجدت دراسة جديدة أن النسيج الدهني البنّي (BAT) الغني بالميتوكوندريا، يمكن أن يعزز طول العمر ويساعدنا في الحفاظ على صحتنا مع تقدمنا في السن.
ولحظت الدراسة التي أجرتها كلية الطب بجامعة روتجرز، في نيوجيرسي، أن الفئران التي تفتقر إلى جين معين طورت شكلاً فعالاً بصورة غير عادية من النسيج الدهني البني، مما أدى إلى إطالة عمرها وزيادة قدرتها على ممارسة الرياضة بنسبة 30 في المائة.
وعاشت الفئران المعدلة وراثياً التي تفتقر إلى بروتين يُسمى «RGS14»، أطول بنحو 20 في المائة من الفئران العادية، وتجنبت علامات الشيخوخة النموذجية، بما في ذلك تساقط الشعر والشيب. كما حمى النسيج الدهني البني لديها من السمنة، ومقاومة الغلوكوز، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، ومرض ألزهايمر.
ويعمل الفريق الآن على دواء يمكنه محاكاة هذه التأثيرات لدى البشر. وقال البروفسور ستيفن فاتنر، كبير مؤلفي الدراسة: «تتراجع القدرة على ممارسة الرياضة مع التقدم في السن، وسيكون وجود تقنية يمكنها تحسين أداء التمارين الرياضية مفيداً جداً لشيخوخة صحية».
لكن ما دور الدهون البنية؟
معظم الدهون في أجسامنا عبارة عن أنسجة بيضاء، موزعة حول الخصر والوركين والفخذين. ولكن لدى معظم البالغين نحو 100 غرام من الدهون البنية أيضاً، وهي تتراكم بشكل رئيسي حول الرقبة، كما توجد في عظمة الترقوة والعمود الفقري، وفقاً للبروفسور مايكل سيموندز، وهو نائب رئيس كلية الطب بجامعة نوتنغهام.
وتشير الدراسات إلى أنه لا يمكن اكتشافها إلا لدى أقلية من الناس -ربما 10 في المائة فقط- ولكن حالياً، الطريقة الوحيدة لمعرفة كيفية مقارنتها هي من خلال فحص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، والذي يتضمن حقن مادة مشعة في الجسم، ويُستخدم عادة لتشخيص السرطان.
والوظيفة الأساسية للدهون البنية هي توفير الدفء: فهي تنتج حرارة تفوق 300 مرة أي نسيج آخر في الجسم. ويتم تنشيطها لأول مرة لدى الأطفال حديثي الولادة، لحمايتهم من صدمة التعرض للبرد بعد الولادة.
ومع تقدمنا في العمر، تنخفض كمية الدهون البنية في أجسامنا. ولكن سيكون من المفيد الاحتفاظ بها أو زيادة مستوياتها لدينا.
وأظهرت البحوث فوائد صحية كثيرة، منها تحسين التحكم في نسبة السكر في الدم، وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع مستويات الكولسترول الجيد، وانخفاض خطر الإصابة بالكبد الدهني.
كما وجدت دراسة أجرتها جامعة روكفلر في نيويورك، على أكثر من 52 ألف مشارك، صلة قوية بين وجود دهون بنية ملحوظة وانخفاض الإصابة بأمراض القلب التاجية، وقصور القلب، وارتفاع ضغط الدم.
وتحتوي الدهون البنية على بروتين فريد -بروتين الفصل (1UCP1)- يميزها عن الدهون البيضاء. يوجد هذا البروتين في الميتوكوندريا الداخلية، وعند تحفيزه، يُنتج حرارة.
وقال توني فيدال-بويغ، أستاذ التغذية الجزيئية والتمثيل الغذائي في جامعة كامبريدج: «لتوليد الحرارة، تتطلب الدهون البنية كثيراً من الطاقة على شكل دهون وسكر. يحرق هذا الوقود الزائد، مما يعني أنه كلما زادت الدهون البنية لديك، زادت قدرتك على الحفاظ على رشاقتك».
ومن المثير للاهتمام أن دراسة جامعة «روكفلر» أشارت أيضاً إلى أنه إذا كان لدى الأشخاص المصابين بالسمنة دهون بنية ملحوظة، فيمكنها حمايتهم من الآثار الضارة للدهون البيضاء.
وشرح يقول البروفسور فيدال-بويغ أن الدهون البنية «تعمل مثل المكنسة الكهربائية التي تمنع العناصر الغذائية (من الدهون والسكر) من الوصول إلى الكبد والشرايين والعضلات».
وقال: «نتيجة لذلك، يعمل الباحثون على إيجاد طريقة لتسخير الدهون البنية، لمنع المضاعفات المرتبطة بالسمنة».
لقد ثبت أن دواء «ميرابيغرون» المستخدم لعلاج فرط نشاط المثانة، ينشط الدهون البنية، ولكنه يرفع أيضاً ضغط الدم. ويستكشف الباحثون ما إذا كانت جرعات أصغر من الدواء تؤخذ على فترات طويلة ستكون كافية لتحفيز الدهون البنية، من دون مخاطر كبيرة على القلب والأوعية الدموية.
في غضون ذلك، هناك طرق لتنشيط الدهون البنية بأمان من خلال تغييرات نمط الحياة.
اقضِ ساعتين يومياً في البرد
وأوضح رولاند ستيمسون، أستاذ الغدد الصماء في جامعة إدنبره، أن بروتين الدهون البنية «UCP1» ليس نشطاً بطبيعته؛ بل يجب تنشيطه.
ولعل الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق ذلك هي التعرض للبرد، وفق التقرير.
وشملت دراسة في ماريلاند 5 رجال أصحاء يبلغون من العمر 21 عاماً، يقضون 10 ساعات كل ليلة في غرفة درجة حرارتها 19 درجة مئوية. بعد شهر من هذا التعرض للبرد الخفيف، زادت لديهم نسبة الدهون البنية بنسبة 42 في المائة، وزاد نشاط التمثيل الغذائي للدهون بنسبة 10 في المائة.
لذلك، قد يكون خفض درجة الحرارة ليلاً طريقة بسيطة لتنشيط الدهون البنية، ولو بدا ذلك مُرهقاً. وفي هذا المجال أشار للبروفسور ستيمسون إلى أننا «رأينا من الدراسات المُحكمة أن حتى التعرض لبرودة خفيفة (17 درجة مئوية) لمدة ساعتين يومياً كافٍ لتنشيط وظيفة الدهون البنية».
استحم بماء بارد
الاستحمام في الماء البارد مفيد أيضاً. يقول البروفسور سيموندز: «ثلاث أو أربع دقائق في دش بارد كل صباح، أو السباحة في ماء بارد عدَّة مرات أسبوعياً، تُنشِّط الدهون البنية، وقد تُساعد في التخلص من الوزن الزائد».
في عام 2008، وجد باحثون في جامعة «ماستريخت» أن ويم هوف، الرياضي الهولندي المُتمرّد المعروف بقدرته على تحمِّل درجات الحرارة المُتجمدة، قد تراكم لديه كثير من الدهون البنية لدرجة أنه يُمكنه إنتاج طاقة حرارية أكثر بخمس مرات من الشخص العادي في العشرين من عمره.
ويُساعد الماء البارد أيضاً على تقوية جهاز المناعة، وزيادة الإندورفين، وتحسين الدورة الدموية، مما يجعله عادة إيجابية للغاية.
اشرب كوباً يومياً من القهوة
أشارت دراسة هي الأولى من نوعها أجراها البروفسور سيموندز وفريقه من جامعة نوتنغهام عام 2019، إلى أن شرب كوب من القهوة يمكن أن يُحفِّز الدهون البنية.
استخدم الفريق تقنية تصوير حراري ابتكروها لتتبع احتياطيات الدهون البنية في الجسم، ثم أعادوا استخدامها فوراً بعد شرب المشاركين للقهوة لمعرفة ما إذا كانت الدهون البنية قد ازدادت سخونة. ووفقاً للبروفسور سيموندز كانت النتائج إيجابية.
الأطعمة الحارة والشاي الأخضر
أظهرت بحوث أجراها علماء يابانيون أن الكابسينويدات، وهي مركبات موجودة في الفلفل الحار وبعض أنواع الفلفل الأحمر، تُنشِّط الدهون البنية، لذلك فإن إضافة التوابل إلى وجباتك قد تساعدك على التخلص من الوزن الزائد.
من الأطعمة الأخرى التي ثبت أنها تُحفِّز الدهون البنية: الشاي الأخضر الغني بالكاتشين، وهو نوع من الفلافونويد والبوليفينول المعروف بخصائصه القوية المضادة للأكسدة.
وفي دراسة يابانية أخرى، أُجريت على مشاركين تناولوا الكاتيكين والكافيين في المشروب نفسه، وجدت الدراسة أن شربه «يزيد بشكل حاد من استهلاك الطاقة في الجسم كله، المرتبط بزيادة نشاط النسيج الدهني البني».
مزيد من سمك الماكريل
أثبتت الدراسات أن أحماض «أوميغا» الدهنية تؤثر إيجاباً على الدهون البنية، وخصوصاً حمضي الدوكوساهيكسانويك (DHA) وإيكوسابنتانويك (EPA)، اللذين يوجدان بشكل أساسي في الأسماك الزيتية مثل السلمون والتونة والماكريل والسردين. وتُعدّ مكملات زيت السمك خياراً جيداً لمن لا يتناولون المأكولات البحرية.
لا تجوع أو تُفرط في تناول الطعام
وجد باحثون في كلية الطب بجامعة ييل، أن الخلايا العصبية في الدماغ المسؤولة عن تنظيم الجوع لدى الفئران تُحفز الدهون على التحول إلى اللون البني.
ووجدت الدراسة أن تناول سعرات حرارية قليلة جداً يمنع الدهون البيضاء من التحول إلى اللون البني، بينما تناول ما يكفي لإشباع الجوع يُحفز الخلايا العصبية ويُحوّل الدهون إلى اللون البني.
وعلى العكس، فإن الإفراط في تناول الطعام قد يُسبب ضرراً؛ ليس فقط لأنه يزيد من الدهون البيضاء؛ بل لأنه قد يُعيق قدرة الدهون البنية على حرق السعرات الحرارية.