تصعيد جديد بين باريس وطهران بعد اتهامات لرهينتين فرنسيتين بالتجسس لصالح إسرائيل

فرنسا هددت إيران بتفعيل آلية «سناب باك» إذا لم تفرج عن كوهلر وباريس

صورتان للرهينتين الفرنسيتين سيسيل كوهلر وجاك باريس علقتا على السوار الحديدي للبرلمان الفرنسي مع دعوة لإطلاق سراحهما (أ.ف.ب)
صورتان للرهينتين الفرنسيتين سيسيل كوهلر وجاك باريس علقتا على السوار الحديدي للبرلمان الفرنسي مع دعوة لإطلاق سراحهما (أ.ف.ب)
TT

تصعيد جديد بين باريس وطهران بعد اتهامات لرهينتين فرنسيتين بالتجسس لصالح إسرائيل

صورتان للرهينتين الفرنسيتين سيسيل كوهلر وجاك باريس علقتا على السوار الحديدي للبرلمان الفرنسي مع دعوة لإطلاق سراحهما (أ.ف.ب)
صورتان للرهينتين الفرنسيتين سيسيل كوهلر وجاك باريس علقتا على السوار الحديدي للبرلمان الفرنسي مع دعوة لإطلاق سراحهما (أ.ف.ب)

دخلت العلاقات الفرنسية - الإيرانية، المتوترة أصلاً، حقبة جديدة من المطبات الهوائية بحيث تضاعف مستوى التصعيد القائم بين باريس وطهران. والسبب «الإضافي» مرده إلى التهم الثلاث الجديدة التي وجهها القضاء الإيراني لمواطنين فرنسيين هما سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس، المحتجزين في إيران، في سجن إيفين، منذ 1153 يوماً.

وأولى التهم «التجسس لحساب جهاز الموساد» (المخابرات الخارجية الإسرائيلية). وثانيتها: «التآمر لقلب النظام الإيراني». وثالثتها: «الإفساد في الأرض». وعقوبة كل من هذه التهم، وفق القانون الإيراني، هي الإعدام. وسبق للقضاء أن وجه إلى كوهلر تهمة التجسس لصالح جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي، كما تم انتزاع «اعترافات» منها بُثّت على إحدى القنوات التلفزيونية الإيرانية، الأمر الذي نددت به باريس بقوة، واعتبرت أنها انتزعت منها «بالإكراه».

وفي أي حال، تعتبر فرنسا مواطنيها بمثابة «رهينتي دولة» بيد السلطات الإيرانية، ودأبت، منذ اعتقالهما، إلى المطالبة بالإفراج عنهما دون تأخير. وكوهلر وباريس هما آخر رهينتين فرنسيتين، إذ عمدت طهران، تباعاً، إلى الإفراج عن أربعة رهائن بعضها تم في ظروف أقل ما يقال عنها إنها «غامضة».

وهدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إيران بـ«إجراءات انتقامية» إذا أبقت على تهمة التجسس لصالح إسرائيل بحق المحتجزَين الفرنسيين، معتبراً ذلك «استفزازاً لفرنسا وخياراً عدوانياً غير مقبول». وأكد عزمه مناقشة القضية قريباً مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، قائلاً: «الرد لن يتأخر».من جهتها، قالت السفارة الإيرانية في باريس إن القضية لا تزال قيد التحقيق القضائي ولم يُتخذ أي قرار نهائي بعد.

أولوية الأولويات الفرنسية

إزاء هذا التطور اللافت الذي يأتي في سياق عمليات القبض على العديد من الإيرانيين والأجانب التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الإيرانية والتي تتبعها غالباً اتهامات بالتعامل مع «الموساد» نظراً للاختراقات الإسرائيلية الواسعة والخطيرة للأجهزة العسكرية والمدنية الإيرانية، كان من الضروري لباريس أن ترفع الصوت، لا، بل إن تهدد طهران. وجاء ذلك على لسان وزير الخارجية جان نويل بارو الذي بعث، الخميس، بأربع رسائل إلى السلطات الإيرانية: أولاها: «المطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط» عن سيسيل كوهلر البالغة من العمر 40 عاماً، وعن جاك باريس البالغ 72 عاماً.

ماكرون محاطاً برئيس الحكومة فرنسوا بايرو (يسار) ومانويل فالس وزير شؤون ما وراء البحار خلال اجتماع في قصر الإليزيه الأربعاء (أ.ف.ب)

والثانية: اعتبار باريس أن التهم الموجهة إليهما، في حال تأكد توجيهها، «غير مبررة ولا أساس لها من الصحة». وثالثة الرسائل: إعادة التأكيد على أن فرنسا «ستواصل الوقوف إلى جانبهما وإلى جانب عائلتيهما اللتين تمران بمحنة عصيبة للغاية، طالما كان ذلك ضرورياً». وجاء في حرفية رابعة الرسائل أن «إطلاق سراح سيسيل كوهلر وجاك باريس أولوية مطلقة بالنسبة لنا، ولطالما أكدنا لمحاورينا في النظام الإيراني أن مسألة القرارات المحتملة بشأن العقوبات ستكون مشروطة بحل هذه المشكلة، وهذا الخلاف الكبير، والإفراج» عن كوهلر وباريس.

لماذا ترفض طهران إطلاق سراح الرهينتين؟

ثمة صعوبة في التعامل مع هذه المسألة وقوامها أن الجانب الإيراني الرسمي لم يؤكد أو يشر إلى هذه الاتهامات التي جاء خبرها على لسان «دبلوماسي غربي» هو على الأرجح الدبلوماسي الفرنسي الذي سمح له بالقيام بزيارة قنصلية للسجينين، وقد نقل عنهما أنهما مثلا أمام قاضٍ (من غير تحديد تاريخ)، وأن الأخير وجه «إليهما الاتهامات الخطيرة». ونقل عن ناعومي كوهلر، شقيقة سيسيل، قولها: «جل ما نعلمه أنهما التقيا قاضياً أكد لهما الاتهامات» مضيفة أن الاثنين لم يتمكنا من الاطلاع على ملفيهما، كما أنهما حُرما من التواصل مع محامين مستقلين للدفاع عنهما.

منذ مدة طويلة، يندد الفرنسيون بالمعاملة السيئة التي وصفتها باريس بأنها «ترقى إلى مستوى التعذيب». وذهبت فرنسا، في شهر أبريل (نيسان) الماضي، إلى تقديم شكوى رسمية ضد إيران أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي منددَة بـ«الاحتجاز التعسفي» المفروض على مواطنيها.

واللغز الذي يحير متابعي هذه المسألة يتناول الأسباب التي دفعت إيران إلى الإفراج سابقاً عن أربعة رهائن فرنسيين، بينما ترفض التجاوب مع الطلب المتكرر الذي تصر عليه باريس، إن على لسان إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية، أو جان نويل بارو، وزير الخارجية، وهو ما أكده الأخير الخميس.

من هنا، العودة إلى الحديث عن «دبلوماسية الرهائن» التي تتبناها طهران منذ سنوات، والقائمة على الإبقاء على مواطنين غربيين في سجونها حتى الحصول على مقابل. لكن تجدر الإشارة إلى أن ماكرون هو المسؤول الغربي الوحيد الذي يتواصل مع نظيره مسعود بزشكيان. وآخر اتصال بينهما يعود ليوم الأحد الماضي. ووفق التغريدة التي كتبها ماكرون على منصة «إكس» بعد الاتصال وضمنها ستة مطالب، جاء الإفراج عن كوهلر وباريس في المرتبة الأولى، وفي الثانية المحافظة على المؤسسات الفرنسية، تليها مطالب أربعة تخص البرنامج النووي الإيراني وتشعباته.

اتهامات متبادلة بين باريس وطهران

يرى مصدر فرنسي على صلة بملف العلاقات الفرنسية - الإيرانية أن الأجواء السائدة بين الجانبين «لا تبشر بخير» بسبب الاتهامات المتبادلة بينهما. فطهران تأخذ على باريس امتناعها عن إدانة «الهجمات الاستباقية» التي قامت بها إسرائيل ضد المواقع النووية الإيرانية واكتفاءها بالدعوة إلى عدم التصعيد وهو ما اعتبرته، ضمناً، تأييداً للعمليات الإسرائيلية.

سيسيل كوهلر تقف أمام لوحة في فيديو اعترافات قسرية بثته قناة «العالم» الإيرانية العام الماضي

كذلك، امتنعت فرنسا عن انتقاد أو توجيه اللوم لواشنطن للضربات التي أمر بها الرئيس ترمب، فضلاً عن تبنيها للمطلب الأميركي - الإسرائيلي بمنع إيران من تخصيب اليورانيوم على أراضيها، أو ما يسمى «صفر تخصيب». كذلك، تأخذ على فرنسا دورها في الاجتماع الأخير لمجلس المحافظين الذي أصدر قراراً، بطلب غربي، يدين إيران لعدم احترامها لالتزاماتها في إطار معاهدة منع انتشار السلاح النووي. وتعتبر طهران أن القرار المذكور وفر لإسرائيل الذريعة للقيام بحربها الاستباقية ضد إيران. ولا تمر الأخيرة مرور الكرام على «تشدد» فرنسا والسير في دعوتها لتحجيم البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني (إضافة إلى النووي)، ومعطوفاً عليه التنديد بسياسة طهران الإقليمية التي تصفها بأنها «مزعزعة للاستقرار».

في المقابل، فإن باريس تأخذ على طهران استخدامها الرهينتين للضغط عليها، فضلاً عن وقوفها إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا، وسياساتها الضارة في الإقليم، والقمعية في الداخل.

العودة إلى «سناب باك»

إزاء هذه الوضعية المعقدة، لم يتردد وزير الخارجية في اللجوء إلى «المدفعية الثقيلة»، أي التهديد بالسعي لتفعيل آلية «سناب باك» في مجلس الأمن الدولي التي تتيح إعادة فرض ست مجموعات من العقوبات الدولية على إيران، والتي جاءت في ستة قرارات دولية. وليس سراً أن إيران تتخوّف من هذا الاحتمال، وسبق لها أن هدّدت باتخاذ إجراءات جذرية للرد عليه. وبعد أن قررت الأربعاء وقف التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الإجراء الجذري قد يكون الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما دأب الرئيس ماكرون على التحذير منه.

بارو متحدثاً في البرلمان الثلاثاء وهدد إيران بتفعيل آلية «سناب باك» في حال لم تفرج عن الرهينتين الفرنسيتين (أ.ف.ب)

هل سترعوي إيران، وتذعن للمطلب الفرنسي بعد أن أشهرت باريس هذا السلاح؟ السؤال مطروح، لكن الإجابة عنه راهناً بالغة الصعوبة، كمن يضرب الرمل لقراءة المستقبل. لكن ما هو ثابت أن بين الطرفين اليوم هوّة سحيقة رغم التواصل غير المنقطع بين الجانبين. وبأي حال، فإن ربط بارو وجهة السياسة الفرنسية بملف بالغ الخطورة كالملف النووي الإيراني، الذي لا يخفى تأثيره على الوضع الأمني والاستراتيجي في الشرق الأوسط، فضلاً عن تداعياته السياسية، يبدو مبالغاً فيه، خصوصاً أن موضوع «سناب باك» ليس محصوراً بفرنسا وحدها، إنما تتشارك فيه مع بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، ومجلس الأمن ككل.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتسلّم جثمان رهينة عبر الصليب الأحمر من غزة

شؤون إقليمية مسلحون من حركتي «حماس» و«الجهاد» يعثرون على جثة خلال عملية البحث عن جثث الرهائن القتلى في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تتسلّم جثمان رهينة عبر الصليب الأحمر من غزة

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، أن تل أبيب تسلمت عبر الصليب الأحمر، نعش أحد الرهائن كان جثمانه في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
شؤون إقليمية وصول سيارة تحمل رفات شخص تقول «حماس» إنه رهينة متوفى تم تسليمه في وقت سابق اليوم من قبل مسلحين في غزة إلى السلطات الإسرائيلية إلى معهد للطب الشرعي في تل أبيب... إسرائيل 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

إسرائيل تعلن تسلّم بقايا جثمان رهينة كان محتجزاً في غزة

قالت الشرطة الإسرائيلية، اليوم (الثلاثاء)، إنها تسلّمت بقايا جثمان إحدى الرهينتين المتبقيتين في قطاع غزة قبل نقله إلى معهد الطب الشرعي قرب تل أبيب للتعرف عليه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة)
تحليل إخباري عراقجي يصل إلى باريس للقاء نظيره الفرنسي صباح الأربعاء (الخارجية الإيرانية)

تحليل إخباري تباين الأولويات يحد من فرص الانفراج بين باريس وطهران

عراقجي من باريس: لسنا مستعجلين... وننتظر الأميركيين للتفاوض حول «النووي»... وصفقة تبادل المساجين بيننا وبين فرنسا أصبحت جاهزة وستتم بعد شهرين.

ميشال أبونجم (باريس)
تحليل إخباري عراقجي يلقي كلمة أمام المؤتمر السنوي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي الثلاثاء (الخارجية الإيرانية)

تحليل إخباري هل تمهد محادثات عراقجي لانفتاح إيراني على الثلاثي الأوروبي؟

لم يكن اختيار وزير الخارجية الإيراني باريس لتكون محطته الثالثة في الجولة التي يقوم بها راهناً، والتي شملت مسقط ولاهاي، من باب الصدفة.

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية مقاتلون من «الجهاد الإسلامي» وعمال مصريون يبحثون عن جثث رهائن إسرائيليين شمال النصيرات بقطاع غزة 22 نوفمبر 2025 (أ.ب)

«حماس» و«الجهاد» تعلنان تسليم جثة رهينة إسرائيلي اليوم

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إن تأخير حركة «الجهاد الإسلامي» تسليم رفات رهينة إسرائيلي يُعدّ «خرقاً إضافياً» لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
TT

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)
إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

وأضاف التقرير، أن «الحرس الثوري» شبه العسكري أطلق الصواريخ من عمق البر الرئيسي في إيران، وأصاب أهدافاً في بحر عمان ومنطقة مجاورة بالقرب من مضيق هرمز في تدريبات بدأت الخميس، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

صورة نشرتها قوات «الحرس الثوري» 5 ديسمبر 2025 تظهر قارباً نفاثاً يشارك في مناورة عسكرية بالمياه قبالة سواحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

وحدد الصواريخ بأنها صواريخ كروز، طراز قدر 110- وقدر380- وغدير، يصل مداها إلى ألفي كيلومتر. وأضاف أن «الحرس الثوري» أطلق أيضاً صاروخاً باليستياً هو 303، من دون أن يدل بمزيد من التفاصيل.

وأظهرت لقطات تلفزيونية إطلاق الصواريخ وإصابة أهدافها.

صورة تم توزيعها 5 ديسمبر 2025 من قِبل «الحرس الثوري» الإيراني تظهِر صاروخاً يتم إطلاقه أثناء تدريب عسكري في المياه قبالة ساحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

والمناورات هي الثانية في أعقاب الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو (حزيران)، التي أسفرت عن مقتل نحو 1100 شخص في إيران، من بينهم قادة عسكريون وعلماء نوويون. وأسفرت الهجمات الصاروخية من قِبل إيران عن مقتل 28 شخصاً في إسرائيل.


تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
TT

تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ)

قُوبل قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعيين سكرتيره العسكري، رومان غوفمان، رئيساً جديداً لـ«الموساد» بخيبة أمل داخل الجهاز، وفقاً لما قاله مسؤولون حاليون وسابقون على الرغم من أن كثيرين قالوا إن الاختيار لم يكن مفاجئاً، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

وقال المسؤولون إن نتنياهو تجاوز مرشحي «الموساد» المدعومين منه لتعيين رومان غوفمان، مما أثار مخاوف بشأن افتقاره للخبرة الاستخباراتية واحتمالية استقالته، بينما يقول حلفاؤه إن ولاءه وحكمته وفكره العدواني تناسب منصبه.

وبعد أن اختار نتنياهو شخصاً من خارج جهاز «الشاباك»، وهو ديفيد زيني، لقيادته في وقت سابق من هذا العام، توقع كبار مسؤولي «الموساد» أن يتبع نفس النهج: اختيار شخصيات من خارج الجهاز يراها عدوانية وموالية ومتوافقة آيديولوجياً معه.

ويقول المنتقدون إن هذه الخطوة تعكس معركة نتنياهو الأوسع ضد ما يسميه «النخب» و«الدولة العميقة»، ويقول المؤيدون إن غوفمان موثوق به، وكتوم، ومخلص.

وزعم بعض المسؤولين المطلعين على عملية التعيين أن غوفمان خضع لـ«مقابلة» غير رسمية مع زوجة نتنياهو، سارة، قبل اتخاذ القرار- وهو ادعاء نفاه مكتب رئيس الوزراء ووصفه بأنه «كاذب تماماً».

من اليسار إلى اليمين: وزير الدفاع يسرائيل كاتس والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء اللواء رومان غوفمان وبنيامين نتنياهو ورئيس ديوان مكتبه تساحي برافرمان والقائم بأعمال رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يظهرون بمركز قيادة خلال الغارات في قطر (الشاباك)

وأشار آخرون إلى إتقانه للغة الروسية ولغته الإنجليزية المحدودة، مما قد يُعقّد التواصل الدبلوماسي، مع أن حلفاءه يجادلون بأن إتقان اللغة الإنجليزية ليس جوهرياً في مهام «الموساد» الأساسية وتوقع العديد من كبار مسؤولي الدفاع موجة استقالات داخل الجهاز عقب الإعلان.

وتجاوز نتنياهو المرشحين الذين أوصى بهم مدير الموساد المنتهية ولايته، ديفيد برنياع، واختار غوفمان بدلاً منه، الذي لم يرتقِ في دوائر الاستخبارات الإسرائيلية. وقال المطلعون على تفكير رئيس الوزراء إن قراره كان مدفوعاً بولائه وحكمته ووصفه مسؤول دفاعي كبير سابق بأنه «مخلص بشدة لنتنياهو» ووصف التعيين بأنه «محير».

ويقول زملاؤه إن غوفمان ضابط جاد ومنضبط وقارئ نهم للتاريخ والاستراتيجيات العسكرية.

ولفت بعض مسؤولي الأمن السابقين إلى أنه قد يكون متهوراً أيضاً، وأشاروا إلى قضية من فترة عمله قائداً للفرقة 210 «باشان»، حيث زُعم أنه أذن باستخدام شاب مدني يبلغ من العمر 17 عاماً، يُدعى أوري ألماكايس، في عملية غير مصرح بها وهي قضية أدت لاحقاً إلى اعتقال المراهق واحتجازه لفترة طويلة قبل إسقاط التهم عنه.

بنيامين نتنياهو ومدير «الموساد» ديفيد برنياع في القدس (د.ب.أ)

وقال ضابط كبير سابق في الاستخبارات العسكرية إنه على الرغم من أن غوفمان «شخص ماكر وشجاع»، فإنه يفتقر إلى الخلفية الاستخباراتية العملياتية المتوقعة عادةً من مدير الموساد.

وأضاف المسؤول: «إنه يتحدث الروسية والعبرية فقط، ولا ينطق بكلمة إنجليزية واحدة لقد شغل منصب لواء لمدة عام واحد فقط ولم يسبق له إدارة منظمة بهذا الحجم».

وفي المقابل، رفضت مصادر مقربة من نتنياهو بشدة الانتقادات لتعيين غوفمان، واصفةً إياه بالتعيين الممتاز، وقالوا إن إتقانه للغة الروسية وفهمه الإقليمي جعلاه لا يُقدر بثمن في مهمات حساسة في موسكو، وأشاروا إلى أنه أصبح، بصفته السكرتير العسكري، أقرب مستشار أمني لنتنياهو، وأضافوا أنه لعب دوراً في عمليات سرية مهمة، بما في ذلك اغتيالات لكبار شخصيات «حزب الله»، ومهام موجهة ضد إيران خلال الصراع معها في وقت سابق من هذا العام.

ويصف المسؤولون الذين عملوا معه من كثب غوفمان بأنه مفكر عدواني وغير تقليدي «ويقاتل بسكين بين أسنانه ويتفوق في الخداع، ويُحاط بالمعلومات الحساسة، وهي سمات يعتبرونها أساسية للموساد»، وقال أحدهم: «إنه المساعد الأمني ​​الأكثر ثقة لرئيس الوزراء. ليس رئيس الأركان، ولا وزير الدفاع - بل كان غوفمان».

وفي حين يشير البعض إلى قلة لغته الإنجليزية كمصدر قلق، يجادل مؤيدوه بأن ساحات الموساد الرئيسية - إيران وسوريا ولبنان - لا تتطلب إتقان اللغة الإنجليزية بينما تعتبر لغته الروسية ميزة نظراً لعلاقات موسكو مع إيران وغيرها من الجهات المعادية.

وكان رئيس الأركان إيال زامير التقى بغوفمان هذا الأسبوع وهنأه، قائلاً إن الجيش سيدعمه في انتقاله إلى المنصب، وأكد «الموساد» أن برنياع تحدث مع غوفمان وتمنى له النجاح، فيما ذكر نتنياهو أنه اختار غوفمان بعد مقابلات مع عدد من المرشحين، وأشاد بـ«قدراته المهنية الاستثنائية»، مشيراً إلى دوره في مواجهة هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما غادر منزله لقتال مسلحي «حماس» وأصيب بجروح بالغة.


إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم (الجمعة)، أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2026 قد حُددت عند 112 مليار شيقل (34.63 مليار دولار)، بزيادة على 90 مليار شيقل كانت مُدرجة في مسودة سابقة، وفقاً لوكالة «رويترز».

واتفق كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على إطار الإنفاق الدفاعي، حيث بدأ مجلس الوزراء مناقشة ميزانية العام المقبل، والتي تجب الموافقة عليها بحلول مارس (آذار)، وإلا قد تؤدي إلى انتخابات جديدة.

وبدأ الوزراء ما يُعرف بجلسة ماراثونية يوم الخميس قبل التصويت الذي قد يُجرى صباح الجمعة. وفي حال إقرارها، ستُعرض على البرلمان للتصويت الأولي.

وأكد كاتس أن الجيش سيواصل جهوده لتلبية احتياجات مقاتليه وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط.

ونقل مكتبه عنه قوله: «سنواصل العمل بحزم لتعزيز جيش الدفاع الإسرائيلي، وتلبية احتياجات المقاتلين بشكل كامل، وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط - من أجل ضمان أمن دولة إسرائيل على جميع الجبهات».

وكانت حرب غزة مكلفة لإسرائيل، التي أنفقت 31 مليار دولار في عام 2024 على صراعاتها العسكرية مع «حماس» و«حزب الله» في لبنان.

ومنذ ذلك الحين، أبرمت إسرائيل اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع الجماعتين المسلحتين. وصرح مكتب سموتريتش بأن ميزانية الدفاع لعام 2026، شهدت زيادة قدرها 47 مليار شيقل مقارنة بعام 2023 عشية الحرب. وقال سموتريتش، وفقاً لمكتبه: «نخصص ميزانية ضخمة لتعزيز الجيش هذا العام، ولكنها أيضاً ميزانية تسمح لنا بإعادة دولة إسرائيل إلى مسار النمو والراحة للمواطنين».