صيام رمضان... تحديات صحية

8 ممارسات لاكتساب فوائده والبقاء بصحة جيدة

صيام رمضان... تحديات صحية
TT

صيام رمضان... تحديات صحية

صيام رمضان... تحديات صحية

خلال شهر رمضان المبارك، يمارس ربع سكان العالم من المسلمين، البالغ عددهم 1.9 مليار، الصيامَ اليومي من الفجر حتى غروب الشمس. وقد ثبت، بالأدلة العلمية، أن للصيام آثاراً إيجابية على صحة الصائم، جسدياً، فضلًا عن تعزيز صحته النفسية وعافيته وتحسين مزاجه ومساعدته في تخفيف التوتر والقلق والاكتئاب.

تأثير الصيام الصحي

هناك إرشادات بسيطة وسلوكيات صحية تساعد الصائم، باتباعها، في تحقيق تلك الآثار الإيجابية التي قد تساعد على إنقاص الوزن وخفض ضغط الدم والكوليسترول، على سبيل المثال. ومن المهم ممارستها بطريقة سليمة وآمنة لمنع الإضرار بالجسم. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي، مثلاً، الإفراط في تناول الطعام في وجبتي الإفطار والسحور وما بينهما إلى زيادة الوزن وما يتبعها من مضاعفات صحية عديدة.

لماذا نقول إن صيام رمضان صحي؟ من الحقائق التي يجب أن يدركها كل مسلم أن صيام رمضان مفيد للصحة أيضاً. وقد أكد خبراء التغذية والصحة أن صيام شهر رمضان يقي من الأمراض المزمنة والسمنة. وأنه يحفز خفض مستوى الدهون، ويخفض مستوى الكوليسترول في الدم، ويقلل من فرص الإصابة بأي نوع من الاضطرابات أو السكتة الدماغية أو حتى النوبة القلبية. كما يُحسن الصيام الجهاز الهضمي بعدّه استراحة فاصلة بين الوجبتين الرئيسيتين (السحور والإفطار). إنه يزيل سموم الجسم بشكل طبيعي، ويطرد جميع السموم.

بشكل عام، صيام رمضان يحسن حياة الناس من خلال تنقية أجسادهم وعقولهم وأرواحهم.

ممارسات رمضان الصحية

هناك 8 ممارسات للبقاء بصحة جيدة في شهر رمضان، وتتمثل النصائح في مجموعة من التحديات التي تتطلب قدراً كبيراً من التضحية والانضباط الذاتي، ومن شأنها أن تساعد الصائم في الحفاظ على شعوره بالنشاط والتركيز والارتقاء في أثناء صيامه والحصول على نتائج صحية آمنة ومفيدة، وهي:

- التحضير لصيام شهر رمضان

يُلاحظ أن كثيراً من الناس يفرطون في تناول الطعام قبل شهر رمضان، معتقدين أن أجسامهم ربما تقوم بتخزين الطعام لشهر الصيام، لكن هذا مجرد اعتقاد خاطئ. والصواب هو تقليل حجم وجبات الطعام قبل أسابيع من شهر رمضان، فذلك يساعد الجسم على التعود على تناول كميات أقل والحفاظ في النهاية على نظام غذائي متوازن طوال الشهر الكريم.

ويُفضل إزالة الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الملح والسكر والمشروبات التي تحتوي على الكافيين والمشروبات الغازية من النظام الغذائي. علاوة على ذلك، إذا كنت مدخناً، فمن المستحسن الإقلاع عن السيجارة ومحاولة الإقلاع عن التدخين قبل أسبوع أو أسبوعين من شهر رمضان، فلن يكون هناك الوقت الكافي للتدخين خلال شهر رمضان والتعامل مع أعراض الانسحاب مثل التهيج والغضب والأرق ونفاد الصبر.

- أفضل أنواع الأطعمة للسحور والإفطار

السحور هو أهم وجبة في رمضان، وينبغي أن يكون محتواه كافياً لإبقائك نشيطاً طوال اليوم، باختيار الأطعمة الغنية بالسوائل والنشويات التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف والطاقة، فهذه الأنواع من الوجبات يمكن أن تساعد في ضمان شعورك بالشبع طوال اليوم. ومن أمثلتها: البيض، دقيق الشوفان، الزبادي اليوناني أو العادي، الخضراوات والفواكه، السمك والدجاج، المكسرات.

وننصح بتأخير وقت السحور لمدة 40 إلى 50 دقيقة قبل وقت الإمساك، فذلك يمنحك وقتاً كافياً لتناول الوجبة وشرب كمية كافية من الماء، ما يقلل من فرص الشعور بالعطش أو الجوع في أثناء الصيام.

أما الإفطار فهو الوجبة التي تُجدد مستوى الطاقة لدى الصائم، فيستحسن تعجيل الإفطار بتناول أطعمة غنية بالطاقة مثل التمر، بكميات قليلة. ومن أجل الحفاظ على وجبات صحية قدر الإمكان، يُنصح بتقليل استخدام الزيت، واختيار أحد البدائل مثل الخبز، والشوي، والقلي السطحي، وتبخير المواد الغذائية بدلاً من استهلاك العناصر المقلية. يُنصح أن تحتوي وجبة الإفطار على أطعمة صحية، مثل: الخضراوات والفواكه، اللحم أو السمك، منتجات الألبان قليلة الدسم، البقوليات، الأرز.

رطوبة الجسم والنوم

- الحفاظ على رطوبة الجسم

نظراً لأن الماء يمثل حوالي 60 في المائة من أجسامنا، فإن صيام نهار رمضان يمكن أن يثير العطش بشكل أسرع بكثير مقارنة بالشعور بالجوع. فالإنسان يستطيع البقاء على قيد الحياة لمدة ثلاثة أسابيع دون طعام ولكن ليس أكثر من ثلاثة أيام دون ماء. لذلك، يجب أن يظل الجسم رطباً طوال اليوم، ويتم ذلك بتناول ما لا يقل عن ثمانية أكواب من الماء. ولا نعني بذلك أنك تشرب كل أكواب الماء الثمانية في أثناء السحور، بل يتم توزيعها ببساطة باستخدام طريقة 2 - 4 - 2، ما يعني شرب كوبين من الماء عند الإفطار، وأربعة أكواب من الإفطار حتى السحور، والكوبين المتبقيين من الماء عند الإمساك. وهذا يعوض حاجة الجسم اليومية من الماء دون شرب الكثير دفعة واحدة.

إن الحفاظ على رطوبة الجسم لا يقتصر فقط على شرب الماء. يمكنك تناول الأطعمة الغنية بالسوائل مثل الخضار والفواكه. في أثناء القيام بذلك، تأكد من تجنب المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة والشاي والمشروبات عالية السكر مثل الكولا، لأن لها تأثيراً مدراً للبول ويمكن أن تعزز فقدان الماء من الجسم. ولتقليل فرص الشعور بالعطش والجفاف خلال نهار رمضان، حاول شرب أكبر قدر ممكن من الماء الخالي من الكافيين والسكر خلال ساعات الليل.

- النوم لساعات كافية

إن دورة النوم تعاني أكثر من غيرها خلال شهر رمضان بسبب أن كثيرين يحاولون البقاء مستيقظين باستمرار حتى لا تفوت عليهم وجبة السحور ومنهم من يواصل إلى وقت العمل وبعده حتى الإفطار. هذه التغييرات في نمط الحياة تؤدي في نهاية المطاف إلى إزعاج نمط النوم، ما يسبب الحرمان من النوم والصداع طوال اليوم. لذلك، فإن تحديد جدول نوم والالتزام به هو سر البقاء بصحة جيدة ونشاط في أثناء صيام رمضان. إحدى الطرق البسيطة للقيام بذلك هي أخذ قيلولة قصيرة بعد العودة من العمل وتقليل الوقت الذي تقضيه أمام الشاشات إلى ساعتين، وتجنب الوجبات الكبيرة والثقيلة في وجبة السحور.

التضحية والانضباط الذاتي يساعدان الصائم على تقوية النشاط والتركيز في أثناء صيامه

الجهاز الهضمي واللياقة البدنية

- التغلب على مشكلات الجهاز الهضمي

إن صيام نهار رمضان لساعات طويلة يجعل إغراء الإفراط في تناول الطعام في أثناء الإفطار أمراً يعجز البعض عن مقاومته. وهذا، بلا شك، يزيد من الضغط على الجهاز الهضمي ليعمل بجهد أكبر، ما يؤدي إلى مشكلات مثل تقلصات المعدة وحرقة المعدة وعسر الهضم. الصيام لا يعني مضاعفة حجم حصة الطعام في الإفطار، بل نأكل فقط لنعوض الوجبات المفقودة مع الالتزام بالحجم الأصلي للحصص وتناول وجبات صحية.

يساعد القيام بذلك على ضمان عدم ارتفاع مستوى السكر في الدم وتناول الطعام بقدر ما يحتاج إليه جسمك. وينصح أيضاً بتناول وجبة الإفطار ببطء. والطريقة السهلة للقيام بذلك هي تقديم الإفطار على قسمين: الأول، إفطار خفيف عند أذان المغرب مكون من تمر وماء وعصير. الثاني، إفطار كامل بعد صلاة المغرب يحتوي على أصناف غنية بالبروتين والكربوهيدرات والألياف والمعادن والفيتامينات، إلخ.

- تغلب على السمنة...

التحكم في الكمية والنظام الغذائي المتوازن هما المفتاح. هل تعلم أن جسمك يستغرق 20 دقيقة ليشعرك أنك تناولت ما يكفي من الطعام؟ فبينما أنت تشعر برغبة قوية في الإفراط في تناول وجبة الإفطار بعد جوع قاس من صيام يوم كامل، فإنه يُنصح، طبياً، بتناول الطعام ببطء وبعناية وبكمية متوازنة مع تجنب الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والملح، وكذلك الأصناف المقلية التي تؤدي إلى زيادة الوزن والإصابة بالسمنة والأمراض والشعور بالتعب والخمول.

- حافظ على لياقتك البدنية ونشاطك

على الرغم من أن ممارسة الرياضة خلال شهر رمضان قد تبدو سخيفة بعض الشيء، فإن هذا لا يعني أنه يجب عليك قضاء اليوم بأكمله في الاستلقاء أو النوم أو الراحة في السرير. في حين أن تناول وجبة مليئة بالعناصر الغذائية يحافظ على أداء وظائفك، فإن ممارسة الرياضة تساعد على تقوية جسمك وتبقيك لائقاً بدنياً وصحياً.

وفقا لاختصاصيي الصحة، إذا كنت قد تناولت وجبة كافية وصحية، فإن ممارسة الرياضة ستوفر لك الطاقة بدلاً من سلبها منك. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن ممارسة الرياضة تطلق هرمون الإندورفين الذي يميل إلى زيادة مستويات الطاقة وتحسين المزاج. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أنك مطالب بممارسة رياضة عالية الكثافة في أثناء الصيام، وإنما يُنصح بالحفاظ على روتين التمارين الرمضانية الخفيفة واختيار التمارين البطيئة، مثل تمارين اليوغا والمشي السريع.

قبل ساعة من الإفطار هو الوقت المثالي لممارسة التمارين الرياضية في شهر رمضان لأنه يبقيك مشغولاً خلال أكثر ساعات اليوم كثافة، ويمكنك أيضاً إعادة الترطيب بعد ذلك مباشرة عند تناول طعام الإفطار. ومع ذلك، في حالة كان الطقس حاراً جداً، ننصحك باختيار ممارسة التمارين الرياضية داخل المنزل.

- برمجة الأدوية في رمضان

يشكل استخدام الأدوية في شهر رمضان معضلة لبعض المرضى الذين يتناولون أدويتهم بجرعات متعددة وفي أوقات متقاربة... وفيما يلي يقدم الصيدلي صبحي الحداد نموذجاً لترتيب الجدول الزمني للأدوية خلال شهر رمضان:

. لمن يتناولون جرعة واحدة يومياً من الدواء: هذه الحالة تعد من أسهل الحالات، حيث تبقى الجرعة ثابتة دون تغيير، ويجب استشارة الطبيب أو الصيدلي بتغيير توقيت هذه الجرعة من ساعات النهار إلى ما بعد الإفطار والتأكد من عدم وجود خطر على صحة المريض.

. لمن يتناولون جرعتين أو أكثر يومياً: بإمكان هؤلاء أن يتناولوا الجرعة الأولى في موعد وجبة الإفطار والثانية عند موعد وجبة السحور، وذلك بعد التنسيق مع الطبيب المعالج أو الصيدلي.

. لمن يتناولون ثلاث جرعات أو أكثر: هنا تكمن الصعوبة؛ لأن ساعات الإفطار الليلية قصيرة ومحدودة ولا يمكنها استيعاب تقسيم ثلاث جرعات (كل 8 ساعات) أو أربع جرعات (كل 6 ساعات) وعليهم اللجوء إلى الطبيب أو الصيدلي لطلب الاستشارة، وإعطاء البديل المناسب من الأدوية الحديثة المتوفرة طويلة المفعول، أي التي تؤخذ مرة واحدة أو مرتين يومياً. وفي كل الأحوال يلزم شرب كوب من الماء يعادل 200 مل مع حبة الدواء، والتقيد بتوقيت ووقت التناول سواء قبل أو بعد أو في أثناء الطعام.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك شخص يُجري فحصاً لداء السكري (رويترز)

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

كشفت دراسة جديدة أن مرض السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى انكماش المخ بشكل سريع مع التقدم في العمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع