تجميد موسكو اتفاق التعاون مع طهران بسبب «المشاكل» الإيرانية

خطوة تثير تساؤلات وتكشف خلافات

لافروف يلتقي القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري كني على هامش اجتماع «بريكس» في مدينة نيجني نوفغورود الروسية (الخارجية الروسية)
لافروف يلتقي القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري كني على هامش اجتماع «بريكس» في مدينة نيجني نوفغورود الروسية (الخارجية الروسية)
TT

تجميد موسكو اتفاق التعاون مع طهران بسبب «المشاكل» الإيرانية

لافروف يلتقي القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري كني على هامش اجتماع «بريكس» في مدينة نيجني نوفغورود الروسية (الخارجية الروسية)
لافروف يلتقي القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري كني على هامش اجتماع «بريكس» في مدينة نيجني نوفغورود الروسية (الخارجية الروسية)

في تطور غير مسبوق لجهة الكشف علناً عن تباينات في المواقف، فاجأت الخارجية الروسية الأوساط المتابعة للعلاقات الروسية - الإيرانية بإعلانها تجميد العمل على وضع اتفاق شامل للتعاون، كان الطرفان قد أكدا عدة مرات خلال الأشهر الماضية أنه «بات منجزاً»، وينتظر التوقيع عليه في أسرع وقت.

أثارت هذه الخطوة تساؤلات حول مدى تقارب مواقف الطرفين في التوصل إلى صياغة نهائية للاتفاق الذي وصفه مسؤولون إيرانيون وروس بأنه يفتح مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي في كل المجالات. وأمضى الطرفان نحو عامين في نقاشات مكثفة على مستوى الخبراء وكبار الدبلوماسيين، ولم يسبق لأي منهما أن أشار إلى وجود تباينات في المواقف حول الاتفاق المرتقب.

في هذا الصدد، أعلن زامير كابلوف، مدير الإدارة الآسيوية الثانية بوزارة الخارجية الروسية والمسؤول عن ملف العلاقة مع إيران، «تعليق العمل على إبرام اتفاق للتعاون الشامل بين روسيا وإيران بسبب المشاكل في طهران».

وأضاف كابلوف في مقابلة مع وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية أن «العملية توقفت بالطبع بسبب مشاكل مع الشركاء الإيرانيين، لكن ليس لدي أدنى شك في أنه سيتم تجاوز تلك المشاكل، وسوف يقرر زعيما البلدين بعد الانتهاء من العمل على الوثيقة موعد وآلية التوقيع عليها».

وأكد الدبلوماسي أن قرار إبرام الاتفاق «لم يفقد قوته قط، وهو غير مرتبط بالأحداث الأخيرة»، في إشارة إلى حادثة تحطم مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

تستند العلاقات بين روسيا وإيران حالياً إلى اتفاقية «أساسيات العلاقات ومبادئ التعاون» الموقعة في عام 2001، والتي يتم تجديدها تلقائياً منذ ذلك الحين كل خمس سنوات. ومع ذلك، أطلقت موسكو وطهران قبل عامين العمل على إعداد وثيقة جديدة لتنظيم التعاون في كل المجالات، وأعلن الطرفان أن الوثيقة السابقة باتت تحتاج إلى «تجديد كامل»؛ لأنها «لم تعد تلبي الحقائق الجيوسياسية الجديدة ومتطلبات إطلاق مستويات أعلى من التعاون».

وقال مسؤولون روس حينها إن المعاهدة الجديدة ستصبح «أهم وثيقة أساسية تحدد التفاعل الروسي الإيراني للسنوات، وربما العقود المقبلة».

بدأ العمل النشط على وضع اتفاقية جديدة في يناير (كانون الثاني) 2022 بعد زيارة رئيسي لموسكو. ومع ذلك، بعد عامين من العمل على الوثيقة، لا تزال وزارة الخارجية تجد صعوبة في تحديد الإطار الزمني التقريبي لإبرام الاتفاقية.

وأوضح كابلوف بعض النقاط الخلافية من دون أن يكشف عن تفاصيل وافية؛ إذ قال إن «المشروع كان قد وصل إلى مستوى عالٍ من الاستعداد في بداية هذا العام، ولكن بعد ذلك أدخل الشركاء الإيرانيون عدة تعديلات تطلبت موافقة مشتركة بين الإدارات مرة أخرى هنا في روسيا».

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال قبل أسبوع إن «العلاقات بين روسيا وإيران تتطور بشكل جيد في العديد من المجالات». وأضاف: «لدينا خطة كاملة للعمل المشترك، ونعمل على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية. بالطبع، نود بشدة أن نبذل المزيد من الجهود نحو التطوير في مجال التكنولوجيا المتقدمة». وفي الوقت ذاته، أكد بوتين أنه «مع الأخذ في الاعتبار جميع القيود المفروضة، فإن هذا المسار ليس سهلاً، ولكنه ممكن».

اللافت أن الكرملين والخارجية الروسية سعيا مباشرة بعد تصريحات كابلوف إلى التخفيف من وقعها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن «اتفاق التعاون الشامل بين روسيا وإيران لا يمكن التوقيع عليه الآن، لكن نصف الاتفاق تم تنسيقه بالكامل»، مشيراً إلى أنه «يتبقى على طهران استكمال عدة خطوات إجرائية لتقديم نص الاتفاق الشامل بين روسيا وإيران للتوقيع عليه من قبل الرئيسين».

بدوره، قال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن العمل على اتفاق تعاون بين روسيا وإيران «لا يزال مستمراً»، مؤكداً أن «الجدول الزمني قد يتغير بسبب استعدادات إيران للانتخابات الرئاسية».

وقال بيسكوف للصحافيين، الثلاثاء: «إذا تحدثنا بشكل مباشر وكامل، لا يزال العمل مستمراً. لكن مع الأخذ بعين الاعتبار المرحلة الحالية في طهران، حيث يتم الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية، يتحول جدول الأعمال قليلاً إلى اليمين؛ لأن الانتخابات الرئاسية تليها كالمعتاد تعيينات جديدة لها تأثيرات محتملة»، مؤكداً نية موسكو مواصلة تطوير العلاقات مع طهران و«تحسين القاعدة القانونية المشتركة».


مقالات ذات صلة

«الحرس الثوري» يلتزم الصمت بشأن مصير قاآني

شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين بطهران الأحد الماضي (التلفزيون الرسمي)

«الحرس الثوري» يلتزم الصمت بشأن مصير قاآني

التزمت طهران الصمت إزاء تقارير تفيد بإصابة قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني، وذلك وسط تأهب إيراني لرد إسرائيلي محتمل على هجوم صاروخي باليستي شنه «الحرس الثوري».

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

مكتب ميقاتي ينفي أن يكون اجتماعه مع وزير خارجية إيران أمس عاصفاً

نفى المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، ما تم تداوله بشأن أن اجتماعه مع وزير خارجية إيران عباس عراقجي أمس كان عاصفاً.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
شؤون إقليمية المرشح الرئاسي الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب يتحدث في تجمع لحملته الانتخابية في نورث كارولاينا (رويترز) play-circle 00:56

ترمب يدعم ضرب «النووي» الإيراني… وإسرائيل لا تقدم ضمانات لبايدن

أرسلت وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون) مجموعة كبيرة من الأسلحة إلى المنطقة، ومنها حاملات طائرات ومدمرات بصواريخ موجهة وسفن هجومية برمائية وأسراب من المقاتلات.

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية تظهر صورة جوية قاعدة نيفاتيم الجوية بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الأربعاء (رويترز)

إسرائيل تخطط لرد «جاد وذي تأثير» على الهجوم الباليستي الإيراني

قال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن الجيش يستعد لتوجيه ضربة لإيران ستكون «جادة وقاسية وذات تأثير كبير».

كفاح زبون (رام الله )
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (يسار) مع نظيره السوري بسام الصباغ (يمين) خلال اجتماع في دمشق (إ.ب.أ)

وزير خارجية إيران يزور دمشق... ويأمل نجاح مساعي وقف إطلاق النار في لبنان وغزة

جدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم (السبت)، من دمشق، التأكيد على أهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان وغزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تقرير: الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل يثير تساؤلات حول ترسانة طهران

القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)
القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

تقرير: الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل يثير تساؤلات حول ترسانة طهران

القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)
القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)

سلّطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على الصواريخ المستخدمة في الهجوم الذي شنّته إيران على إسرائيل، الثلاثاء، وقالت إن الهجوم أثار تساؤلات بعض المحللين حول قيمة الترسانة التي تملكها طهران.

وهذا الهجوم الثاني الذي تشنّه إيران ضد إسرائيل بشكل مباشر، وتميز بمداه الواسع وتأثيره المحدود، وأعطت طهران تحذيراً قبل إطلاق ما لا يقل عن 180 صاروخاً «باليستياً» على إسرائيل.

ويُظهر تحليل للصحيفة أن ما لا يقل عن 20 صاروخاً نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية، وقال إنه عدد يعد أكبر بكثير من الهجوم السابق في أبريل (نيسان)، حيث تسبب بعضها في أضرار في المواقع العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية أو بالقرب منها، ولكن حتى الآن كانت التقارير عن الأضرار الجسيمة على الأرض محدودة، وفقاً للصحيفة.

وذكرت «واشنطن بوست» أن الأدلة تشير إلى أن إيران استخدمت أسرع صواريخها وعدداً أكبر من منصات الإطلاق مما يعرفه الخبراء أنها تمتلكه، كما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن إيران استخدمت صاروخاً «باليستياً» متقدماً لم يستخدم من قبل.

ويوفر هجوم هذا الأسبوع والهجوم الذي سبقه معلومات غير مسبوقة للتعرف على مدى قدرات إيران، وقدرة إسرائيل على اعتراضها.

وقال بعض الخبراء إن تحليلات المعلومات تُشكك في قيمة ترسانة طهران الصاروخية، التي قدر المسؤولون الأميركيون أنها الأكبر في الشرق الأوسط.

استعراض للقوة

كان هجوم هذا الأسبوع ملحوظاً في اختلافه عن الهجوم الصاروخي الأول على إسرائيل.

وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أن هذه الخطوة كانت رداً على ضربة إسرائيلية على مجمع دبلوماسي إيراني في سوريا، وقعت قبل أكثر من أسبوعين.

واستخدمت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة من دون طيار في ذلك الهجوم (نحو 170 طائرة دون طيار)، وفقاً للتقييمات الأميركية، و150 صاروخاً، 30 منها صواريخ «كروز»، وصواريخ «باليستية».

ويقول المحللون إن إيران أمضت أياماً في الإعلان عن نياتها، ما سمح لإسرائيل وحلفائها بالاستعداد، مستخدمةً صواريخ بطيئة يمكن التقاطها، ويبدو أن بعضها قد فشل.

ومع ذلك، قال المحللون إن الهجوم يحمل مخاطر حقيقية، وذكر جون كرزيزانياك، الباحث الذي يدرس برامج الأسلحة الإيرانية في مشروع «ويسكونسن» للحد من الأسلحة النووية: «في كل مرة تطلق فيها 300 ذخيرة على دولة أخرى، فإنك تنوي إحداث بعض الأضرار الحقيقية».

وإذا كانت الضربة الأولى لإيران على إسرائيل لإظهار القوة، فإن هذا الأسبوع بدا أنها كانت تنوي توجيه ضربة أكثر أهمية، كما تظهر الأدلة.

ولقد تضررت مكانة طهران بسبب الهجمات الإسرائيلية على «حزب الله» و«حماس».

وقالت إيران إن ضربة الثلاثاء كانت ردّاً على مقتل حسن نصر الله، زعيم «حزب الله»، في بيروت أواخر الشهر الماضي، وزعيم حماس إسماعيل هنية، في طهران في يوليو (تموز).

وذكر بهنام بن طالبلو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: «أرادوا غسل الدم بالدم».

وقال بعض المحللين إن إيران ربما استخدمت صواريخ أكثر حداثة، ما يعني أنه يمكن إطلاقها بسرعة، دون الحاجة إلى تزويدها بالوقود أولاً.

وأفادت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية بأن إيران استخدمت صواريخ بعيدة المدى، ويعتقد أنها استُخدمت أيضاً لأول مرة صواريخها الأكثر تقدماً «فرط صوتية» من طراز «فاتح»، حسبما ذكرت وكالة «مهر» للأنباء.

وكشفت إيران عن الصاروخ «فاتح» العام الماضي، وقال الخبراء إنه لا يفي بالمعايير نفسها التي توصف بها الأسلحة الغربية بأنها فرط صوتية القدرة على المناورة، لكنه يتمتع ببعض القدرة على المناورة التي يمكن أن تساعد في التهرب من الدفاعات الصاروخية.

وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بأن 90 في المائة من الصواريخ وصلت إلى هدفها، وفي حين قال المحللون إن هذه مبالغة، تشير الأدلة إلى أن عدداً أكبر بكثير وصل إلى إسرائيل مقارنة بشهر أبريل.

منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض الصواريخ كما شوهدت من عسقلان (رويترز)

ووجد تحليل أجرته صحيفة «واشنطن بوست» لصور الأقمار الصناعية أن ما لا يقل عن 20 صاروخاً ضربت أو اقتربت من موقعين عسكريين وموقع استخباراتي.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن ترد إسرائيل بضربات من جانبها، وقال المسؤولون الإيرانيون إن بلادهم سترد بالمثل.

لكن أفشون أوستوفار، أستاذ شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية في كاليفورنيا، قال إن التهديدات الإيرانية أصبحت أضعف بسبب ضرباتها «يحاول المسؤولون الإيرانيون وصف نار الجحيم التي سيهطلونها على إسرائيل إذا ردّت إسرائيل، وهذا ليس تهديداً موثوقاً به كما كان من قبل».