هل يقلّل النشاط البدني في الطفولة مخاطر الوفاة المبكرة؟

زيادة وقت الجلوس تؤدّي إلى تفاقم مؤشرات الدهون بالدم

على الآباء تشجيع أبنائهم على ممارسة النشاط البدني الخفيف (بيرني بورتال)
على الآباء تشجيع أبنائهم على ممارسة النشاط البدني الخفيف (بيرني بورتال)
TT

هل يقلّل النشاط البدني في الطفولة مخاطر الوفاة المبكرة؟

على الآباء تشجيع أبنائهم على ممارسة النشاط البدني الخفيف (بيرني بورتال)
على الآباء تشجيع أبنائهم على ممارسة النشاط البدني الخفيف (بيرني بورتال)

كشفت دراسة حديثة أُجريت بالتعاون بين جامعتي إكستر وبريستول في بريطانيا، وجامعة شرق فنلندا، عن أن «زيادة وقت الجلوس في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤدّي إلى رفع مستويات الكوليسترول في الدم بمقدار الثلثين خلال مرحلة البلوغ؛ ما يُسبّب مشكلات في القلب، وحتى الوفاة المبكرة».

وأوضح الباحثون في الدراسة، التي نُشرت نتائجها، الخميس، بمجلة «علم الغدد الصماء السريرية والتمثيل الغذائي»، أنّ «ممارسة النشاط البدني الخفيف في الطفولة قد تعكس هذه المخاطر تماماً، وتقلّل نسب الوفاة المبكرة المرتبطة بأمراض القلب».

وتوصي «منظمة الصحة العالمية» حالياً بأن يمارس الأطفال والمراهقون في المتوسط، ​​60 دقيقة من النشاط البدني المعتدل إلى القوي يومياً، مع تقليل وقت الجلوس، لكن إرشادات النشاط البدني الخفيف لا تزال محدودة.

ووفق الباحثين، فإنّ ارتفاع نسبة الكوليسترول وخلل الدهون في الدم منذ الطفولة والمراهقة يرتبط عادة بالوفاة المبكرة في منتصف الأربعينات، ومشكلات في القلب، مثل تصلب الشرايين تحت الإكلينيكي، وتلف القلب في منتصف العشرينات.

ولكشف تأثير النشاط البدني الخفيف، راقبوا خلال الدراسة 792 طفلاً متوسط أعمارهم 11 عاماً، جرت متابعتهم حتى سنّ الـ24. كما راقب الباحثون أوقات الجلوس والنشاط البدني الخفيف والنشاط البدني المعتدل إلى القوي، وقيس كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة (الكوليسترول المفيد)، وكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (الكوليسترول الضار)، والدهون الثلاثية، والكوليسترول الكلي بشكل متكرر في سنّ 11 و15 و24 عاماً.

وأجريت للمشاركين أيضاً قياسات متكرّرة لتقييم إجمالي كتلة الدهون في الجسم وكتلة العضلات، بالإضافة إلى نسبة الغلوكوز بالدم، ومتابعة تاريخ أمراض القلب والأوعية الدموية.

وأثبتت النتائج أنّ زيادة وقت الجلوس في مرحلة الطفولة يمكن أن تزيد مستويات الكوليسترول بنسبة الثلثين (67 في المائة) مع حلول الوقت الذي يصل فيه الشخص إلى منتصف العشرينات.

من جانبه، يقول قائد الفريق البحثي بجامعة إكستر البريطانية، الدكتور أندرو أغباجي، لـ«الشرق الأوسط»: «دراستنا أثبتت أنّ زيادة وقت الجلوس أثناء الطفولة تؤدّي إلى تفاقم مؤشرات الدهون بالدم، لكنها أثبتت أيضاً أنّ ممارسة النشاط البدني الخفيف، مثل المشي أو السباحة أو ركوب الدراجات لفترات تتراوح بين 3 و6 ساعات يومياً، تخفض نسبة الكوليسترول بمقدار 5 إلى 8 أضعاف عند الكبر، وكان تأثير النشاط البدني الخفيف يفوق النشاط المعتدل إلى القوي».

ويضيف أنّ مستويات الكوليسترول والدهون المرتفعة في الدم خلال مرحلة الطفولة ترتبط بخطر الإصابة بتصلب الشرايين في منتصف مرحلة البلوغ والوفيات المبكرة لأمراض القلب والأوعية الدموية في منتصف العمر، موضحاً أنّ النتائج تؤكد الأهمية الصحية الكبيرة للنشاط البدني الخفيف، الذي يمكن أن يكون المفتاح لمنع ارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون في خلال مرحلة الطفولة، داعياً الآباء وخبراء الصحة العامة وأطباء الأطفال لضرورة تشجيع الأطفال على المشاركة بالنشاط البدني الخفيف منذ الطفولة للحد من الوفيات المبكرة المرتبطة بأمراض القلب عند الكبر.


مقالات ذات صلة

43 قتيلًا في هجوم شمال باكستان

آسيا خلال تشييع شخص قُتل بالهجمات في باكستان الخميس... في باراشينار شمال غربي باكستان في 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

43 قتيلًا في هجوم شمال باكستان

ارتفعت حصيلة هجومين استهدفا، أمس (الخميس)، موكبين لعائلات شيعية في شمال غربي باكستان، الذي يشهد عنفاً طائفياً، إلى 43 شخصاً من بينهم 7 نساء و3 أطفال.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)

كيم: التواصل الدبلوماسي السابق يؤكد العداء الأميركي «الثابت» لكوريا الشمالية

قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إن التواصل الدبلوماسي السابق بين بيونغ يانغ وواشنطن أكد عداء الولايات المتحدة «الثابت» تجاه بلاده.

«الشرق الأوسط» (سيول)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس... 19 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

أوربان يتحدى «الجنائية الدولية» ويدعو نتنياهو لزيارة المجر

أعلن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أنه سيدعو نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المجر في تحدٍّ لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (وسط) يحضر حفل تخرج للطلاب في أكاديمية عسكرية في ولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل 26 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

قالت الشرطة الفيدرالية البرازيلية، اليوم الخميس، إنها وجهت الاتهامات للرئيس السابق جايير بولسونارو و36 شخصاً آخرين بتهمة محاولة الانقلاب عام 2022.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال