هل تغير واشنطن سياستها من إيران بسبب غزة؟

باحثون لـ«الشرق الأوسط»: ميليشياتها قد ترتد للتلاعب باستقرار المنطقة

بلينكن يصعد إلى طائرة نقل عسكرية في مطار بغداد الدولي السبت الماضي (أ.ب)
بلينكن يصعد إلى طائرة نقل عسكرية في مطار بغداد الدولي السبت الماضي (أ.ب)
TT

هل تغير واشنطن سياستها من إيران بسبب غزة؟

بلينكن يصعد إلى طائرة نقل عسكرية في مطار بغداد الدولي السبت الماضي (أ.ب)
بلينكن يصعد إلى طائرة نقل عسكرية في مطار بغداد الدولي السبت الماضي (أ.ب)

يُجمع العديد من التعليقات والتحليلات عن الحرب التي دخلت شهرها الثاني في غزة، على اعتبارها واحدة من أكثر دورات العنف وحشية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن في خلفية هذا الحدث، يرى البعض أن ما يجري، يشير إلى صراع أوسع، في ظل تنافس شديد بين قوى إقليمية، بعضها يحمل أوهاماً «إمبراطورية» تاريخية لتجديد سيطرته على المنطقة، فيما قوى أخرى، عربية على وجه الخصوص، تطمح لبناء مشاريع استقرار تقوم على سلام عادل، مدعومة بخطط اقتصادية رافعة للمنطقة. فأين تقف إيران المدعومة على نحو متزايد من روسيا والصين من هذا الصراع؟ وما الذي جنته أو خسرته جراء الحرب المندلعة؟ وهل أخطأت في حساباتها؟

طهرات تتنصل

الحقيقة الأكثر أهمية حتى الآن، ومن منظور عالمي، هي أن إيران لا تحصل على ما أرادته جراء الحرب. إذ وبمعزل عمّا إذا كانت هي من دعم وموّل وأعطى الإشارة لهجوم «حماس»، بهدف تعطيل مسار التطبيع، والتسبب في الألم لإسرائيل وهز صورتها، فإن تنصلها الفوري والعلني كشف عن حقيقة رئيسية أيضاً؛ بأن أصابعها تبدو وقد قطعت من «الاستثمار» في غزة، بعد رسالة الردع غير المسبوقة التي وصلتها، ولا تزال، من الحشد العسكري الأميركي غير المسبوق كذلك في المنطقة.

يقول إليكس فاتنكا، كبير الباحثين في الملف الإيراني بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن: «من الواضح أن النظام الإيراني كان أمام مفاجأتين جراء الصراع الذي اندلع في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لم يتوقع تداعيات هجوم (حماس)، ولم يتوقع الرد الأميركي غير المسبوق عليه عبر حشد الأساطيل والإنذارات المباشرة ضده». وأضاف قائلاً في مقابلة مع «الشرق الأوسط»: «لذلك كان رد المرشد الإيراني علي خامنئي سريعاً بأن إيران ليست مسؤولة عن الهجوم، ولا يد لها فيه، ولا تريد الذهاب إلى حرب مع أحد».

في المقابل، يقول بهنام بن طالبلو، كبير الباحثين في الشأن الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الحريات في واشنطن، إن تعزيز وضع القوة الأميركية في المنطقة يعد أمراً ضرورياً، ولكنه ليس كافياً لإنشاء قوة ردع ضد الجمهورية الإسلامية. وأضاف طالبلو لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «طهران تواصل المغامرة بأنها تستطيع العمل تحت عتبة أميركا وإسرائيل للاستخدام العلني للقوة من خلال استخدام الوكلاء والميليشيات».

تهديدات ميليشيات إيران

وتتصاعد التحذيرات من احتمال أن تقوم الميليشيات التي تدعمها إيران والمنتشرة من العراق إلى اليمن، بالارتداد للتلاعب بدول المنطقة، وتهدد مشاريع النمو التي تحتاج إلى استقرار سياسي وأمني.

وهنا يقول فاتنكا، لا أعتقد أن تلك الميليشيات يمكن أن تقوم بتوسيع أنشطتها من دون توقع رد فعل، يختلف باختلاف البلد الذي يمكن أن يتعرض لتحرشاتها. كما لا يمكن مقارنة التحرش بالسعودية مثلاً، بما يجري من تحرش في العراق، أو في البحرين والإمارات باليمن، مثلما أنه لا يمكن التكهن بأن تلك الميليشيات ستنفذ طلبات إيران في حال حصولها، من دون أن تأخذ في الاعتبار تبعات ذلك. بالطبع يمكن لتلك الميليشيات أن ترفع الكلفة، ولكن لا يمكنها أن تقوم بهجمات يمكن أن تدخلها في صراعات أكبر منها. ولا يوجد مؤشرات عن حدوث هذا الأمر الآن، بينما الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يستعد لزيارة المملكة العربية السعودية.

غير أن طالبلو يقول إن كوكبة إيران من الميليشيات، والوكلاء، و(الجماعات الإرهابية) التي تسميها «محور المقاومة»، مستعدة للاستمرار في تهديد الاستقرار الإقليمي. ويضيف أن تلك الجماعات تطورت في دول ذات سلطة مركزية ضعيفة. وباعتبارها تحديات لسلطة الدولة، فهي تساعد في «تعزيز رسالة طهران الإقليمية التحريفية» التي لا يمكن تعزيزها إلا وسط الفوضى، وليس الاستقرار. وفي الواقع، فإن الخوف من الاستقرار والسلام والازدهار في المنطقة هو ما سيجعل طهران تستخدم هذه القوى بشكل أكبر، وليس أقل. وأضاف أن «الهجوم الإرهابي» الذي وقع في 7 أكتوبر كان على الأرجح وسيلة لتجاوز المد المتصاعد للتطبيع الدبلوماسي العربي - الإسرائيلي.

هل يتغير الموقف؟

ورغم ذلك، تطرح أسئلة كثيرة عمّا إذا كانت الحرب في غزة ستغير سياسات إدارة الرئيس جو بايدن، وواشنطن عموماً، تجاه الدور الإيراني في المنطقة، بعدما ظهر جلياً الدور الهامشي لحلفاء طهران الرئيسيين، روسيا والصين، في التأثير بمجريات الحرب، الذي لم ينتج سوى دعوات لـ«هدن إنسانية»، ومطالبة بخفض أعداد القتلى المدنيين، وسط ضوء أخضر لمواصلة تحقيق أهداف الحرب لتغيير «الستاتيكو» في المنطقة!

يقول فاتنكا إن موقف إدارة بايدن من العلاقة مع إيران، هو سؤال كبير الآن بالنظر إلى الدعوات التي تصدر عن الكونغرس، التي تدعو إلى معاقبة النظام وصولاً إلى تغييره. لكن لا أعتقد أن إدارة بايدن مقبلة على هذا الخيار الآن، بل هي ترغب في قطع صلات طهران بملف الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لتغيير العلاقة بينهما والاستثمار فيها مستقبلاً، بدلاً من تغيير النظام أو الدخول في حرب معه.

تحوّل أميركي عميق

وبحسب صحيفة «إيكونوميست»، يجري الآن تحول سريع وربما عميق في أميركا تجاه إيران. وبعد أزمة الرهائن الأميركيين عام 1979، سعى الرئيس السابق باراك أوباما إلى تحييد برنامج إيران النووي، ووقع اتفاقاً معها عام 2015. لكن الرئيس دونالد ترمب تخلى عنه عام 2018، ومارس «الضغط الأقصى»، الذي «لم يغير سلوك إيران بشكل ملحوظ».

وبعد فشل بايدن في استعادة الاتفاق، اختار «الدبلوماسية المنخفضة»، وكان هناك تفاهمات هشة؛ كتخفيف إيران تركيز اليورانيوم وخفض واشنطن عقوباتها، لترتفع الصادرات النفطية الإيرانية إلى نحو 1.5 مليون برميل، معظمها إلى الصين، وإطلاق سراح 5 أميركيين مقابل رفع تجميد 6 مليارات دولار، (تقطعت بها السبل الآن في حساب ضمان في قطر).

ويريد الجمهوريون في الكونغرس أن تصبح الإدارة أكثر صرامة، داعين إلى وضع خط أحمر واضح، من خلال الإعلان عن أن مقتل جندي أميركي على يد إيران أو حلفائها، من شأنه أن يستدعي هجوماً أميركياً مباشراً على إيران. (حتى الآن ردت واشنطن على الهجمات التي تتعرض لها قواتها، بهجمات على قواعد لميليشيات إيران). كما أن جماعات الضغط تسير على طريق الحرب أيضاً، فقد دعت إحدى المجموعات البارزة، «متحدون ضد إيران نووية»، إلى قصف إيران على الفور.

ويقول طالبلو، في حين أن هجوم «حماس»، المدعوم من إيران ضد إسرائيل، يجب أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ لإدارة بايدن، فإن الرغبة في مواصلة السعي للعودة إلى الاتفاق النووي معها، وعدم فرض عقوبات على نفطها، يشيران إلى أن الإدارة تعتقد أنها تستطيع الاستمرار في احتواء تحديات إيران النووية والإقليمية في المنطقة.


مقالات ذات صلة

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

تقرير: إيران تخفي برامج الصواريخ والمسيرات تحت ستار أنشطة تجارية

قالت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إن إيران لجأت إلى قطاعها التجاري لإخفاء تطويرها للصواريخ الباليستية، في خطوة للالتفاف على العقوبات الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».