أول علاج نفسي لضحايا التنمّر

موجه للأطفال والمراهقين البدينين المعرضين للهجمات بسبب وزنهم

أول علاج نفسي لضحايا التنمّر
TT

أول علاج نفسي لضحايا التنمّر

أول علاج نفسي لضحايا التنمّر

حسب أحدث دراسة نفسية نُشرت في نهاية شهر يوليو (تموز) من العام الحالي في المجلة الدولية لاضطرابات الطعام «International Journal of Eating Disorders»، قام الباحثون في كلية الطب بجامعة ييل بالولايات المتحدة بتجربة أول علاج نفسي من نوعه موجه للأطفال ضحايا التنمر، وبشكل خاص التنمر المتعلق بالوزن.

ورغم أن هذا النوع من التنمر السبب الأساسي في حدوث اضطرابات الطعام والسمنة، فإن الجهود العلاجية السابقة كانت كلها موجهة نحو الحد من التنمر ومساعدة المدارس في منع حدوثه، بدلاً من علاج الأطفال الضحايا.

التنمر يعالج مثل الصدمة

تعامل الباحثون مع التنمر كما لو كان نوعاً من الصدمة التي تحدث للطفل نتيجة لتعرضه فقط للتنمر بعيداً عن العوامل الأخرى، وقاموا بتكييف العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمة trauma - focused cognitive - behavioral therapy. وقاموا بإجراء التجربة على 30 من الأطفال الذين تعرضوا للتنمر المرتبط بالوزن weight - related bullying بشكل خاص، سواء الزيادة المفرطة أو النحافة المبالغ فيها، وجميعهم يعانون من الضغوط التنفسية جراء ذلك، وكانت أعمارهم تتراوح بين 11 و17 عاماً.

بعد مرور ثلاثة أشهر من جلسات العلاج الأسبوعية، قام الباحثون بعمل مقارنة بين أعراض اضطرابات الطعام للمراهقين المشاركين قبل وبعد العلاج السلوكي المعرفي المرتبط بالمظهر، ولاحظوا انخفاضاً على المستوى الإكلينيكي في الحدة، كما تدنت المخاوف المرتبطة بصورة الجسد لمعظم المشاركين، حيث تُعد الصورة الخارجية للجسد واحدة من أكبر مشكلات التنمر المتعلق بالوزن، وكذلك المخاوف المتعلقة بتناول الطعام خوفاً من النحافة.

تحسن أعراض اضطراب الأكل

كانت أشهر أعراض اضطراب الأكل التي تحسنت هي المبالغة في تقدير الوزن (في بعض الأحيان نتيجة للتنمر يبدأ المراهق في التعامل مع نفسه كشخص بدين حتى لو كان ذلك غير حقيقي خاصة الفتيات). كما تحسن أيضاً الشعور بالرضا عن الشكل مقابل الوزن (في بعض الأحيان تعاني الفتاة من الشعور بعدم تناسق أجزاء جسدها مع شكلها العام حتى لو شعرت بالرضا عن وزنها وذلك راجع أيضاً للتنمر). والأمر نفسه يمكن أن يحدث للفتيان ولكن بنسبة أقل حدة بالطبع.

ووجدت الدراسة أن العلاج يحسن أيضاً الأعراض المرتبطة بالصدمة، مثل القلق والتوتر والمخاوف المتكرر وبشكل خاص اضطرابات الطعام، سواء الأكل العاطفي الذي يكون مجرد انعكاس للشعور بالإحباط وتدني صورة الذات، أو عدم تناول أي طعام على الإطلاق للدرجة التي تصل إلى القيء الإرادي المتكرر خوفاً من البدانة، ما يؤدي إلى احتمالية الحجز في المستشفى، وهو ما يعكس مدى خطورة التنمر على الوزن.

من المعروف أن استخدام العلاج السلوكي المعرفي الموجه للصدمة كان أساساً لعلاج الشباب الذين تعرضوا لتجارب حياتية مأساوية مثل الإيذاء الجسدي الشديد أو الاعتداء الجنسي أو التعرض لحروب ومجاعات وحوادث الاقتراب من الموت. لكن الباحثين بدأوا في إعادة تعريف جملة (كرب ما بعد الصدمة)، واعتبروا التنمر نوعاً من الصدمات المخففة المتتالية للطفل، ورغم أنه يحدث في مواقف منفصلة فإن تأثره التراكمي يؤدي إلى مستويات من القلق والمخاوف ترقى إلى الصدمة الحقيقية.

تأثير التنمر التراكمي

قال الباحثون إن التنمر في فترة المراهقة له آثار مؤلمة مضاعفة على الضحية؛ لأن عالم المراهقين بالكامل يدور حول أقرانهم وعلاقتهم، وذلك لأنها الفترة التي يبدأ المراهق فيها تدريجياً في البعد عن العلاقة اللصيقة بالأبوين الموجودة في فترة الطفولة، والتي توفر نوعاً من الحماية النفسية للطفل. وتبعاً للفئة العمرية يبدأ المراهق في الانخراط في العديد من الأنشطة المختلفة، سواء في المدرسة أو النادي، فضلاً عن بداية الإحساس بالمشاعر العاطفية تجاه الجنس الآخر ومحاولة نيل الإعجاب، وكل هذه الأسباب تجعل من التنمر نوعاً من الاعتداء العنيف جداً على المراهق.

أوضح العلماء أنهم استخدموا أسلوب علاج الصدمات نفسه مع المراهقين وتركوهم يسردون مشكلاتهم مع التنمر، بداية من الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية تحتاج إلى علاج، إذ وفي كثير من الأحيان يعتقد ضحية التنمر أنه يستحق هذا بالفعل. وقالوا إن المشكلات المتعلقة باضطراب الطعام ليست إلا عرضاً للتنمر، وفي حالة علاج السبب الأساسي يصبح من السهل التخلص من العادات الغذائية الخاطئة المتعلقة بالطعام، لأن الضحية من خلال الجلسات يتعلم التكييف والتعامل الصحيح لمواجهة تلك الظاهرة.

التعامل مع التنمر المرتبط بالوزن كما لو كان نوعاً من الصدمة

عواقب التنمر

حذر الباحثون من خطورة التعامل مع التنمر المرتبط بالوزن باستخفاف خاصة في فترة المراهقة؛ لأن العواقب المترتبة على هذا النوع من التنمر وخيمة على المستوى العضوي والنفسي، وتجعل المراهق أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والشعور بفقدان القيمة، والإقدام على محاولة الانتحار، فضلاً عن المشاكل العضوية المتعددة المرتبطة بالطعام، مثل الإفراط في تناوله بشكل هستيري مما يسبب الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتات الدماغية.

نصحت الدراسة بضرورة التصدي لظاهرة التنمر بشكل عام وعلاج ضحاياها وليس فقط منع حدوثها، وأيضاً طالبت بنشر الوعي الصحي المتعلق بالوزن المثالي للجسد الذي يحقق التوافق بين الصحة وجمال المظهر ونشر ثقافة الطعام الصحي. وشجعت الطلاب على مواجهة مشاكلهم النفسية المتعلقة بالتنمر نتيجة لوزنهم، واللجوء إلى الجلسات النفسية مع المختصين حسب النتيجة الإيجابية للتجربة. وكذلك نصح الباحثون الآباء بضرورة دعم المراهقين غير المشروط في هذه الفترة الحرجة من العمر، وقبولهم بغض النظر عن أوزانهم.

* استشاري طب الأطفال.


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

خلصت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان تمزقها الحروب لا يعانون فقط من مشكلات في الصحة النفسية بل من المحتمل أيضاً أن يتعرضوا لتغيرات بيولوجية في الحمض النووي (دي إن إيه) يمكن أن تستمر آثارها الصحية مدى الحياة.

وأجرى الباحثون تحليلاً للحمض النووي لعينات لعاب تم جمعها من 1507 لاجئين سوريين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و19 عاماً يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية في لبنان، وراجعوا أيضاً استبيانات أُجريت للأطفال والقائمين على رعايتهم شملت أسئلة عن تعرض الطفل لأحداث مرتبطة بالحرب.

وظهرت في عينات الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب تغيرات متعددة في مثيلة الحمض النووي، وهي عملية تفاعل كيميائي تؤدي إلى تشغيل جينات أو تعطيلها.

وقال الباحثون إن بعض هذه التغيرات ارتبطت بالجينات المشاركة في وظائف حيوية مثل التواصل بين الخلايا العصبية ونقل المواد داخل الخلايا.

وقال الباحثون إن هذه التغيرات لم تُرصد لدى مَن تعرضوا لصدمات أخرى، مثل الفقر أو التنمر، ما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى رد فعل بيولوجي فريد من نوعه.

وعلى الرغم من تأثر الأطفال من الذكور والإناث على حد سواء، ظهرت في عينات الإناث تأثيرات بيولوجية أكبر، ما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة لخطر التأثيرات طويلة الأمد للصدمة على مستوى الجزيئات.

وقال مايكل بلوس، رئيس الفريق الذي أعد الدراسة في جامعة سري في المملكة المتحدة، في بيان: «من المعروف أن للحرب تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية للأطفال، إلا أن دراستنا خلصت إلى أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير».

وأشار بلوس أيضاً إلى أن التعبير الجيني، وهو عملية منظمة تسمح للخلية بالاستجابة لبيئتها المتغيرة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب لا يتماشى مع ما هو متوقع لفئاتهم العمرية، وقال: «قد يعني هذا أن الحرب قد تؤثر على نموهم».

وعلى الرغم من محاولات الباحثين لرصد تأثيرات مدى شدة التعرض للحرب، خلصوا في تقرير نُشر يوم الأربعاء في مجلة جاما للطب النفسي إلى أن «من المرجح أن هذا النهج لا يقدر تماماً تعقيدات الحرب» أو تأثير أحداث الحرب المتكررة على الأطفال.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن نحو 400 مليون طفل على مستوى العالم يعيشون في مناطق صراع أو فروا منها.