إيران: المحافظون لشد أزر جليلي وجلب المشاركة في الجولة الثانية

لافتة تحفيزية تشجع الإيرانيين على المشاركة في الانتخابات كُتب عليها «أي رئيس؟ من المؤكد سيختلف الأمر» في ميدان ولي عصر وسط طهران (رويترز)
لافتة تحفيزية تشجع الإيرانيين على المشاركة في الانتخابات كُتب عليها «أي رئيس؟ من المؤكد سيختلف الأمر» في ميدان ولي عصر وسط طهران (رويترز)
TT

إيران: المحافظون لشد أزر جليلي وجلب المشاركة في الجولة الثانية

لافتة تحفيزية تشجع الإيرانيين على المشاركة في الانتخابات كُتب عليها «أي رئيس؟ من المؤكد سيختلف الأمر» في ميدان ولي عصر وسط طهران (رويترز)
لافتة تحفيزية تشجع الإيرانيين على المشاركة في الانتخابات كُتب عليها «أي رئيس؟ من المؤكد سيختلف الأمر» في ميدان ولي عصر وسط طهران (رويترز)

تحتدم المواجهة بين المعسكرين الإصلاحي والمحافظ، مع تجدد الدماء في حملات المرشحين سعيد جليلي ومسعود بزشكيان، من دون أن يتضح مدى قدرتهما على جلب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، مع تصاعد دعوات المقاطعة في ثاني جولات الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة.

وزادت التشكلات المحافظة من تحركاتها لشد أزر حملة المرشح سعيد جليلي، الذي حصد 9.47 مليون من أصل 24.54 مليون بطاقة تم فرزها في الجولة الأولى الجمعة الماضي، ما يعادل 38 في المائة. وحصل منافسه الإصلاحي بزشكيان على 10.41 مليون صوت، أي 42 في المائة من الأصوات.

وبلغت المشاركة 39.99 في المائة من أصل 61 مليوناً قالت السلطات إنهم يمتلكون شروط المشاركة. وبلغت نسبة الإحجام، نحو 60 في المائة، وهي أدنى مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية الإيرانية منذ ثورة 1979.

وأعلن «حزب مؤتلفة الإسلامي»، الحزب السياسي المقرب من تجار بازار طهران، دعمه جليلي. وأشار الحزب في بيان إلى أن قراره جاء بعد اجتماع عقدته لجنته المركزية، «على أساس واجبها الشرعي والثوري والوطني». ودعا الحزب من سماها «القوى المخلصة للنظام، والملتزمة بالتقدم والتحول والتفاعل، إلى تمكين الرئيس المقبل من اتباع التوجيهات الواردة من المرشد الإيراني علي خامنئي».

وإذ أثنى الحزب على جميع من شاركوا في الجولة الأولى، دعا من جديد إلى المشاركة الواسعة الجمعة المقبل إلى «اختيار رئيس جمهورية ملتزم ومتدين، وذي روح جهادية وشعبية».

لافتة للمرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي في شارع وسط طهران (رويترز)

في الاتجاه نفسه، أعرب عدد من التشكلات الحزبية في التيار المحافظ دعمهم حملة رئيسي، في مقدمتها، «جمعية علماء الدين المجاهدين»، الخيمة التقليدية لرجال الدين المتنفذين من التيار المحافظ، التي هُزم أمينها العام، المرشح مصطفى بورمحمدي في الجولة الأولى، وحلّ في المرتبة الرابعة، بحصوله على 206397 صوتاً.

ولم يعلن بورمحمدي شخصياً موقفه من المرشحين المتبقيين، لكنه كتب في منصة «إكس»: «اليوم، أهم الأحداث هو الشيء نفسه الذي يتفق عليه الجميع بشأنه: المشاركة القصوى في انتخابات الجمهورية الإسلامية».

وقال عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، غلام رضا مصباحي مقدم: «إذا كانت المشاركة في الجولة الثانية مثل الأولى، فمن المتوقع أن يفوز جليلي بالانتخابات». لكنه أضاف أن الأمر «يعتمد على جهود القوى الثورية والمحافظة، للدخول إلى الميدان بكل قوتها منع تكرار تجربة الانتخابات في 2013» في إشارة إلى فوز حسن روحاني.

وأشار مصباحي مقدم في تصريح لوكالة «إيسنا» الحكومية إلى ضرورة التوصل إلى إجماع بين القوى الثورية في الجولة الثانية. وقال: «ربما لو كان هناك توافق بين القوى المحافظة في الجولة الأولى من الانتخابات، لما ذهبت إلى الجولة الثانية».

وقال: «مجموع أصوات جليلي وقاليباف يظهر هذا الأمر بوضوح، كانت هناك تحليلات تشير إلى أنه لو انسحب قاليباف لصالح جليلي لكانت أصواته انتقلت إلى سلة جليلي».

وأضاف: «لم تكن نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات مقبولة»، وأضاف: «كان من المتوقع أن نشهد حضوراً أكثر للثوريين في المشهد الانتخابي؛ نظراً للوداع التاريخي للرئيس إبراهيم رئيسي»، على حد تعبيره.

وقال في السياق نفسه: «كان أداء رئيسي جيداً وفعالاً خلال ثلاث سنوات إلى درجة أنه كان من المتوقع أن يشارك الناس بشكل جيد في صناديق الاقتراع». وأشار أيضاً إلى «عدم نجاح» التيار الإصلاحي في جلب مؤيديهم إلى صناديق الاقتراع، «على الرغم من التوقعات، بوجود شخصيات مثل الرئيس الأسبق محمد خاتمي ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف».

في سياق متصل، ذكرت مواقع إيرانية إن حوزة قم العلمية، قررت تعليق دراسة طلبة المدارس الدينية في الأسبوع الحالي. وأفادت نقلاً عن إدارة الحوزة بقولها إن سبب الإلغاء «ضرورة حضور الطلبة والأساتذة في المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية وجهاد التبيين».

واتهم موقع «انتخاب» المقرّب من الأوساط الأمنية في التيار الإصلاحي، فريق جليلي بوضع خطة لإرسال رجال دين إلى القرى «من أجل تغيير النظرة الإيجابية إزاء بزشيكان». وأضاف: «فريق سعيد جليلي الذي عمل على إنشاء شبكات على مدى عقدين، دخل الآن مرحلة جديدة لمنع تدفق أصوات الناخبين نحو بزشكيان». وأضاف: «قد أرسل هذا الفريق رسائل نصية واسعة النطاق لرجال الدين وطلبة المدارس الدينية، داعياً إياهم للذهاب إلى القرى، المساجد، والمناطق المختلفة في البلاد».

وقبل ساعات من أول مواجهة للمرشحين في المناظرة التلفزيونية حول القضايا الثقافية والسياسية، مساء الاثنين، توجه جليلي إلى أقصى شمال شرقي إيران، إلى مصلى مدينة جرجان، مركز محافظة غلستان، حيث ارتدى الأزياء التركمانية. وقال في خطاب أمام حشد من أنصار: «نحن اليوم في نقطة مهمة. بعضهم يخوّفون إيران من الحرب». وأضاف: «البعض يخوّف الشعب الإيراني من الحرب؟ الشعب الذي وقف بقوة وساهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة».

المرشح سعيد جليلي بين مجموعة من أنصاره في كلية الطلب جامعة طهران اليوم (مهر)

وقال: «البعض اعتبر حل مشكلات البلاد من الحوار مع دول الأخرى ومنحها الامتيازات، والنتيجة كانت أنهم منحوا الامتيازات ولكن الطرف الآخر، لم يقم بأي التزام وانسحب تماماً من الاتفاق النووي، وارتفع الدولار من ثلاثين ألف ريال إلى ثلاثمائة ألف ريال، وتضاعفت العقوبات مرتين». وأضاف: «كلما تمكنت دولة من المقاومة كانت ناجحة، في عملية الوعد الصادق، عندما هاجم الكيان الصهيوني سفارتنا في دمشق، أُطلقت عليهم مئات الصواريخ، ولم يرتكب الكيان الصهيوني وحلفاؤه أي غلطة».

وفي إشارة إلى وعود بزشيكان بالعودة إلى الاتفاق النووي، قال جليلي: «بدلاً من الاعتذار للشعب، يريدون إعادة الوصفة الخاطئة نفسها للشعب» حسبما أوردت وكالة «مهر» الحكومية.

وعاد جليلي إلى طهران، توجه إلى الكلية الطبية في جامعة طهران. وقال أمام حشد من الطلاب إن «حكم البلاد في حاجة إلى إشراف وليس برنامجاً فقط». وذكرت وكالة «إيسنا» الحكومية أن الطلاب ردّدوا شعار «بعد رئيسي فقط سعيد جليلي».

وكرر جليلي شعاره الانتخابي، «عالم من الفرص». وقال: «إيران في حاجة إلى قفزة هناك عالم من الفرص». وتابع: «ليس هناك وقت كثير، ويجب أن نبدأ العمل غداة الانتخابات، لم يعد هناك وقت لكي نقول سندرس، ونقيّم للوصول إلى الحلول، الخبراء يقولون يجب أن نبدأ العمل فوراً».

وقال: «البعض الذي رأى أنه لا يمكنه إدارة البلاد ببرامجه، عد ثماني سنوات، يكتبون الوصفة ذاتها للشعب، هذه الطريق خاطئة، إدارة البلاد ليست مزحة... لن نجامل، نحن في مرحلة ستدير البلاد لأربع سنوات مقبلة».

وتولى جليلي منصب أمين العام لمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (شعام)، وكانت المفاوضات النووية حينها على عاتق الأمين العام للمجلس، قبل أن تنتقل صلاحيات التفاوض للوزارة الخارجية.

وينظر إلى جليلي على أنه من أبرز خصوم الاتفاق النووي، ويتعرض لانتقادات بسبب قرارات أممية فُرضت على إيران خلال الفترة التي أشرف فيها على المفاوضات. وخلال فترة إبراهيم رئيسي، تولى نائبه السابق، علي باقري كني، وزير الخارجية الحالي بالإنابة ملف المفاوضات النووية.

ووجّه المنظّر الإصلاحي، سعيد حجاريان، سؤالين إلى جليلي عبر منصة «إكس» المحظورة في إيران. وقال حجاريان في السؤال الأول: «في ظل معتقدكم وكذلك فترة توليكم منصب الأمين العام للأمن القومي، صدرت قرارات ضد إيران وتسببت في عقوبات نفطية ومصرفية مدمرة على البلاد، لكن حتى الآن لم يظهر أي مؤشر على تغيير منطقكم أو استراتيجيتكم، هل ستكون حكومتكم حكومة استمرار القرارات الأممية والعقوبات؟».

وفي السؤال الآخر، قال: «لقد وصفت الحجاب بأنه العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في حين كنتم تعتبرون سابقاً الحضور بالوكالة لإيران في المنطقة عمقاً استراتيجياً، ما الذي حدث حتى تتجاوزون سوريا و(داعش)، وتتوجهون نحو شوارع الوطن لمواجهة النساء والفتيات الإيرانيات؟».


مقالات ذات صلة

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

تقرير: إيران تخفي برامج الصواريخ والمسيرات تحت ستار أنشطة تجارية

قالت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إن إيران لجأت إلى قطاعها التجاري لإخفاء تطويرها للصواريخ الباليستية، في خطوة للالتفاف على العقوبات الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».