أسئلة وأجوبة حول العقاقير الجديدة لمكافحة السمنة

نتائج مذهلة لخفض الوزن وتحذيرات من تكاليفها الباهظة وغش منتجاتها

أسئلة وأجوبة حول العقاقير الجديدة لمكافحة السمنة
TT

أسئلة وأجوبة حول العقاقير الجديدة لمكافحة السمنة

أسئلة وأجوبة حول العقاقير الجديدة لمكافحة السمنة

لا تزال مجموعة ضخمة من الأدوية المضادة للسمنة تتصدر العناوين الرئيسية، وتهيمن على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. ويقف وراء ذلك الكثير من الأسباب الوجيهة، وليس فقط أن العام الجديد يزيد من عزمنا على التخلص من الوزن الزائد.

عقاقير مكافحة للسمنة

وتدعم مجموعة العقاقير المكافحة للسمنة - سيماغلوتايد semaglutide (ويغوفي Wegovy)، وليراغلوتايد liraglutide (ساكسيندا Saxenda)، وتيرزباتيد tirzepatide (زيبوند Zepbound) – دراسات علمية وشهادات مذهلة من أشخاص فقدوا ما يصل إلى 20 في المائة من وزن أجسامهم.

بالتأكيد، هذا أمر رائع، لكن يبقى للقصة جانب آخر؛ وذلك لأن ثمة تساؤلات كبرى لا تزال تدور حول هذه العقاقير، بينما تأتي بعض الإجابات معقدة.

• ما هي هذه العقاقير؟ بوجه عام، تنتمي العقاقير المضادة للسمنة التي أجازتها إدارة الغذاء والدواء حديثاً إلى فئة يطلق عليها «ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيه بالغلوكاجون» (جي إل بي ـ1) GLP-1 receptor agonists. وتحاكي هذه العقاقير هرموناً (هو الببتيد الشبيه بالغلوكاجون1)، الذي يساعد الجسد على إبطاء وتيرة إفراغ المعدة، والسيطرة على مستويات السكر في الدم، وتثبيط الشهية ـ وهو مزيج يؤدي إلى فقدان الوزن.

ويحاكي أحد العقاقير، «زيبوند»، «جي إل بي ـ 1»، كما يحاكي هرموناً يسمى الببتيد المطلق للأنسولين المعتمد على الغلوكوز lucose-dependent insulinotropic polypeptide (GIP)، والذي يعتقد أنه يعزز تأثيرات «جي إل بي ـ 1».

في هذا الصدد، شرحت الدكتورة كارولين أبوفيان، المتخصصة في طب السمنة ومديرة مركز إدارة الوزن والصحة بمستشفى بريغهام آند ويمينز التابع لجامعة هارفارد: «يقول الكثيرون إن هذه العقاقير المضادة للسمنة غيرت حياتهم».

بجانب ما سبق، تقلل هذه العقاقير بشكل كبير من خطر الوفاة لأسباب مرتبطة بالقلب لدى الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن أو السمنة، وكذلك أمراض القلب (أو أمراض القلب والسكري معاً، حسب الدواء). علاوة على ذلك، تعزز هذه العقاقير القدرة على ممارسة الرياضة وترفع مستوى نوعية الحياة. وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة أبوفيان: «قد تؤثر العقاقير كذلك على مركز المكافأة في الدماغ، الجزء الذي يمكّنك من تناول كعكة الشوكولاتة رغم شعورك بالشبع. ويبدو أن هذه الأدوية تثبط استجابة المكافأة، والتي قد تقلل كذلك من سلوكيات الإدمان، مثل الرغبة الشديدة في تناول الكحول والسكر والنيكوتين».

• أليست هذه عقاقير لمرض السكري؟ جدير بالذكر هنا، أن العقاقير الثلاثة المضادة للسمنة نالت موافقة إدارة الغذاء والدواء بداية الأمر لعلاج السكري فقط، تحت الأسماء التجارية التالية: «أوزمبك Ozempic» و«فيكتوزا Victoza» و«مونجارو Mounjaro».

ومع ذلك، لاحظ الأشخاص الذين تناولوا هذه العقاقير أنهم فقدوا الكثير من أوزان أجسامهم. وجاءت دراسات لاحقة لتؤكد بالفعل على هذا التأثير؛ ما دعا إدارة الغذاء والدواء نهاية الأمر إلى إجازتها بوصفها عقاقير لإنقاص الوزن، تحت أسماء تجارية جديدة: «ويغوفي» و«ساكسيندا» و«زيبوند». وحال استخدامها بغرض مكافحة الوزن الزائد أو السمنة، عادة ما يجري وصف هذه العقاقير بجرعات أعلى عن نظيراتها التي يجري وصفها لعلاج السكري.

وثمة عقاقير «جي إل بي ـ 1» أخرى أقدم معتمدة لعلاج السكري، مثل دولاغلوتايد (تروليسيتي)، لكن تأثيرها على الوزن أقل فاعلية.

• كيف يجري تناول هذه العقاقير؟ تأتي معظم هذه الأدوية الجديدة على شكل حقن تعطيها لنفسك على نحو يومي أو أسبوعي. ويمكن حملها داخل قلم حاقن، الذي تحقن به جسمك عند منطقة البطن أو الفخذ.

كما تتاح في صورة أقراص، مثل سيماغلوتيد (ريبلسس Rybelsus). بيد أنه ينبغي الانتباه هنا إلى أن هذا الدواء نال موافقة إدارة الغذاء والدواء لاستخدامه في علاج السكري، لكن الإدارة لم تجيزه بعد لإنقاص الوزن.

بجانب ذلك، ثمة تركيبات أخرى من الأقراص يجري اختبارها في الوقت الحاضر.

الآثار الجانبية

• ما الآثار الجانبية؟ تحمل كل من تركيبات مكافحة السمنة والسكري آثاراً جانبية محتملة. وتتضمن الأعراض الشائعة الشعور بالتعب، والغثيان، والقيء، أو الإمساك. وهنا، أوضحت الدكتورة أبوفيان، أن هذه الأعراض عادة ما تختفي في غضون بضعة أسابيع.

وفي حالات نادرة، قد تسبب العقاقير انسداداً في الأمعاء الدقيقة، أو شلل المعدة، أو التهاب البنكرياس.

في هذا السياق، ذكرت الدكتورة أبوفيان: «في حدود علمي، لا تدوم الآثار الجانبية، وإنما تختفي إذا توقفت عن تناول العقاقير، لكن التأثيرات طويلة المدى لتناول العقاقير الأحدث غير معروفة بعد».

• من المرشح لتناول هذه العقاقير؟ تجري الموافقة على تناول هذه العقاقير بغرض إنقاص الوزن فقط لدى الأشخاص الذين جرى تشخيص إصابتهم بالسمنة (مؤشر كتلة الجسم 30 أو أكثر) أو نطاق أعلى من الوزن الزائد (مؤشر كتلة الجسم من 27 إلى 29.9)، من الذين يعانون مشكلة طبية تتعلق بالوزن الزائد، مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكوليسترول. إلا أنه بطبيعة الحال، فإن هذا لم يمنع بعض الأشخاص الذين لا تنطبق عليهم هذه المعايير من تناولها.

ولأن هذه العقاقير جديدة وقوية، وتخضع لدراسة مكثفة، من المتوقع أن تتغير التوصيات بخصوص من ينبغي له أن يستخدمها خلال السنوات المقبلة. ومن المحتمل أن يحدد الباحثون فئات جديدة من الأشخاص الذين قد يستفيدون من هذه العقاقير - أو على العكس من ذلك، الأشخاص الذين قد يكونون أكثر عرضة لخطر التضرر من الآثار الجانبية لها.

• إلى متى ينبغي تناول هذه العقاقير؟ لا يعدّ تناول أحد عقاقير «جي إل بي ـ 1» الجديدة من الحلول قصيرة الأجل، فبمجرد شروعك في تناوله، يجب أن تستمر في ذلك لأجل غير مسمى كي تضمن الاستمرار في جني الفوائد المرتبطة بالدواء. وينبغي الانتباه إلى أنه حال توقفك عن تناول هذه العقاقير، ستعاود اكتساب الوزن.

في هذا الإطار، نبهت الدكتورة أبوفيان إلى أن: «الوزن الزائد والسمنة، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، اثنتان من الحالات الخطيرة التي تتطلب في الغالب علاجاً مستمراً، قد يصل إلى مدى الحياة. وهنا، لا توجد علاجات يكفي تناولها مرة واحدة فحسب».

تساعد على إبطاء وتيرة إفراغ المعدة والسيطرة على السكر في الدم وتثبيط الشهية

التكاليف والتغطية

• ما هي تكلفة العقاقير. بطبيعة الحال، لا تأتي النتائج المذهلة بثمن بخس. تتراوح تكلفة العقاقير الجديد ما بين نحو 900 دولار و1600 دولار شهرياً. وعليك ألا تنتظر من التأمين تغطيتها بأكملها. من جهته، لا يغطي برنامج «ميديكير» الأميركية الأدوية المكافحة للسمنة، علاوة على أن تغطيته أدوية مرض السكري جزئية في أفضل الأحوال، حسب خطة التأمين الخاصة بك.

من ناحية أخرى، غالباً ما يتولى التأمين الخاص سداد ثمن أدوية علاج مرض السكري، طالما أنك جربت علاجات أخرى لمرض السكري دون نجاح. في هذا الصدد، أوضحت الدكتورة أبوفيان أن نحو 20 في المائة إلى 30 في المائة فقط من شركات التأمين الخاصة تغطي في الوقت الراهن التركيبات المضادة للسمنة.

تقدم بعض الشركات المصنعة لعقاقير «جي إل بي ـ 1» كوبونات تحمل خصومات كبيرة، إلا أن الكثير من الصيدليات لا تقبلها. وعليك الحذر من الإصدارات الموفرة التي يجري الترويج لها في الإعلانات عبر الإنترنت وغيرها.

عن ذلك الأمر، حذرت الدكتورة أبوفيان من أن هذه الأدوية المركبة يجري استيرادها من بلاد أخرى، دون إشراف من جانب إدارة الغذاء والدواء، وليس هناك ما يضمن محتوياتها.

• هل هذه العقاقير متاحة؟ ما يزيد الطين بلة أن الارتفاع المحموم في شعبية هذه الأدوية أدى اليوم إلى نقصها؛ الأمر الذي يجعل من الصعب العثور عليها. وعن هذا، قالت الدكتورة أبوفيان: «يعود النقص إلى عدم توقع الشركات المصنعة لهذا المستوى من الطلب»، مضيفة أن «أكثر من 40 في المائة من الأميركيين يعانون السمنة. ولم تتوقع شركات الأدوية عدد الأشخاص الذين يرغبون في استخدام الأدوية. وتحاول الشركات جاهدة توفير الإمدادات الكافية في اللحظة التي نتحدث فيها نتحدث الآن».

وإلى أن تتمكن من إنجاز ذلك، وإلى أن تغطي المزيد من شركات التأمين الأدوية أو يضطر المصنعون إلى خفض الأسعار (وكلا الأمرين قيد المناقشة داخل الكونغرس)، فإن الكثير من الأشخاص الذين يعانون حالات طبية خطيرة يجدون أنفسهم مضطرين إلى التخلي عن الأدوية الأكثر فاعلية المضادة للسمنة التي شهدناها على الإطلاق».

* رسالة هارفارد الصحية - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع