«اكتئاب الفصول»... ازدياد حالاتها لدى المراهقين

من أعراضه الشعور بالحزن دون مبرر

«اكتئاب الفصول»... ازدياد حالاتها لدى المراهقين
TT

«اكتئاب الفصول»... ازدياد حالاتها لدى المراهقين

«اكتئاب الفصول»... ازدياد حالاتها لدى المراهقين

كشفت أحدث دراسة نفسية تناولت حالات الاكتئاب عن احتمالية أن يلعب تغير الفصول دوراً ملموساً في زيادة جرعات مضادات الاكتئاب في مراكز الرعاية الأولية الخاصة بحالات الصحة العقلية لدى الأطفال والمراهقين والشباب في المملكة المتحدة. ولاحظت النتائج، التي نُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في «المجلة الطبية البريطانية للصحة النفسية (BMJ Mental Health)»، أن الطلب على خدمات الصحة العقلية والنفسية يزداد بشكل موسمي.

نظريات «اكتئاب الفصول»

من المعروف أن «اكتئاب الفصول (seasonal depression)» شعور يعاني منه البعض؛ حيث يحدث تغير في المزاج للأسوأ مع التغييرات الفصلية في كل عام في الميعاد نفسه. وفي الأغلب يحدث هذا مع نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء. وفي أحيان نادرة يمكن أن يعاني منه بعض الأشخاص مع دخول فصل الصيف. والسبب الحقيقي لحدوثه غير معروف على وجه التحديد.

هناك نظريات تشير إلى احتمالية أن تلعب الهرمونات دوراً في حدوثه، كما أن بعض النظريات يرجع السبب إلى ضعف أشعة الشمس في فصل الشتاء، مما يمكن أن يؤثر على إنتاج مادة «السيروتونين (serotonin)» التي تعدل المزاج في المخ.

وفي الأغلب تكون أعراض الحالة بسيطة ومؤقتة، مثل الشعور بالحزن دون مبرر، بجانب فقدان الطاقة، مع صعوبة في التركيز، والإرهاق، والخوف من الوحدة، والأفكار السلبية، وربما تصل إلى التفكير في الانتحار للذين يعانون من الاكتئاب بالفعل، كما تحدث زيادة في الإقبال على تناول الطعام مما يؤدي إلى زيادة الوزن.

ذكر الباحثون أن أهمية الدراسة تكمن في أنها تُعدّ من أوائل الأبحاث عن معدل تناول مضادات الاكتئاب بشكل موسمي؛ لأن معظم الدراسات السابقة التي أُجريت على الاكتئاب رصدت زيادة الحالات التي دخلت المستشفيات بالفعل؛ في دليل على موسمية هذه المشكلات، بدلاً من التركيز على زيادة الطلب على الأدوية التي يتناولها المراهق. وبشكل عام لا توجد دراسات تبحث في تغير نمط وصف الأدوية النفسية مع تغير الفصول.

وقد تتبع الباحثون السجلات الصحية الإلكترونية لأكثر من 38.6 مليون من المراهقين والشباب الذين يتلقون العلاج النفسي في جميع أنحاء المملكة المتحدة خلال الفترة بين بداية يناير (كانون الثاني) 2006 وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019 لمعرفة بداية وصف أدوية الاكتئاب المعروفة بـ«مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائي (SSRI)» لهم لأول مرة.

وكذلك جرى رصد أي شكوى تتعلق بالحالة النفسية؛ سواء طلب استشارة بشأن الاكتئاب والقلق، والإبلاغ عن محاولة لإيذاء النفس. ورُصد كل دواء من أدوية الاكتئاب بشكل منفصل لمعرفة معدل استخدامه؛ بما في ذلك «سيتالوبرام (citalopram)» و«فلوكستين (fluoxetine)».

رصد الحالات النفسية

تراوحت أعمار المشاركين بين 14 و28 عاماً، وجرى تقسيمهم إلى مجموعات من الذكور والإناث، وقُسّموا جغرافياً إلى 9 مناطق في كل أنحاء إنجلترا؛ بناءً على تصنيف «مكتب الإحصاءات الوطنية». وأيضاً قُسموا بشكل عرقي إلى 5 مجموعات عرقية (البيض والإنجليز الآسيويون/ الآسيويون والإنجليز السود/ السود والصينيون/ والمختلطون/ وآخرون غير معروفي العرق).

حدد الباحثون بعد ذلك عدد ونسبة الأفراد الذين لديهم سجل أولي لأي شكوى أو عرض يتعلق بالصحة النفسية خلال فترة الدراسة وذلك لحساب معدلات الإصابة لكل 1000 شخص في السنة، مقسمة وفق العمر والجنس. ولكل مجموعة من هؤلاء قاموا بحساب معدلات الإصابة لكل شهر لجميع مجموعات الدراسة الفرعية.

وجدت الدراسة أن الإناث ضمن كل فئة عمرية كانت لديهن نسب معدلات إصابة أعلى بجميع ما يتعلق بالمشكلات النفسية سواء التردد على العيادات أو الشكوى من حدة الأعراض أو تناول العقاقير الخاصة بالاكتئاب وتحسين المزاج، مقارنة بالذكور، مع ارتفاع معدلات محاولات إيذاء النفس لدى الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 14 و18 عاماً، بينما كانت معدلات بقية الأعراض النفسية أعلى في الفئة العمرية الأكبر بين 19 و23 عاماً.

لاحظ العلماء زيادة الوصفات الطبية الخاصة بمضادات الاكتئاب بين المراهقين المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً في شهر مارس (آذار) وظلت مستقرة حتى شهر أغسطس (آب)، ثم بدأت في الارتفاع في سبتمبر (أيلول) وبلغت ذروتها في نوفمبر (تشرين الثاني).

وكانت معدلات الوصفات الطبية متشابهة على مدار العام في الفئة العمرية الكبرى التي تمثل البالغين، بينما كانت أعلى معدلات وصف الأدوية خلال يناير ومارس وأكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر في الفئة العمرية التي تمثل الشباب من 19 إلى 23 عاماً.

بالنسبة إلى الأدوية؛ في الأغلب كانت جميع مضادات الاكتئاب التي تحتوي «مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائي (SSRI)» لها النمط نفسه من الاستخدام لمعظم المشاركين تقريباً باستثناء الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 14 و18 عاماً، حيث كان عقار «الفلوكستين» على وجه التحديد هو أكثر عقار تم وصفه لهن في شهري نوفمبر وديسمبر. كما شهدت نسبة حوادث إيذاء النفس انخفاضاً ملحوظاً في الفترة من يوليو (تموز) إلى أغسطس؛ أي فصل الصيف، بين المشاركات الإناث في الفئة العمرية نفسها. وبالنسبة إلى الشباب فوق عمر 18 عاماً كان عقار «السيتالوبرام» هو مضاد الاكتئاب الأكثر شيوعاً في هذه المرحلة العمرية.

وتبعاً لنتائج الدراسة، نصح الباحثون بأفضلية التركيز على جلسات الصحة النفسية المدرسية في الفصل الدراسي الأول عندما تكون الإصابات بالاكتئاب في أعلى معدلاتها، حيث يبدأ العام الدراسي في معظم دول العالم مع بداية الخريف، وزيادة للوصفات الطبية الخاصة بالأدوية النفسية لدى المراهقين، خصوصاً الفتيات، مما يؤدي إلى تمتع المراهقين بصحة نفسية أفضل لتلافي حدوث الاكتئاب الموسمي.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة: الجراحة قد لا تفيد المصابات بسرطان القنوات الموضعي بالثدي

صحتك سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء (جامعة ولاية كينت)

دراسة: الجراحة قد لا تفيد المصابات بسرطان القنوات الموضعي بالثدي

أكدت نتائج أولية لدراسة طبية أن التدخل الجراحي ربما لا يفيد معظم النساء المصابات بسرطان القنوات الموضعي، وهو نوع منخفض الخطورة من سرطان الثدي.

«الشرق الأوسط» (تكساس)
صحتك فحوص تصوير مقطعي لشخص مصاب بألزهايمر (رويترز)

فيروس الهربس قد يزيد خطر الإصابة بألزهايمر

كشفت دراسة جديدة عن أن مرض ألزهايمر قد يكون ناجماً في بعض الأحيان عن فيروس الهربس الذي ينتقل من الأمعاء إلى الدماغ.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أحد حمامات الصين (أرشيفية - أ.ف.ب)

كم مرة يجب عليك التبول يومياً وفقاً للخبراء؟

هل هناك عدد محدَّد لمرات التبول في اليوم؟ وماذا ينصح الخبراء الصحيون في هذا الأمر؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك تتم إزالة اللوزتين جراحياً لمئات الآلاف من الأطفال حول العالم كل عام (رويترز)

استئصال اللوزتين قد يزيد فرص إصابتك بالاضطرابات العقلية

كشفت دراسة جديدة أن استئصال اللوزتين يمكن أن يزيد من خطر إصابة المريض باضطرابات عقلية في وقت لاحق من الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك مسافرون  بمطار هامبورج، مع بدء إجازة عيد الميلاد (د.ب.أ)

نشاط واحد قد يعزز من صحة عقلك بشكل كبير... ما هو؟

الخبراء يقولون إن هناك ترابطاً بين الإجازات والفوائد الصحية المؤثرة على صحتك الإدراكية والعقلية، إليك كيف يمكن للسفر أن يحسِّن من صحة دماغك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

نشاط واحد قد يعزز من صحة عقلك بشكل كبير... ما هو؟

مسافرون  بمطار هامبورج، مع بدء إجازة عيد الميلاد (د.ب.أ)
مسافرون بمطار هامبورج، مع بدء إجازة عيد الميلاد (د.ب.أ)
TT

نشاط واحد قد يعزز من صحة عقلك بشكل كبير... ما هو؟

مسافرون  بمطار هامبورج، مع بدء إجازة عيد الميلاد (د.ب.أ)
مسافرون بمطار هامبورج، مع بدء إجازة عيد الميلاد (د.ب.أ)

«أحتاج إلى (سفرية)»... لم تكن تلك العبارة الشهيرة تُقال من فراغ، فالسفر يفيدنا بأكثر من طريقة؛ فهو يمنحك شيئاً تتطلع إليه، ويجعلك تستكشف ما هو أبعد من راحتك، بل وقد يحسِّن من صحتك.

ويقول الخبراء إن هناك ترابطاً بين الإجازات والفوائد الصحية المؤثرة على صحتك الإدراكية والعقلية، إليك كيف يمكن للسفر أن يحسِّن من صحة دماغك، وفقاً لما ذكره تقرير لموقع «هاف بوست» الأميركي.

السفر يعزز مزاجك

قالت بريجيد جانون، ممارسة للطب النفسي والعلاج عبر الإنترنت: «أعتقد أن إحدى أسرع الطرق لتحسين مزاجك وإخراج نفسك من حالة الاكتئاب هي الخروج من روتينك المعتاد. والسفر هو إحدى الطرق للقيام بذلك».

في حين أن الرحلات الطويلة إلى دول أجنبية تكسر بالتأكيد رتابة حياتك اليومية، فإنه حتى الرحلة إلى مكان على بُعد مسافة قصيرة بالسيارة تجبرك على تجربة أشياء جديدة. يمكن للسفر أيضاً أن يفتح منظورك لثقافات مختلفة وطرق مختلفة للعيش.

وأضافت جانون: «في أي وقت يكون لدينا منظور أكثر انفتاحاً، أعتقد أن مزاجنا يتحسَّن على الفور».

المشي الذي تقوم به أثناء الرحلة مفيد لصحة دماغك

خلال رحلات السفر تزيد ساعات المشي أثناء الإجازة؛ حيث يقفز متوسط ​​عدد الخطوات اليومية من 4000 في المنزل إلى 20 ألفاً أثناء استكشاف مدينة جديدة. وهذه الزيادة في النشاط البدني لا تفيد قلبك فحسب، بل إنها مفيدة لدماغك أيضاً.

أوضحت إميلي روجالسكي، أستاذة علم الأعصاب في جامعة شيكاغو، بأن النشاط البدني يساعد في تحفيز نمو خلايا المخ، ويقوي الروابط داخل المخ. يمكن أن تفيد الخلايا الدماغية الجديدة مناطق مثل الذاكرة والقدرة على التعلُّم مع تقدُّمك في السن.

ومن المعروف أيضاً أن النشاط البدني المنتظم يقلِّل من فرص إصابتك بالخرف، وبينما قد لا تكون التمارين الرياضية أثناء الرحلة نشاطاً بدنياً منتظماً، فإنها يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لحياة أفضل.

يتحدى السفر الدماغ، وهو أمر جيد للإدراك

قالت روجالسكي إن أدمغتنا تزدهر بالجديد والتحدي، تماماً مثل نمو عضلاتنا، عندما نُدفَع للقيام بروتين لياقة بدنية أكثر صرامة.

وأوضح الدكتور أوغوستو ميرافالي، طبيب الأعصاب في المركز الطبي لجامعة راش بشيكاغو، أن تغيير البيئات يمكن أن يقلل أيضاً من خطر الإصابة بحالات ضعف صحة الدماغ.

ووجدت دراسة صينية أُجريت عام 2023 أن كبار السن الذين يسافرون لديهم خطر أقل للإصابة بضعف الإدراك الخفيف والخرف. وأضاف ميرافالي: «لذلك كلما سافروا أكثر، انخفض هذا الخطر».

وأوضح أن السفر «يجبرنا على تعلُّم أشياء جديدة، والتنقل في بيئات جديدة وفهم روتين جديد ربما لم نعتَدْه».

يلهمك السفر لتعلم لغة جديدة، وهو ما يفيد عقلك

من المعروف أن التعليم يحمي من تطور الخرف.

قال ميرافالي: «من الممكن أن نعتقد أنه كلما تعلمنا أكثر، قلَّلنا من خطر الخرف طوال الحياة».

غالباً ما يكون التعلُّم والإجازة متلازمين، سواء أدركتَ ذلك أم لا. على سبيل المثال، قد تتحدى نفسك لتعلم بضع كلمات بلغة جديدة، أو تجد أنك بحاجة إلى تعلم كيفية التنقل في نظام النقل العام في مدينة جديدة.

وجدَتْ دراسة تحليلية أُجريت عام 2020 أن كونك ثنائيَّ اللغة يمكن أن يؤخر ظهور أعراض مرض ألزهايمر، بنحو 5 سنوات.

غالباً ما تجبرك السفر على أخذ استراحة من العمل

قالت جانون إنه نظراً لأن خدمة الإنترنت ليست مضمونة دائماً، وغالباً ما يكون هناك فارق زمني، فإن السفر طريقة طبيعية لأخذ استراحة من العمل. وأضافت: «إنها طريقة لطيفة حقاً للتخلص من السموم الرقمية، التي نحتاج إليها جميعاً».

كما أنها تشجع على إقامة علاقات اجتماعية، وهو أمر مفيد لصحتك العاطفية والإدراكية.

قالت جانون: «يمكن أن يساعد السفر أيضاً الأشخاص حقاً على إعادة الاتصال بما هو مهم حقاً في الحياة، مثل علاقاتنا... التي قد ننساها أحياناً عندما نكون في صخب الحياة اليومية».

بالإضافة إلى ذلك، من المعروف جيداً أن العلاقات الاجتماعية مهمة لرفاهيتنا؛ فالأشخاص الذين يغذون العلاقات الاجتماعية هم أكثر عرضة للسعادة. وبعيداً عن الصحة العاطفية، يمكن أن تكون هذه الرحلة مهمة لصحة دماغك أيضاً.

وتشير الأبحاث إلى أن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يضران بوظائفنا الإدراكية.

ويُعد الاتصال الاجتماعي غير المتكرر أحد عوامل الخطر الـ12 القابلة للتعديل للإصابة بالخرف. من خلال كونك اجتماعياً أكثر، يمكنك تقليل خطر الإصابة بالمرض - ويمكن أن تكون الرحلة مع أصدقائك أو عائلتك إحدى الطرق لتقليل مشاعر الوحدة.