7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء

عملية ضرورية لوظائف الرئة واستمرار الحياة

7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء
TT

7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء

7 حقائق عن التنهّد وتنفس الصعداء

يمكنك ربط «التنهّد (Sigh)» بكثير من الأمور والأحداث، مثل «شهقة التوتر» عند معايشة لحظات من الضغط النفسي، أو الشعور بالإحباط، أو فزع الرهبة. وفي أوقات أخرى قد يتنهّد المرء نتيجة الشعور بالارتياح، ويكون هذا «تنفس الصعداء» بالنسبة إليك.

وقد لا يفكر البعض في التنهّد بوصفه شيئاً صحياً مفيداً وضرورياً، أو لا يلقي له بالاً، أو قد يتساءل: لماذا نفعل ذلك؟ ولكن الواقع العلمي الذي يُشدد على ذكره كثير من الباحثين الطبيين هو: «التنهّد أمر حيوي لوظيفة الرئة، وبالتالي للحياة».

وإليك الحقائق الصحية السبع التالية عن التنهّد:

1- ربما تكون معلومة طريفة، ولكنها حقيقة، وهي أن المرء الطبيعي يتنهّد دون أن يشعر بذلك مرة كل 5 دقائق. وهذا يعني 12 تنهيدة في الساعة خلال فترة اليقظة.

والتنهّد في الأصل نمط معين من التنفس، يجري خلاله عدد 2 من الشهيق المتتابع؛ أحدهما أولي سطحي، والآخر تكميلي أعمق، ثم زفير طويل كامل واحد.

ويوضح باحثون من جامعة كاليفورنيا: «التنهد هو تنفس عميق، ولكنه ليس نفساً عميقاً طوعياً. يبدأ الأمر أنفاساً طبيعية، ولكن قبل الزفير، تأخذ نفساً ثانياً فوقه»، وهو ما يؤدي إلى دخول الرئتين كمية مضاعفة من الهواء خلال عملية التنهّد، مقارنة مع عملية التنفس العادي طوال الوقت. وتوضح الدكتورة آنا هايبورن، الطبيبة النفسية بـ«قسم المركز العصبي العضلي» في «كليفلاند كلينك» قائلة: «عادة يتضمن التنهد أخذ شهيق ثانٍ قبل إخراج الزفير الطويل. وفي كثير من الأحيان، يتبع ذلك توقف في التنفس، يُعرف أحياناً باسم (انقطاع النفس التالي للتنهد (Post-Sigh Apnea)؛ أي فترة من الاسترخاء عن التنفس بعد الزفير الطويل».

2- ربما تتساءل: لماذا يتم التنهّد دون أن نشعر، وهل هو ضروري؟ حسناً؛ من الضروري في الواقع أن تتنهّد؛ لأن عملية التنفس الواحدة مطلوب منها أن تعمل على ملء 500 مليون كيس هوائي صغير داخل الرئتين. وهي الأكياس التي تُسمى «الحويصلات الهوائية (Alveoli)».

والمطلوب لإتمام عملية التنفس وضمان قيام الرئتين بوظائفهما، إبقاء هذه الحويصلات الهوائية مفتوحة مع الشهيق، ليتم تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون فيما بين الدم والهواء الذي يدخل إلى الرئتين. ولذا من المهم ألا يستمر انكماش وإغلاق تلك الحويصلات الهوائية بعد الزفير، بل «تشغيل» جميع أجزاء الرئتين مع الشهيق التالي.

ولكن مع مرور الوقت والتنفس «العادي» (غير العميق) من قبلنا في غالب الأوقات، تنهار هذه الأكياس الهوائية التي إذا تركت دون إعادة انتفاخ فستؤدي في النهاية إلى إضعاف وظائف الرئة في إتمام عمليات تبادل الغازات تلبية لحاجة الجسم، وتتجمع السوائل داخلها، وتزداد بالتالي فرص انكماش أجزاء من الرئة ونمو الميكروبات فيها.

ومن خلال «التنهّد الفسيولوجي» الضروري والطبيعي (الذي نفعله لا شعورياً)، تنفتح الحويصلات الهوائية وتستمر عملية التنفس الطبيعي لـ«تشغيل» جميع أجزاء الرئتين.

مركز التنفس في الدماغ

3- التنفس في الأساس «سلوك تلقائي (Automatic Behavior)». ويقع مركز التحكم الرئيسي فيه داخل مجموعة من الخلايا العصبية في «جذع الدماغ (Brain Stem)»، وتحديداً ضمن ما يُسمى «مجمع ما قبل بيتزينجر (Pre-Bӧtzinger Complex)». وإضافة إلى احتواء مركز التنفس في الدماغ على خلايا عصبية مهمتها العمل مصدراً «منظماً (Pacemaker)» لاستمرار إيقاع إجرائنا عملية التنفس بطريقة وبسرعة منتظمة طوال الوقت، أي ما بين 12 و20 مرة في الدقيقة، فإن مركز التنفس في الدماغ يتحكم أيضاً في نوع التنفس الذي نقوم به.

ويوضح البروفسور مارك كراسنو، أستاذ الكيمياء الحيوية وباحث «معهد هوارد هيوز الطبي» في كلية الطب بجامعة ستانفورد: «مركز التنفس في الدماغ يتحكم أيضاً في نوع التنفس الذي نقوم به. إنه يحتوي أعداداً صغيرة من أنواع مختلفة من الخلايا العصبية، يعمل كل منها مثل زر تشغيل، ليقوم بتشغيل نوع مختلف من أنواع التنفس. زر واحد يبرمج التنفس المنتظم، وآخر للتنهدات، والبعض الآخر يمكن أن يكون للتنفس خلال التثاؤب، والشم، والسعال... وربما حتى الضحك والبكاء».

4- حددت دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا وستانفورد (نشرت في عدد 8 فبراير/ شباط 2016 من مجلة «نتشر Nature»)، مجموعتين صغيرتين من «الخلايا العصبية (Neurons)» في جذع الدماغ، هي المسؤولة عن تحويل الأنفاس الطبيعية إلى تنهّدات.

ويوضح البروفسور جاك فيلدمان، أستاذ علم الأعصاب في «كلية ديفيد جيفن للطب» بجامعة كاليفورنيا عضو «معهد أبحاث الدماغ» بجامعة كاليفورنيا: «التنهّد ينظمه عدد قليل من الخلايا العصبية ذات الصلة بالسلوك البشري البدائي». والجيد في الأمر هو أنه لا يتعين علينا أن نفكر بوعي في القيام بالتنهّد الفسيولوجي الضروري، الذي يتكرر منا دون أن نشعر طوال الوقت. ولمزيد من التوضيح، التنهّد، بوصفه نمطاً معيناً من التنفس، يحدث بسبب نشاط جزيئات بروتينية (ببتيدات عصبية Neuropeptides تُمكّن خلايا الدماغ من التحدث بعضها مع بعض)، تعمل على إرسال إشارة إلى «مجمع ما قبل بيتزينجر» (في مركز التنفس)، وتطلب منه بدء شهيقين عميقين متتاليين وزفير طويل.

5- اتضاح هذه المسارات الجزيئية بوصفها منظمات مهمة لعملية التنهّد، ومحددات جوهرية في دائرة التحكم بعملية التنهّد، قد يجعل من الممكن الآن العثور على أدوية تستهدف هذه المسارات للتحكم في التنهّد.

ويقول البروفسور فيلدمان: «عندما تنهار الحويصلات الهوائية، تضعف قدرة الرئة على تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. والطريقة الوحيدة لفتحها مرة أخرى هي التنهّد. إذا لم تتنهّد كل 5 دقائق، فسوف تنهار الحويصلات الهوائية ببطء، مما يسبب فشل الرئة. وهذا هو السبب وراء معاناة المرضى الذين يعانون من (رئة حديدية Iron Lungs) مبكرة من مثل هذه المشكلات؛ لأنهم لم يتنهّدوا مطلقاً». وهو ما يحدث أيضاً مع التقدم في العمر أو وجود أمراض في الرئة أو ما بعد جلطات السكتة الدماغية. وفي المقابل يقول: «يمكن أن تكون القدرة على الحد من منعكس التنهّد مفيدة في اضطرابات القلق وغيرها من الحالات النفسية التي يصبح فيها التنهّد المُفرط منهكاً. وتظل الآلية الكامنة وراء الجذور العاطفية للتنهّد الواعي لغزاً». ويضيف موضحاً: «هناك بالتأكيد عنصر من عناصر التنهّد يتعلق بالحالة العاطفية. وعندما تشعر بالتوتر، على سبيل المثال، فإنك تتنهّد أكثر. ربما تكون الخلايا العصبية في مناطق الدماغ التي تعالج المشاعر هي التي تؤدي إلى إطلاق الببتيدات العصبية التنهّدية، لكننا لا نعرف ذلك».

التنهّد العاطفي

6- تشير الدكتورة هايبورن إلى أن «الحالات العاطفية السلبية، مثل الخوف والقلق والحزن، ترتبط في الواقع بالتنهّد في كثير من الأحيان». ولذا تضيف أنه ليس من المستغرب أن يرتبط التنهّد غالباً بمشاعرنا.

على سبيل المثال، يقول أطباء «كليفلاند كلينك»: «هل سبق لك أن أطلقت تنهيدة وشعرت بتحسن؟ يمكن أن يكون التنهّد مُخففاً فعالاً للقلق في بعض الأحيان. ويفترض بعض الخبراء أن الأشخاص الذين يواجهون مواقف مثيرة للقلق قد يتنهّدون من أجل الحصول على راحة مؤقتة من الضيق. ووجدت دراسة أجريت عام 2022 (عدد أبريل/ نيسان 2022 من مجلة علم النفس البيولوجي Biological Psychology» لباحثين من هولندا والولايات المتحدة)، أن التنهّد كان مرتبطاً بالاستجابات العاطفية مثل الإثارة والقلق والألم». وتؤكد دراسات عامي 2010 و2015 ذلك أيضاً. وذكرت أن المرء أكثر عُرضة للتنهّد أكثر من المعتاد إذا كان يعاني من حالات مثل القلق، أو «اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)»، أو نوبات الهلع المتكررة، أو مشكلات في الجهاز التنفسي، أو خلل في النطق.

7- مع ما تقدم من الأهمية الصحية العالية لحدوث عملية «التنهّد الفسيولوجي» الضرورية لضمان بقاء عمل الحويصلات الهوائية في الرئتين، يبقى لدى الباحثين تساؤلات حول إفراط حدوث ذلك. وتقول الدكتورة هايبورن في الإجابة عن سؤال: هل التنهّد صحي؟: «بالنسبة إلى الجزء الأكبر، يمكن أن يكون التنهّد شيئاً جيداً. ولكن في حين أن التنهّد عادة ما يكون طريقة جسدك للتخلص من بعض الثقل العاطفي، فإن التنهّد المفرط قد يصبح عبئاً على نظامك. هل تتذكر كيف ذكرنا من قبل أن هناك توقفاً في التنفس تصاحبه تنهيدة؟ هذا هو الجزء الذي يمكن أن يصبح مقلقاً بمرور الوقت». وتوضح الدكتور هايبورن: «عندما يستمر التنهّد المتكرر لفترة طويلة - إما بسبب التوتر لفترة طويلة وإما بسبب اضطراب القلق - فإنه يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تفاقم القلق والتوتر والذعر. وهذا لأنه يمكن أن يعزز فرط التنفس وزيادة الاستجابة للضغط النفسي». بمعنى آخر؛ إذا كنت تتنهّد كثيراً، ولا تعوضه عن طريق التنفس العميق والتنفس المدروس، فقد يكون ذلك علامة على الإجهاد العقلي أو، في بعض الحالات، على مشكلة تنفسية كامنة. ولذا تجب عليك مراجعة مقدم الرعاية الصحية الخاص بك إذا كنت تعاني من أعراض مع التنهّد المتكرر مثل ضيق في التنفس، أو دوخة، أو دوار، أو الشعور المفرط بالتوتر أو القلق، أو الشعور المستمر بالاكتئاب وانخفاض الطاقة أو اليأس.

التنهّد نمط معين من التنفس: شهقتان سطحية وتكميلية أعمق... ثم زفير طويل كامل واحد

فوائد متعددة للتنهّد واستخدامات علاجية متنوعة

أجرى الدكتور آندرو هوبرمان، عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد، أبحاثاً رائدة حول دور التنهدات الفسيولوجية في تنظيم نظامنا العصبي وسلامتنا العاطفية. وأشار إلى أن فوائد التنهّد تتجلى في 3 جوانب.

- الجانب الأول منها يتعلق بعملية إعادة الضبط بعد الإجهاد والتوتر؛ لأن التنهدات الفسيولوجية تعمل بمثابة زر إعادة ضبط لجهازَينا التنفسي والعصبي. وعندما نشعر بالتوتر أو القلق، فإنه يمكن أن يصبح نمط تنفسنا سطحياً وسريعاً، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر التوتر لدينا. وتساعد التنهدات الفسيولوجية على مواجهة ذلك عبر تعزيز التنفس الأعمق والأكثر استرخاءً.

- الجانب الثاني يتعلق بتحسين تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الرئتين؛ لأن الشهيق المزدوج الذي يتبعه زفير طويل يساعد على إزالة ثاني أكسيد الكربون المتبقي من الحويصلات الهوائية ويسهل امتصاص الأكسجين. وهذا يضمن أن خلايانا تتلقى الأكسجين الذي تحتاجه للقيام بوظيفتها على النحو الأمثل.

- الجانب الثالث يتعلق بتنظيم الضبط العاطفي. ويوضح ذلك بإشارته إلى أن التنهّدات الفسيولوجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنظيم العاطفي. على سبيل المثال، عندما تشعر بالإرهاق أو القلق؛ فإن أخذ نفس عميق (الذي غالباً ما يتبين أنه تنهيدة فسيولوجية) يمكن أن يساعدك على استعادة رباطة جأشك وتقليل شدة المشاعر السلبية.

وبوصفها تطبيقات عملية؛ يبدو أن فهم الأهمية الفسيولوجية للتنهّد له آثار عملية في الحياة اليومية العادية، وكذلك لإدارة التوتر والقلق، مثل ممارسة «التنفس الواعي (Mindful Breathing)»، أي القيام بدمج الأنفاس العميقة والمتعمدة في روتين تنفسك اليومي. ويمكن أن تكون هذه التمارين بسيطة، مثل التوقف للقيام ببضعة أنفاس عميقة خلال يوم حافل، أو ممارسة تمارين التنفس الواعي. وكذلك استخدام التنفس العميق في حالات التوتر لاستعادة التوازن العاطفي، وأيضاً لجلب الاسترخاء ضمن ممارسات «تقنيات الاسترخاء (Relaxation Techniques)» في «التأمل (Meditation)» واليوغا، والتي غالباً ما تتضمن التنفس العميق والمتحكم فيه للحث على الاسترخاء والهدوء.


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.