إسحاق لا بيرير... قدّم مفهوماً جديداً جذرياً للتطور البشري

كان لعمله الثوري تأثير هائل على الفكر الإنساني

إسحاق لا بيرير... قدّم مفهوماً جديداً جذرياً للتطور البشري
TT

إسحاق لا بيرير... قدّم مفهوماً جديداً جذرياً للتطور البشري

إسحاق لا بيرير... قدّم مفهوماً جديداً جذرياً للتطور البشري

تتوالى اليوم الاكتشافات العلمية عن الكائنات البشرية التي وجدت قبلنا بحسب العقائد الإبراهيمية، ويبدو من النظر في كتب التاريخ أن هناك من كان يتحدث منذ القدم عن بشر قبل آدم. لكن يبدو أن أقوى هذه الأصوات كان لإسحاق لا بيرير (1596 – 1676) سفير فرنسا لدى الدنمارك، وقد كان عالماً لاهوتياً وكاتباً ومحامياً فرنسي المولد، يهودي الأصل تحوّل إلى المسيحية. تأثر بتوماس هوبز وكان له تأثير على باروك سبينوزا، واشتهر بأنه سلف القرن السابع عشر للنظرية العرقية العلمية القائلة بتعدد الأجيال في فرضيته التي تقدمت بتحدٍ للفهم الإبراهيمي التقليدي لنسب الأجناس البشرية كما هو معروف من سفر التكوين. يوصف هذا الفيلسوف بأنه واحد من جماعة الخُلعاء the libertins، ويوصفون أيضاً بأنهم المفكرون الأحرار الذين قوضوا المعتقدات المعروفة. ومن القواسم المشتركة بينهم، أنهم كانوا قلقين بعض الشيء من أن صديقهم إسحاق لا بيرير سيطبق الشكوك على الكتاب المقدس في كتابه «بشر قبل آدم»، وهذا ما حدث، فقد قرر أن الكتاب المقدس لا يمثل تاريخاً دقيقاً لجميع البشر، وإنما هو لليهود فقط.

تعرض كتاب لا بيرير هذا لانتقادات شديدة من قبل السلطات البروتستانتية واليهودية والكاثوليكية، وفي عام 1656 بعد عاصفة من السخط، أُحرِق كتابه علناً في باريس، ووقع هو بيد الكنيسة الكاثوليكية، بينما كان في هولندا الإسبانية التي كانت آنذاك تحت حكم آل هابسبورغ وهناك جرى اعتقاله وسجنه لمدة ستة أشهر ولم يطلق سراحه إلا بعد تخليه عن آرائه وتحوّله إلى العقيدة الكاثوليكية. ثم ذهب بعد ذلك إلى روما وتوسل إلى البابا ألكسندر السابع طالباً المغفرة، وتراجع عن آرائه السابقة رسمياً، وإن تشكك الشكوكي الآخر بيير بايل وغيره في صدق تلك التوبة.

في كتابه «بشر قبل آدم»، يقرر ما في العنوان، وأن هذا يفسر حياة قابيل بعد مقتل هابيل وأنه تزوج وبنى مدينة. هذا التفسير لاختلاف الأصول البشرية أصبح أساساً لنظريات تعدد الأجناس في القرن التاسع عشر، واعتنقها أولئك الذين حاولوا تبرير العنصرية في أميركا. الفكرة كانت جذابة لأولئك الذين سعوا للبرهنة على دونية الشعوب غير الغربية، فالتفسير الوحيد المتسق لبعض المقاطع الكتابية والأدلة الأنثروبولوجية والتاريخية لاختلاف هيئة الصينيين والسود والمكسيكيين والإسكيمو وغيرهم من الشعوب يرجع إلى أن هناك بشراً قبل آدم، وأن الكتاب المقدس يتعامل فقط مع التاريخ اليهودي، ولا يمكن عدّه تاريخاً العالم. لكن سرعان ما هوجمت نظرية لا بيرير ودحضت من جميع الجهات.

ومع ذلك، كان لعمله الثوري تأثير هائل على فكر القرنين السابع عشر والثامن عشر. لقد بعث الاحتمال في أن كل البيانات الكتابية، إنما تنطبق فقط على التاريخ اليهودي، وبهذا قدّم مفهوماً جديداً جذرياً للتطور البشري وقاد الناس إلى تحسس المزايا النسبية للثقافات والأديان المختلفة. وسرعان ما أدى مزيد من الدراسات الأنثروبولوجية والجيولوجية، بالإضافة إلى التحقيقات والدراسات في علم الأديان المقارن، إلى التخلي عن التسلسل الزمني والتاريخ التوراتي بوصفه إطارا لفهم التاريخ البشري بالكامل، واندلعت بداية نقد أعلى للكتاب المقدس من قبل كتّاب مثل سبينوزا، ونقد فلاسفة التنوير للدين التقليدي.

غالباً ما يوصف لا بيرير بأنه ملحد، لكن الوصف مضلل، فمصطلح «الملحد» دائماً مضلل، وفي أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر لم يكن يصف حقاً موقف من ينكر وجود الله والرؤية اليهودية المسيحية لطبيعة الإنسان ومصيره. كان لدى المفكرين تفسيرات وشكوك متباينة حول جوانب من حقيقة القصة الدينية الشاملة. لكن الإلحاد بوصفه إنكارا لوجود إله وإنكارا لسرد الكتاب المقدس بعدّه الصورة الحقيقية لكيفية بدء التاريخ، أتى فيما بعد نتيجة لشكوك لابيرير وهوبز المطبقة على المواد الدينية. والأرجح أنه كان بعيداً كل البعد عن شخصية الملحد عندما طور وجهة نظره.

لقد جاء من عائلة كالفينية من مدينة بوردو، وعلى الأرجح هو من المجتمع البرتغالي اليهودي الذي تحول إلى المسيحية، لكنه اتُهم بالإلحاد والمعصية، وفي عام 1626 تمت تبرئته بدعم قوي من ستين قسيساً. لكن من المؤكد أنه كان غير مؤمن ببعض العقائد الرئيسية اليهودية والمسيحية، وأنه كان مؤمناً صوفياً بلاهوت خاص. وفيما بعد، تخلى عن كثير من أطروحاته التي عُدت هرطقية.

من قضاياه الكبرى، بالإضافة إلى دعواه وجود بشر قبل آدم، أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، وأننا لا نملك مخطوطاً دقيقاً للكتب المقدسة، وأن الكتاب المقدس هو فقط تاريخ اليهود، وليس تاريخاً للبشرية جمعاء، وأن تاريخ اليهود بدأ مع آدم، وأن الطوفان كان مجرد حدث محلي في فلسطين، وأن العالم ربما كان قديماً أزلياً.

لا يُعرف النظام الذي توصل به لا بيرير إلى علمه اللاهوتي، ولكن من الواضح أن نظرية «البشر قبل آدم» ونظرية «الأصول المتعددة الجينات للبشرية» كانتا من مكونات فكره المبكرة، ثم تطورتا لتكونا شكوكاً حقيقية حول المعرفة الدينية. والنقطة الأساسية في رؤيته اللاهوتية هي مركزية التاريخ اليهودي في العالم، وقد وضع نظرية ما قبل آدم، اعتماداً على النص التوراتي، والوثائق التاريخية الوثنية، والبيانات الأنثروبولوجية المعاصرة له، وكان الهدف الأساسي هو تمييز ما قبل الآدميين - ويعني بهم كل البشر باستثناء اليهود - من اليهود.

«كان عالم ما قبل آدم دموياً متوحشاً وتافهاً، لا شيء استثنائياً يحدث فيه. وعندما خلق الله أول يهودي بدأ التاريخ الإلهي، واليهود هم وحدهم الفاعلون، والتوراة والإنجيل مجرد أحداث يهودية، فالطوفان حدث في فلسطين فقط، والشمس حُبست عن الغروب فقط حيث كان يقف يوشع بن نون ليبدأ معركته العسكرية».

يقول لا بيرير: «هذه الكتب الخمسة ليست النسخ الأصلية، وإنما هي نُسخ عن نُسخ». وصار دليله أساساً لنقد الكتب المقدسة الحديثة، ألا وهو الإشارة إلى التضاربات والتكرار في النص، ولا سيما الجزء الذي من المفترض أن موسى كتبه «عن موت موسى ومكان موته وقبره». وخلص لا بيرير إلى القول: «لا أحتاج إلى إزعاج القارئ أكثر من ذلك لإثبات شيء في حد ذاته واضح بما فيه الكفاية. الكتب الخمسة الأولى من الكتاب المقدس لم يكتبها موسى، كما يُعتقد. ولا ينبغي أن نشعر بالغرابة، عندما نقرأ فيها أشياء كثيرة مشوشة وخالية من الترتيب وغامضة وناقصة - وهناك أشياء جرى حذفها ووضعها في غير محلها - وعندما نجد أنفسنا أمام كومة من النسخ المكتوبة بشكل مرتبك».

* كاتب سعودي


مقالات ذات صلة

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

ثقافة وفنون قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

عن دار «طيوف» بالقاهرة صدر كتاب «مرايا الفضاء السردي» للناقدة المصرية دكتورة ناهد الطحان، ويتضمن دراسات ومقالات نقدية تبحث في تجليات السرد العربي المعاصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الكاتب السعودي فيصل عباس مع السفير البريطاني نيل كرومبتون خلال الأمسية الثقافية

أمسية ثقافية بمنزل السفير البريطاني في الرياض للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني»

أقام السفير البريطاني في الرياض أمسية ثقافية في منزله بالحي الدبلوماسي للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني» للكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»،

نيكولاس كيسي
يوميات الشرق الصور الثابتة في أي كتاب مدرسي تتحوَّل نماذج تفاعلية ثلاثية البُعد (فرجينيا تك)

الذكاء الاصطناعي يضخّ الحياة بالكتب المدرسية الجامدة

طوّر فريق من الباحثين في جامعة «كولورادو بولدر» الأميركية نوعاً جديداً من الكتب المدرسية التفاعلية التي تتيح تحويل الصور الساكنة نماذجَ محاكاة ثلاثية البُعد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «شيء مثير للاهتمام جداً» (رويترز)

نسخة نادرة من مخطوطة «الأمير الصغير» للبيع

ستُطرح نسخة نادرة من المخطوطة الأصلية لرواية «الأمير الصغير» للكاتب أنطوان دو سانت أكزوبيري، للبيع؛ وهي التي تحتوي على تصحيحات وتعليقات مكتوبة بخطّ المؤلّف.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور
TT

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

يأخذ المفكر اللبناني مشير باسيل عون قارئه، في مؤلفه الجديد «استنطاق الصامت: مفاتحات فلسفية في الاجتماع والدين والسياسة» الصادر حديثاً عن دار «سائر المشرق»، في رحلة إلى عمق شخصيته وفكره ونظريته الفلسفية.

فأستاذ الفلسفة الألمانية في الجامعة اللبنانية درج على أخذ قرائه إلى أفكار كبار الفلاسفة والمفكرين، عبر أكثر من 30 كتاباً وعدد من الأبحاث وضعها خلال 40 عاماً، لكنه أراد لكتابه الجديد (207 صفحات من القطع الوسط) أن يكون رسالته المباشرة إلى القارئ، بلغته ونهجه ومفرداته، التي حمّلها أفكاره ورؤيته الفلسفية عبر استنطاقات (حوارات) أجراها معه باحثون ليعرفوا، وينشروا، خلاصة التصورات التي «استقرت في وعيي على تعاقب سنوات البحث الفلسفي والتعليم الجامعي والنضال الوجودي في جميع أبعاده».

مشير باسيل عون

وقبل أن يدخل القارئ إلى مفاتحات عون، يجده يطلب منه أن ينحي أفكاره المسبقة جانباً وألا يسلك طريقته الخاصة في النقاش والحوار والأحكام القَبْلية؛ لأن «كل واحد منا إذا راجع طريقته في محاورة الآخرين، اتضح له أنه، في كثير من الأحيان، يغترف الدليل من أنظومته الدينية، وفي ظنّه أنه يستمده من الشرعة الحقوقية العالمية التي يعترف بها معظم الناس. حينئذٍ يتعثّر الحوار، وتضطرب العلاقة، وتسوء النيات، وتفسد المقاصد. أما لو بذلنا جهداً يسيراً في استجلاء مصادر تصوراتنا وأفكارنا واقتناعاتنا، لتبين لنا أننا غالباً ما نفرض على الآخرين ما نعده أمراً مسلّماً به أو حقيقة ساطعة سطوع الشمس. وحده مثل هذا التمييز يجعل الناس والمختلفين يرتاحون إلى المجالسة والمحاورة والمباحثة، وفي يقينهم أن التلاقي تسوده رغبة الاحترام الصادق المتبادل وتؤيده مشيئة التقابس المغني».

وفي مقدمة كتابه أيضاً، يقول عون لقارئه أن يبحث عما يريد قوله في ثنايا فقراته وعليه أن «يضاعف اليقظة ويحبس الانتباه حتى يتقصى المرمى ويدرك المغزى المستتر في ثنايا الآراء المرسلة»، عازياً السبب إلى أنه يختصر في بضعة سطور أبحاثاً طويلة «أضناني إنشاؤها وأرهقني صوغها».

يذهب عون إلى القضايا الإنسانية، وربما أعسرها، محلياً وعالمياً، موضحاً أن «الفرق واضح بين الإفصاح عن الموقف الفلسفي العام، والدفاع عن بعض الأفكار الفلسفية في قضايا الوجود التاريخي، لا سيما في قرائن الاجتماع اللبناني والعربي».

فما هي هذه الأفكار التي يتبناها عون ويدافع عنها؟ يعنى عون، ومنذ سنوات طويلة من الانخراط الفكري في أوروبا ولبنان، بـ«تأصيل التعددية الكونية تأصيلاً فلسفياً». فهو يقول بأنثروبولوجيا الماهية الإنسانية المشرعة؛ أي بضرورة النظر في جوهر الإنسان نظراً تاريخياً يراعي التطور المطرد الذي يصيب كل الكائنات و«من جراء تسارع وتيرة الفتوحات العلمية، أعتقد أننا لن ننتظر طويلاً حتى نعاين صورة أخرى عن الإنسان الآتي في المقبل من العقود»، وفق تعبيره.

ويقول إنه عمد إلى البحث عن أفضل الأنظمة الحضارية التي تتيح للناس أن يتدبروا اختلافاتهم «فإذا بي أصوغ مفهوم العلمانية التي تميّز الحقل الاقتناعي الذاتي الشخصي الخاص من الحقل التنظيمي التدبيري التقني الجماعي المشترك العام».

وانطلاقاً من ذلك، ينصرف عون في أبحاثه إلى بناء نظرية فلسفية تقوم على 3 أصول:

التسالمية الحضارية المقترنة بالتعددية الكونية، وتكاملية القيم الإنسانية في تناولاتها التأويلية المتباينة، والحيادية الحاضنة في العلمانية الهنية.

لكن ما هي «العلمانية الهنية»؟ يجيب عون قائلاً صفة «الهنية» تجعل العلمانية ترعى بالحياد المتعاطف اختبارات الإنسان من غير أن تسوغ له فرضها على الآخرين، و«العلمانية الهنية وحدها تتيح للناس أن يصونوا اقتناعاتهم الإيمانية، ولكن من غير أن يفرضوا تفسيراتها القانونية وأحكامها التشريعية وتطبيقاتها المسلكية العملية (...) في نطاق المجال العمومي المشترك».

ولا يرى عون إلى هذا الأمر سوى الفلسفة سبيلاً «بالرغم من المشهد المأساوي».

إذا كان للفلسفة اليوم من رسالة استنهاض تلائم واقع العالم العربي فإنها رسالة تحرير الذات العربية من ذاتها

ولكن ما الذي يمكن أن تقدّمه الفلسفة للعالم العربي؟ يجيب عون، على الرغم من أن واقع الفلسفة في العالم العربي لا يشجعه على التفاؤل، قائلاً: «إذا كان للفلسفة اليوم من رسالة استنهاض تلائم واقع العالم العربي فإنها رسالة تحرير الذات العربية من ذاتها (...) وحدها الفلسفة، على ما تختزنه من طاقات تحرير الذات العربية، قادرة على استنهاض العالم العربي والتوثب به إلى آفاق التجديد والإبداع».

ويرى أن الفلسفة العربية المقبلة لن تقوم على الفتح الإبستمولوجي العالمي؛ لأن مختبرات العالم الأول تسلطت، فيما يشبه الاحتكار، على مصادر المعرفة العلمية المتطورة، ولن تنهض أيضاً على أسس القوميات الملتبسة لأن المجتمعات المعاصرة لم تعد تثق بالانتماء القومي حافزاً على الإبداع الثقافي، وطفقت تنحو اليوم منحى الأخوة الإنسانية المسكونية التي تتجاوز حدود العرق والمنبت واللغة، داعياً الإنسان العربي إلى «نحت هوية جديدة تستصفي أفضل ما في التراث من قيم وتعتمد أرفع ما في الحداثة من مكتسبات».

ولا يخفي عون دعوته إلى حوار مسيحي - إسلامي، موضحاً أن هذا الحوار يجب أن يكون سياسي المنحى ولا «يفلح فيثمر إلا إذا نشبت جذوره في حوار لاهوتي رصين موضوعي مجرد من غايات الاقتناص والاستعلاء والاحتواء»، ومستشهداً بزمن عربي قديم استطاع فيه المسيحيون والمسلمون أن يتحاوروا في صدق و«لا سيما في حقبات التسامح الديني الإسلامي».

ودعوته إلى هذا الحوار تستند إلى تجربة شخصية خاضها في إدارة مركز الأبحاث في الحوار المسيحي - الإسلامي؛ حيث عكف على استجلاء مسألة الحقيقة الدينية ومقامها في نطاق الأنظومة الفكرية التي تبتنيها الأديان التوحيدية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وخلص إلى «الاستنتاج اللاهوتي الذي يميّز بين الحق الإلهي في ذاته، والحق الإلهي في تجلياته»، مبتكراً اصطلاحاً لاهوتياً حوارياً سمّاه «الإطلاقية النسبية».