صور جديدة من الحساسية بعد مرحلة البلوغ

ربما تظهر نتيجة التفاعل المعقد بين الجينات والبيئة

صور جديدة من الحساسية بعد مرحلة البلوغ
TT

صور جديدة من الحساسية بعد مرحلة البلوغ

صور جديدة من الحساسية بعد مرحلة البلوغ

في حياة ليزا، لم يكن تناول المحار مجرد متعة تذوق الطعام - وإنما كان جزءً أساسياً من ثقافة عائلتها. ولطالما كان الصيف يدفع هذه المرأة الأربعينية نحو السفر إلى ولاية ماين، حيث كانت أطباق الجمبري وسرطان البحر والمحار وجراد البحر نوعاً من الطقوس المميزة في لقاءات لمّ الشمل السنوية.

إلا أن ليزا فوجئت في أحد الأعوام، بأن المحار المحبوب لديها لم يعد يبادلها حباً بحب. إذ وفي الوقت الذي كانت تنغمس في تناول الوليمة البحرية بابتهاج، بدأت تظهر عليها أعراض مثيرة للقلق: تضخمت شفتا ليزا ولسانها، بينما انتشر الشرى (التقرحات) بشدة في جميع أنحاء جلدها. وتقيأت كذلك. وسرعان ما اتصل الأقارب بسيارة إسعاف...

«صدمة حساسية»

وجرى علاج ليزا من صدمة حساسية anaphylactic shock. وأكدت الاختبارات أن المحار الذي كانت تتناوله انقلب عليها: فهي الآن تعاني حساسية شديدة، بعد أن عاشت طول حياتها من قبل دون أي مشكلة.

في مرحلة البلوغ، يظن معظم الناس أنهم تجاوزوا احتمالية الإصابة بحساسية جديدة. ومع ذلك، نجد أن هذه الاحتمالية على أرض الواقع ليست استثنائية الحدوث، فهي تقع في كثير من الأحيان بين النساء، حسبما أوضح أحد المتخصصين من جامعة هارفارد.

وأضافت الدكتورة كاميليا هيرنانديز، مديرة قسم الحساسية والمناعة السريرية بمستشفى «بريغهام آند ويمينز»، التابع للجامعة: «تظن الغالبية أنك تصاب بالحساسية عندما تكون طفلاً، وتظل معك حتى سن البلوغ، أو أنك تتغلب عليها. ومع ذلك، يبقى من الممكن أن تصاب بالحساسية في أي وقت. إن هذا أحد أكثر الأشياء التي تصيب الناس بالدهشة لدى علمهم بها».

معلومات أساسية عن الحساسية

تأتي الحساسية Allergy في صور عدة. وتنشأ عندما يقع الجهاز المناعي في خطأ اعتبار مادة غير ضارة - مثل الطعام، أو حبوب اللقاح، أو وبر الحيوانات، أو عث الغبار، أو الدواء - مادة دخيلة خطيرة.

وبعد ذلك، وفي كل مرة يواجه فيها الجسم تلك المادة المسببة للحساسية، ينشأ رد فعل. وحسب نوع الحساسية وشدتها، يمكن أن تتضمن الأعراض العطاس، وذرف الدموع، والسعال، والحكة، والشرى، والقيء، وصعوبة التنفس.

وأفاد ما يقرب من ثلث البالغين الأميركيين بأنهم يعانون الحساسية الموسمية أو الغذائية، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. ومع ذلك، تشكل الصور الموسمية من الحساسية – التي تؤججها حبوب اللقاح، وغالباً ما يطلق عليها حمى القش - نسبة أعلى بكثير على الصعيد العام.

حساسية الطعام

يوماً بعد آخر، يتعرف العلماء على المزيد عن أنواع الحساسية التي قد تظهر فجأة مع تقدمنا في السن. والاحتمال الأكبر أن تظهر الحساسية الغذائية في مرحلة البلوغ، مقارنة بصور الحساسية الموسمية. ويتصدر المحار قائمة مسببات الحساسية الغذائية المتأخرة لدى البالغين، طبقاً لمسح أُجري عام 2018 بين أكثر عن 40000 شخص بالغ نشرته دورية Annals of Allergy, Asthma and Immunology.

وكشف الاستطلاع كذلك عن أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين يعانون بالفعل حساسية الطعام، تطورت لديهم صورة جديدة واحدة على الأقل من صور الحساسية في مرحلة البلوغ. ومن اللافت للنظر أن نحو ربعهم لم يكن يعاني أي حساسية غذائية في الطفولة. ويأتي بعد المحار بقائمة صور الحساسية الغذائية التي تصيب البالغين، الحليب والقمح وجوز الأشجار وفول الصويا.

بوجه عام، تعدّ النساء أكثر عرضة للإصابة بالحساسية الغذائية في مرحلة البلوغ عن الرجال - ومن بين الأشخاص الذين يعانون ذلك، تبقى النساء أكثر عرضة للإصابة بالقلق الشديد المرتبط بالطعام، حسب دراسة نُشرت عبر الإنترنت في السابع من فبراير (شباط) 2024، من قِبل Clinical and Experimental Allergy.

ومع هذا، لا يزال الغموض يكتنف السبب وراء إصابة بعض الأشخاص بالحساسية، سواء في الطفولة أو في مرحلة لاحقة من حياتهم، بينما لا يصاب البعض الآخر بها إطلاقاً.

وقالت الدكتورة هيرنانديز إن السبب ربما يرتبط بالتفاعل المعقد بين الجينات والبيئة. ومع ذلك، يبدو أنه كلما قل تعرضك لمسببات الحساسية المحتملة - مثل المحار، الذي يأكله كثير من الناس بضع مرات فقط في السنة - تنامت احتمالات ظهورها كمشكلة جديدة في وقت لاحق.

اختفاء الحساسية

رغم ما سبق، يظل هناك، على الأقل، بعض التوازن في المعادلة، ذلك أنه إذا تمكنا من التعايش مع الحساسية مع مرور العقود، فإن هذا قد يعني أننا قد ننجح في التخلص منها - إذا حالفنا الحظ.

والمثير أنه يمكن للحساسية أن تطارد بعض الأشخاص لسنوات قبل أن تختفي فجأة. وربما يعود السبب إلى حقيقة أن استجابة (رد فعل) جهاز المناعة لدينا تهدأ في منتصف العمر؛ ما يعني أن مسببات الحساسية التي كانت تثير الاستجابة في السابق أصبحت تمر على الجسم الآن دون أن ينازعها شيء، حسبما شرحت الدكتورة هيرنانديز.

والمحتمل أن تسبب بعض صور الحساسية أعراضاً أقل حدة أو حتى تتلاشى تماماً، أكثر عن غيرها. على سبيل المثال، فإن نحو 30 في المائة من الأشخاص الذين يعانون حساسية الفول السوداني يتخلصون في النهاية منها، حسبما ذكرت الدكتورة هيرنانديز.

ومع أنه يمكن لأي شخص أن يصاب بالحساسية في مرحلة لاحقة من حياته، فإن أولئك الذين لديهم تاريخ طويل من الحساسية الموسمية يميلون إلى المعاناة من أعراض أقل مع مرور السنين؛ ما يسمح لأولئك المحاصرين بالعطاس وسيلان الأنف وحكة العيون والتعب، باستقبال الأشهر الأكثر دفئاً بخوف أقل مع التقدم في العمر.

علامات مثيرة للقلق

تعتمد قدرتنا على رصد الحساسية الناشئة بسهولة، إلى حد كبير، على نوع الحساسية ذاتها. وهنا، شرحت الدكتورة هيرنانديز أنه ربما لن يكون واضحاً على الفور، ما إذا كان أحد المحفزات البيئية، مثل وبر الحيوانات، قد تحول مشكلة فجأة.

على سبيل المثال، قد يكون اللقاء والترحيب بقطة صديقك الجديدة، موقفاً محفوفاً بالمخاطر على نحو غير متوقع. وينتهي اللقاء بالعطاس المتكرر، مع سيلان في الأنف وحكة وعيون دامعة، لكنك تظن أنك تصاب بنزلة برد. بعد عودتك إلى المنزل، تبقى الأعراض لديك لبضع ساعات فقط، ثم تبدأ في الانحسار.

النصيحة: انتبه لأنه إذا كانت نزلة برد، ستستمر الأعراض لأيام عدة أو أكثر.

وأضافت الدكتورة هيرنانديز: «لن تكون قادراً على إدراك حقيقة الأمر من المرة الأولى. عادةً ما يستغرق الأمر بضع مرات من الوجود مع الحيوان المسبب للحساسية، قبل أن تدرك حقيقة ما يحدث».

ومع ذلك، فإن صور الحساسية الغذائية الجديدة قد تظهر بقوة أكبر. على سبيل المثال، قبل رد فعل ليزا التحسسي تجاه المحار، الذي هدد حياتها، كانت تعاني علامات خفية يمكن تجاهلها بسهولة تتعلق بحساسية التخمير brewing allergy. قبل بضعة أشهر من نوبة الطوارئ التي تعرضت لها ليزا، تقيأت بعد تناول الجمبري العملاق. وهنا، أوضحت الدكتورة هيرنانديز أن ليزا: «لم تفكر في الأمر، بل اعتقدت أنه تسمم غذائي». إلا أنه بعد فترة وجيزة، أسفر التهامها لفائف جراد البحر عن التأثير نفسه.

وقالت الدكتورة هيرنانديز: «بمرور الوقت، تصبح حساسية الطعام أمراً متوقعاً: ففي كل مرة تتناول فيها هذا الطعام، ستظهر عليك تلك الأعراض، وفي غضون دقائق معدودة».

نتيجة أخرى للتغيّرات المناخية

إذا خالجتك الدهشة من ظهور أعراض حمى القش بقوة، حتى قبل أن يذوب الثلج الشتوي، فاطمئن: أنت لا تتخيل الأمر. من الواضح أن التأثيرات واسعة النطاق للتغييرات المناخ تتضمن مواسم حساسية موسمية أطول وأقوى.

واليوم، يبدأ «موسم الحساسية» قبل ثلاثة أسابيع مما كان عليه عام 1990؛ ما يعني مزيداً من الشقاء لـ81 مليون أميركي يعانون التهاب الأنف التحسسي - المعروف باسم الحساسية الموسمية - الأمر الذي يثير لديهم ردود أفعال تحسسية تجاه حبوب اللقاح من الأشجار والأعشاب والأعشاب الضارة.

وكشفت دراسة نشرتها دورية Proceedings of the National Academy of Sciences عام 2021، عن أن التغييرات المناخية السبب وراء ذلك. وأظهرت أن موسم حبوب اللقاح في أميركا الشمالية امتد بمقدار 20 يوماً بين عامي 1990 و2018، بينما ارتفعت تركيزات حبوب اللقاح المحمولة جواً بأكثر عن 20 في المائة.

المحار والحليب والقمح وجوز الأشجار وفول الصويا تثير الحساسية الغذائية لدى البالغين

واعتمد التحليل على بيانات حبوب اللقاح التي جرى جمعها من 60 موقعاً في أميركا الشمالية خلال تلك الفترة، وكشفت عن تغييرات مهمة في 7 من 10 قياسات، مثل أقصى معدلات حبوب اللقاح اليومية، وتاريخ بدء موسم حبوب اللقاح وطوله. ويبدو أن فصول الشتاء المعتدلة وارتفاع متوسط درجات الحرارة، تحفّز النباتات على إنتاج حبوب اللقاح في وقت مبكر، والاستمرار في ذلك لفترة أطول.

وقالت الدكتورة هيرنانديز: «في السابق، خاصة في منطقة الشمال الشرقي، لم يكن موسم الحساسية يبدأ إلا في أبريل (نيسان) أو مايو (أيار). الآن، يبدأ الأمر في فبراير (شباط) أو مارس (آذار). هذا تغيير كبير».

لاستيعاب موسم حبوب اللقاح الممتد، قد تحتاج إلى تغيير كيفية التعامل مع الحساسية لديك - ربما باستخدام الأدوية لفترة أطول وبمجموعات مختلفة، حسبما نبهت د. الدكتور هيرنانديز. وأضافت إن تناول مضادات الهيستامين التي لا تستلزم وصفة طبية، مثل فيكسوفينادين fexofenadine (أليغرا Allegra) أو لوراتادين loratadine (كلاريتين Claritin) لفترات أطول، لا يزيد من احتمالية ظهور آثار جانبية مثل الصداع أو جفاف الفم.

أما مضادات الهيستامين القديمة، مثل ديفينهيدرامين diphenhydramine (بينادريل Benadryl) - والتي يمكن أن تجعلك تشعر بالنعاس - فينبغي استخدامها باعتدال، بغض النظر عن المدة التي يستمر فيها موسم الحساسية، لأنها قد تجعلك تشعر بالدوار.

التعايش مع الحساسية مع مرور الزمن قد يؤدي إلى نجاح التخلص منها

علاوة على تناول أدوية الحساسية لفترة أطول، فإنه لا بأس في «تكديسها» معاً - عن طريق مزج مضادات الهيستامين عن طريق الفم، مثلاً، مع رذاذ الأنف القائم على الستيرويد، مثل فلوتيكاسون fluticasone (فلوناس Flonase). ويمكنك كذلك استخدام قطرات العين المضادة للهستامين في الوقت نفسه، إذا كان ذلك مفيداً.

وقالت الدكتورة هيرنانديز: «يمكنك الاستمرار في إضافة مزيد من العناصر إلى مجموعة الأدوية التي تجعلك تشعر بأفضل حالاتك، لكن عليك أن تنتظر وتتابع كيف تبدو أعراضك. في الواقع، إن حالات الحساسية تتسم بطابع فردي على نحو يتعذر تصديقه».

ثلث البالغين الأميركيين يعانون من أشكالها الموسمية أو الغذائية

السبل الآمنة للتشخيص

السؤال الملح هنا: كيف ينبغي الرد على هذه الإشارات. عن ذلك، أجابت الدكتورة هيرنانديز بأن الأمر يعتمد على نوع الحساسية.

في حالة الحساسية البيئية، مثل حبوب اللقاح أو وبر الحيوانات الأليفة، يمكنك تجربة أسلوب «افعل ذلك بنفسك» للتخفيف من آثار الحساسية، باستخدام رذاذ الأنف القائم على الستيرويد مثل فلوتيكاسون (فلوناز) أو تناول مضادات الهيستامين التي لا تستلزم وصفة طبية مثل السيتريزين (زيرتيك)، أو فيكسوفينادين (أليغرا)، أو لوراتادين (كلاريتين). إذا نجحت العلاجات، فسيكون لديك على الأقل فكرة عما يحدث وكيفية تخفيف حدة الأعراض. وعليك إطلاع طبيب الرعاية الأولية الخاص بك على ما تشك فيه.

في المقابل، فإن طبيب الحساسية يمثل المفتاح لتشخيص الحساسية الغذائية الجديدة المحتملة - أمر لا ينبغي لك الاضطلاع به بنفسك. ويمكن لاختصاصي الحساسية استخدام مجموعة متنوعة من الاختبارات لتحقيق ذلك، فقد تخضع لتحدي الطعام في عيادة طبيب الحساسية - اختبار تستهلك خلاله كمية خاضعة للرقابة من العنصر المعني محط الاشتباه، حسبما يرى الطبيب. إذا واجهت رد فعل شديداً، فيمكن للطبيب حينها التدخل على الفور.

وعن ذلك، حذرت الدكتورة هيرنانديز من أنه: «قد يكون رد الفعل التحسسي تجاه الطعام شديداً للغاية بعض الأحيان. لذلك؛ ليس من الآمن محاولة تشخيصه ذاتياً».

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة المرأة» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال