التدخين يمنع الجسم من التصدي للسرطان

تفتح هذه الورقة البحثية الباب أمام حقبة جديدة من علاج السرطان الشخصي (بابليك دومين)
تفتح هذه الورقة البحثية الباب أمام حقبة جديدة من علاج السرطان الشخصي (بابليك دومين)
TT

التدخين يمنع الجسم من التصدي للسرطان

تفتح هذه الورقة البحثية الباب أمام حقبة جديدة من علاج السرطان الشخصي (بابليك دومين)
تفتح هذه الورقة البحثية الباب أمام حقبة جديدة من علاج السرطان الشخصي (بابليك دومين)

اكتشف علماء في «معهد أونتاريو لأبحاث السرطان» (OICR) إحدى الطرق التي يسبب بها تدخين التبغ مرض السرطان ويجعل علاجه أكثر صعوبة من خلال تقويض وسائل حماية الجسم ضد المرض.

وتربط الدراسة المنشورة (الجمعة) في دورية «ساينس أدفانسيز»، تدخين التبغ، بالتغيرات الضارة التي تطرأ على الحمض النووي أو ما يطلق عليه «طفرات كسب الإيقاف»، التي تدفع الجسم إلى التوقف عن تصنيع بروتينات معينة قبل اكتمال تشكلها، أو كما يصفها محمد شعبان، باحث الدكتوراه في جامعة «إمبريال كوليدج لندن»، ومعهد «فرانسيس كريك» في بريطانيا في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بالبروتينات المعيبة غير مكتملة التشكل». ويضيف: «تعدّ نتائج الدراسة مهمة للغاية لأنها توفّر فهماً أعمق للآليات الجزيئية التي يسهم من خلالها تدخين التبغ في تطوّر السرطان وتطور مقاومته للعلاج».

يقول معدّو الدراسة إن تلك الطفرات كانت سائدة بشكل خاص في الجينات المعروفة باسم «مثبطات الأورام»، التي تصنع البروتينات التي تمنع الخلايا الشاذة من النمو بشكل طبيعي. وهو ما تعلق عليه نينا أدلر، طالبة الدكتوراه في جامعة تورنتو، التي قادت الدراسة خلال بحثها بعد التخرج في مختبر الدكتور يوري رايماند في معهد «أونتاريو» لأبحاث السرطان: «أظهرت دراستنا أن التدخين يرتبط بتغيرات في الحمض النووي تعطل تكوين مثبطات الأورام».

وأضافت أنه: «من دون مثبطات الأورام سيُسمح للخلايا غير الطبيعية بالاستمرار في النمو بلا رادع من دفاعات الخلية، ما يمكن أن يؤدي إلى تطور السرطان بسهولة أكبر».

استخدم أدلر وريماند وزملاؤهما أدوات حسابية قوية لتحليل الحمض النووي من أكثر من 12 ألف عينة من الأورام عبر 18 نوعاً مختلفاً من السرطان. وأظهر تحليلهم وجود صلة قوية بين طفرات كسب الإيقاف في سرطان الرئة و«البصمة» التي يتركها التدخين في الحمض النووي.

ثم نظر الباحثون فيما إذا كان مقدار تدخين الشخص له تأثير، ومن المؤكد أن تحليلهم أظهر أن المزيد من التدخين أدى إلى المزيد من تلك الطفرات الضارة، التي يمكن أن تجعل السرطان أكثر تعقيداً وأصعب في العلاج.

يقول شعبان: «يمكن للإفراط في التدخين أن يجعل السرطان أكثر تعقيداً وأصعب في العلاج من خلال تعزيز تراكم تلك الطفرات في جينومات السرطان. وكلما زاد تدخين الشخص، زادت عدد هذه الطفرات الضارة، التي يمكن أن تؤدي إلى اختلال الوظائف الخلوية، كما تؤثر في كثير من الأحيان على المسارات الأساسية الكابتة للورم، مما يجعل السيطرة على المرض أمراً صعباً».

ويوضح أنه من الناحية العملية، هذا يعني أن الأفراد الذين يدخنون بشكل مفرط ليسوا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان فحسب، بل يواجهون أيضاً تعقيداً أكبر في أورامهم، مما يؤثر على نتائج العلاج.

في حين يشير ريماند، وهو أستاذ مشارك في جامعة تورنتو، إلى «أن التبغ يلحق الكثير من الضرر بالحمض النووي لدينا، ويمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على طريقة عمل خلايانا». وأضاف: «تسلط دراستنا الضوء على كيفية قيام تدخين التبغ بتعطيل البروتينات المهمة، التي تعد اللبنات الأساسية لخلايانا، وما يمكن أن يكون له تأثير طويل المدى على صحتنا».

يرتبط التدخين بتغيرات في الحمض النووي تعطل تكوين مثبطات الأورام (بابليك دومين)

وحددت الدراسة أيضاً عوامل وعمليات أخرى غير التدخين مسؤولة عن إنشاء أعداد كبيرة من طفرات كسب الإيقاف، ترتبط بقوة بسرطان الثدي وأنواع أخرى من السرطان، مثل النظام الغذائي غير الصحي واستهلاك الكحول، لما لها من آثار ضارة مماثلة على الحمض النووي، لكن ريماند يقول إن هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات لفهم كيفية عمل ذلك بشكل كامل.

أما بالنسبة للتدخين، فيقول أدلر إن النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة هي جزء مهم من اللغز وراء السبب الرئيسي للسرطان في العالم. ويوضح: «يعلم الجميع أن التدخين يمكن أن يسبب السرطان، ولكن القدرة على شرح إحدى الطرق التي يعمل بها هذا على المستوى الجزيئي هي خطوة مهمة في فهم كيفية تأثير نمط حياتنا على خطر الإصابة بالسرطان».

يقول رئيس «معهد أونتاريو لأبحاث السرطان»، الدكتور لازلو رادفاني، إن هذه الأفكار الجديدة يجب أن تعزز أن تدخين التبغ هو أحد أكبر التهديدات لصحتنا.

من جانبه، يشدد شعبان على أنه يمكن أن يوجه هذا البحث لتطوير استراتيجيات علاجية جديدة، كما يمكن الاستفادة منه لتطوير حملات أكثر فاعلية لمكافحة التدخين. فمن خلال فهم أفضل لكيفية تعطيل التدخين لمثبطات الأورام، يمكننا استكشاف علاجات مستهدفة للتخفيف من آثار هذه الطفرات.

ويضيف: «تفتح هذه الورقة البحثية الباب أمام حقبة جديدة من علاج السرطان الشخصي، وتكييف التدخلات وفقاً لتاريخ التدخين لدى الفرد وملفه الجيني، مما يؤدي في النهاية إلى رعاية أكثر فاعلية ودقة لمرضى السرطان».


مقالات ذات صلة

كيف يؤثر التفاؤل على صحة الأطفال والشباب؟

صحتك الشباب والأطفال الأعلى تفاؤلاً يميلون إلى أن يكونوا أفضل صحة (رويترز)

كيف يؤثر التفاؤل على صحة الأطفال والشباب؟

كشفت دراسة جديدة عن أن صغار السن الأعلى تفاؤلاً بشأن مستقبلهم يميلون في الواقع إلى أن يكونوا أفضل صحة بشكل ملحوظ.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك إنجاب الأطفال في سن صغيرة يوفر تأثيراً وقائياً ضد سرطان الثدي (رويترز)

الإنجاب في سن صغيرة قد يقلل خطر الإصابة بسرطان الثدي

كشفت دراسة علمية جديدة أن إنجاب الأطفال في سن صغيرة يوفر تأثيراً وقائياً ضد سرطان الثدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)

التوتر قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في منتصف العمر

يقول الخبراء إن هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)
استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)
TT

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)
استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

أظهرت دراسة جديدة أن الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية، مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر، بين النساء الحوامل يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية(PFAS)» السامة في دمائهن وحليب ثديهن، مما يشكل تهديداً صحياً خطيراً لأطفالهن.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد أجريت الدراسة على ألفي امرأة تم البحث في مدى استخدامهن لمنتجات العناية الشخصية، مثل المكياج، وخيط تنظيف الأسنان، وصبغة الشعر، ومنتجات العناية بالأظافر والعطور أثناء الحمل، وفحص مستويات المواد الكيميائية الأبدية في دمائهن.

ووجد فريق الدراسة أن المواد الكيميائية لم تصل فقط إلى دماء الأمهات وحليبهن، بل كانت مستوياتها عالية جداً بشكل مقلق.

ووصفت أمبر هول، الباحثة بجامعة براون، والمؤلفة المشاركة في الدراسة، النتائج بأنها «مقلقة».

وقالت: «ترتبط المستويات العالية من المواد الكيميائية الأبدية أثناء الحمل بانخفاض الوزن عند الولادة، والولادة المبكرة، وقصر فترات الرضاعة، وانخفاض القيمة الغذائية للحليب، واضطرابات النمو العصبي، وانخفاض استجابة الأطفال للقاحات، وزيادة خطر تعرضهم لمشاكل صحية مدى الحياة».

وأضافت: «يمكن للنساء اتخاذ بعض الخطوات لحماية أنفسهن، مثل تقليل استخدام منتجات العناية الشخصية غير الضرورية أثناء الحمل أو الرضاعة. ويمكنهن أيضاً العثور على منتجات خالية من المواد الكيميائية السامة، على الرغم من صعوبة تحديد وجود (المواد الكيميائية الأبدية) على ملصقات المنتجات».

وتُعَد المواد الكيميائية الأبدية فئة من نحو 15 ألف مركب تستخدم عادة لصنع منتجات مقاومة للماء والبقع والحرارة.

وتُسمى «الأبدية» لأنها لا تتحلل بسهولة في البيئة، وترتبط بالسرطان، وأمراض الكلى، ومشاكل الكبد، واضطرابات المناعة، والعيوب الخلقية، وغيرها من المشاكل الصحية الخطيرة.