تطورات حديثة في علاج مرض تصلّب الجلد

في اليوم العالمي له

تطورات حديثة في علاج مرض تصلّب الجلد
TT

تطورات حديثة في علاج مرض تصلّب الجلد

تطورات حديثة في علاج مرض تصلّب الجلد

غداً السبت، التاسع والعشرون من شهر يونيو (حزيران)، هو اليوم العالمي لـ«تصلّب الجلد»، حدث عالمي يجري الاحتفال به سنوياً في دول العالم كافّة، ويهدف إلى رفع مستوى الوعي حول مرض تصلّب الجلد، وهو مرض مناعي ذاتي نادر يؤثر في الأنسجة الضامة.

ومن خلال تسليطنا الضوء على مرض تصلّب الجلد، الذي غالباً ما يُساء فهمه، يمكننا تقديم نظرة عامة موجزة عن هذا المرض وتعزيز الفهم ودعم الأفراد المتضررين وتعزيز الجهود البحثية لتحسين حياة المصابين به.

تصلب الجلد

«تصلب الجلد» (Scleroderma)، المعروف أيضاً باسم «التصلب الجهازي» (systemic sclerosis)، مرض مناعي ذاتي مزمن يتميّز بنمو غير طبيعي للأنسجة الضامة. ويؤثر في أعضاء مختلفة، بما في ذلك الجلد والأوعية الدموية والرئتان والقلب والجهاز الهضمي. ويُعتقد أن هذه الحالة تنتج عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية، على الرغم من أن السبب الدقيق لا يزال مجهولاً.

• الانتشار. يُعَد مرض تصلب الجلد مرضاً نادراً نسبياً، ويختلف انتشاره باختلاف المناطق. ووفقاً لتقديرات الدراسات والمنظمات المختلفة، فإن معدل انتشاره يتراوح بين 50 و300 حالة لكل مليون شخص في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذه الأرقام قد تختلف، ويمكن أن تتأثر بعوامل مثل معايير التشخيص، وتصميم الدراسة، والتغيرات الجغرافية.

يمكن أن يصيب «تصلب الجلد» الأفراد من جميع الأعمار، ولكنه يحدث في الغالب عند البالغين، الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاماً. وهو أكثر شيوعاً عند النساء، إذ تبلغ نسبة الإناث إلى الذكور نحو 3 إلى 1.

• التأثير. يختلف تأثير «تصلب الجلد» بصورة كبيرة، بدءاً من الأعراض الخفيفة إلى المضاعفات الشديدة، التي يمكن أن تؤثر بصفة كبيرة في نوعية الحياة ومتوسط العمر المتوقع.

يمكن أن يؤثر «تصلب الجلد» على أعضاء وأجهزة مختلفة في الجسم، ما يؤدي إلى مجموعة واسعة من الأعراض والمضاعفات. يمكن أن يختلف مدى إصابة أعضاء الجسم وشدتها بين الأفراد. وتشمل الأعضاء المتضررة عادة الجلد والرئتين والجهاز الهضمي والقلب والكليتين والأوعية الدموية.

أما بالنسبة إلى معدل الوفيات ومتوسط العمر المتوقع فيمكن أن يختلف تأثير «تصلب الجلد» في متوسط العمر المتوقع اعتماداً على النوع الفرعي للمرض، والأعضاء المصابة، والعوامل الفردية. وتشير بعض الدراسات إلى أن معدل البقاء على قيد الحياة لمدة 10 سنوات للأفراد المصابين بـ«التصلب الجهازي» (systemic sclerosis) يبلغ نحو 70- 90 في المائة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن معدلات البقاء على قيد الحياة يمكن أن تتأثر بعوامل مثل نوع المرض الفرعي وشدته والحصول على الرعاية الطبية المناسبة.

• نوعية حياة المرضى. يمكن أن يؤثر «تصلب الجلد» بصورة كبيرة في نوعية حياة المريض، بسبب طبيعة المرض المزمنة والأعراض الجسدية والمضاعفات المحتملة. كما يمكن أن يسبّب المرض الألم والتعب وصعوبة أداء الأنشطة اليومية والضيق النفسي. ويختلف التأثير في نوعية الحياة بين الأفراد، وقد يتأثر بعوامل مثل شدة المرض، والأعضاء المصابة، وآليات التكيف الفردية.

الأعراض والتشخيص

• الأعراض السريرية. يظهر «تصلب الجلد» على هيئة مجموعة متنوعة من الأعراض، بما في ذلك سماكة الجلد وتصلبه، وآلام المفاصل، و«ظاهرة رينود» (Raynaud's phenomenon)، وهي استجابة غير طبيعية للأوعية الدموية للبرد أو التوتر، ومشكلات في الجهاز الهضمي، وأمراض الرئة، ومضاعفات في القلب، وتشوهات في الكُلى. ويمكن أن يكون للمرض تأثير عميق في المظهر الجسدي، والحركة، ووظائف الأعضاء.

• التشخيص. قد يكون تشخيص «تصلب الجلد» أمراً صعباً، نظراً إلى طبيعته المعقدة وأعراضه المتنوعة. يعتمد المتخصصون الطبيون على مزيج من التقييم السريري والتاريخ المرضي والفحص البدني والاختبارات المعملية ودراسات التصوير لإجراء تشخيص دقيق. يُعَد الاكتشاف المبكر أمراً بالغ الأهمية لبدء العلاج في الوقت المناسب ومنع مزيد من المضاعفات.

تطورات حديثة في خيارات العلاج

بينما لا يوجد، حتى الآن، علاج لـ«تصلب الجلد»، في حين يمكن أن تساعد أساليب العلاج المختلفة في إدارة الأعراض، وإبطاء تطور المرض، وتحسين نوعية الحياة. عادة ما تكون خطط العلاج فردية، وقد تتضمن نهجاً متعدد التخصصات.

هناك تطورات حديثة في علاج «تصلب الجلد» وإدارته تبشّر بالخير في تحسين نتائج المرضى. فيما يلي بعض تلك التطورات:

− العلاجات المناعية (Immunomodulatory Therapies)، تمت دراسة الكثير من الأدوية المعدلة للمناعة واستخدامها في علاج «تصلب الجلد». منها: مثبطات المناعة مثل: «ميثوتريكسيت» (methotrexate)، و«ميكوفينولات موفيتيل» (mycophenolate mofetil)، و«سيكلوفوسفاميد» (cyclophosphamide)، إذ أظهرت فاعلية في تقليل نشاط المرض وتعديل تطور بعض مظاهر «تصلب الجلد».

− العلاجات البيولوجية (Biologic Therapies): أظهرت نتائج واعدة في التجارب السريرية. تمت دراسة الأجسام المضادة وحيدة النسيلة مثل: «توسيليزوماب» (tocilizumab)، و«ريتوكسيماب» (rituximab)، لمعرفة فوائدها المحتملة في علاج مرض الرئة الخلالي المرتبط بـ«تصلب الجلد» والمظاهر الأخرى.

− زرع الخلايا الجذعية (Stem Cell Transplantation): هو خيار علاجي محتمل في الحالات الشديدة من مرض التصلب الجهازي. يتضمن هذا الإجراء جرعة عالية من العلاج الكيميائي لاستئصال جهاز المناعة، يليه حقن الخلايا الجذعية للمريض لتجديده. أظهر «HSCT» نتائج واعدة في بعض التجارب السريرية، ما أدى إلى تحسينات في مشاركة الجلد والرئة.

− العلاجات المستهدفة (Targeted Therapies) استكشف الباحثون العلاجات المستهدفة، التي تستهدف مسارات جزيئية محددة مرتبطة بـ«تصلب الجلد». على سبيل المثال، أظهرت العوامل، التي تستهدف تحويل إشارات عامل النمو «بيتا» (TGF-β)، مثل «بيرفينيدون» (pirfenidone)، و«فريزوليموماب» (fresolimumab)، إمكانات في الدراسات ما قبل السريرية والدراسات السريرية المبكرة.

− الرعاية الداعمة وإدارة الأعراض: على الرغم من عدم وجود علاج لـ«تصلب الجلد»، فقد أُحرز تقدم في إدارة أعراض ومضاعفات محددة. على سبيل المثال، يمكن علاج ارتفاع ضغط الدم الرئوي، وهو أحد المضاعفات الشائعة لـ«تصلب الجلد»، بأدوية محددة تستهدف توسيع الأوعية الدموية في الرئتين.

من المهم أن نلاحظ أن فاعلية هذه العلاجات وسلامتها قد تختلف بين الأفراد، ويجب اتخاذ قرار استخدامها بالتشاور مع الفريق المعالج ذي الخبرة في علاج «تصلب الجلد».

دور المريض في تحسين حياته

يمكن لمرضى «تصلب الجلد» اتخاذ خطوات معينة لإدارة أعراضهم وتحسين نوعية حياتهم. وفيما يلي بعض الإرشادات والتوصيات العامة للأفراد المصابين بـ«تصلب الجلد»:

− الرعاية الطبية المنتظمة: منها إجراء فحوصات طبية منتظمة ومواعيد متابعة مع الطبيب المعالج. وهذا يسمح بمراقبة تطور المرض من كثب وتنفيذ استراتيجيات العلاج المناسبة.

− الأدوية: تشمل مثبطات المناعة، والأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs)، ومسكنات الألم، وأدوية السيطرة على أعراض معينة مثل الارتجاع الحمضي أو «ظاهرة رينود». من المهم تناول الأدوية على النحو الموصوف والإبلاغ عن أي آثار جانبية أو مخاوف.

− النشاط البدني: يمكن أن يساعد في الحفاظ على مرونة المفاصل وقوة العضلات والصحة العامة. يجري تصميم التمرين وفقاً للقدرات والقيود الفردية من قبل مقدم الرعاية الصحية.

− العناية بالبشرة: تشمل ترطيب البشرة بانتظام، وتجنُّب الصابون القاسي، واستخدام واقي الشمس، وحماية البشرة من درجات الحرارة القصوى.

− إدارة «ظاهرة رينود»: وهي أحد الأعراض الشائعة لـ«تصلب الجلد»، وتنطوي على تشنجات الأوعية الدموية استجابة للبرد أو الإجهاد، ما يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم إلى أصابع اليدين والقدمين. يجب على المرضى الحفاظ على دفء أنفسهم من خلال ارتداء الملابس ذات الطبقات والقفازات والجوارب الدافئة. قد يكون من المفيد أيضاً تجنب التعرض لدرجات الحرارة الباردة واستخدام أجهزة تدفئة الأيدي.

− الدعم العاطفي: قد يمثّل العيش مع مرض مزمن مثل «تصلب الجلد» تحدياً جسدياً وعاطفياً. وطلب الدعم العاطفي من الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم يمكن أن يساعد الأفراد على التعامل مع التأثير العاطفي للمرض. قد تكون الاستشارة أو العلاج في مجال الصحة العقلية مفيدين أيضاً في إدارة القلق أو الاكتئاب أو المخاوف الأخرى ذات الصلة.

− النظام الغذائي المتوازن: لا يوجد نظام غذائي محدد لـ«تصلب الجلد»، ويُستحسن تناول مجموعة متنوعة من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون. يُعَد الترطيب الكافي ضرورياً أيضاً للحفاظ على صحة الجلد ووظيفة الجسم بوجه عام.

مرض مناعي ذاتي مزمن يتميّز بنمو غير طبيعي للأنسجة الضامة ويؤثر في أعضاء مختلفة

− تجنُّب المحفزات: يمكن أن تنجم أعراض «تصلب الجلد» أو تتفاقم بسبب عوامل معينة مثل الإجهاد والتدخين والتعرض لدرجات الحرارة الباردة وبعض الأدوية. تجنّبها يساعد في إدارة الأعراض ومنع تفاقمها.

− أنماط النوم المنتظمة: روتين مريح قبل النوم، وضمان بيئة نوم مريحة، وتجنب المنشطات بالقرب من وقت النوم يمكن أن يعزز جودة النوم بشكل أفضل.

− التواصل والمتابعة المنتظمة: البقاء على اطلاع على أحدث خيارات البحث والعلاج يمكن أن يمكّن المرضى من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن خيارات علاجهم.

وأخيراً، يُعَد اليوم العالمي لـ«تصلب الجلد» بمثابة منصة لرفع مستوى الوعي، وتعزيز شبكات الدعم، وتمكين الأفراد المصابين به.

وتؤدي مجموعات دعم المرضى ومنظمات المساعدة عبر الإنترنت دوراً حيوياً في توفير المعلومات والدعم العاطفي والموارد، لمساعدة المرضى وأسرهم على التغلب على التحديات المرتبطة بالمرض.

وتركز الجهود البحثية المستمرة على فهم أفضل للآليات الأساسية لـ«تصلب الجلد»، وتحديد عوامل الخطر المحتملة، وتطوير استراتيجيات علاج أكثر فاعلية.

وتهدف التجارب السريرية والمبادرات التعاونية إلى تعزيز المعرفة وتحسين نتائج المرضى وإيجاد علاج لهذا المرض المعقد وتحسين جودة حياة مرضاه.

• استشاري طب المجتمع.


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال