عندما يفسد أحد الزوجين على الآخر نومه الجيد ليلاً في السرير وبشكل متكرر، إما بالشخير وإما بالركل وإما بالتقلب وإما بسرقة الأغطية على سبيل المثال؛ فقد نتساءل عما إذا كان من الأفضل لهما النوم منفصلين.
«انفصال النوم»
والواقع أن هذا ليس غريباً، بل وجدت نتائج دراسة إحصائية أجرتها «الأكاديمية الأميركية لطب النوم» (AASM) عام 2023، أن 35 في المائة من المستجيبين أفادوا بأنهم ينامون أحياناً أو بانتظام في غرف منفصلة أو أسرّة منفصلة عن الشريك الزوجي.
ومصطلح «انفصال النوم» (Sleep Divorce) «أو طلاق النوم»، أصبح متداولاً في النشرات والمقالات الطبية. وللوهلة الأولى، قد يبدو مصطلح «طلاق النوم» وكأنه يشير إلى مشكلات في العلاقة الزوجية وتماسكها. ولكن في الواقع، هو ممارسة يتبعها مزيد من الناس لتحسين نومهم وعلاقاتهم. وهو يشير إلى أن الشريكين الرومانسيين ينامان في غرف مختلفة بدلاً من مشاركة السرير في الليل.
وتعلّق «الأكاديمية الأميركية لطب النوم» قائلة: «سواء كان ذلك لتجنّب الشركاء الذين يسرقون الأغطية ويتقلّبون طوال الليل، أو أولئك الذين يهزّون الغرفة باستمرار بالشخير العالي، يختار كثير من الأميركيين الانفصال النومي للمساعدة في تحسين نومهم الليلي».
حياة زوجية طبيعية
والملاحظ أن موضوع «الانفصال النومي» لدى المتزوجين من الموضوعات المثيرة للحساسية، لكنها مُتناولة لدى الأوساط الطبية في جوانب عدة وبشكل علمي. وهذه الجوانب تعتمد على عنصرين أساسيين، الأول افتراض أن الطبيعي أن ينام الزوجان معاً في السرير نفسه؛ كي تكون الحياة الزوجية طبيعية وصحية ومثمرة في حياة كل من الشريكين. والآخر أن أخذ قسط ليلي كافٍ من النوم الصحي يُعدّ طبياً أحد العوامل المؤثرة بشكل عميق على صحة الإنسان ووقايته من الإصابة بالأمراض البدنية والنفسية.
وكثير من الأزواج يواجهون معضلة في التعامل مع الأمر. ولكن المحررة التنفيذية لمجلة «رسالة هارفارد الصحية»، هايدي غودمان، تطرح سبب التفكير في انفصال النوم. وتفيد بقول ما ملخصه: «عند طرح سؤال: لماذا يفكر أحد الزوجين في انفصال النوم؟ فإنه يبدو أن نوم الزوجين منفصلين أمر غير بديهي بالنسبة إلى الأزواج Counterintuitive، ولكن حصول الإنسان على النوم الجيد ليلاً أمر مهم جداً للصحة. إن الهدف هو النوم من سبع إلى تسع ساعات في الليلة. اعمل مع شريكك لجعل النوم أولوية لكليكما. واجعل هذا النوم عالي الجودة».
وتقول طبيبة نفسية في مستشفى «ماكلين» التابع لجامعة «هارفارد»، الدكتورة ستيفاني كولير: «يؤدي الحرمان من النوم إلى الاكتئاب والقلق وصعوبة التركيز؛ مما قد يمنعك من التواصل بشكل جيد مع شريكك. كما تزيد قلة النوم من خطر الإصابة بمشكلات صحية مزمنة، مثل: السمنة، والسكري، وأمراض القلب، والتدهور المعرفي».
سعادة المتزوجين
يقول المتخصصون الصحيون في كلية «طب هارفارد»: «تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المتزوجين السعداء يتمتعون بصحة أفضل من الأشخاص غير المتزوجين. وعلى سبيل المثال، بالمقارنة مع الأشخاص غير المتزوجين، يميل المتزوجون إلى:
. العيش لمدة أطول.
. الإصابة بسكتات دماغية ونوبات قلبية أقل.
. لديهم فرصة أقل للإصابة بالاكتئاب.
. يكونون أقل عرضة للإصابة بسرطان متقدم في وقت التشخيص، وأكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة من السرطان لمدة أطول.
. البقاء على قيد الحياة بعد عملية جراحية كبرى.
وهذا لا يعني أن الزواج يوفّر تلقائياً هذه الفوائد الصحية. إذ قد يكون الأشخاص في زيجات مرهقة وغير سعيدة أسوأ حالاً من الشخص الأعزب الذي يحيط به أصدقاء وعائلة وأحباء داعمون ومهتمون».
وبالمقابل، كما تقول «الأكاديمية الأميركية لطب النوم»، إن «الحصول على القدر المناسب من النوم الصحي أمر مهم للعلاقات، فقد أظهرت الدراسات أن أولئك الذين يعيشون في علاقات ويعانون باستمرار من قلة النوم، هم أكثر عرضة للانخراط في صراع مع شركائهم. وإن قلة النوم تقلل من مستويات الدقة التعاطفية؛ مما يعني أن أولئك الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم قد يكونون أقل قدرة على فهم أو تفسير مشاعر شركائهم».
وسائل «النوم المنفصل»
وبالعودة إلى الحديث عن الدراسة التي أجرتها «الأكاديمية الأميركية لطب النوم»، أفادت النتائج بأن «أكثر من ثلث الأشخاص المشمولين بالدراسة، أفادوا بأنهم ينامون (أحيانًا) أو (دائماً) في غرفة أخرى بعيداً عن شريك الحياة. وأن من المرجح أن يختار الرجال الأريكة أو غرفة الضيوف؛ إذ أفاد ما يقرب من نصف الذكور (45 في المائة) بأنهم ينامون أحياناً أو باستمرار في غرفة أخرى، مقارنة بربع (25 في المائة) فقط من النساء».
وكان السؤال الأساسي في تلك الدراسة هو: هل سبق لك أن قمت بأي من الأمور التالية لتعديل روتين نومك بما يتناسب مع شريكك في الفراش؟ وفي النتائج قالت «الأكاديمية الأميركية لطب النوم»: «ما يقرب من نصف الأميركيين (42 في المائة) لا يضبطون روتين نومهم بما يتناسب مع شريكهم في الفراش». وفي التفاصيل، قد يلجأون إلى:
. استخدام سدادات الأذن - 15 في المائة.
. استخدام قناع العين - 18 في المائة.
. النوم في غرفة أخرى من حين إلى آخر - 20 في المائة.
. النوم في غرفة أخرى بشكل مستمر - 15 في المائة.
. الذهاب إلى النوم في وقت أبكر أو متأخر عن الوقت المرغوب فيه - 33 في المائة.
وفي جميع تلك العناصر، كانت نسبة الرجال أعلى من النساء. كما أن النسبة الأعلى لم تكن في الأزواج الكبار في السن، وإنما في الفئة العمرية ما بين 25 و54 عاماً. وكمثال، وبخلاف ما قد يتوقعه البعض، فإن 13 في المائة فقط ممن ينامون في غرفة منفصلة «بشكل دائم» كانت أعمارهم فوق 55 سنة. في حين كان 75 في المائة ممن ينامون في غرفة منفصلة «بشكل دائم» أعمارهم ما بين 25 و54 عاماً.
قلة النوم سبب لانخراط الشريكين في صراع وعدم القدرة على تفسير المشاعر
قلة النوم وسوء المزاج
وتعلّق اختصاصية أمراض الرئة والمتحدثة باسم «الأكاديمية الأميركية لطب النوم»، الدكتورة سيما خوسلا، قائلة: «نحن نعلم بأن قلة النوم يمكن أن تزيد من سوء حالتك المزاجية، وأن المحرومين من النوم هم أكثر عرضة للشجار مع شركائهم. قد يكون هناك بعض الاستياء تجاه الشخص الذي يسبّب اضطراب النوم والذي يمكن أن يؤثر سلباً في العلاقات. إن الحصول على نوم جيد ليلاً أمر مهم للصحة والسعادة، لذلك ليس من المستغرب أن يختار بعض الأزواج النوم منفصلين من أجل رفاهيتهم العامة». وتضيف: «وعلى الرغم من أن مصطلح (طلاق النوم) يبدو قاسياً، فإنه يعني في الحقيقة أن الناس يعطون الأولوية للنوم، وينتقلون إلى غرفة منفصلة ليلاً عند الحاجة. ومع ذلك، إذا كان الشخير الصاخب لأحد الشريكين هو الذي يؤدي إلى وجود أماكن نوم منفصلة، فعليك تشجيع هذا الشريك على التحدث إلى طبيب حول انقطاع النفس الانسدادي في أثناء النوم. وينطبق هذا على كل من الرجال والنساء الذين قد يشخرون».
ومن جانبها تقول طبيبة نفسية في مستشفى «ماكلين» التابع لجامعة «هارفارد»، الدكتورة ستيفاني كولير: «فقط ضع في اعتبارك أن هذا الترتيب (النوم في غرفة منفصلة) يأتي مع مخاطرة. قد تعاني علاقتكما، خصوصاً إذا كان أحد الطرفين لا يريد النوم منفصلاً أو لا يحب بيئة النوم الجديدة».
مناقشة سلوكيات النوم
ويجدر أن يبدأ الأمر بالحديث من القلب إلى القلب أولاً بين الزوجين. وتقترح نشرات كلية طب جامعة «هارفارد» قائلة: «ناقشا سلوكيات النوم المزعجة التي يرتكبها شريككما بعطف وتعاطف، وتحدثا عن المشكلات التي تنجم عن ذلك لكليكما». وتقول الدكتورة كولير: «قد تكون المحادثة محرجة. فهي تتطلّب منك أن تكون ضعيفاً، وقد يُثار كثير من الموضوعات الحساسة بخلاف سلوك النوم. إذا كان من الصعب التواصل بشأن ذلك، ففكرا في جلسة استشارة زوجية مع طرف ثالث موضوعي لتوجيهكما».
كما أن من الضروري أن يبحث الزوجان عن حل وسط مقبول لكليهما. وتقترح الدكتورة كولير: «على سبيل المثال، إذا كان شخير شريكك يوقظك، فحاول ارتداء سدادات الأذن، أو استخدم جهازاً صوتياً بجوار السرير، أو ارتدِ سماعات الأذن والاستماع إلى (بودكاست) في أثناء النوم». وإذا كان الشخير مشكلة يمكن لشريكك أن يحاول النوم على جانبه واستشارة الطبيب لمعرفة سبب الشخير.
وتوصي الدكتورة كولير بأن تذهبا معاً إلى موعد الطبيب حتى تتعرفا على أي حالات وعلاجات كامنة محتملة، مثل: استخدام جهاز الضغط الهوائي الإيجابي المستمر (CPAP) لانقطاع النفس في أثناء النوم. وتضيف: «يمكن أن يكون الحل الآخر هو النوم بشكل منفصل في الغرفة نفسها. ربما يحصل كل منكما على سرير. وهذا مفيد عندما يستيقظ أحد الطرفين بشكل متكرر للتبول أو يعاني من حركات ارتعاش لا إرادية في الساقين في أثناء النوم. وهناك فكرة أخرى هي القيلولة في المكان نفسه في أثناء النهار، ولكن النوم منفصلين في الليل».
* استشارية في الباطنية