استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية والهروب من الإخفاق الأساسي

رسالة تقول للمجتمع الإسرائيلي إن الحرب على غزة انتهت

نتنياهو يزور جنود وحدة ديفورا التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي يناير الماضي (د.ب.أ)
نتنياهو يزور جنود وحدة ديفورا التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي يناير الماضي (د.ب.أ)
TT

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية والهروب من الإخفاق الأساسي

نتنياهو يزور جنود وحدة ديفورا التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي يناير الماضي (د.ب.أ)
نتنياهو يزور جنود وحدة ديفورا التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي يناير الماضي (د.ب.أ)

كان من الممكن أن تتحول استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أهارون هاليفا، الاثنين، من منصبه، على خلفية الإخفاقات في رصد ومنع هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى حدث جلل يهز المجتمع الإسرائيلي ويُحدِث فيه زلزالاً سياسياً بدرجة عالية في سلم ريختر.

فهذه هي أضخم شعبة في الجيش الإسرائيلي، ومسؤولة عن رصد تحركات العدو، وتحليل المعلومات الهائلة التي تتجمع لديها، واستخلاص الاستنتاجات إزاء نياتها، ومسؤولة عن التحذير من النشاطات والنيات الحربية، وبناء على تقديراتها يتم وضع الخطط الحربية الإسرائيلية.

وقد تم تحميل هذه الشعبة المسؤولية عن الإخفاقات في حرب أكتوبر 1973، وباتت هذه الحرب عاراً على «أمان» كان صعباً محوه طيلة 50 عاماً. ولذلك فإن الإخفاق في رصد هجوم «حماس» كان ذا أثر مضاعف. وزاد الطين بلة أن هاليفا شخصياً تلقى معلومات عن «تحركات غير عادية» في صفوف «حماس» في الثالثة فجر يوم السابع من أكتوبر، أي قبل 3 ساعات ونصف الساعة من وقوع الهجوم. وكان عندها في رحلة استجمام عائلية في إيلات، لكنه قرّر تأجيل متابعة الموضوع وبقي في الفندق.

متظاهرة إسرائيلية ضد الحكومة ترفع لافتة خارج مبنى الكنيست في القدس نهاية مارس تطالب بوقف الحرب (إ.ب.أ)

أمام هذه المعطيات كان هاليفا ينوي الاستقالة بعد الحرب مباشرة، لكن قيادة الجيش منعته من ذلك، وقيل له إن جميع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يجب أن يستقيلوا «فهم جميعاً شركاء في الإخفاق». وهي لا تريد أن يتم تعيين قادة مكانهم من طرف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، خوفاً من أن يلوثوا هذه الأجهزة بالفساد، وأن يرشحوا للمناصب الحساسة أشخاصاً ينفذون إرادة رئيس الحكومة، ويفضلونها على الحسابات العسكرية المهنية. وأعلنوا جميعاً، في حينه، أنهم ينوون الاستقالة بعد الحرب.

رئيس شعبة الاستخبارات أهارون هاليفا خلال زيارة للجنود الإسرائيليين في غزة نهاية ديسمبر الماضي (موقع الجيش الإسرائيلي)

ويعتقد بأن هاليفا اختار هذا الموعد للاستقالة، مع رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، في إشارة إلى الجمهور بأن الحرب في غزة قد انتهت منذ فترة طويلة ولم تعد مجدية، مع اتهام الحكومة بالاستمرار فيها فقط؛ لأن مصلحة نتنياهو تقتضي ذلك؛ خدمة لأغراضه الشخصية المرتبطة بمحاكمة الفساد وأغراضه الحزبية.

لكنّ اليمين يفند هذا الزعم ويقول إن هاليفا استقال الآن بسبب إخفاق أمني جديد مسجل على جبينه. فهو فشل أيضاً في معرفة كيفية رد إيران على العملية الإسرائيلية التي نفذت في دمشق، وتمت خلالها تصفية القائد في «الحرس الثوري» محمد رضا زاهدي ومجموعة من كبار المسؤولين معه، في مبنى القنصلية الإيرانية.

وقد جاء لافتاً للنظر أن رسالة الاستقالة التي وجهها هاليفا لرئيس الأركان، تشير إلى تحمل مسؤولية باسم شعبة الاستخبارات، ولا تتطرق للمسؤولية الشخصية. وتحتوي أيضاً على مطلب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات 7 أكتوبر. فهذه الصيغة تخبئ وراءها مضموناً مهماً، فجميع قادة الجيش والمخابرات أعلنوا أنهم يتحملون المسؤولية الإدارية وليس الشخصية عن الإخفاق.

أقارب الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب مطالبين الحكومة بوقف الحرب والتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراحهم (أ.ف.ب)

وفي الوقت نفسه، يعتقدون أن نتنياهو يتحمل المسؤولية الكبرى، ليس فقط بوصفه المسؤول الأول، بل لأنهم كانوا قد حذروه من هجوم من «حماس» و«حزب الله»، ولكنه لم يكترث. فقد أبلغوه أن الإجراءات المتطرفة التي يقودها وزراء اليمين ضد الفلسطينيين، مثل الاقتحامات للمسجد الأقصى، وانفلات المستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين، والممارسات ضد الأسرى، وإغلاق آفاق التسوية السياسية، سوف تفجر توتراً كبيراً في وجه إسرائيل. لكن نتنياهو لم يكترث، رغم أنهم حذروه شفهياً، ثم كتبوا تحذيراتهم في مذكرة خطية رسمية سربوها للصحافة، ولم يكترث أيضاً، ولذلك فهو المسؤول الأول عن هجوم «حماس»، وهو أيضاً مسؤول عن تقوية «حماس» على السلطة الفلسطينية، وتعزيز الانقسام.

اجتماع حكومة الحرب في تل أبيب يوم 18 يناير (المكتب الإعلامي الحكومي الإسرائيلي - د.ب.أ)

من جهته، يرفض نتنياهو تحمل أي مسؤولية، ويشغل المجتمع الإسرائيلي في الحرب؛ كي يطيل مدة تأجيل التحقيق، بل يحاول أن يجعله تحقيقاً متواضعاً وموجهاً من لجنة حكومية، ولذلك يركز هاليفا على «لجنة تحقيق رسمية»، أي لجنة مستقلة برئاسة قاض، وتتمتع بصلاحيات قضائية.

وهنا تنبغي الإشارة إلى أنه حتى لو شكلت لجنة تحقيق رسمية، فإن نتنياهو سيحاول تقييد نطاق تحقيقاتها؛ كي لا تطاله براثنها. وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها المجتمع السياسي الإسرائيلي ويجعلها نهجاً له. فالمعروف أن الإخفاق الأول عن هذه الحرب وما سبقها من حروب، كان من قِبل السياسة الإسرائيلية التي تعتمد على القوة، وعلى التهرب من التسوية السياسية.

المصافحة التاريخية برعاية الرئيس كلينتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بعد توقيع اتفاق أوسلو بواشنطن 13 سبتمبر 1993 (غيتي)

أيضاً في حرب أكتوبر 1973، نجحت القيادة السياسية في التملص من حقيقة أساسية، هي أن مصر كانت قد عرضت مسيرة سياسية للسلام مع إسرائيل، لكن الحكومة برئاسة غولدا مئير رفضت العرض وتمسكت بسياسة القوة الحربية، ولو أنها وافقت لكانت حقنت الكثير من الدماء الإسرائيلية والعربية.

أما حكومة نتنياهو فاتسمت بإجهاض الحلول السلمية، وأجهضت «اتفاقيات أوسلو» التي كانت بمثابة مسار سياسي سلمي، والهدف الذي وضعه رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، لهذه الاتفاقيات هو أن تتحول إلى تسوية دائمة.


مقالات ذات صلة

«كتائب القسام» تنشر فيديو لرهينة إسرائيلي منذ أكثر من 420 يوماً

المشرق العربي صورة مأخوذة من مقطع فيديو نشره المكتب الإعلامي لحركة «حماس» يظهر أحد أعضاء «كتائب القسام» وهو يسلم رهينة مسنة إلى مسؤولين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة (أ.ف.ب)

«كتائب القسام» تنشر فيديو لرهينة إسرائيلي منذ أكثر من 420 يوماً

نشرت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، السبت، فيديو يظهر ماثان زانغاوكر، البالغ من العمر (25 عامًا) على قيد الحياة.

شؤون إقليمية المحرر الفلسطيني زياد أبو حية الذي اتهمت حركة «فتح» حركة «حماس» بقتله (متداولة)

مقتل ناشط في «فتح» بغزة

اتهمت حركة «فتح» حركة «حماس» بقتل المحرر زياد أبو حية، الجمعة، ما أعاد إلى الأذهان بالنسبة لكثير من الغزيين، مشاهد متكررة من تبادل الاتهامات بين الحركتين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية صور أسرى إسرائيليين لدى «حماس» مثبتة على جذوع أشجار على شاطئ في تل أبيب الجمعة (إ.ب.أ) play-circle 00:54

عودة زخم مفاوضات «هدنة غزة» وسط تفاؤل الأطراف المشاركة 

رأى رئيس الوزراء القطري أن الخلافات بين «حماس» وإسرائيل «ليست جوهرية».

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي شاحنة تحمل مساعدات في مخيم النصيرات بغزة (أ.ف.ب)

استئناف مفاوضات وقف النار في غزة «متوقع» الأسبوع المقبل

يتوقع أن تستضيف القاهرة الأسبوع المقبل جولة جديدة من المفاوضات سعيا للتوصل الى هدنة بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة.

المشرق العربي رجل يجرّ أحد المصابين نتيجة قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

طبيب: إسرائيل اقتحمت مستشفى كمال عدوان وطردت عاملين ومرضى

قال مدير مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة إن قوات إسرائيلية اقتحمت المستشفى الليلة الماضية، وأمرت بإجلاء بعض العاملين والنازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الجيش الإسرائيلي يعلن مساعدة قوات الأمم المتحدة في «صد هجوم» بجنوب سوريا

قوات إسرائيلية في مرتفعات الجولان بالقرب من الحدود مع سوريا (رويترز)
قوات إسرائيلية في مرتفعات الجولان بالقرب من الحدود مع سوريا (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن مساعدة قوات الأمم المتحدة في «صد هجوم» بجنوب سوريا

قوات إسرائيلية في مرتفعات الجولان بالقرب من الحدود مع سوريا (رويترز)
قوات إسرائيلية في مرتفعات الجولان بالقرب من الحدود مع سوريا (رويترز)

أعلنت إسرائيل، اليوم (السبت)، أنها تدعم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في سوريا، بعد هجوم شنه «أفراد مسلحون».

وقال الجيش الإسرائيلي إن موقعاً للأمم المتحدة بالقرب من بلدة حضر القريبة من الحدود مع إسرائيل تعرّض لهجوم.

وأوضح في بيان أنه «قبل قليل، تم رصد هجوم من قبل مسلحين نحو موقع تابع للأمم المتحدة في منطقة حضر بسوريا»، في إشارة إلى البلدة تقع على حافة المنطقة العازلة التي تنتشر فيها الأمم المتحدة بمرتفعات الجولان.

وأضاف الجيش الإسرائيلي أنه «يساعد قوة الأمم المتحدة لصد الهجوم».

وقالت إسرائيل في وقت سابق إنها تعزز وحداتها في منطقة مرتفعات الجولان التي ضمتها عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي ككل، بعد أن احتلتها خلال حرب عام 1967.

آليات عسكرية إسرائيلية في طريقها للمنطقة الحدودية مع سوريا (إ.ب.أ)

ومنذ عام 1974، تقوم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المعروفة باسم «يوندوف»، بدوريات في منطقة عازلة بين المنطقتين الخاضعتين للسيطرة الإسرائيلية والسورية.

وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن قوات من «الفصائل السورية المسلحة» احتلت عدة مواقع بالقرب من الحدود مع إسرائيل، بما في ذلك محافظة القنيطرة.

وتشهد سوريا تطورات متسارعة منذ أواخر الشهر الماضي، مع سيطرة فصائل مسلحة على مدينتي حلب وحماة وإعلانها، السبت، بدء «تطويق» العاصمة دمشق.