«مكتبة الملك فهد الوطنية» تقترب من إكمال عقدها الثالث

عصر جديد للمكتبة بعد تعيين رئيس جديد لمجلس الأمناء

مبنى مكتبة الملك فهد الوطنية وسط العاصمة السعودية الرياض (واس)
مبنى مكتبة الملك فهد الوطنية وسط العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

«مكتبة الملك فهد الوطنية» تقترب من إكمال عقدها الثالث

مبنى مكتبة الملك فهد الوطنية وسط العاصمة السعودية الرياض (واس)
مبنى مكتبة الملك فهد الوطنية وسط العاصمة السعودية الرياض (واس)

في يوم الخامس من شهر رمضان لعام 1417هـ، دشّن الملك سلمان بن عبد العزيز - بينما كان أميراً للرياض - مكتبة الملك فهد الوطنية في العاصمة السعودية، لتُكمل المكتبة بحلول الخامس من رمضان الحالي عامها الثامن والعشرين.

«مكتبة الملك فهد الوطنية»، التي بدأت كفكرة ​لدى أهالي مدينة الرياض رغبةً منهم في التعبير عن مشاعرهم تجاه الملك فهد بن عبد العزيز، بمناسبة تولّيه مقاليد الحكم آنذاك الذي وافق عام 1402هـ، رأوا أن يعبّروا عن ذلك بإقامة معلم تذكاري، فكان الإعلان عن مشروع المكتبة، الذي حظِي بدعم مادّي من الدولة نفسها.

بإشراف أمانة الرياض، بدأ العمل على تنفيذ المشروع في العام الهجري 1406، على أن تكون «مكتبةً عامة» وبعد عامين، تكوّنت إدارة مؤقتة؛ تفرغت للتخطيط لعملية تنمية المجموعات وتنظيمها وإعدادها، ووضع نواة الجهازين الإداري والفني لها، وفي عام 1409 هـ تم البناء والتأثيث والتجهيز.

 

لاحقاً حُوِّلت «المكتبة العامة» إلى مكتبة وطنية للسعودية بناءً على اقتراح الملك سلمان بن عبد العزيز خلال فترة تولّيه مهام إمارة منطقة الرياض، ليدشّنها في الخامس من رمضان 1417هـ.

 

مستقبل منتظر مع فيصل بن سلمان

وينتظر أن يشكّل مستقبل المكتبة إضافة للقطاع الثقافي والمكتبي في السعودية، خصوصاً ​مع صدور أمر ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتعيين الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز رئيساً لمجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية، إلى جانب الأمر الملكي بتعيينه مستشاراً خاصاً للملك سلمان بن عبد العزيز، ورئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز.

والأمير فيصل الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد في المملكة المتّحدة، والقادم من إمارة المدينة المنوّرة بعد 11 عاماً قضاها أميراً للمنطقة، يتسلّح باهتمامات وإنتاجات ثقافية وفكرية وأكاديمية وتجارب عديدة، يعوّل عليها الكثير من المهتمّين أن تساهم في تشكيل مستقبل القطاع الثقافي بشكل عام، والمكتبة بشكل خاص.

 

الملك سلمان بن عبد العزيز دشّن المكتبة في رمضان من عام 1417هـ (الشرق الأوسط)

 

تمكّنت «مكتبة الملك فهد الوطنية» من تحقيق كثير من الإنجازات الطموحة، بالنسبة لمكتبة من نوعها، وانطلقت الإنجازات من تكوين البنية الأساسية في التنظيم وتطوير الكوادر البشرية وتنمية مقتنيات المكتبة وتجهيزاتها اللازمة، لتنفيذ مهامّها، وتحقيق أهدافها في مجالات التوثيق وحفظ الإنتاج الفكري السعودي، وتقديم الخدمات المعلوماتية، بما يتلاءم مع التنمية الشاملة التي تشهدها السعودية.

 

بناء المقتنيات

وفي مجال بناء المقتنيات فقد اقتنت المكتبة كثيراً من أوعية المعلومات المطبوعة، والمواد السمعية والبصرية، مثل الأقراص البصرية والمصغرات، والوثائق المحلية، والمسكوكات، والكتب النادرة، والمخطوطات، كما حصلت المكتبة أخيراً على الدفعة الأولى من المخطوطات العربية النفيسة من جامعة برنستون الأميركية، وهي عبارة عن مصوّرات من مجموع المخطوطات والكتب النادرة التي تلقتها المكتبة هديةً من الرئيس العام لرعاية الشباب سابقاً في السعودية الأمير الراحل فيصل بن فهد بن عبد العزيز.

 

فيصل بن سلمان يتفقّد مقر المكتبة عقب تعيينه رئيساً لمجلس أمناء المكتبة (موقع المكتبة)

 

الفهرسة والترقيم

ومنذ تطبيق نظام الإيداع والترقيمات الدولية عام 1414هـ، تمكنت المكتبة من تسجيل وفهرسة كثير من الكتب والدوريات الجارية، كما بدأت المكتبة في إعداد الترتيبات النهائية لتسجيل الأوعية السمعية والبصرية وإيداعها حسب متطلبات نظام الإيداع الوطني.

وبذا فإن المكتبة تقتني منها أكبر مجموعة يضمها مكان واحد، وتجدر الإشارة إلى أن عمليات التوثيق والتسجيل التي تقوم بها المكتبة غيرت نمط الإحصاءات التقديرية السائدة عن حجم الإنتاج الفكري السعودي، سواء في المصادر المحلية أو الأجنبية، ومنذ أن أصبحت المكتبة المركز الوطني للإيداع والتسجيل أسهمت بدور إيجابي في تحسين شكل الكتاب السعودي، ونشره، والتعريف به، وذلك من خلال الفهرسة في أثناء النشر وتخصيص الأرقام المعيارية الدولية. كما أن المكتبة تهتم بالتجهيزات ونظم الحفظ والاسترجاع، وترميم وصيانة المخطوطات والكتب النادرة، كما قامت المكتبة بتكوين قواعد البيانات، وعمليات التوثيق الآلية، وكذلك الحصول على مصادر المعلومات على أقراص بصرية، وبناء شبكات المعلومات الداخلية التي تساعد على تنظيم المعلومات وتداولها.


مقالات ذات صلة

اكتشاف مقطوعة «فالس» غير منشورة لشوبان بعد 175 عاماً على وفاته

يوميات الشرق شوبان المُخلَّد بنغماته (ويكيبيديا)

اكتشاف مقطوعة «فالس» غير منشورة لشوبان بعد 175 عاماً على وفاته

اكتُشِفَت مقطوعة «فالس» غير منشورة سابقاً للملحّن البولندي فريدريك شوبان الذي لا يزال يجعل الناس يرقصون بعد أكثر من 175 عاماً على وفاته.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
ثقافة وفنون خير جليس (الشرق الأوسط)

«أماني بوك»... مكتبة لبيع الكتب الورقية إلكترونياً في سوريا

تشارك «أماني بوك» بنحو 300 عنوان وكتاب ورقي، إلى جانب 54 دار نشر ومكتبة بنحو 15 ألف عنوان تتضمّن 143 ألف كتاب، في فعاليات الدورة الثامنة لمعرض «هركول للكتاب».

كمال شيخو (القامشلي)
يوميات الشرق مجموعة من الكتب القديمة (أرشيفية - رويترز)

خبراء الكيمياء يحذّرون: الكتب العتيقة تحتوي على صبغات سامة

أطلقت الجمعية الكيميائية الأميركية تحذيراً بشأن المخاطر الصحية المحتملة التي قد تنطوي عليها الكتب القديمة، خصوصاً تلك التي تعود إلى العصر الفيكتوري.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تتوافر لدى المكتبة صور لم تنشر من قبل للحرمين الشريفين (مكتبة الملك عبد العزيز)

كنوز من التراث العربي والإسلامي تتألق في مكتبة الملك عبد العزيز العامة

تضم مكتبة الملك عبد العزيز العامة آلاف المقتنيات من الكتب النادرة والمخطوطات والوثائق والصور والمسكوكات والمنمنمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق وزير الثقافة المصري يلتقي أسرة رئيس الوزراء الأسبق (وزارة الثقافة المصرية)

مجلدات ومخطوطات نادرة تدخل خزائن «الثقافة» المصرية

أهدت حفيدة رئيس وزراء مصر الأسبق يحيى إبراهيم باشا وزارةَ الثقافة المصرية مكتبتها التي تضمنت عدداً من المجموعات النادرة والمخطوطات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو
TT

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

في روايتها «عشبة ومطر» دار «العين» للنشر بالقاهرة - تختار الكاتبة الإماراتية وداد خليفة الثقافة العربية سؤالاً مركزياً حائراً بين واقع مشوّش ومستقبل مجهول، حيث تبدو اللغة والتاريخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما الأخيرة للصمود داخل قِلاعها العربية نفسها.

وتعتمد الروائية على تقنية الأصوات المتعددة لتعميق صراعات أبطالها مع عالمهم الخارجي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يتفاعلان من خلالها مع دوائرهما التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة في مقابل الانسحاق في مدّ «الثقافة العالمية» المُعلبّة، ولغة التواصل «الرقمية»، فتبدو بطلة الرواية التي تنتمي إلى دولة الإمارات وكأنها تُنازِع منذ أول مشاهد الرواية من أجل التواصل مع محيطها الأسري بأجياله المتعاقبة، حيث تُقاوم النزعة «السائدة» في ذلك المجتمع العربي الذي بات أفراده يتحدثون الإنجليزية داخل بيوتهم، ولا سيما أجيال الأحفاد وسط «لوثة من التعالي»، «فهؤلاء الأبناء لا يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركيك»، في حين تبدو محاولات «عشبة» استدراك تلك التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإماراتي أقرب لمحاربة طواحين الهواء، فتأتيها الردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «لا تكبّري المواضيع!».

صناديق مفتوحة

يتسلل هذا الصوت النقدي عبر شِعاب الرواية، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلاقة مع الماضي بذاكرته الجمعية التي تتقاطع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد المعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية سواء المحلية، وعلى رأسها المخاض الطويل لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وحتى سياقات الحروب والنكبات العربية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً لمجازر «صبرا وشاتيلا» الدامية في لبنان 1982 والنزف الفلسطيني المُستمر، في محطات تجترها البطلة بعودتها إلى قصاصات الأخبار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مجلات وصحف عربية لتؤرشفها وتُراكمها عبر السنوات داخل صناديق، ليصبح فعل تقليبها في هذا الأرشيف بمثابة مواجهة شاقّة مع الماضي، بينما تبدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادلاً للحفظ الإلكتروني والملفات الرقمية التي قد تتفوق في آلياتها وبياناتها، وإن كانت تفتقر إلى حميمية الذكرى، وملمس المُتعلقات الشخصية التي تنكأ لديها جراح الفقد مع كل صندوق تقوم بفتحه: «أعدت غطاء الصندوق الذي يحتاج مني إلى جرأة أكبر لنبشه، ففي الصندوق ثوب فلسطيني طرَّزته أمٌ ثكلى من بئر السبع... أم صديقتي سميرة أخت الشهيد، ودفتر قصائد نازقة دوّنته صديقتي مها من غزة... صورٌ لزميلاتي بالعمل من جنين ونابلس ورام الله... رسائل من صديقتي ابتسام المقدسية... ومن حيفا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي».

بالتوازي مع تنقّل السرد من حكايات صندوق إلى آخر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شغفه بمجال «الأنتيك» والآثار القديمة لتتبع مساراتها في مزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مافيا القطع الأثرية، كما تقوده إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية التي تُباع بالملايين في صالات الأثرياء، كحكاية «مرآة دمشقية» ظلّ صاحبها يتتبعها حتى وصلت لقاعة مزادات «كريستيز» حاملاً معه ذكرى حكاية جدته وأسرته وتشريدهم، وتصنيعهم تلك المرآة بأُبهتها الزخرفية والفنية في غضون ظروف تاريخية استثنائية خلال فترة سيطرة الحكم العثماني في دمشق.

نهب ممنهج

تبدو الرواية التي تقع في 350 صفحة، وكأنها تمنح حضوراً سردياً للقطع الأثرية المفقودة، والمنهوبة، بصفتها شواهد تاريخية تتعقب «تُجار الممتلكات الثقافية»، ودور المزادات، وأمناء المتاحف، وسط متاهات تزوير الوثائق الخاصة بالقِطع وشهادات المنشأ، وتهريب القطع من بلادها، ولا سيما بعد الربيع العربي والحروب الأهلية التي أعقبته، لتفتح ساحات السرقة الممنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية، كما في تونس ومصر وسوريا والعراق، في حين تبدو قصص القطع المفقودة أُحجيات تتبعها الرواية وتحيكها بخيوط نوستالجية تمدّها الكاتبة على امتداد السرد.

تعتني لغة الرواية بالوصف الدقيق للتفاصيل الجمالية التي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد الأصيل وأنواله التقليدية، والزخارف الغرناطية العتيقة على الأسطح، في مقابل ثقافة «الماركات» الاستهلاكية التي تُميّع الذوق العام، والحروف اللاتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية.

وقد حازت رواية «عشبة ومطر» أخيراً جائزة «العويس للإبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلاً، وأصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة، لكن والدك أبهرته فنون بغداد، فجلب منها مطرقتين، مثبتاً المطرقة الأكبر في الأعلى للرجال والمطرقة الأصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الطارق، فكنا نُميّز الطارق رجلاً أم امرأة من صوت المطرقة)... بِتُ أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمي الثلاث، وتعرف أمي طرقاتي المتسارعة، كان هناك طَرقٌ مُبشر، وطرقٌ يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة الأطفال».