ظاهرة «التوحد الافتراضي»... هل تنتشر بين أطفال العصر الإلكتروني؟

تمضية أوقات كثيرة في عوالم خيالية تؤثر على السلوك والتفاعل الاجتماعي لكنها لا تسبب المرض

ظاهرة «التوحد الافتراضي»... هل تنتشر بين أطفال العصر الإلكتروني؟
TT

ظاهرة «التوحد الافتراضي»... هل تنتشر بين أطفال العصر الإلكتروني؟

ظاهرة «التوحد الافتراضي»... هل تنتشر بين أطفال العصر الإلكتروني؟

الأول من أبريل (نيسان) من كل عام يمثل اليوم العالمي لاضطراب طيف التوحد الذي يهدف هذا العام إلى إلقاء الضوء على الصعوبات التي يواجهها الأشخاص المصابون وذووهم في حياتهم اليومية. ويعتبر اضطراب طيف التوحد أكثر الاضطرابات النمائية انتشارا، وما زالت الإحصائيات تشهد ارتفاعا في عدد الحالات التي يتم تشخيصها كل سنة.
تمثل الأنشطة والفعاليات التي يتم تنظيمها كل سنة وسيلة لزيادة ونشر المعلومات التي من شأنها زيادة وعي المجتمع حول اضطراب طيف التوحد عند كل الفئات العمرية. وبهذه المناسبة يجب العمل على تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة حول اضطراب طيف التوحد، مثل الحديث عن أن مشاهدة التلفزيون أو استخدام الأجهزة الذكية من هواتف وأجهزة لوحية يؤدي للإصابة باضطراب طيف التوحد.
- «التوحد الافتراضي»
وقد شهدت البشرية توسعا هائلا في العولمة الافتراضية، بدءاً بمجالات التدريب في التخصصات المختلفة ووصولاً إلى ممارسة هذه التخصصات، بل وما يلاحظ أيضا من غزو عالم الترفيه مجتمعاتنا عبر الوسائل المرئية كالتلفزيونات والشاشات الضخمة وغزو خصوصيات الأفراد عبر شاشات الأجهزة المحمولة الذكية متمثلا في عدد كبير من الألعاب التي يتقمص فيها اللاعبون أدوارا بعينها أثناء اللعب. ولذا حان لنا أن نقف متسائلين عن تأثيرات هذه الصيحات الإلكترونية على النشء من أبنائنا الصغار من عدة وجهات تأتي في أولويتها التأثيرات النفسية والسلوكية.
تحدث إلى «صحتك» الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري الأستاذ المساعد الإكلينيكي بقسم علاج اضطرابات النطق واللغة والسمع بكلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود بالرياض، فرحب بطرح هذا الموضوع الحساس الذي أضحى موضع مناقشات علمية في المحافل والمؤتمرات وتجرى من أجله دراسات عالمية.
وأوضح في البداية أن العالم الافتراضي يمثل بيئة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد يقوم فيها المستخدمون بتجسيد شخصيات افتراضية تتواصل فيما بينها ضمن منظومة قواعد وقوانين تحكم هذا العالم. وتمثل كلمة «افتراضية Virtual» توصيفا لهذا العالم غير الواقعي، حيث يمتزج فيه الواقع والخيال بشكل عميق، وهو ما يمثل التطور المتسارع في عالم التطبيقات الحاسوبية.
‏وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي أيضا كأحد هذه «العوالم الافتراضية»، وقد أظهرت بعض الدراسات الأميركية الحديثة أن تزايد عدد الساعات التي يقضيها الشخص في هذه العوالم الافتراضية بأنواعها المختلفة تؤثر على سلوكه الاجتماعي وقدرته على التفاعل ‏والتواصل مع الآخرين بشكل سلبي للغاية.
- دراسات حديثة
تطرق الدكتور وائل الدكروري، في حديثه، إلى عدد من الدراسات الحديثة الأخيرة التي أجريت حول تأثيرات العولمة الافتراضية على السلوك عند الأطفال والمراهقين، واكتفى منها بالآتي:
> دراسة أميركية قامت بها جامعة صن شاين Sunshine Coast University(SCU) ونشرت نتائجها في شهر سبتمبر (أيلول) 2017، وقد خلصت إلى ظهور أعراض مثل ضعف القدرة على قراءة المشاعر وتكوين الصداقات عند الأطفال والمراهقين مرتبطة بالاستخدام المتزايد للعالم الافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سماه المتخصصون في بعض الدول ‏الأوروبية مثل فرنسا ورومانيا بالتوحد الافتراضي (Virtual Autism)، حيث تضعف صلة الأطفال والمراهقين بواقعية التفاعل الاجتماعي وتعلم المهارات الاجتماعية والتواصلية الأساسية، وهو ما يتماثل مع نمط أعراض اضطراب طيف التوحد (autism spectrum disorder).
> دراسة أسترالية مماثلة تثبت أيضا ضعف القدرة على التعرف على مشاعر وقراءة تعبيرات الوجه عند مستخدمي التطبيقات الرقمية بكثافة مقارنة بالمستخدمين الأقل عددا من هذه التطبيقات أو غير المستخدمين لها على الإطلاق، وهو ما قد يتطور في المستقبل إلى اضطراب ضعف القدرة على فهم المشاعر والتعبير عنها مثل عدم القدرة ‏على إدراك الكذب في الحديث أو ضعف القدرة على تقبل الاختلاف في وجهات النظر والتعبير عن وجهة النظر بطريقة وكلمات غير لائقة.
> تقارير مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها ـ CDC. أفاد الدكتور وائل الدكروري بأن تاريخ الدراسات الإحصائية المتعلقة باضطراب طيف التوحد (ASD) في الولايات المتحدة الأميركية يظهر أن معدلات الإصابة أو التشخيص باضطراب طيف التوحد قد ارتفع بشكل كبير في العقود الأخيرة، حيث أشارت الدراسات إلى أن معدل الإصابة في عام 1975 كانت طفلا واحدا ‏من كل 5000 طفل في حين ارتفعت المعدلات في عام 2005 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 500 طفل إلى أن وصلت المعدلات مؤخرا وتحديدا في عام 2014 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 68 طفلا، وفقا لما نشر في مراكز CDC.
وأضاف د. الدكروري أننا لا يمكننا أن نغفل نتائج بعض الدراسات والإحصائيات الحديثة التي أشارت إلى أن معدلات الإصابة في الوقت الحالي قد ارتفعت إلى معدل خطير وصل فيه معدل التشخيص إلى حالة من كل 45، ‏وهو ما يعني أن معدلات الإصابة في الولايات المتحدة قد ارتفعت إلى 100 ضعف معدلات تشخيص حالات اضطراب طيف التوحد مقارنة مع إحصائيات عام 1975.
‏- العصر الإلكتروني
وهناك جملة من الأسئلة تطرح نفسها: ما الذي يحدث من جراء ذلك عند النشء من أطفالنا؟
وماذا وراء هذا الارتفاع الضخم في معدلات التشخيص؟ وهل يؤثر تقليل عدد ساعات استعمال الأجهزة الإلكترونية بأنواعها في ظهور أعراض اضطراب طيف التوحد؟ وأخيرا: هل تعتبر، فعلا، مثل هذه الممارسات سببا لتشخيص اضطراب طيف التوحد؟
يجيب الدكتور وائل الدكروري: إن هذا هو ما يتناوله العديد من علماء النفس والباحثين في السنوات الأخيرة في دراساتهم. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسات عدم ثبوت هذه الفرضية، بل قد ذهب البعض منهم للنفي التام، مضيفين أنه مع ذلك لا يمكن إغفال دور تلك الممارسات كعامل مساعد في حال وجود نمط الأعراض التشخيصية أو الاستعداد لظهورها.
ومن ‏الجدير بالذكر أن بعض الأطفال الذين يتم تشخيصهم باضطراب طيف التوحد تتغير لديهم أنماط ظهور الأعراض وتأثيرها بعد تقليل أو إيقاف استخدام تطبيقات العوالم الافتراضية ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال الأجهزة اللوحية أو الهواتف ‏الذكية بشكل كامل. ولكن يجب الحذر بشدة من اعتبار هذه الأجهزة أحد مسببات اضطراب طيف التوحد، وهو ما يحاول البعض الترويج له.
ولكن التفسير الأقرب يتمثل في أن التقليل أو الإيقاف لاستخدام الأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها المختلفة يقلل من انشغال الأطفال بها ويسمح بزيادة فترات التفاعل المباشر لهم مع المحيطين مما ينعكس بشكل إيجابي على نمط سلوك التواصل الاجتماعي.
ولإزالة الغموض واللبس نقول إن الدراسات قد خلصت إلى أن الاستخدام المفرط للأجهزة اللوحية والهواتف الذكية قد يعتبر عاملا مساعدا لإظهار أنماط سلوكية قد تتشابه مع نمط السلوكيات التوحدية ولكنه لا يمثل سببا مباشرا لظهور الأعراض اللازمة لتشخيص اضطراب طيف التوحد حيث لم يدعم هذه الفرضية البحث العلمي بعد. كما تجدر الإشارة إلى أن التقليل من استخدام الأجهزة الإلكترونية بأنواعها المختلفة كان له تأثير إيجابي علي الأطفال والتي تمثلت في تقدم مهارات التواصل الاجتماعي والتفاعل مع من حولهم بشكل أفضل.
- توصيات طبية لاستخدام الأطفال الأجهزة الإلكترونية
أشار الدكتور وائل الدكروري إلى أن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) قد خلصت في اجتماعها السنوي لعام 2016 الذي حضره أكثر من 10000 طبيب أطفال، عند وضع التوصيات لعام 2017 فيما يتعلق بالأوقات الموصى بها أمام الأجهزة الإلكترونية باختلاف أنواعها بالنسبة للأطفال.
> الأطفال تحت سن السنتين لا يسمح لهم على الإطلاق باستخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو مشاهدة التلفزيون، لما لذلك من أثر سلبي شديد على نمو الطفل اللغوي والاجتماعي والسلوكي.
> الفئة العمرية من عمر السنتين حتى عمر الخمس سنوات (2 - 5 سنوات) يسمح لهم فقط بساعة واحدة يوميا.
> بالنسبة للأطفال الذين تزيد أعمارهم على الست سنوات فيكون للأهل الحرية في اختيار الفترة الزمنية المسموح بها ولكن يجب الحذر الشديد من المحتوى المقدم لهم.
> وتنصح الجمعية الأميركية والعديد من الجمعيات العلمية الدولية بضرورة إعطاء الأطفال الفرصة لممارسة الحياة الطبيعية وما تتضمنه من تفاعلات مع الأقران والأهل لإكسابهم المهارات الأساسية للتفاعل الاجتماعي واللغوي بدلا من حصر خبراتهم مع شاشات تقدم لهم «عالما اصطناعيا» يفتقر لمقومات الحياة الطبيعية.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

صحتك تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا (د.ب.أ)

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا وغيرهما من الفيروسات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك يُعدّ اكتئاب ما بعد الولادة من المشكلات النفسية المزعجة التي تعاني منها الأمهات (رويترز)

كيف تتخطين «اكتئاب ما بعد الولادة»؟

يُعدّ اكتئاب ما بعد الولادة من المشكلات النفسية المزعجة التي تعاني منها الأمهات، وقد تستمر معهن لأشهر طويلة، وتتطور لدى بعضهن إلى حد التفكير في الانتحار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف

كشفت دراسة جديدة أن أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ينصح الخبراء بأن حتى المشي السريع يعمل على تعزيز الدورة الدموية ودعم الطاقة بشكل أفضل خلال الشتاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نصائح لتجنب الشعور بالتعب والإرهاق وسط برودة الطقس

ينصح خبراء التغذية بنصائح عدة لزيادة النشاط وتجنب التعب في الشتاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

لتطوير علاجات مضادة للهرم

د. أنتوني كوماروف (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)
أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)
TT

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)
أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)

كشفت دراسة جديدة أن أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف.

وبحسب شبكة «سي إن إن» الأميركية، فقد أشارت الدراسة إلى أن الرجال المصابين بأمراض القلب من المرجح أن يعانوا من الخرف قبل 10 سنوات من معاناة النساء الأكثر عرضة للمرض منه.

ونظر الباحثون في بيانات أكثر من 34 ألف رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 45 و82 عاماً. وقد شملت هذه البيانات فحوصات الدماغ الخاصة بهم والأمراض التي يعانون منها ومن بينها أمراض القلب والأوعية الدموية.

وأظهرت النتائج أن مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية كانت مرتبطة بانخفاض حجم المادة الرمادية في الدماغ في جميع أنحاء القشرة المخية لدى كل من الرجال والنساء. إلا أنها لدى الرجال ساهمت في تسريع إصابتهم بالخرف بنحو 10 سنوات مقارنة بالنساء.

فقد بدا أن الرجال أكثر عرضة لعوامل خطر أمراض القلب بين سن 55 و74 عاماً، بينما كانت النساء أكثر عرضة بعد عقد من الزمان، بين سن 65 و 74 عاماً، وفقاً للدراسة.

وقال الدكتور بول إديسون، أستاذ علم الأعصاب في «إمبريال كوليدج لندن»، والمؤلف الرئيسي للدراسة: «لم يكن تأثير أمراض القلب والأوعية الدموية على الخرف عند الرجال وتسبب هذه الأمراض في ظهور أعراضه عليهم قبل عقد من الزمان من ظهورها لدى الإناث معروفاً من قبل».

وأضاف: «هذا اكتشاف جديد له آثار صحية كبيرة. إن سرعة التعامل مع مخاطر القلب والأوعية الدموية قد تمنع الخرف وألزهايمر. وتشير نتائجنا إلى أنه يجب القيام بذلك قبل عقد من الزمان لدى الذكور مقارنة بالإناث».

وتعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفاة في العالم، وفقاً لـ«منظمة الصحة العالمية».

وتشمل عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، إلى جانب التدخين والإفراط في شرب الكحول وعدم ممارسة التمارين الرياضية المناسبة أو الحصول على قسط كافٍ من النوم، وفقاً للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وكل هذه المشكلات يمكن أن تؤدي إلى مرض الأوعية الدموية الصغيرة، وهي حالة يمكن أن تؤثر على توصيل الأكسجين إلى الدماغ.