أثار المرسوم الرئاسي السوري بشأن العفو عن بعض الهاربين في الداخل والخارج بشرط تسليم أنفسهم، جدلاً واسعاً في تركيا التي تحتضن أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري يواجهون مطالبات متصاعدة بترحيلهم تطورت إلى أعمال عنف، وبعض العنصرية في ظل الوضع الاقتصادي الضاغط.
وعلى الرغم من أن المرسوم الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد، الأحد الماضي، لم يتطرق إلى أوضاع اللاجئين بشكل عام، فإن بعض وسائل الإعلام رأت فيه فرصة يجب على تركيا استغلالها لإعادة اللاجئين إلى بلادهم.
وتناول المرسوم بشكل أساسي العفو عن الفارّين من الخدمة العسكرية في الداخل بشرط تسليم أنفسهم خلال 3 أشهر، وفي الخارج بشرط تسليم أنفسهم خلال 4 أشهر.
وذهب البعض إلى ما هو أبعد عبر منصات التواصل الاجتماعي، مروّجين أخباراً مصطنعة للترغيب، تارة بالحديث عن قرار للرئيس السوري بتقديم دعم مالي ومنازل ووظائف للسوريين العائدين من تركيا، والترهيب تارة أخرى بالحديث عن إسقاط الجنسية السورية عن الأشخاص الذين لا يعودون خلال 6 أشهر.
وانتشرت أخبار كاذبة عبر حسابات معروفة بمناهضة اللاجئين السوريين، مفادها أن حكومة دمشق ستقدم دعماً مالياً قدره 5 آلاف دولار لكل عائلة سورية تعود من تركيا إلى سوريا، بالإضافة إلى توفير منازل جديدة وفرص عمل جاهزة.
ونفت وكالة «الأناضول» الرسمية هذه الأخبار، مؤكدة أنه لم يصدر عن الحكومة السورية أي تصريحات بهذا المعنى.
وبعيداً عن هذه الضجة، جاءت ردود فعل السوريين أنفسهم على القرار لتؤكد أنه لن يغير من الأمر شيئاً بالنسبة لهم.
محمود الحسيني، هو أحد السوريين الذين جاؤوا إلى تركيا منذ أكثر من 12 عاماً، ويعمل بأحد مصانع الجلود في إسطنبول، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يفكر بالعودة إطلاقاً، «على الرغم من أن الوضع في تركيا لم يعد مريحاً كما كان في البداية؛ حيث لاقى اللاجئون التعاطف، وكان الوضع الاقتصادي أفضل، إلا أن الحال هنا تبقى أفضل بكثير من خلال ما علمنا عما واجهه بعض السوريين الذين اختاروا العودة».
الأمر ذاته بالنسبة لـ«علاء محمود»، الذي يدير محلاً للبقالة السورية في أحد أحياء إسطنبول، والذي قال: «أسست حياة جديدة هنا، تزوجت وأصبح عندي أطفال، اعتادوا الحياة هنا، عائلتي فقدت كل ما كان لديها في سوريا، وليس هناك أي شيء واضح، تحت أي شروط سنعود، وهل ستعاد لنا بيوتنا وأراضينا ومحالنا حتى نضحي بما حققناه هنا؟».
يوجد حالياً، حسب آخر الإحصاءات التركية الرسمية، نحو 3 ملايين و100 ألف لاجئ سوري، تراجعاً من نحو 3.7 مليون، حيث غادر نحو 600 ألف في إطار برامج العودة الطوعية إلى مناطق أهّلتها تركيا بالتعاون مع قطر في شمال سوريا.
وطرح قرار العفو تساؤلات عن تأثيره على وضع اللاجئين في تركيا وغيرها من الدول. وأوضح رئيس «تجمع المحامين السوريين في تركيا»، غزوان قرنفيل، أن قرار العفو يتعلق بشكل أساسي، كما هو واضح بالفارّين من خدمة العلم سواء داخل سوريا أو خارجها، ومرتكبي بعض الجنح، وبالتالي فهو مرسوم «قاصر»، ولا يغطي الهدف الذي تسعى إليه الدول الإقليمية الراغبة في المصالحة مع دمشق على أساس التسوية السياسية للأزمة السورية، مثل تركيا، أو حتى تغطية عمليات الترحيل التي تتم من الأردن والعراق ولبنان إلى مناطق سيطرة الحكومة.
وبالنسبة لانعكاس المرسوم على وضع اللاجئين السوريين في تركيا، أوضح قرنفيل لـ«الشرق الأوسط»، أن عمليات الترحيل تتم إلى مناطق خارجة عن سيطرة حكومة دمشق، لكن سيكون للمرسوم ارتدادات بالتأكيد على السوريين في تركيا، لأنه من غير الواضح بالنسبة للأتراك أن هذا العفو لا يغير من المخاطر بالنسبة للعائدين إلى سوريا، لأنهم يفهمون أن ذلك هو عفو عام، وأن على اللاجئين العودة.
ولفت إلى أن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني تتجاهل طبيعة المرسوم، رغم إدراكها حقيقة أنه لا يعد عفواً عاماً، من أجل دعم المواقف أو السياسات القائمة على تصفية هذا الملف بغض النظر عما إذا كان اللاجئون سيتمكنون من العودة إلى مدنهم وبلداتهم أم لا، وهذا هو وجه الخطورة في الموضوع.
بدوره، لفت القاضي الخبير القانوني السوري، أنور المجني، إلى أن المرسوم لا يمثل عفواً عاماً، إذ يتعلق ببعض الجنح، ولم يتطرق إلى الجنايات التي تم إدراج جميع الملاحقين بتهم الإرهاب تحتها، وحتى بالنسبة للعفو عن العسكريين الفارين في الداخل أو الخارج، فقد اشترط المرسوم تسليم أنفسهم أولاً.
وأضاف أن أغلب المعارضين مطلوبون لدى الأفرع الأمنية، وهؤلاء لا تنطبق عليهم أي مادة قانونية، وهذه الأفرع غير معنية أصلاً بقانون العفو.
ونبه أنور المجني في تعليق لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك أمراً مهماً وهو عدم ثقة اللاجئين في تركيا فيما يصدر عن الدولة السورية، وليس بإمكان أحد منهم أن يعرف ما إذا كان مطلوباً أم غير مطلوب، وليست هناك وسيلة لمعرفة ذلك إلا عند العودة واعتقاله من جانب الأفرع الأمنية، من عدمه.
ورأى أن تأثير المرسوم الجديد على اللاجئين في تركيا هو تأثير «صفري»، وأن قضية العودة مرهونة بتوفير الظروف التي تجعل الناس آمنة على حياتهم وحريتهم، وهو ما ليس متوفراً الآن.