أسباب مفاجئة لآلام الرقبة

منها أوضاع الجلوس والنوم والشاشات الإلكترونية

أسباب مفاجئة لآلام الرقبة
TT
20

أسباب مفاجئة لآلام الرقبة

أسباب مفاجئة لآلام الرقبة

قد تزعجك آلام الرقبة في كل وضع تتخذه، سواء خلال الاستلقاء أو الجلوس أو الوقوف، أو حتى المشي، وقد يكون الألم مبرحاً. قد يأتي الألم من مشكلات هيكلية في الرقبة، مثل التهاب المفاصل (الغضروف المتهالك أسفل عظام الرقبة) أو الديسك المتهالك (الوسادات المتهالكة بين عظام الرقبة).

لكن، غالباً ما يكون السبب مرتبطاً بالإجهاد في عضلات الرقبة الذي ينجم عن شيء خفي في روتينك اليومي.

أسباب مفاجئة

وفيما يلي بعض الأسباب المفاجئة لآلام الرقبة والشعور بالتعب، وبعض الحلول السريعة التي تجعلك تشعر بالتحسن.

الانهماك في مشاهدة برنامج تلفزيوني: هل ترغب في مشاهدة حلقات متتالية من برنامجك المفضل؟ قد تثبت رقبتك على وضع صعب لساعات في كل مرة تشاهد فيها التلفزيون، إذ يميل كثير من الناس إلى الوراء خلال مشاهدة التلفزيون، ويميلون برقبتهم إلى الخلف، أو إلى الجانب، ما يدفع بها في اتجاه بعيد عن الجسم. ويقول ديفيد إيفانجليستا، اختصاصي العلاج الطبيعي في مستشفى «سبولدينغ» لإعادة التأهيل التابع لجامعة هارفارد: «كلا الوضعين يمكن أن يجهدا عضلات الرقبة».

- حلول سريعة: «استخدم وسادة سفر على شكل حدوة حصان تلتف حول رقبتك عندما تنحني للخلف لمشاهدة التلفزيون. إذا كنت تميل إلى الجانب، استخدم مزيداً من الوسائد لملء الفجوة بين رأسك وكتفيك. وراعِ تغيير وضعية جلوسك كل 15 أو 20 دقيقة، لإعطاء رقبتك استراحة حتى لا تصاب بالتشنج»، حسب إيفانجليستا.

الميل إلى الأمام: قد تميل إلى الأمام طوال اليوم، سواء كان ذلك نحو شاشة كومبيوتر يصعب رؤيتها من مكانك، أو تجاه شخص آخر خلال المحادثة. إذا قمت بتمديد رقبتك في كل مرة، فقد يؤدي ذلك إلى إجهاد العضلات والتسبب في الألم.

- حلول سريعة: إذا كنت ستميل، فحافظ على ظهرك مستقيماً، وقم بإمالة الوركين للأمام. إذا لم تتمكن من رؤية شاشة الكومبيوتر جيداً، اسحبها بالقرب منك أو قم بتكبير حجم الخط. إذا كانت لديك نظارات للقراءة أو الرؤية عن بعد، فراجع ما إذا كانت ستفيدك. إذا لم تفدك بدرجة كافية، فيمكنك الحصول على نظارة مخصصة للكومبيوتر. إذا كنت لا تستخدم النظارات، فقم بإجراء فحص للعين: قد تحتاج إلى نظارة. وبالمثل، إذا كنت تميل إلى الأمام كثيراً لسماع شخص يتحدث إليك، ففكِّر في إجراء اختبار السمع.

للسيدات؛ ارتدي حمالة صدر رقيقة: من شأن ارتداء حمالة صدر مع دعامات بسيطة أن يجعل عضلاتك وأربطتك تقوم بمهام الرفع الثقيل كاملة. بالنسبة لسيدة تعاني من ثديين ثقيلين، يمكن للوزن الزائد أن يسحب الرقبة للأمام، ويضغط على عضلات الرقبة والكتف، مما يؤدي إلى آلام الرقبة والظهر.

- حلول سريعة: استخدمي حمالة صدر أفضل. تأكدي من أن كلاً من الشريط السفلي والجزء الأوسط من حمالة الصدر مستويان على جسمك، وألا تكون ضيقة جداً أو فضفاضة جداً، وأن تكون مستوية على ظهرك وليس لأعلى. أو جربي حمالة الصدر الرياضية أو حمالة الصدر التي تجعل وزن الثديين أقرب إلى القفص الصدري، وتوزعه على جذعك.

أوضاع النوم والجلوس

النوم في أوضاع ضارة: النوم يبدو أمراً لا خوف منه؛ لكن بعض أوضاع النوم تشكل مخاطر كبيرة على الرقبة. عندما تنام على بطنك، على سبيل المثال، فإنك تقوم بتدوير رأسك إلى الجانب. النوم على جانبك دون الدعم المناسب قد يدفع برقبتك نحو كتفك. والبقاء في تلك الوضعيات لساعات يمكن أن يسبب إجهاداً لعضلات الرقبة، ومن ثم الشعور بالألم.

- حلول سريعة: تجنب النوم على بطنك. وإذا كنت نائماً على جانبك، فتأكد من الدعم الموجود أسفل رقبتك. «استلق على جانبك ورأسك على وسادتك. إذا تمكنت من تحريك يدك بسهولة في المسافة بين رأسك وكتفيك، فمعنى ذلك أنك لن تحصل على دعم كاف لرقبتك خلال الليل. استخدم وسادة جديدة لملء الفراغ. ويمكنك استخدام أي وسيلة كوسادة»، حسب إيفانجليستا.

• الجلوس «بشكل مريح»: بالنسبة لكثيرين، فإن الجلوس بشكل مريح يعني التراخي، وهو أمر سيئ لرقبتك وظهرك. في هذا السياق، يقول إيفانجليستا إن «الوضعية السيئة تشكل ضغطاً غير طبيعي على العمود الفقري، بما في ذلك الرقبة والأربطة التي تجعله متماسكاً، مما يتسبب في الشعور بالألم».

- حلول سريعة: اجلس مستقيماً، واسحب ذقنك للخلف، وانزل بكتفيك، وقوس ظهرك. إذا كان هذا يمثل تحدياً في البداية، فاجلس على حافة المقعد لبضع دقائق، ما يجعل الجلوس بشكل مستقيم أسهل قليلاً، ثم عُد بظهرك لنهاية المقعد. إذا سمحت ميزانيتك فاشترِ مقعد مكتب مريحاً مع دعامة أسفل الظهر، وأن يكون المقعد ذا ارتفاع قابل للتعديل ووسادة مقعد سميكة.

الشاشات الإلكترونية

النظر إلى الشاشات الإلكترونية: جميعنا يقضي كثيراً من الوقت في النظر إلى الأجهزة الإلكترونية. على سبيل المثال، قد تنظر لأعلى، إلى تلفزيون مثبت على الحائط، أو لأسفل، إلى هاتف ذكي أو كومبيوتر محمول. المشكلة أن رأسك ثقيل، ورفعه لأعلى أو لأسفل لفترة طويلة يؤدي إلى إجهاد العضلات، ومن ثم الشعور بالألم.

- حلول سريعة: ضع أجهزة التلفزيون والهواتف الذكية وشاشات الكومبيوتر في مستوى العين. ضع في اعتبارك خفض ارتفاع التلفزيون، أو رفع شاشة الكومبيوتر بوضعها على حامل صغير، أو رفع شاشة هاتفك الذكي بوضعها على حامل أو وسادة في حضنك. حسب إيفانجليستا: «فإن وضع وسادة سفر حول رقبتك يمكن أن يضيف دعماً للرقبة».

رفع أثقال «الدمبلز»: يقول إيفانجليستا إن كثيراً من الناس يرفعون «الدمبلز» الثقيلة جداً: «مما يقوض من ميكانيكا جسمك، وبالتالي يلقي بعبء زائد على عضلات الظهر. مع العلم أن هذه العضلات متصلة بالرقبة، والإفراط في استخدامها يمكن أن يسبب آلاماً في الرقبة».

- حلول سريعة: إذا كنت تجد صعوبة في رفع «الدمبلز»، فاستخدم وزناً أخف. تأكد من أنك تؤدي التمرين بالشكل الصحيح. يمكن لاختصاصي علاج طبيعي أو مدرب شخصي معتمد أن يساعد في إرشادك.

الإصابة بالإجهاد: تتحمل أعناقنا كثيراً من الإجهاد، فنحن كثيراً ما نرفع أكتافنا ونشد عضلاتنا. حسب إيفانجليستا: «إذا كنت تعاني من مشكلات أساسية في الرقبة، فهذا يتسبب في ألم الأكتاف والعضلات».

- حلول سريعة: ممارسة إدارة الإجهاد. جرب بعض تمارين التنفس العميق، أو اخرج في نزهة هادئة في الأماكن الطبيعية المفتوحة، أو تعلم كيفية التأمل. يختتم إيفانجليستا بقوله: «لقد رأيت أشخاصاً تختفي مشكلات رقبتهم عندما يتحكمون في الإجهاد. إنه جزء مهم من أي خطة لتقليل آلام الرقبة».

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

متلازمة «القلب المكسور» لها أعراض النوبة القلبية

صحتك متلازمة «القلب المكسور» لها أعراض النوبة القلبية

متلازمة «القلب المكسور» لها أعراض النوبة القلبية

أدلة جديدة عن «اعتلال تاكوتسوبو القلبي»

جولي كورليس (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك دراسة تكشف الصلات بين السكري وأمراض القلب

دراسة تكشف الصلات بين السكري وأمراض القلب

الخطر المرتفع للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية قائم منذ وقت مبكر، يصل إلى 30 عاماً قبل تشخيص مرض السكري من النوع 2.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك كيف تتأقلم مع أعراض مواسم الحساسية المتفاقمة؟

كيف تتأقلم مع أعراض مواسم الحساسية المتفاقمة؟

مستويات حبوب اللقاح في أميركا ارتفعت 21 % خلال أكثر من ربع قرن.

هايدي غودمان (كمبردج (ولاية ماساتشوستس الأميركية))
صحتك سبر أغوار التهاب المفاصل الروماتويدي

سبر أغوار التهاب المفاصل الروماتويدي

يعدّ التهاب المفاصل الروماتويدي من أمراض المناعة الذاتية. وهذا يعني أن الجهاز المناعي يهاجم الأنسجة عن طريق الخطأ؛ ما يسفر عن التهاب يسبب تورماً في المفاصل

مورين سالامون (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

ترتبط الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف بانخفاض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساتشوستس الأميركية)

أكثر من ثلث الأمهات يواجهن مشاكل صحية طويلة الأجل بعد الولادة

أكثر من ثلث الأمهات يواجهن مشاكل صحية طويلة الأجل بعد الولادة
TT
20

أكثر من ثلث الأمهات يواجهن مشاكل صحية طويلة الأجل بعد الولادة

أكثر من ثلث الأمهات يواجهن مشاكل صحية طويلة الأجل بعد الولادة

رغم التقدم الطبي الكبير في مجال صحة الأمومة، وفي الوقت الذي تُسلّط فيه الأضواء على لحظة الولادة بصفتها ذروة تجربة الأمومة، تغيب عنا معاناة مستمرة تعيشها ملايين النساء بعد تلك اللحظة. فقد يُظن أن لحظة الولادة هي نهاية المشقة وبداية الراحة، غير أن الأدلة الحديثة تشير إلى أن ما بعد الحمل يمثل لبعض الأمهات فترة معقدة قد تمتد فيها المعاناة الصحية لعدة أشهر أو حتى سنوات.

وتكشف دراسة عالمية حديثة، نُشرت في مجلة «لانسيت غلوبال هيلث»، أن مرحلة ما بعد الحمل ليست آمنة دائماً، بل تُمثّل فترة حرجة قد ترتبط بمضاعفات طويلة الأمد، وقد تكون بوابة لسلسلة من المشكلات الصحية الناتجة عن الولادة، تصيب أكثر من ثلث الأمهات حول العالم سنوياً، وتمتد آثارها إلى ما بعد الأسابيع الأولى التقليدية للرعاية الطبية.

وهذه المشكلات المتعددة لها أعراض جسدية ونفسية متداخلة، واضطرابات مزاجية، وآلام مزمنة، وقلق واكتئاب، ومشكلات في العلاقة الزوجية، وسلس بولي وشرجي، وكلها تحديات صامتة تتجاهلها أنظمة الرعاية التقليدية.

الخبراء يدقون ناقوس الخطر، مطالبين بإعادة تعريف مفهوم «الرعاية بعد الولادة»، وأن الاهتمام بصحة النساء ليس فقط لإنقاذ أرواحهن، بل لضمان جودة حياة تستحقها كل أم.

رحلة الأمومة ومشاكلها

هل تنتهي رحلة الأمومة بولادة الطفل؟ من المرجح أن يعاني ما لا يقل عن 40 مليون امرأة كل عام من مشكلة صحية طويلة الأجل ناجمة عن الولادة، وفقاً للدراسة التي نُشرت بتاريخ 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023.

تُظهر الدراسة، التي هي جزءٌ من سلسلة بحثية دولية خاصة بصحة الأم، أن ثمة عبئاً ثقيلاً من الحالات اللاحقة للولادة التي تستمر في الأشهر أو السنوات التي تلي الولادة تشمل مجموعة من الحالات منها الألم أثناء الجماع (عُسر الجماع)، الذي يصيب (35 في المائة) من النساء بعد الولادة، وآلام أسفل الظهر (32 في المائة)، والسلس الشرجي (19 في المائة)، وسلس البول (8 - 31 في المائة)، والقلق (9 - 24 في المائة)، والاكتئاب (11 - 17 في المائة)، والألم العجاني (11 في المائة)، والخوف من الولادة أو ما يسمى رُهاب الولادة (6 - 15 في المائة) والعُقم الثانوي (11 في المائة).

تُعد هذه الدراسة الجديدة جزءاً من سلسلة علمية نشرتها مجلتا The Lancet Global Health وeClinicalMedicine تحت عنوان «صحة الأم في الفترة المحيطة بالولادة وما بعدها» بدعم من منظمة الصحة العالمية، والبرنامج الخاص للبحث والتدريب في مجال الصحة الإنجابية، ووكالة التنمية الدولية الأميركية. وتهدف هذه السلسلة إلى إعادة تشكيل مفاهيم رعاية الأم من خلال أربع أوراق بحثية ناقشت محددات صحة الأم، وتحوّلات وفيات الأمهات، واستراتيجيات الرعاية، والتحديات الصحية المتوسطة والطويلة الأجل المرتبطة بالولادة، إضافة إلى دور علاقات القوة غير المتكافئة بين الجنسين في تعزيز أو إضعاف صحة المرأة.

في هذا الإطار، يدعو مؤلفو الدراسة إلى إدراك أوسع لهذه المشكلات الشائعة داخل نظام الرعاية الصحية وإلى زيادة الاعتراف بها، حيث إن كثيراً من هذه الحالات تحدث خارج الفترة الزمنية التي تحصل فيها النساء على خدمات ما بعد الولادة. ويشدد الباحثون على أن توفير رعاية شاملة وفعالة طوال فترة الحمل والولادة يشكّل درعاً وقائية أساسية وحاسمة الأهمية، للكشف عن المخاطر وتجنّب المضاعفات التي يمكن أن تتسبب في مشاكل صحية دائمة بعد الولادة.

حالات صحية طويلة الأجل

الورقة الثالثة من السلسلة العلمية «صحة الأم في الفترة المحيطة بالولادة وما بعدها» سلّطت الضوء على التعريف العلمي للحالات الصحية طويلة الأجل، على أنها حالات تحدث بعد أكثر من ستة أسابيع من الولادة، وهي الفترة التي يتوقف فيها تقديم الرعاية الطبية لما بعد الولادة، عادة.

تشمل هذه الحالات آثاراً مباشرة للمخاض والولادة، سواء كانت نتيجة تدخلات طبية كالجراحة القيصرية (C - section) أو شق الفرج (episiotomy)، أو حتى دون مضاعفات واضحة فقد تحدث بغض النظر عن الطريقة التي تلِد بها المرأة.

تقول الدكتورة باسكال ألوتي (Dr. Pascale Allotey)، مديرة شؤون الصحة الجنسية والإنجابية والبحوث ذات الصلة في منظمة الصحة العالمية: «يسبب كثير من الحالات التالية للولادة للنساء معاناة عاطفية وجسدية كبيرة تؤثر على حياتهن اليومية بعد فترة طويلة من الولادة، ومع ذلك فإن هذه الحالات لا تحظى بالتقدير الكافي وغالباً ما تُهمل ولا يُبلغ عنها بالشكل المطلوب. وتحتاج النساء طوال حياتهن، وبعد مرحلة الأمومة، إلى الحصول على مجموعة من الخدمات من مقدّمي الرعاية الصحية الذين يستمعون إلى شواغلهن ويلبّون احتياجاتهن، حتى يتسنى لهن ليس فقط البقاء على قيد الحياة بعد الولادة، ولكن أيضاً التمتّع بصحة ونوعية حياة جيدتين».

تحديات صامتة تدعو للقلق

خلال استعراضٍ للمؤلفات والأبحاث، شمل ذلك الاثنتي عشرة سنة الماضية، لم يحدد المؤلفون أي مبادئ توجيهية حديثة عالية الجودة لدعم العلاج الفعّال لما نسبته 40 في المائة من الحالات ذات الأولوية الـ32 التي جرى تحليلها في دراستهم، إلا أن تحديات جمع البيانات ظلت قائمة، حيث لا توجد مسوحات وطنية أو عالمية شاملة، ما اضطر الباحثين للاعتماد على مسوحات منزلية وسجلات أمومة، معظمها من دول مرتفعة الدخل. وهذا يفتح باب التساؤل حول مدى تمثيل هذه الأرقام للواقع في البلدان ذات الموارد المحدودة.

يعلق على ذلك الدكتور جواو باولو سوزا (Dr. Joao Paulo Souza)، مدير مركز أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لمعلومات العلوم الصحية التابع لمنظمة الصحة للبلدان الأميركية - منظمة الصحة العالمية، وأحد مؤلفي الدراسة، مؤكداً على أن الاهتمام بصحة الأم يجب ألا يبدأ مع ظهور الحمل فقط، بل يجب أن يُنظر إلى صحة المرأة ضمن سياق حياتها الكامل، فهناك كثير من العوامل التي تؤثر على سلامة الحمل لدى المرأة تتراوح من البيئة المحيطة بها إلى النظم السياسية والاقتصادية التي تعيش في ظلها، مروراً بحصولها على الغذاء الصحي المتوازن، ومدى قدرتها على الإمساك بزمام أمورها طيلة حياتها، وهي كلها عوامل يلزم مراعاتها بغية تحسين صحتها وسلامتها ورفاهها، إلى جانب الحصول على الرعاية الصحية العالية الجودة طوال العمر.

إن تجاهل هذه التحديات الأساسية قد يفسّر لماذا فشلت 121 دولة من أصل 185 في إحراز تقدم كبير في خفض وفيات الأمهات خلال العقدين الماضيين، بحسب ما تُظهره السلسلة.

ولهذا، تدعو الدراسات إلى بناء نظام صحي شامل ومتعدد التخصصات، لا يكتفي بتقديم رعاية أمومة ذات جودة عالية في إطار من الاحترام، بل يُعالج كذلك أوجه القصور واللامساواة التي ما زالت تفرض عبئاً ثقيلاً على الأمهات حول العالم.

واستناداً إلى هذه الدراسة الحديثة، تدعو هذه السلسلة المعنونة بـ«صحة الأم في الفترة المحيطة بالولادة وما بعدها» إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لصحة النساء والفتيات على المدى الطويل، وذلك بعد الحمل وقبله، وإلى تبنّي نهج شمولي في خفض وفيات الأمهات، لا يقتصر على الأسباب البيولوجية المباشرة، بل يمتد ليشمل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأوسع نطاقاً التي تؤثر على صحة النساء، مثل الفقر، وسوء التغذية، وانعدام المساواة بين الجنسين، والتعرض للعنف أو النزاع.

توصياتإن ما تطرحه هذه الدراسة ليس مجرد أرقام جامدة أو استنتاجات نظرية، بل هو نداء صريح لإعادة تعريف رعاية الأمومة، والتوسّع في فهم ما تمر به المرأة بعد الولادة، ليس فقط من الناحية الفسيولوجية، بل من منظور شامل يُراعي الصحة النفسية والاجتماعية والعاطفية على حد سواء.

فالمرحلة التي تلي الولادة، والتي تُعامل غالباً على أنها «نهاية المتابعة الطبية»، تُعد في الواقع بداية مرحلة جديدة من التحديات الصحية التي قد تمتد سنوات. وتجاهل هذه المرحلة، أو الاكتفاء بالمتابعة القصيرة المعتادة، يعني ترك ملايين النساء حول العالم يواجهن مشكلات معقدة في صمت، دون دعم أو حلول فعالة.

وتُبرز السلسلة المنشورة في «ذي لانسيت» حقيقة مفادها أن الأنظمة الصحية، حتى في الدول المتقدمة، لا تزال تفتقر إلى المبادئ التوجيهية الحديثة والموارد الكافية للتعامل مع هذه الحالات بشكل شامل. وتزداد الفجوة اتساعاً في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث تنعدم الإحصاءات الدقيقة، ويُهمل كثير من الأعراض الشائعة بسبب ثقافة الصمت أو نقص الكوادر المدربة.

إن ضمان صحة النساء بعد الولادة ليس رفاهية، بل هو استثمار في المجتمع بأسره. فحين تكون الأم في صحة جيدة، يكون الطفل كذلك، وتكون الأسرة أقوى، والمجتمع أكثر تماسكاً وقدرة على النهوض. ولعل الأهم، كما يشير الباحثون، هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، من نشر الدراسات والتوصيات، إلى دمج هذه المعارف فعلياً في السياسات الصحية، وتدريب العاملين في القطاع الصحي على التعامل الحساس والمتخصص مع احتياجات ما بعد الولادة.

ولذلك، فإن الحل لا يكمن فقط في تحسين المرافق الصحية أو تطوير البروتوكولات العلاجية، بل يبدأ من الاعتراف المجتمعي والمؤسسي الكامل بأن رحلة الأمومة لا تنتهي بولادة الطفل، بل تستمر مع كل يوم تعيشه الأم بعد ذلك.

إن توفير بيئة داعمة للنساء بعد الولادة، تتيح لهن التحدث عن معاناتهن دون خوف أو خجل، وتمنحهن فرص الحصول على العلاج والدعم النفسي، هو ما يُحدث الفارق الحقيقي في جودة الحياة.

* استشاري طب المجتمع.