على الرغم من السمعة السيئة التي تتمتع بها الكربوهيدرات (Carbohydrates) في الأنظمة الغذائية الصحية بوصفها مسؤولة بشكل كبير عن زيادة معدلات السمنة في الأطفال في العالم كله، فإنها تعد جزءاً مهماً جداً في غذاء الأطفال، وتلعب دوراً كبيراً في نمو الطفل وتطوره، على أن تكون بالكمية المناسبة للمرحلة العمرية.
ومن المعروف أن البعد عن الكربوهيدرات تماماً يؤدي إلى مشكلات صحية كثيرة لأنها تعد نوعاً أساسياً من الأنواع الثلاثة الرئيسية للأطعمة إلى جانب البروتينات والدهون.
أنواع الكربوهيدرات
يعتقد الكثيرون أن كلمة كربوهيدرات تعني السكريات فقط، ولكن الحقيقة أنها تشمل ثلاثة أنواع مختلفة هي: النشويات Starches، والسكريات Sugars، والألياف fiber أيضاً.
وتعد السكريات أبسط أنواع الكربوهيدرات، بمعنى أنها لا تحتاج إلى تكسير أو تحلل. وهناك نوعان من السكريات البسيطة (سكر الفركتوز، وسكر الغلوكوز). ويوجد الفركتوز بشكل أساسي في الفواكه بكميات مختلفة؛ بعضها يحتوي على كميات كبيرة والأخرى على كميات أقل، بينما يوجد الغلوكوز في أطعمة مثل العسل والتمر والمشمش ويلعب دوراً مهماً في تكوين جزيء الطاقة في الجسم (ATP) لتغذية أعضاء الجسم المختلفة.
أما النشويات فعبارة عن سلاسل طويلة من جزيئات الغلوكوز تسمى الكربوهيدرات المعقدة (complex carbohydrates)، بمعنى أنها تحتاج إلى عملية تكسير وتحلل في الجسم كي تتحول إلى الغلوكوز الذي يمكنه تغذية الخلية وإمدادها بالطاقة اللازمة لتقوم بوظائفها. ولذلك فإن هذه الكربوهيدرات المعقدة لا ترفع غلوكوز الدم بنفس النسبة من المواد السكرية، وخطورتها أقل في الإصابة بارتفاع الغلوكوز من الحلويات المصنَّعة التي تحتوي على الغلوكوز بشكل مباشر.
وتعد الحبوب، مثل الأرز والقمح وبعض الخضراوات كالفاصوليا والبازلاء، أمثلة جيدة على الأطعمة المحتوية على النشا.
وبالنسبة إلى الألياف فإنها تعد أيضاً كربوهيدرات معقدة لا يمكن تكسيرها في الجهاز الهضمي، و تمر عبر القولون غير مهضومة وتعطي كتلة للبراز مما يمنع الإمساك ويحافظ على صحة الأمعاء ويعمل كوقاية من سرطان القولون على المدى البعيد.
والأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من الألياف تشمل الخضراوات مثل البروكلي والجزر والسبانخ والقنبيط، والفاكهة مثل الخوخ والبرقوق والموز والتفاح. ويتم امتصاص السكريات البسيطة من الأمعاء الدقيقة وتدخل الدم مباشرةً بينما يتم هضم الكربوهيدرات المعقدة بواسطة الإنزيمات الموجودة في اللعاب ثم إنزيمات البنكرياس ثم الأمعاء الدقيقة حتي تتحول إلى غلوكوز عن طريق تكسير النشا إلى مكونات أصغر قليلاً.
غذاء الطفل
يجب أن يحتوي غذاء الطفل على نسبة لا تقل عن 50% من الكربوهيدرات حسب الفئة العمرية، ويمكن أن تزيد هذه النسبة لتصل إلى 65% في المراهقين لاحتياجهم إلى كمية كبيرة من السعرات الحرارية لأنهم في العادة أكثر نشاطاً بدنياً من الأطفال، ويفضل بطبيعة الحال أن تكون هذه الكميات من الكربوهيدرات المعقدة.
ومن المعروف أن الكربوهيدرات تحسّن الحالة المزاجية ليس فقط لطعمها الجيد ولكن لأنها تحتوي على إلتريبتوفان L-tryptophan، وهو حمض أميني يلعب دوراً مهماً في تصنيع السيروتونين serotonin وهو ناقل عصبي له دور كبير في الشعور بالسعادة ومعالجة الاكتئاب.
كلما كانت وجبة العشاء خفيفة وغنية بالكربوهيدرات يمكن أن تساعد على النوم بشكل أفضل وذلك لأنها ترفع من مستويات هرمون الإنسولين في الدم مما يؤدي إلى زيادة إلتريبتوفان والسيروتونين الذي يلعب دوراً كبيراً في مقاومة الأرق ويضمن نوماً هادئاً. ولذلك فإن الأطفال الذين يتبعون حمية غذائية منخفضة الكربوهيدرات في الأغلب يعانون من الأرق.
ويساعد تناول الحليب في المساء على النوم، لأنه يحتوي على مادة إلتريبتوفان أيضاً، وعلى الرغم من أن تناول الكربوهيدرات يمكن أن يزيد الوزن بالفعل فإن تناول الكربوهيدرات الغنية بالألياف يساعد على إنقاص الوزن لأنها لصعوبة هضمها بشكل كامل وامتصاصها للماء من الأمعاء تعطي المخ إحساساً بالامتلاء والشبع وبالتالي لا يكون هناك احتياج لتناول المزيد من الطعام.
وتلعب الكربوهيدرات المعقدة دوراً مهماً في الوقاية من خطر الإصابة بالسرطان. وفي دراسة سابقة تَبين أن تناول الفاصوليا والحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات المليئة بمضادات الأكسدة يقلل من احتماليات الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 37%، ويجب أن ندرك أنه في المقابل تزيد السكريات البسيطة من خطورة الإصابة، خصوصاً المشروبات الغازية والحلويات المصنعة.
كما ذكرت دراسة سابقة أن تناول أطعمة غنية بالكربوهيدرات المعقَّدة مثل دقيق الشوفان أو حبوب النخالة قبل التمرينات الرياضية أو بعدها يمكن أن يسهم في خفض مستويات الدهون في الجسم لأنها لن تؤدي إلى ارتفاع كبير في مستويات السكر في الدم وبالتالي لن يكون هناك ارتفاع في مستويات الإنسولين في الدورة الدموية حتى يخفض الغلوكوز. و نظراً لأن الإنسولين يلعب دوراً كبيراً في تخزين المستويات الزائدة من الغلوكوز على شكل دهون فإن انخفاض مستوياته يمكن بشكل غير مباشر أن يقلل من الدهون في الدم.
وحسب مجلة التغذية «the Journal of Nutrition»، فإن المراهقين الذين تحتوي وجباتهم الثلاث على الحبوب الكاملة يومياً لديهم دهون بنسبة 2.4% أقل في الجسم وبنسبة 3.6% أقل في منطقة البطن من أقرانهم الذين لا يحتوي غذاؤهم على الحبوب الكاملة.
يقوم الجسم بتخزين الكميات الزائدة من الكربوهيدرات في شكل غليكوجين في الكبد وفي أثناء التدريبات الرياضية يحوّل الجسم الغليكوجين إلى جزيئات (ATP) لاستخدامها كطاقة، ولذلك فإن النظام الغذائي الخالي من الكربوهيدرات لا يمنح الجسم طاقة كافية للقيام بتمرينات مجهدة أو نشاط بدني قوي.
* استشاري طب الأطفال.