خطوات للتعامل مع ارتفاع قراءات ضغط الدم في العيادة

قد يحدث لدى ما يصل إلى 40 % من المرضى

خطوات للتعامل مع ارتفاع قراءات ضغط الدم في العيادة
TT

خطوات للتعامل مع ارتفاع قراءات ضغط الدم في العيادة

خطوات للتعامل مع ارتفاع قراءات ضغط الدم في العيادة

«ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالبالطو (المعطف) الأبيض» White Coat Hypertension، إشارة إلى البالطو الذي يرتديه الأطباء في العيادات، هو حالة تكون فيها قوة ضغط الدم على جدران الشرايين في الجسم مرتفعة للغاية. وملاحظة القراءات المرتفعة لضغط الدم في عيادة الطبيب، هي علامة على وجود حالة من الارتفاع في ضغط الدم، أو بعبارة أخرى وجود مرض ارتفاع ضغط الدم Hypertension.

ولكن قد يحدث أن يحضر أحد إلى عيادة الطبيب، ثم يتم له إجراء قياس ضغط الدم، ويتبين حينها أنه ليس فقط مرتفعاً عمّا هو طبيعي، بل هو مرتفع عمّا هو بالفعل لديه عندما أجرى قياس ضغط دمه قبلها في المنزل.

متلازمة «المعطف الأبيض»

طبياً ثمة ما يُعرف بمصطلح «متلازمة البالطو (المعطف) الأبيض» White Coat Syndrome، أو «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالبالطو (المعطف) الأبيض» White Coat Hypertension، إشارة إلى البالطو الذي يرتديه الأطباء في العيادات. وتحدث متلازمة المعطف الأبيض، أو ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالمعطف الأبيض، عندما تكون نتائج قراءة قياس ضغط دم الشخص أعلى في بيئة الرعاية الصحية (المستشفى أو العيادة)، مقارنة بالمنزل.

وعندما يجد بعض الأشخاص (الذين عادة ما يكون لديهم ضغط دم طبيعي) أنه «يرتفع بشكل متكرر» كلما قام الطبيب أو الممرض، بإجراء قياس ضغط الدم له، فإن هذه الحالة تسمى «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالمعطف الأبيض»، أو الناتج عن تأثير رؤية المعطف الأبيض.

وتأتي أهمية الحديث عن هذا الأمر، من أربعة جوانب. الأول أنه أمر شائع. ووفق ما تفيد به جمعية القلب الأوروبية، قد يحدث فيما يصل إلى 30 - 40 في المائة من المرضى. والجانب الآخر أن بإمكان متلازمة المعطف الأبيض أن تجعل قراءة قياس ضغط دم الشخص أعلى من المعتاد لديه وأعلى من الطبيعي، ما قد يؤدي إلى تشخيص غير صحيح بإصابة المرء بمرض ارتفاع ضغط الدم، عندما لا يتنبه الطبيب إلى هذا الاحتمال. والجانب الثالث هو ما يشير إليه أطباء «كليفلاند كلينك» بقولهم: «يعد ارتفاع ضغط الدم في المعطف الأبيض مصدر قلق لأن 5 في المائة من الأشخاص المصابين بمتلازمة المعطف الأبيض سيتم تشخيصهم كل عام بمرض ارتفاع ضغط الدم الفعلي والمزمن». والجانب الرابع أن ثمة ملاحظات طبية تثير احتمالات أن يرتبط هذا الارتفاع المؤقت لدى بعض الأصحاء من الناس، وفي ظروف مرافق تقديم الرعاية الصحية، إلى ارتفاع احتمالات إصابتهم بمضاعفات وتداعيات مرض ارتفاع ضغط الدم على القلب والكلى. وذلك بالرغم من عدم تشخيص الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم المزمن لديهم.

ضغط الدم المقنَّع

وفي مقابل ذلك «الارتفاع» المؤقت في ضغط الدم عند الوجود في العيادة، تجدر ملاحظة أن بعض الأشخاص قد يعاني من حالة معاكسة تماماً. وهي التي تُسمى «ارتفاع ضغط الدم المقنع» Masked Hypertension، حيث يُلاحظ أن ضغط الدم لديهم يميل إلى «الانخفاض» (وليس الارتفاع) كلما حضروا في بيئة الرعاية الصحية (العيادة أو المستشفى). وفي الوقت نفسه يُلاحظ أن ضغط الدم لديهم يميل إلى الارتفاع، عند قياسه في الأماكن الأخرى، مثل المنزل.

وتأتي أهمية هذا الأمر من أن بإمكان «ارتفاع ضغط الدم المقنع» أن يعطي انطباعاً خاطئاً بأن الشخص المصاب فعلياً بمرض ارتفاع ضغط الدم، لا يعاني من ارتفاع ضغط الدم.

خطوات التعامل

الخطوة الأولى في التعامل مع «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالبالطو (المعطف) الأبيض» ومع «ارتفاع ضغط الدم المقنع» هي فهم هذه المشكلة. ولذا تجدر ملاحظة أن القلب في كل نبضة ينبضها ينقبض ثم يرتاح. وبالتالي فإن «أرقام» قراءة قياس ضغط الدم تحتوي على عددين: الرقم الأول، أو العلوي، يُعطي مقدار ضغط الدم في الشرايين عند انقباض القلب (الضغط الانقباضي). ويُعطي الرقم الثاني، أو السفلي، مقدار ضغط الدم في الشرايين عند راحة القلب (الضغط الانبساطي). وتشير جمعية القلب الأمريكية (AHA) إلى أن مستويات ضغط الدم الطبيعية هي ما كانت أقل من 120 ملم زئبق لضغط الدم الانقباضي وأقل من 80 ملم زئبق لضغط الدم الانبساطي.

وعليه فإن ضغط الدم المثالي والطبيعي هو ما كان (120/80) ملم زئبق أو أقل. أما ارتفاع ضغط الدم فله عدة مراحل. المرحلة الأولى من ارتفاع ضغط الدم، هي ما كان ضغط الدم الانقباضي ما بين 130 و139 ملم زئبق، أو أن ضغط الدم الانبساطي ما بين 80 إلى 89 ملم زئبق. والمرحلة الثانية من ارتفاع ضغط الدم، هي ما كان ضغط الدم الانقباضي 140 ملم زئبق أو أعلى، أو أن ضغط الدم الانبساطي 90 ملم زئبق أو أعلى.

أما حالة «أزمة ارتفاع ضغط الدم» فهي حينما يكون ضغط الدم الانقباضي 180 ملم زئبق أو أعلى، و/أو ضغط الدم الانبساطي 120 ملم زئبق أو أعلى. وهناك حالة مستقلة لها أهميتها الطبية، تُسمى «ضغط الدم الانقباضي فقط» Isolated Systolic Hypertension، وفيها يكون ضغط الدم الانقباضي أعلى من 130 ملم زئبق، وضغط الدم الانبساطي أقل من 80 ملم زئبق. وهو نوع شائع بين منْ تجاوزوا 65 سنة من العمر.

أما الخطوة الثانية في التعامل مع «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالبالطو (المعطف) الأبيض»، فهي ملاحظة أن مقدار ضغط الدم هو شيء ديناميكي متغير وليس ثابتاً، وبالتالي تختلف قراءاته باختلاف وقت ومكان وظروف ووسيلة قياسه. كما أنه أيضاً يتغير ويتقلب وفق حالة المريض النفسية والبدنية. ولذا في حالات «ارتفاع ضغط الدم بسبب البالطو الأبيض»، قد توفر قياسات ضغط الدم خارج العيادة أو المستشفى، مثل القياسات المنزلية (عند إجرائها بدقة)، نتائج قراءات أكثر دقة، وتعكس حقيقة مقدار ضغط الدم لدى الشخص. وكذلك قد يكون من المفيد جداً استخدام الجهاز المحمول لقياس ضغط الدم 24 ساعة، لإعطاء نتائج أفضل في التشخيص وإدارة المعالجة لحالة ضغط الدم لدى الشخص.

ويُلمّح أطباء القلب من جامعة «هارفارد» إلى هذا الأمر بقولهم: «تشير الإرشادات الجديدة لرابطة القلب الأميركية والكلية الأميركية للقلب إلى أنه يجب قياس ضغط الدم بشكل منتظم وتشجيع الناس على استخدام أجهزة مراقبة ضغط الدم في المنزل».

كما يفيد أطباء القلب من «مايوكلينك» بالقول: «من المحتمل أن يأخذ طبيبك اثنتين إلى ثلاث قراءات لضغط الدم في ثلاثة أو أكثر من المواعيد المنفصلة قبل تشخيص ارتفاع ضغط الدم. ذلك لتباين ضغط الدم عادة على مدار اليوم، وقد يَرتفع خلال زيارات للطبيب (ارتفاع ضغط الدم بسبب المعطف الأبيض). وقد يَطلب الطبيب منك تسجيل ضغط الدم في المنزل لتوفير معلومات إضافية والتحقق ما إذا كان لديك ارتفاع في ضغط الدم».

إن إحدى الطرق المهمة للتأكُّد مما إذا كنت مصاباً بارتفاع ضغط الدم، هي عن طريق مراقبة ضغط الدم في المنزل. وقد يُوصي الطبيب بإجراء مراقبة على اختبارات ضغط الدم على مدار الساعة ويُسمى ذلك بمراقبة ضغط الدم لمدة 24 ساعة ليُعطي صورة دقيقة للغاية عن تغيرات ضغط الدم طول فترة النهار والليل.

محاولات لفهم آليات حصول الحالة

هناك محاولات لفهم آليات حصول هذه الحالات. ويعتقد بعض الخبراء الطبيين أن ارتفاع ضغط الدم الناتج عن المعطف الأبيض، يرجع إلى التوتر الذي يتعرض له الأشخاص عند زيارة مركز الرعاية الصحية، سواء كان توتراً بدنياً نتيجة مغادرة المنزل والمشي للوصول إلى مقعد قياس ضغط الدم في العيادة، أو التوتر النفسي نتيجة القلق على الحالة الصحية لدى نفسه.

ويؤدي هذا التوتر إلى حدوث ردة فعل في الجهاز العصبي اللاإرادي، التي تلعب دوراً في التأثير على وظيفة الجهاز القلبي الوعائي. ومن أهم مظاهر ذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل نبض القلب.

ومع ذلك، قد تكون هناك أيضاً لدى الشخص مشاكل صحية أساسية في بعض الحالات. وتشير بعض المصادر الطبية إلى أن بعض الدراسات الطبية ربطت بين ارتفاع ضغط المعطف الأبيض وتصلب الشريان الأورطي وتلف الكلى ومشاكل القلب والأوعية الدموية.

وبعبارة أخرى، لا يزال طبياً من غير الواضح ما إذا كان الضغط النفسي لزيارة الطبيب هو السبب الوحيد، أو وجود مشكلة صحية كامنة، أو ما إذا كان الشخص المصاب بارتفاع ضغط الدم ذو المعطف الأبيض هو بالفعل أكثر عرضة لخطر الإصابة بمشاكل صحية مستقبلية.

وتحديداً، في الإجابة على سؤال: هل يمكن أن يؤدي «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالبالطو (المعطف) الأبيض» إلى ارتفاع ضغط الدم المزمن؟ فإن المؤشرات الطبية تفيد بأن ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالمعطف الأبيض قد يتسبب في ارتفاع ضغط الدم، لدى البعض. لكن ليس كل الأطباء على اقتناع بأن هذا هو السبب الوحيد لارتفاع ضغط الدم لديهم لاحقا بشكل مزمن.

كما أن ليس جميعهم يعتقد أن ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالمعطف الأبيض هو مقدمة لارتفاع ضغط الدم الفعلي. وأيضاً ليس جميعهم يعتقد أن القلق النفسي يلعب دوراً أساسياً في الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم.

ولكن بالرغم من كل هذا، ربما الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالمعطف الأبيض، قد يظلون أكثر عرضة لخطر المشكلات المرتبطة بضغط الدم. لذلك، من الضروري أن يجد الطبيب طريقة لقياس مقدار ضغط الدم لدى الشخص بدقة. وأن يتم التأكد، أو نفي تشخيص إصابة الشخص بمرض ارتفاع ضغط الدم لدى الشخص بدقة، وبدء أي علاج ضروري. ومتابعة قياس ضغط الدم لديهم بدقة، بشكل دوري أو سنوي على أقل تقدير.

ارتفاع ضغط الدم المرتبط بمعطف الطبيب الأبيض أو انخفاض ضغط الدم «المقنَّع» قد يحدثان داخل العيادة

جمعية القلب الأوروبية... المعطف الأبيض وارتفاع ضغط الدم المقنع

تحت عنوان «المعطف الأبيض وارتفاع ضغط الدم المقنع»، تقول الجمعية الأوروبية للقلب في إعمالها الحديثة (2021) حول الوقاية من أمراض القلب: «يشير ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالمعطف الأبيض إلى ارتفاع ضغط الدم في المكتب، ولكنه طبيعي عند قياسه المنزلي أو بجهاز قياس ضغط الدم لمدة 24 ساعة. ويحدث فيما يصل إلى 30 - 40 في المائة من المرضى».

إن الخطر المرتبط بارتفاع ضغط الدم ذي المعطف الأبيض أقل من ارتفاع ضغط الدم المستمر، ولكنه قد يكون أعلى من ضغط الدم الطبيعي. يجب أن يتلقى الأشخاص المصابون بارتفاع ضغط الدم ذي المعطف الأبيض نصائح حول نمط الحياة لتقليل مخاطر الأمراض القلبية لديهم، كما يجب أن يحصلوا على قياس ضغط الدم كل عامين على الأقل بواسطة جهاز قياس ضغط الدم لمدة 24 ساعة، بسبب ارتفاع معدلات الانتقال إلى حالة ارتفاع ضغط الدم المستمر. ولا يُشار إلى العلاج الدوائي الروتيني لارتفاع ضغط الدم ذي المعطف الأبيض.

ويشير ارتفاع ضغط الدم المقنع إلى المرضى الذين يعانون من ضغط مكتبي طبيعي ولكن ضغط الدم مرتفع خارجه أو بجهاز قياس ضغط الدم لمدة 24 ساعة. إذ غالباً ما يكون هؤلاء المرضى في مستوى خطر الإصابة بأمراض القلب، بما يعادل على الأقل ارتفاع ضغط الدم المستمر. وهو أكثر شيوعاً عند الشباب وعند الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم. وفي حالة ارتفاع ضغط الدم المقنع، يُوصى بتغيير نمط الحياة، وينبغي النظر في العلاج الدوائي للسيطرة على ضغط الدم «خارج المكتب»، مع مراقبة دورية لضغط الدم.


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

خلصت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان تمزقها الحروب لا يعانون فقط من مشكلات في الصحة النفسية بل من المحتمل أيضاً أن يتعرضوا لتغيرات بيولوجية في الحمض النووي (دي إن إيه) يمكن أن تستمر آثارها الصحية مدى الحياة.

وأجرى الباحثون تحليلاً للحمض النووي لعينات لعاب تم جمعها من 1507 لاجئين سوريين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و19 عاماً يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية في لبنان، وراجعوا أيضاً استبيانات أُجريت للأطفال والقائمين على رعايتهم شملت أسئلة عن تعرض الطفل لأحداث مرتبطة بالحرب.

وظهرت في عينات الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب تغيرات متعددة في مثيلة الحمض النووي، وهي عملية تفاعل كيميائي تؤدي إلى تشغيل جينات أو تعطيلها.

وقال الباحثون إن بعض هذه التغيرات ارتبطت بالجينات المشاركة في وظائف حيوية مثل التواصل بين الخلايا العصبية ونقل المواد داخل الخلايا.

وقال الباحثون إن هذه التغيرات لم تُرصد لدى مَن تعرضوا لصدمات أخرى، مثل الفقر أو التنمر، ما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى رد فعل بيولوجي فريد من نوعه.

وعلى الرغم من تأثر الأطفال من الذكور والإناث على حد سواء، ظهرت في عينات الإناث تأثيرات بيولوجية أكبر، ما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة لخطر التأثيرات طويلة الأمد للصدمة على مستوى الجزيئات.

وقال مايكل بلوس، رئيس الفريق الذي أعد الدراسة في جامعة سري في المملكة المتحدة، في بيان: «من المعروف أن للحرب تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية للأطفال، إلا أن دراستنا خلصت إلى أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير».

وأشار بلوس أيضاً إلى أن التعبير الجيني، وهو عملية منظمة تسمح للخلية بالاستجابة لبيئتها المتغيرة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب لا يتماشى مع ما هو متوقع لفئاتهم العمرية، وقال: «قد يعني هذا أن الحرب قد تؤثر على نموهم».

وعلى الرغم من محاولات الباحثين لرصد تأثيرات مدى شدة التعرض للحرب، خلصوا في تقرير نُشر يوم الأربعاء في مجلة جاما للطب النفسي إلى أن «من المرجح أن هذا النهج لا يقدر تماماً تعقيدات الحرب» أو تأثير أحداث الحرب المتكررة على الأطفال.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن نحو 400 مليون طفل على مستوى العالم يعيشون في مناطق صراع أو فروا منها.