توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم

يصيب 1.28 مليار شخص بالغ حول العالم

توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم
TT

توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم

توصيات أوروبية طبية جديدة للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم

ستعرض «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» «ESH» تفاصيل أحدث إرشاداتها الطبية لإدارة التعامل العلاجي مع حالات ارتفاع ضغط الدم Hypertension Guidelines، وذلك ضمن عدد ديسمبر (كانون الأول) المقبل من «مجلة ارتفاع ضغط الدم Journal of Hypertension». وهي الإرشادات المُصادق عليها أيضاً من قبل الجمعية الدولية لارتفاع ضغط الدم «ISH» والجمعية الأوروبية لأمراض الكلى «ERA»، وتحظى باهتمام واسع من قبل الأوساط الطبية العالمية.

وفي مقدمة عرضها لإرشاداتها الجديدة، أفادت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» بقولها: «يصادف عام 2023 الذكرى السنوية العشرين لصدور أول المبادئ التوجيهية لإرشادات ارتفاع ضغط الدم، عن «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» (ESH)، التي نُشرت لأول مرة في عام 2003، بناءً على اقتراح من البروفسور ألبرتو زانشيتي».

نظرة تاريخية

وفي الخلفية التاريخية، كان البروفسور زانشيتي يعتقد آنذاك أن الوقت قد حان لأوروبا للتعبير عن وجهة نظرها بشأن الجوانب التشخيصية والعلاجية لهذه الحالة الطبية البالغة الأهمية، بدلاً من الرجوع، كما كان الحال في الماضي، إلى المبادئ التوجيهية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، أو الجمعيات العلمية الطبية في الولايات المتحدة الأميركية. وحينها لعب البروفسور ألبرتو زانشيتي دوراً أساسياً في تكوين وصياغة المبادئ التوجيهية الأولى، بوصفه منسقاً للجنة الكتابة المعينة من قبل «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم». وهو ما علقت عليه بقولها: «وقد تمت مكافأة ذلك الجهد بنجاح كبير غير متوقع، مما جعل هذه المبادئ التوجيهية خامس أكثر الأبحاث اقتباساً على نطاق واسع في العالم في جميع مجالات البحث، والأكثر اقتباساً في المجال الطبي»، على حد قولها.

وكانت مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية The Lancet قد عرفت بالبروفسور ألبرتو زانشيتي عند نعيه عام 2018 قائلة: «الرائد العالمي في أبحاث ارتفاع ضغط الدم. ولد في بارما بإيطاليا في 27 يوليو (تموز) 1926، وتوفي إثر إصابته بنزيف في المخ في ميلانو بإيطاليا في 24 مارس (آذار) 2018 عن عمر يناهز 91 عاماً. كان ألبرتو زانشيتي مرجعاً محترماً ومعترفاً به عالمياً في الفيزيولوجيا المرضية، وعلم الصيدلة السريرية، وعلاج ارتفاع ضغط الدم الشرياني».

مرض ارتفاع ضغط الدم

وتحت عنوان «مدى انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم»، أفادت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» قائلة: «ارتفاع ضغط الدم هو اضطراب القلب والأوعية الدموية الأكثر انتشاراً في العالم. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنه يؤثر على 1.28 مليار شخص بالغ، ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عاماً في جميع أنحاء العالم، ويعيش ثلثاهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

في عام 2019، تم الإبلاغ عن أن متوسط انتشار ارتفاع ضغط الدم الموحد حسب العمر لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عاماً يبلغ 34% لدى الرجال و32% لدى النساء. وفي الأعمار الأصغر (أقل من 50 عاماً)، يكون ارتفاع ضغط الدم أكثر انتشاراً لدى الرجال، في حين أن الزيادة الحادة في ضغط الدم لدى النساء، خاصة بعد انقطاع الطمث، تجعل انتشار ارتفاع ضغط الدم أكبر لدى النساء في الفئات العمرية الأكبر سناً (الأكبر من عمر 65 سنة).

وذكرت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» أن المبادئ التوجيهية لإرشادات عام 2023 احتوت على العديد من عناصر المفاهيم الحديثة التي تكونت لدى أوساط التعامل مع ارتفاع ضغط الدم، نتيجة الأبحاث التي أجريت حديثاً. كما تم فيها التعامل بشكل أكثر تعمقاً مع الموضوعات التي كان يتم النظر فيها بشكل سطحي في الماضي، وشملت العديد من الحالات التي لم تعالجها الإرشادات السابقة من قبل. ومثالاً على ذلك، فإن الإرشادات الجديدة وإن كانت معنية بشكل رئيسي بالتعامل العلاجي مع ارتفاع ضغط الدم لدى البالغين، فإنها تتضمن لأول مرة توصيات أساسية بشأن ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين.

* التوصيات تتضمن عناصر المفاهيم الحديثة من نتائج الأبحاث الجديدة*

منطلقات حديثة

وضمن 24 عنصراً، لخصت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» ما هو الجديد، وما الذي تغير في المبادئ التوجيهية للجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم الشرياني لعام 2023. وهو ما يعدُّ نقلة نوعية في التعامل الطبي الأوسع لحالات ارتفاع ضغط الدم.

ومن ذلك عرض الخلفية الفيزيولوجية المرضية لارتفاع ضغط الدم الأساسي، بما يساعد في تصميم عملي للتعامل العلاجي والوقائي مع تلك الحالات. وتطرقت إلى الممارسات الإكلينيكية اليومية في طرق قياسات ضغط الدم في مختلف بيئات المتابعة الطبية (العيادات، المنزل، الإسعاف، أقسام العناية المركزة). كما رفعت الإرشادات الجديدة من القيمة الإكلينيكية والعلاجية لمستوى قياسات ضغط الدم خارج العيادة أو المستشفى، أي المنزل Home BP Measurements، في إدارة طريقة معالجة ارتفاع ضغط الدم، وإشراك المريض في قراراتها. وتضمنت كذلك تحديث التوصيات الطبية بشأن تدخلات نمط الحياة Lifestyle Interventions ضمن خطوات كل من الوقاية والمعالجة لحالات ارتفاع ضغط الدم.

وتم أيضاً تحديث عتبة البدء، والأهداف، للعلاج بالأدوية الخافضة للضغط. وتأكيد ضرورة استخدام مجموعات معينة من الأدوية التي ثبتت جدواها على المدى القصير والمتوسط والبعيد في معالجة حالات ارتفاع ضغط الدم Antihypertensive Treatment ومنع حصول مضاعفاته، وتقليل تداعيته من قبل الأعضاء الأخرى في الجسم، التي هي مستهدفة بالضرر بالدرجة الأولى من ارتفاع ضغط الدم، مثل القلب والشرايين والكلى والدماغ والعينين وغيرها. ومن ذلك تأثير ارتفاع ضغط الدم وعلاجه على الخلل المعرفي Cognitive Dysfunction والخرف Dementia.

كما تم التركيز والتحديث على تشخيص وإدارة ارتفاع ضغط الدم المقاوم الحقيقي True Resistant Hypertension، بخلاف حالات عدم انخفاض ضغط الدم نتيجة قصور في تلقي الأدوية الملائمة أو إهمال المريض تناول العلاج.

التشخيص والعلاج والمتابعة

كما كان أحد الجوانب المهمة، والتي تناولتها الإرشادات الجديدة، التفصيل في كيفية تشخيص وعلاج ومتابعة ارتفاع ضغط الدم في حالات:

- التعامل العلاجي مع ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال/المراهقين والانتقال إلى مرحلة البلوغ.

- الاختلافات المتعلقة بالجنس في معالجة ارتفاع ضغط الدم.

- وارتفاع ضغط الدم المرتبط بالحمل والنفاس.

- ومعالجة ارتفاع ضغط الدم في حالات محددة، كمرض الشرايين الطرفية في الجسم، وأمراض صمامات القلب، وتمدد الشريان الأبهر.

- وحالات الطوارئ لارتفاع ضغط الدم الشديد.

- وارتفاع ضغط الدم المرتبط بفترة الخضوع لأي نوع من العمليات الجراحية، أو بحالات الإصابة بالأورام، أو بالإصابة بـ«كوفيد - 19».

الخطوة الأولى: دقة القياس وتشخيص الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم

نظراً لارتفاع معدل انتشار ارتفاع ضغط الدم بين عامة الناس في العالم، ودوره المحوري بوصفه سبباً رئيسياً لارتفاع الوفيات والمراضة، فإن اكتشافه يعد أمراً بالغ الأهمية للصحة العامة.

وأظهرت الدراسات التي أجريت في بلدان مختلفة عالمياً، أن جزءاً كبيراً من الأفراد المصابين بارتفاع ضغط الدم لا يدركون أن لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم؛ لأنه غالباً مرض «صامت». وهو ما له تلقائياً انعكاس سلبي على عدد المرضى الذين يخضعون للعلاج ويحققون السيطرة على ضغط الدم.

وهناك أدلة علمية على أن نهج الفحص الواسع لقياس ضغط الدم، في كل مناسبة تتيح ذلك (وخاصة عند زيارة العيادة أو المستشفى لأي سبب صحي)، يمكن أن يزيد بشكل كبير عدد الأفراد الذين يتم اكتشاف ارتفاع ضغط الدم لديهم، وبالتالي اغتنام الفرصة لمعالجتهم وإزالة هذا الخطر الصحي عنهم.

وهو ما عبرت عنه «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» في إرشاداتها الحديثة بالقول: «بناءً على الأدلة المتاحة، نوصي بإجراء فحص انتهازي لارتفاع ضغط الدم لدى جميع البالغين (أي 18 عاماً وما فوق)».

وفي الولايات المتحدة الأميركية، يقترح فريق عمل الخدمات الوقائية الأميركي US Preventive Services Task Forceإجراء فحص قياس ضغط الدم لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم 18 عاماً أو أكبر. ويعد الفحص بشكل أقل تكراراً (أي كل 3 إلى 5 سنوات) مناسباً للبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 39 عاماً، والذين لا يتعرضون لخطر متزايد لارتفاع ضغط الدم، والذين لديهم قراءة طبيعية سابقة لضغط الدم.

كما يقترحون إجراء فحص سنوي لقياس ضغط الدم لدى البالغين الذين تبلغ أعمارهم 40 عاماً أو أكبر، وكذلك للبالغين المعرضين لخطر متزايد لارتفاع ضغط الدم (مثل الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة).

وأوضحت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» في إرشاداتها الحديثة أهمية تأكيد تشخيص ارتفاع ضغط الدم. وقالت: «بسبب تباين نتائج قياسات ضغط الدم، يجب تأكيد ارتفاع ضغط الدم الذي يتم قياسه في العيادة (ضغط الدم الانقباضي 140 ملم زئبق وما فوق، أو ضغط الدم الانبساطي 90 ملم زئبق وما فوق) من خلال زيارتين إلى ثلاث زيارات على الأقل، ما لم تكن قيم ضغط الدم المسجلة خلال الزيارة الأولى مرتفعة بشكل ملحوظ. كما يمكن أن تكون نتائج فحص قياس ضغط الدم لفترة 24 ساعة ABPM و/أو قياسات ضغط الدم المنزلية HBPM، ذات أهمية خاصة عندما توفر بيانات قياسات ضغط الدم في العيادة عبر زيارات مختلفة زمنياً، نتائج متغيرة».

القياسات المنزلية لضغط الدم: نتائج تفرض نفسها ضمن المعالجة

يوفر القياس المنزلي لضغط الدم HBPM قراءات متعددة لضغط الدم بعيداً عن العيادة أو المستشفى، وبعيداً عن احتمالات الارتفاع الموقت لضغط الدم، نتيجة رؤية المعطف الأبيض للطبيب WCH، وذلك تحديداً في البيئة المعتادة والطبيعية والمُريحة نفسياً وبدنياً لكل فرد. وترى الأوساط الطبية أن ذلك من المقبول استخدامه على المدى الطويل من قبل المرضى، وله تكلفة منخفضة نسبياً، وأكثر قابلية للتكرار.

وتضيف «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم» قائلة: «هناك ميزة أخرى محتملة للقياس المنزلي لضغط الدم، وهي أنه قد يحسن الالتزام بالعلاج، وبالتالي تحقيق سيطرة أفضل على ارتفاع ضغط الدم. كما قد يوفر الجمع بين تطبيقات المراقبة عن بعد Telemonitoring والهواتف الذكية، مزايا إضافية، بما في ذلك القدرة على تخزين ونقل بيانات قياسات ضغط الدم المنزلية بتنسيق رقمي Digital Format، وتسهيل تقييمها من قبل متخصصي الرعاية الصحية».

وقالت «الجمعية الأوروبية لارتفاع ضغط الدم»: «يجب جمع قيم قياسات ضغط الدم في المنزل قبل الزيارات المخططة للعيادة أو عند الاشتباه في حدوث تغيير مهم إكلينيكياً في ضغط الدم. ومن الناحية المثالية، يجب مراقبة ضغط الدم في المنزل لمدة 7 أيام، وليس أقل من 3 أيام، مع قياسات مكررة (يفصل بينها على الأقل دقيقة واحدة) في الصباح (أي قبل تناول دواء علاج ارتفاع ضغط الدم) وفي المساء.

ويساعد القياس المنزلي لضغط الدم على تحسين استمرارية التحكم في ضغط الدم أثناء العلاج طويل الأمد. وأضافت: «يجب إجراء قياسات ضغط الدم المنزلية باستخدام أجهزة قياس ضغط الدم الآلية Automated Electronic Device التي تتطلب ربط السوار على منطقة العضد، والتي تم التحقق من صحة ودقة عملها. ويجب أن تكون ظروف القياس والوضعية مشابهة لتلك الموصوفة في النصائح الطبية»؛ أي:

- استخدم جهاز قياس ضغط الدم تم التأكد من عمله بشكل صحيح ودقيق.

- لا تدخن أو تتناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين أو تمارس الرياضة في غضون 30 دقيقة قبل قياس ضغط الدم.

- يجب إجراء القياس قبل الإفطار وبعد ساعتين من تناول العشاء، وقبل تناول الدواء.

- احرص على إفراغ المثانة قبل قياس ضغط الدم.

- يتم إجراء القياس بالجلوس على الكرسي، وليس على سرير الفحص، ولا الجلوس على أريكة وثيرة (كنبة) يكون فيها الحوض منخفضاً عن مستوى الركبتين.

- يجب أن يرتاح الشخص على الكرسي ما لا يقل عن خمس دقائق، وربما أكثر إذا ما دعت الحاجة.

- على الشخص جعل ظهره مستقيماً ومُسنداً للخلف عند الجلوس.

- وضع مفصل المرفق وكامل الذراع على سطح جانبي مستوٍ بشكل مريح، مثل طاولة جانبية، بحيث يكون العضد (حيث سيتم حوله لف السوار القماشي لجهاز الضغط) عند مستوى القلب.

- أثناء الجلوس، يجب وضع باطن القدمين بشكل مستو على سطح الأرض (أي ليس فقط رؤوس أصابع قدميه). ويجب ألا تتقاطع الساقان بوضع إحداهما فوق الأخرى.

حقائق

34% و32%

نسبتا متوسط انتشار ضغط الدم العالي لدى الرجال والنساء على التوالي من أعمار تتراوح بين 30 و79 عاماً المسجلة عام 2019


مقالات ذات صلة

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

صحتك هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

من المعروف أن مرض السكري من النوع الأول يُعد أشهر مرض مزمن في فترة الطفولة. لكن يمكن حدوثه في أي فترة عمرية.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم

5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم

إحدى الحقائق التي يجدر ألّا تغيب بأي حال من الأحوال عن مرضى ارتفاع ضغط الدم، هي أن المشكلة الرئيسية طويلة الأمد لارتفاع ضغط الدم

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)

المخاطر الخفية لـ«ما قبل السكري»

يعاني نحو 98 مليون أميركي -أكثر من واحد من كل ثلاثة- من حالة «ما قبل السكري» (مقدمات السكري - prediabetes)

ماثيو سولان (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

كشف المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ»، عن تأثير مقاومة «الوباء الصامت» على الاقتصاد.

إبراهيم القرشي (جدة)

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)
الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)
الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)

كشف المؤتمر الوزاري العالمي الرابع رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ»، عن تأثير مقاومة «الوباء الصامت» على الاقتصاد، متوقعاً أن يقلل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 4 في المائة بحلول عام 2050، فيما يكلف الاقتصاد العالمي قرابة 100 تريليون دولار، ما يدفع إلى ضرورة تحرك المجتمع الدولي للالتزام بمنهجية موحدة.

وانطلقت أعمال المؤتمر الوزاري، الخميس، برعاية وزارة الصحة السعودية، بالشراكة مع هيئة الصحة العامة (وقاية)، في محافظة جدة، الخميس، ويمتد لـ3 أيام، ويجمع 48 وزيراً ونائب وزير من قطاعات الصحة والبيئة والزراعة من مختلف دول العالم، يمثلون 57 دولة عضواً، إضافة إلى 450 مشاركاً من منظمات الأمم المتحدة.

يشكل المؤتمر خطوةً لتعزيز الجهود الدولية لمواجهة التحديات المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات (واس)

دعوة للالتزام بخريطة طريق موحدة

وأشار فهد الجلاجل، وزير الصحة السعودي، إلى أن المؤتمر الوزاري فرصة للمجتمع الدولي للالتزام بخريطة طريق موحدة ومجموعة من النتائج الواضحة التي ستساعد على التصدي لتزايد مقاومة الأدوية في البشر والحيوانات، وأن مقاومة مضادات الميكروبات تشكل تهديداً لجميع الفئات العمرية، لتأثيرها على صحة الإنسان والحيوان والنبات، وكذلك البيئة والأمن الغذائي.

وشدّد الجلاجل على ضرورة تبني نهج شامل يعالج التحديات التي تعيق التقدم بشكل منهجي، يتضمن ذلك تبادل أفضل الممارسات، والمبادرات التمويلية المبتكرة، وتطوير أدوات جديدة لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، مشيراً إلى أن الاجتماع يُعد فرصة حيوية لتعزيز استجابتنا العالمية الجماعية لمخاطر هذا «الوباء الصامت» المتزايد.

من جهته، أكد الدكتور عبد العزيز الرميح، نائب وزير الصحة السعودي، على أهمية المؤتمر الوزاري، معتبراً «أن تنظيمه يدخل ضمن جهود السعودية في المجال الصحي على الصُّعد المحلية والإقليمية والدولية، وما تبذله من جهود لمواجهة التحديات العالمية الكبرى الحالية والمستقبلية، في ضوء (رؤية السعودية 2030)».

وشكرت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، في كلمة لها، السعودية على تنظيم هذا المؤتمر الوزاري للمرة الرابعة، مشددةً على أهمية التعاون بين مختلف الدول والمنظمات الدولية للحدِّ من مقاومة مضادات الميكروبات.

جانب من جلسات النقاش التي عُقدت تزامناً مع انطلاقة المؤتمر العالمي في جدة الخميس (الشرق الأوسط)

نحو منهجية موحدة

من جانبه، قال الدكتور هاني جوخدار، وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «السعودية استشعرت هذا الموضوع مبكراً منذ عام 2015، وشكّلت لجاناً في القطاع الصحي تعنى بمكافحة هذه الجراثيم والعمل على تقليل أثرها في المنشآت الصحية»، لافتاً أن الموضوع دخل بشكل رسمي على طاولة مجموعة العشرين في 2017، وخلال رئاسة السعودية في 2020 استمرت في الحفاظ على هذا الملف المهم، رغم وجود جائحة «كورونا»، وخلال السنوات الـ7 الماضية، تم بناء منظومة وقّعت عليها الدول لوضع منهجية موحدة.

وأكد أن السعودية تتبنى اليوم تنفيذ هذه المنهجية، التي تعمل على الدفع بها لمرحلة أخرى، تتمثل في تنفيذها، وأن يكون ذلك على مستوى العالم، للخروج بحلول جذرية لمقاومة هذه الجراثيم.

وأضاف جوخدار: «السعودية لديها خبره كبيرة جداً، وهي إحدى الدول الرائدة في التحديات الصحية، بما فيها التحدي الصحي الأهم خلال الأعوام الماضية، وهي الفيروسات والجراثيم... والبكتيريا المقاومة للمضادات هو مصطلح قديم، كان يقتصر سابقاً على القطاع الصحي في المستشفيات والممارسين، وخلال الأعوام الـ10 الماضية دخل في مرحلة أخرى، إذ وضع على الطاولة الدبلوماسية، وأصبحت الدول تنظر له كموضوع اقتصادي كبير قد يؤثر على صحة الإنسان، ويؤدي إلى الوفيات المبكرة بسبب الجراثيم المقاومة للمضادات».

وأشار إلى أن «السعودية تستقبل على مدار العام القادمين من جميع دول العالم من مختلف الفئات والجنسيات، وكما هو معروف علمياً فإن الحركة البشرية من جميع أقطار العالم تحرك الجراثيم وتنقلها بين الدول، وقد نجحت السعودية منذ عقود طويلة في ألا تكون في يوم من الأيام مصدراً لهذه الجراثيم».

وعن مخرجات المؤتمر المنتظرة، قال الدكتور جوخدار لـ«الشرق الأوسط»: «السنوات الـ7 الماضية استغرقت وضع المنهجية، واختتم وضع المنهجية في عُمان 2022، واليوم سنفعّل هذه المنهجية».

المؤتمر يجمع 48 وزيراً ونائب وزير من قطاعات الصحة والبيئة والزراعة من مختلف دول العالم (واس)

تعزيز الجهود

ويشكل المؤتمر خطوةً لتعزيز الجهود الدولية لمواجهة التحديات المتفاقمة المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات، التي باتت تهدد الصحة العالمية، كونها واحدة من أكبر التهديدات للصحة العامة والتنمية على مستوى العالم، إذ تتسبب في وفاة أكثر من مليون حالة سنوياً، أكثر من الإيدز والملاريا مجتمعين، كما تسهم في وفاة 5 ملايين شخص إضافي سنوياً، إلى جانب التأثيرات الصحية المختلفة، التي تجب مواجهتها بشكل جماعي من مختلف دول العالم.

ويعوّل المؤتمر المقام تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ... تسريع الإجراءات من خلال الشراكات متعددة القطاعات للحدّ من مقاومة مضادات الميكروبات» على تسريع العمل من خلال الشراكات متعددة القطاعات لاحتواء مقاومة مضادات الميكروبات، من خلال الاجتماعات التي ستتناول الأولويات، ومنها المراقبة والإشراف، وبناء القدرات، وتوفير التمويل، والحوكمة، والابتكار، والبحث والتطوير، ما يعكس التزام السعودية بتعزيز التعاون الدولي، ومواجهة التحديات الصحية العالمية، وتأكيد دورها القيادي في دعم الأمن الصحي العالمي.

اجتماع جدة

إلى ذلك، قال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن مقاومة مضادات الميكروبات ليست خطراً مستقبلياً، بل هي موجودة الآن، ما يجعل كثيراً من المضادات الحيوية والأدوية الأخرى التي نعتمد عليها أقل فاعلية، ويجعل العدوى الروتينية أكثر صعوبة في العلاج، وقد تكون مميتة، مشيداً بقيادة السعودية لاستضافة هذا المؤتمر الوزاري المهم حول مقاومة مضادات الميكروبات، مشيراً إلى أن اجتماع جدة سيساعد على تنسيق الجهود العالمية عبر أنظمة بيئية متنوعة، بما في ذلك الصحة البشرية والحيوانية والزراعية، إضافة إلى حماية البيئة.

بدورها، بيّنت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن البيئة تقوم بدور رئيسي في ظهور وانتقال وانتشار مقاومة مضادات الميكروبات، للحدّ من عبء مقاومة مضادات الميكروبات ومخاطرها، داعية إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية البيئة، مشيرة إلى أهمية تكاتف جميع الجهات المعنية، وتوسيع نطاق الإجراءات الوقائية لتقليل النفايات والمخلفات الناتجة عن إنتاج الأدوية والصناعات الغذائية والرعاية الصحية والنظم البلدية.

وشهد اليوم الأول عدة جلسات، إذ ناقشت الجلسة الأولى التقدُّم الذي جرى إحرازه في مكافحة الأدوية المضادة للميكروبات في عام 2024، والتحديات مثل التمويل ووضع الخطط للبناء عليها لدعم الدول لتنفيذ صحة واحدة، مجمعين على ضرورة التعاون بين جميع الدول ومنظمة الصحة العالمية وكل المنظمات، مع زيادة الوعي بين الجمهور، فيما تناولت الجلسة التالية قوة التعاون المتعدد القطاعات في احتواء مقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 و2050 وما بعدهما.