توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم

يصيب 1.28 مليار شخص بالغ حول العالم

توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم
TT

توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم

توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم

ستعرض «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» «ESH» تفاصيل أحدث إرشاداتها الطبية لإدارة التعامل العلاجي مع حالات ارتفاع ضغط الدم Hypertension Guidelines، وذلك ضمن عدد ديسمبر (كانون الأول) المقبل من «مجلة ارتفاع ضغط الدم Journal of Hypertension». وهي الإرشادات المُصادق عليها أيضاً من قبل الجمعية الدولية لارتفاع ضغط الدم «ISH» والجمعية الأوروبية لأمراض الكلى «ERA»، وتحظى باهتمام واسع من قبل الأوساط الطبية العالمية.

وفي مقدمة عرضها لإرشاداتها الجديدة، أفادت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» بقولها: «يصادف عام 2023 الذكرى السنوية العشرين لصدور أول المبادئ التوجيهية لإرشادات ارتفاع ضغط الدم، عن «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» (ESH)، التي نُشرت لأول مرة في عام 2003، بناءً على اقتراح من البروفسور ألبرتو زانشيتي».

نظرة تاريخية

وفي الخلفية التاريخية، كان البروفسور زانشيتي يعتقد آنذاك أن الوقت قد حان لأوروبا للتعبير عن وجهة نظرها بشأن الجوانب التشخيصية والعلاجية لهذه الحالة الطبية البالغة الأهمية، بدلاً من الرجوع، كما كان الحال في الماضي، إلى المبادئ التوجيهية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، أو الجمعيات العلمية الطبية في الولايات المتحدة الأميركية. وحينها لعب البروفسور ألبرتو زانشيتي دوراً أساسياً في تكوين وصياغة المبادئ التوجيهية الأولى، بوصفه منسقاً للجنة الكتابة المعينة من قبل «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم». وهو ما علقت عليه بقولها: «وقد تمت مكافأة ذلك الجهد بنجاح كبير غير متوقع، مما جعل هذه المبادئ التوجيهية خامس أكثر الأبحاث اقتباساً على نطاق واسع في العالم في جميع مجالات البحث، والأكثر اقتباساً في المجال الطبي»، على حد قولها.

وكانت مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية The Lancet قد عرفت بالبروفسور ألبرتو زانشيتي عند نعيه عام 2018 قائلة: «الرائد العالمي في أبحاث ارتفاع ضغط الدم. ولد في بارما بإيطاليا في 27 يوليو (تموز) 1926، وتوفي إثر إصابته بنزيف في المخ في ميلانو بإيطاليا في 24 مارس (آذار) 2018 عن عمر يناهز 91 عاماً. كان ألبرتو زانشيتي مرجعاً محترماً ومعترفاً به عالمياً في الفيزيولوجيا المرضية، وعلم الصيدلة السريرية، وعلاج ارتفاع ضغط الدم الشرياني».

مرض ارتفاع ضغط الدم

وتحت عنوان «مدى انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم»، أفادت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» قائلة: «ارتفاع ضغط الدم هو اضطراب القلب والأوعية الدموية الأكثر انتشاراً في العالم. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنه يؤثر على 1.28 مليار شخص بالغ، ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عاماً في جميع أنحاء العالم، ويعيش ثلثاهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

في عام 2019، تم الإبلاغ عن أن متوسط انتشار ارتفاع ضغط الدم الموحد حسب العمر لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عاماً يبلغ 34% لدى الرجال و32% لدى النساء. وفي الأعمار الأصغر (أقل من 50 عاماً)، يكون ارتفاع ضغط الدم أكثر انتشاراً لدى الرجال، في حين أن الزيادة الحادة في ضغط الدم لدى النساء، خاصة بعد انقطاع الطمث، تجعل انتشار ارتفاع ضغط الدم أكبر لدى النساء في الفئات العمرية الأكبر سناً (الأكبر من عمر 65 سنة).

وذكرت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» أن المبادئ التوجيهية لإرشادات عام 2023 احتوت على العديد من عناصر المفاهيم الحديثة التي تكونت لدى أوساط التعامل مع ارتفاع ضغط الدم، نتيجة الأبحاث التي أجريت حديثاً. كما تم فيها التعامل بشكل أكثر تعمقاً مع الموضوعات التي كان يتم النظر فيها بشكل سطحي في الماضي، وشملت العديد من الحالات التي لم تعالجها الإرشادات السابقة من قبل. ومثالاً على ذلك، فإن الإرشادات الجديدة وإن كانت معنية بشكل رئيسي بالتعامل العلاجي مع ارتفاع ضغط الدم لدى البالغين، فإنها تتضمن لأول مرة توصيات أساسية بشأن ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين.

* التوصيات تتضمن عناصر المفاهيم الحديثة من نتائج الأبحاث الجديدة*

منطلقات حديثة

وضمن 24 عنصراً، لخصت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» ما هو الجديد، وما الذي تغير في المبادئ التوجيهية للجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم الشرياني لعام 2023. وهو ما يعدُّ نقلة نوعية في التعامل الطبي الأوسع لحالات ارتفاع ضغط الدم.

ومن ذلك عرض الخلفية الفيزيولوجية المرضية لارتفاع ضغط الدم الأساسي، بما يساعد في تصميم عملي للتعامل العلاجي والوقائي مع تلك الحالات. وتطرقت إلى الممارسات الإكلينيكية اليومية في طرق قياسات ضغط الدم في مختلف بيئات المتابعة الطبية (العيادات، المنزل، الإسعاف، أقسام العناية المركزة). كما رفعت الإرشادات الجديدة من القيمة الإكلينيكية والعلاجية لمستوى قياسات ضغط الدم خارج العيادة أو المستشفى، أي المنزل Home BP Measurements، في إدارة طريقة معالجة ارتفاع ضغط الدم، وإشراك المريض في قراراتها. وتضمنت كذلك تحديث التوصيات الطبية بشأن تدخلات نمط الحياة Lifestyle Interventions ضمن خطوات كل من الوقاية والمعالجة لحالات ارتفاع ضغط الدم.

وتم أيضاً تحديث عتبة البدء، والأهداف، للعلاج بالأدوية الخافضة للضغط. وتأكيد ضرورة استخدام مجموعات معينة من الأدوية التي ثبتت جدواها على المدى القصير والمتوسط والبعيد في معالجة حالات ارتفاع ضغط الدم Antihypertensive Treatment ومنع حصول مضاعفاته، وتقليل تداعيته من قبل الأعضاء الأخرى في الجسم، التي هي مستهدفة بالضرر بالدرجة الأولى من ارتفاع ضغط الدم، مثل القلب والشرايين والكلى والدماغ والعينين وغيرها. ومن ذلك تأثير ارتفاع ضغط الدم وعلاجه على الخلل المعرفي Cognitive Dysfunction والخرف Dementia.

كما تم التركيز والتحديث على تشخيص وإدارة ارتفاع ضغط الدم المقاوم الحقيقي True Resistant Hypertension، بخلاف حالات عدم انخفاض ضغط الدم نتيجة قصور في تلقي الأدوية الملائمة أو إهمال المريض تناول العلاج.

التشخيص والعلاج والمتابعة

كما كان أحد الجوانب المهمة، والتي تناولتها الإرشادات الجديدة، التفصيل في كيفية تشخيص وعلاج ومتابعة ارتفاع ضغط الدم في حالات:

- التعامل العلاجي مع ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال/المراهقين والانتقال إلى مرحلة البلوغ.

- الاختلافات المتعلقة بالجنس في معالجة ارتفاع ضغط الدم.

- وارتفاع ضغط الدم المرتبط بالحمل والنفاس.

- ومعالجة ارتفاع ضغط الدم في حالات محددة، كمرض الشرايين الطرفية في الجسم، وأمراض صمامات القلب، وتمدد الشريان الأبهر.

- وحالات الطوارئ لارتفاع ضغط الدم الشديد.

- وارتفاع ضغط الدم المرتبط بفترة الخضوع لأي نوع من العمليات الجراحية، أو بحالات الإصابة بالأورام، أو بالإصابة بـ«كوفيد - 19».

الخطوة الأولى: دقة القياس وتشخيص الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم

نظراً لارتفاع معدل انتشار ارتفاع ضغط الدم بين عامة الناس في العالم، ودوره المحوري بوصفه سبباً رئيسياً لارتفاع الوفيات والمراضة، فإن اكتشافه يعد أمراً بالغ الأهمية للصحة العامة.

وأظهرت الدراسات التي أجريت في بلدان مختلفة عالمياً، أن جزءاً كبيراً من الأفراد المصابين بارتفاع ضغط الدم لا يدركون أن لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم؛ لأنه غالباً مرض «صامت». وهو ما له تلقائياً انعكاس سلبي على عدد المرضى الذين يخضعون للعلاج ويحققون السيطرة على ضغط الدم.

وهناك أدلة علمية على أن نهج الفحص الواسع لقياس ضغط الدم، في كل مناسبة تتيح ذلك (وخاصة عند زيارة العيادة أو المستشفى لأي سبب صحي)، يمكن أن يزيد بشكل كبير عدد الأفراد الذين يتم اكتشاف ارتفاع ضغط الدم لديهم، وبالتالي اغتنام الفرصة لمعالجتهم وإزالة هذا الخطر الصحي عنهم.

وهو ما عبرت عنه «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» في إرشاداتها الحديثة بالقول: «بناءً على الأدلة المتاحة، نوصي بإجراء فحص انتهازي لارتفاع ضغط الدم لدى جميع البالغين (أي 18 عاماً وما فوق)».

وفي الولايات المتحدة الأميركية، يقترح فريق عمل الخدمات الوقائية الأميركي US Preventive Services Task Forceإجراء فحص قياس ضغط الدم لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم 18 عاماً أو أكبر. ويعد الفحص بشكل أقل تكراراً (أي كل 3 إلى 5 سنوات) مناسباً للبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 39 عاماً، والذين لا يتعرضون لخطر متزايد لارتفاع ضغط الدم، والذين لديهم قراءة طبيعية سابقة لضغط الدم.

كما يقترحون إجراء فحص سنوي لقياس ضغط الدم لدى البالغين الذين تبلغ أعمارهم 40 عاماً أو أكبر، وكذلك للبالغين المعرضين لخطر متزايد لارتفاع ضغط الدم (مثل الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة).

وأوضحت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» في إرشاداتها الحديثة أهمية تأكيد تشخيص ارتفاع ضغط الدم. وقالت: «بسبب تباين نتائج قياسات ضغط الدم، يجب تأكيد ارتفاع ضغط الدم الذي يتم قياسه في العيادة (ضغط الدم الانقباضي 140 ملم زئبق وما فوق، أو ضغط الدم الانبساطي 90 ملم زئبق وما فوق) من خلال زيارتين إلى ثلاث زيارات على الأقل، ما لم تكن قيم ضغط الدم المسجلة خلال الزيارة الأولى مرتفعة بشكل ملحوظ. كما يمكن أن تكون نتائج فحص قياس ضغط الدم لفترة 24 ساعة ABPM و/أو قياسات ضغط الدم المنزلية HBPM، ذات أهمية خاصة عندما توفر بيانات قياسات ضغط الدم في العيادة عبر زيارات مختلفة زمنياً، نتائج متغيرة».

القياسات المنزلية لضغط الدم: نتائج تفرض نفسها ضمن المعالجة

يوفر القياس المنزلي لضغط الدم HBPM قراءات متعددة لضغط الدم بعيداً عن العيادة أو المستشفى، وبعيداً عن احتمالات الارتفاع الموقت لضغط الدم، نتيجة رؤية المعطف الأبيض للطبيب WCH، وذلك تحديداً في البيئة المعتادة والطبيعية والمُريحة نفسياً وبدنياً لكل فرد. وترى الأوساط الطبية أن ذلك من المقبول استخدامه على المدى الطويل من قبل المرضى، وله تكلفة منخفضة نسبياً، وأكثر قابلية للتكرار.

وتضيف «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» قائلة: «هناك ميزة أخرى محتملة للقياس المنزلي لضغط الدم، وهي أنه قد يحسن الالتزام بالعلاج، وبالتالي تحقيق سيطرة أفضل على ارتفاع ضغط الدم. كما قد يوفر الجمع بين تطبيقات المراقبة عن بعد Telemonitoring والهواتف الذكية، مزايا إضافية، بما في ذلك القدرة على تخزين ونقل بيانات قياسات ضغط الدم المنزلية بتنسيق رقمي Digital Format، وتسهيل تقييمها من قبل متخصصي الرعاية الصحية».

وقالت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم»: «يجب جمع قيم قياسات ضغط الدم في المنزل قبل الزيارات المخططة للعيادة أو عند الاشتباه في حدوث تغيير مهم إكلينيكياً في ضغط الدم. ومن الناحية المثالية، يجب مراقبة ضغط الدم في المنزل لمدة 7 أيام، وليس أقل من 3 أيام، مع قياسات مكررة (يفصل بينها على الأقل دقيقة واحدة) في الصباح (أي قبل تناول دواء علاج ارتفاع ضغط الدم) وفي المساء.

ويساعد القياس المنزلي لضغط الدم على تحسين استمرارية التحكم في ضغط الدم أثناء العلاج طويل الأمد. وأضافت: «يجب إجراء قياسات ضغط الدم المنزلية باستخدام أجهزة قياس ضغط الدم الآلية Automated Electronic Device التي تتطلب ربط السوار على منطقة العضد، والتي تم التحقق من صحة ودقة عملها. ويجب أن تكون ظروف القياس والوضعية مشابهة لتلك الموصوفة في النصائح الطبية»؛ أي:

- استخدم جهاز قياس ضغط الدم تم التأكد من عمله بشكل صحيح ودقيق.

- لا تدخن أو تتناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين أو تمارس الرياضة في غضون 30 دقيقة قبل قياس ضغط الدم.

- يجب إجراء القياس قبل الإفطار وبعد ساعتين من تناول العشاء، وقبل تناول الدواء.

- احرص على إفراغ المثانة قبل قياس ضغط الدم.

- يتم إجراء القياس بالجلوس على الكرسي، وليس على سرير الفحص، ولا الجلوس على أريكة وثيرة (كنبة) يكون فيها الحوض منخفضاً عن مستوى الركبتين.

- يجب أن يرتاح الشخص على الكرسي ما لا يقل عن خمس دقائق، وربما أكثر إذا ما دعت الحاجة.

- على الشخص جعل ظهره مستقيماً ومُسنداً للخلف عند الجلوس.

- وضع مفصل المرفق وكامل الذراع على سطح جانبي مستوٍ بشكل مريح، مثل طاولة جانبية، بحيث يكون العضد (حيث سيتم حوله لف السوار القماشي لجهاز الضغط) عند مستوى القلب.

- أثناء الجلوس، يجب وضع باطن القدمين بشكل مستو على سطح الأرض (أي ليس فقط رؤوس أصابع قدميه). ويجب ألا تتقاطع الساقان بوضع إحداهما فوق الأخرى.

حقائق

34% و32%

نسبتا متوسط انتشار ضغط الدم العالي لدى الرجال والنساء على التوالي من أعمار تتراوح بين 30 و79 عاماً المسجلة عام 2019


مقالات ذات صلة

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

صحتك هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

من المعروف أن مرض السكري من النوع الأول يُعد أشهر مرض مزمن في فترة الطفولة. لكن يمكن حدوثه في أي فترة عمرية.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم

5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم

إحدى الحقائق التي يجدر ألّا تغيب بأي حال من الأحوال عن مرضى ارتفاع ضغط الدم، هي أن المشكلة الرئيسية طويلة الأمد لارتفاع ضغط الدم

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)

المخاطر الخفية لـ«ما قبل السكري»

يعاني نحو 98 مليون أميركي -أكثر من واحد من كل ثلاثة- من حالة «ما قبل السكري» (مقدمات السكري - prediabetes)

ماثيو سولان (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

كشف المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ»، عن تأثير مقاومة «الوباء الصامت» على الاقتصاد.

إبراهيم القرشي (جدة)

المخاطر الخفية لـ«ما قبل السكري»

جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)
جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)
TT

المخاطر الخفية لـ«ما قبل السكري»

جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)
جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)

يعاني نحو 98 مليون أميركي -أكثر من واحد من كل ثلاثة- من حالة «ما قبل السكري» (مقدمات السكري - prediabetes)، التي تعني أن متوسط كمية السكر (الغلوكوز) في دمهم مرتفعة، لكنها ليست مرتفعة بما يكفي لتشخيصهم بوصفهم مصابين بمرض السكري.

مقاومة الأنسولين

يحدث مرض السكري عندما يواجه الجسم صعوبة في استخدام توظيف الغلوكوز للحصول على الطاقة، وذلك بسبب تراجع مستوى استجابة الخلايا للأنسولين الذي ينتجه البنكرياس، وهي حالة تعرف باسم «مقاومة الأنسولين» (insulin resistance). وتجدر الإشارة إلى أن الأنسولين يُسهّل نقل الغلوكوز من الدم إلى الخلايا؛ ولذا يتراكم الغلوكوز غير المستخدم في مجرى الدم.

ويكمن الفرق بين مرض السكري ومقدمات السكري في مدى ارتفاع مستويات السكر بالدم. وفي هذا السياق، شرح د. هوارد لوين، الأستاذ المساعد بكلية الطب في جامعة «هارفارد»، ورئيس تحرير «هارفارد مينز هيلث ووتش»، أنه: «إذا كنت تعاني (ما قبل السكري)، فمن المؤكد أنك ترغب في منع تحوله إلى تشخيص لمرض السكري. إلا أنه إذا تركت حالة (ما قبل السكري) دون تدخل، فإنها تحمل قدراً كافياً من الخطورة في حد ذاتها، خصوصاً أنها تفاقم خطر إصابتك بمشكلات خطيرة أخرى، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الكلى المزمنة، ومرض الكبد الدهني، حتى لو لم تصب بمرض السكري الكامل مطلقاً».

الكبائر الثلاث

فيما يلي نظرة على كل من هذه الحالات الثلاث، وكيف تؤثر على الأشخاص المصابين بمقدمات السكري:

• أمراض القلب والأوعية الدموية: خلصت أبحاث إلى أن الأشخاص المصابين بحالة «ما قبل السكري» معرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (Cardiovascular disease) بنسبة 15 في المائة أكثر، مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون منها؛ ولذلك، فإنه من المهم للغاية الانتباه إلى عوامل الخطر القلبية الوعائية الأخرى، مثل التدخين وضغط الدم ومستوى الكوليسترول الدهني منخفض الكثافة (LDL)، المعروف باسم الكوليسترول «الضار».

وهنا، شرح د. لوين: «يجب على الأشخاص المصابين بـ(ما قبل السكري) الإقلاع عن التدخين، والسعي إلى تحقيق مستويات أقل من ضغط الدم والكوليسترول (الضار)، مقارنة بأولئك الذين ينعمون بمعدلات طبيعية من سكر الدم».

من جهتها، توصي الجمعية الأميركية للسكري، المصابين بمقدمات السكري بالسعي لتحقيق مستوى ضغط دم أقل من 140/90 ملليمتراً زئبقياً. ومع ذلك، ينصح د. لوين، الأشخاص مرضى مقدمات السكري بالسعي نحو تحقيق أرقام أقل، أقرب إلى 120/80 ملليمتراً زئبقياً. واستطرد موضحاً أنه: «يمكنك أنت وطبيبك تحديد أفضل هدف لك».

من جهتها، توصي الإرشادات المعلنة بهذا الصدد المصابين بـ«ما قبل السكري» بإبقاء مستويات الكوليسترول «الضار» أقل عن 100 ملليغرام لكل ديسيلتر. وأكد د. لوين أنه كلما انخفض مستوى الكوليسترول «الضار» كان ذلك أفضل. أما مرضى السكري فيوصيهم بالسعي لتحقيق مستوى 70 ملليغراماً لكل ديسيلتر أو أقل.

وشرح د. لوين: «من خلال خفض ضغط الدم والكوليسترول، تتراجع احتمالية تراكم اللويحات الدهنية في الشرايين، ما يعمل بمثابة ثقل مقابل في مواجهة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، المرتبطة بمقدمات السكري».

وينصح د. لوين بتغيير نمط الحياة بوصفه نهجاً أساسياً لإدارة كل من ضغط الدم والكوليسترول، وإضافة الأدوية إذا لزم الأمر.

• أمراض الكلى والكبد

- مرض الكلى المزمن: تخلق الإصابة بحالة «ما قبل السكري» عبئاً إضافياً على الكلى، في أثناء عملها على تصفية السكر والنفايات الأخرى من الدم. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى إتلافها.

وفي الواقع، خلصت دراسات إلى أن الأشخاص المصابين بـ«ما قبل السكري» أكثر عرضة للإصابة بأمراض الكلى المزمنة (Chronic kidney disease)، بمقدار الضعف، مقارنة بالأشخاص الذين لديهم مستويات طبيعية من السكر في الدم. ويتفاقم الخطر كلما طالت فترة إصابة الشخص بـ«ما قبل السكري».

- مرض الكبد الدهني: تزيد حالة «ما قبل السكري» من خطر الإصابة بمرض الكبد الدهني (fatty liver disease)، عبر عدة سبل، فمثلاً، يمكن أن تتسبب مستويات الغلوكوز المرتفعة، في تحويل الجسم للغلوكوز الزائد إلى دهون، التي يجري تخزينها في الكبد. ويمكن أن تؤدي مقاومة الأنسولين إلى إضعاف قدرة الكبد على معالجة الدهون وتفتيتها، ما يتسبب بدوره في تراكمها.

اختبارات «ما قبل السكري»

عادةً لا تظهر أعراض لحالة «ما قبل السكري»؛ ولذلك، فإن ما يقدر بنحو 80 في المائة من المصابين بهذه الحالة لا يدركون إصابتهم بها؛ لذلك يُنصح الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، بإجراء فحص لـ«ما قبل السكري» حتى ولو كانوا يتمتعون بصحة جيدة بشكل عام. وإلى جانب ذلك، عادة ما يطلب معظم الأطباء إجراء اختبار دم للهيموغلوبين الغليكوزيلاتي (اختبار خضاب الدم السكري - hemoglobin A1c)، الذي يوضح متوسط مستويات السكر في الدم عبر الشهور الثلاثة السابقة. وحسب الجمعية الأميركية للسكري، يجري تشخيص مقدمات السكري إذا كانت مستويات الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي تقع بين 5.7 و6.4 في المائة.

تغييرات نمط الحياة

تُعدّ مسألة إدخال تغييرات على نمط الحياة، مثل فقدان الوزن، وممارسة الرياضة، وتعديل النظام الغذائي، أفضل الطرق لإدارة مستويات السكر في الدم، ومنع تطور «ما قبل السكري» إلى مرض السكري الكامل. (وقد يساعد في هذا المجال الحصول على قدر كافٍ من «فيتامين دي»).

تُهدد بحدوث أمراض القلب والكلى المزمنة والكبد الدهني

وشرح د. لوين، أن: «اتخاذ خيارات نمط حياة صحي لا يساعد فقط على خفض مستويات السكر في الدم، بل يسهم كذلك في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتلف الكلى، والكبد الدهني. وحتى إذا كنت بحاجة إلى دواء للوصول إلى الأهداف المتعلقة بضغط الدم وكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، فمن المحتمل أن تحتاج إلى جرعات أقل إذا ركزت على المجالات الثلاثة الآتية».

- إنقاص الوزن. إذا كنت تعاني من زيادة الوزن، فإن فقدان 5 إلى 10 في المائة من وزن جسمك الحالي، يمكن أن يُحسن مستويات ضغط الدم والكوليسترول. وحسب د. لوين، فإن فقدان الوزن، إذا لزم الأمر، يعد استراتيجية رئيسية للوقاية من مرض الكبد الدهني وعلاجه.

- ممارسة الرياضة. تنص الإرشادات الفيدرالية إلى ضرورة أن يمارس الجميع التمارين الهوائية متوسطة الشدة، لمدة 150 دقيقة على الأقل، أسبوعياً. وهنا، قال د. لوين: «أضف كذلك ساعتين أو ثلاث ساعات من تمارين المقاومة أسبوعياً، باستخدام الأوزان الحرة أو الآلات أو وزن الجسم».

بوجه عام، يرتبط الجمع بين التمارين الهوائية وتمارين المقاومة بتحسين التحكم في نسبة السكر في الدم، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتحسين صحة الكبد.

- النظام الغذائي. قلل من تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات البسيطة، مثل الخبز والمعكرونة والأرز والبطاطا والأطعمة المصنعة والمشروبات الغنية بالسكر، مثل عصير الفاكهة والمشروبات السكرية. ذلك لأن الجسم يهضم هذه الكربوهيدرات سريعاً، ويمكن أن تتسبب في ارتفاع وانخفاض مستويات السكر في الدم بسرعة. وينصح بالاستغناء عنها لصالح الكربوهيدرات المعقدة، مثل تلك الموجودة في الحبوب الكاملة والفاصوليا والبازلاء الخضراء والعدس، وكذلك ينبغي زيادة معدلات تناول الأطعمة الغنية بالألياف.

جدير بالذكر أن الألياف تساعد في إنقاص الوزن، عن طريق إبطاء عملية الهضم، ما يساعدك على الشعور بالشبع وتقليل الجوع بين الوجبات، حسبما أوضح د. لوين. ومن خلال إبطاء امتصاص الجسم للغلوكوز تهدأ وتيرة ارتفاع نسبة السكر في الدم.

• رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»