50 سنة على أعمالٍ من الفن الراقي

شملت أفلاماً عربية وأجنبية من كل لون

جاك نيكلسون في «المسافر» (مترو-غولدوين- ماير)
جاك نيكلسون في «المسافر» (مترو-غولدوين- ماير)
TT
20

50 سنة على أعمالٍ من الفن الراقي

جاك نيكلسون في «المسافر» (مترو-غولدوين- ماير)
جاك نيكلسون في «المسافر» (مترو-غولدوين- ماير)

عامان بعد الانتصار الذي حققته مصر لدى عبورها قناة السويس وتحريرها شبه جزيرة سيناء سنة 1973، قدّم المخرج علي بدرخان رواية «الكرنك» التي كتبها نجيب محفوظ خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، موحياً بنفوذ مراكز القوى وما ارتكبته في حق مصر ومسؤوليتها الشاملة عن هزيمة 1967. بذلك حرّك محفوظ بذور التهمة لتك الفترة، مرتكزاً كما عادة روايات اجتماعية أخرى له، على شخصيات متعددة كل واحدة ترمز إلى جلاد أو ضحية.

المخرج علي بدرخان، في ثاني فيلم له من بعد «الحب الذي كان» (1973) كان جريئاً في نقل القصّة إلى فيلم ومن ثَمّ في الذهاب لما وراء الإيحاء بحيث كان الفيلم واضحاً في نقده لمراكز القوى. وإذ يبدأ بمشهد لمقهى الكرنك من الخارج. عامل ينظّف الزجاج.

الشخصيات غير الواضحة قبل التنظيف تتضح وقد انتهى العامل مما قام به. يفتح الباب ويدخل في الوقت الذي يأتي فيه خبر عبر «الراديو» يعلن فيه متحدّث رسمي أن قوات الجيش المصري نجحت في عبور قناة السويس وتتقدم لتحرير الأرض.

بعد ذلك سيلتفت الفيلم لاستعراض شخصياته بين ضحية للفترة السابقة ورموز تلك الفترة. الجرأة هنا لم تكن من نصيبه وحده، بل من نصيب الإنتاج (ممدوح الليثي) والرقابة المصرية التي أجازته.

سعاد حسني وصلاح ذو الفقار في «الكرنك» (الليثي فيلمز)
سعاد حسني وصلاح ذو الفقار في «الكرنك» (الليثي فيلمز)

عام إنجازات عربية

كل هذا حصل قبل 50 سنة تبدو لنا الآن، عبر نظرة بانورامية شاملة، كما لو وقعت فوق كوكب آخر. هذا نظراً لأن سنة 1975 كانت حافلة بالأفلام الرائعة التي لن تتكرَّر بالمستوى والبذل نفسيهما، كون معظم من حققوا تلك الأفلام رحلوا عن دنيانا تاركين ميراثاً رائعاً.

إنها السنة التي خرج بها فيلم «وقائع سنوات الجمر» لمخرجه الجزائري محمد لخضر حامينة بالسعفة الذهبية من مهرجان «كان». الفيلم العربي الوحيد الذي فاز بهذه الجائزة الأولى في تاريخ المهرجان وحتى اليوم. هي أيضاً السنة التي قدّم فيها الراحل برهان علوية فيلمه الدراما الوثائقية «كفر قاسم» عن المجزرة التي راح ضحيّتها عمَّال فلسطينيون لدى عودتهم إلى قريتهم لم يعلموا بقرار حظر التجوُّل.

عربياً أيضاً، كانت هناك ملامح لسينما بديلة تكوَّنت من مخرجين من المغرب، وتونس، ولبنان، وسوريا، ومصر، والعراق تزامنت مع ثورات سينمائية في أكثر من بلد حول العالم من القارة اللاتينية إلى أوروبا (شرقها وغربها) ومن الولايات المتحدة إلى أفريقيا مروراً بآسيا.

«مرآة» لأندريه تاركوڤسكي (موسفيلم)
«مرآة» لأندريه تاركوڤسكي (موسفيلم)

نماذج رائعة

بيد أن المنظر العام لا يتوقّف عند سينمات مستقلة وموجات متجددة وتيارات. هذا لأن الأفضل على أكثر من صعيد بقي في إطار سينما الإنتاجات السائدة التي أثمرت طوال عقد السبعينات أساساً وفي عام 1975 تحديداً عن كنوز بديعة ما زالت مثيرة في أساليبها وأفكارها ومعالجاتها الفنية إلى اليوم. مع مرور تلك العقود تبدو هذه الأفلام أهم ممَّا بدت حينها نظراً لأنها لم تنحنِ للتاريخ أو تذبل أمام متغيراته.

في ذلك العام حقَّق ستانلي كوبريك «باري ليندون». دراما عن مجنّد آيرلندي في القرن الـ19 كسب وِد المجتمع المخملي والطبقة العليا خافياً نشأته وحقيقة هروبه من الخدمة العسكرية. أهدى المخرج الدور للممثل رايان أونيل («قصة حب») وسط تعجّب المتابعين على أساس أن أونيل ليس الممثل الذي يجيد الأداءات الصعبة، بيد أن كوبريك أدار بطل فيلمه جيداً والمستوى الفني للفيلم، فإنه لا يقل إبداعاً عن أفلام كوبريك الأخرى.

في عام 1975 قدَّم الروسي أندريه تاركوڤسكي تحفته «المرآة»: مناجاة تنبع من ذكريات المخرج عن أمِّه وعن سنوات صباه ممتزجة بمشاهد ترقى إلى أعلى سمات اللوحات الفنية.

لم يكن فيلماً معارضاً للنظام، لكن هناك فصل فيه يوضح كيف هرعت بطلة الفيلم لإصلاح معلومة صحافية قبل الطبع في الصحيفة حيث تعمل. ذلك الخوف الماثل أمامها وهي تركض في الردهات قبل فوات الأوان، هو تعليق المخرج على الوضع الذي لم يعش ليشهد نهايته في الثمانينات.

ما زالت ماثلة

مثله في سينما التأمل حقّق الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني فيلم خلاّب (رغم بعض الهنَّات) بعنوان (ThePassenger) «المسافر» مع جاك نيكلسون في دور رجل تقمّص شخصية آخر لا يعرفه ليكتشف أن هذا الآخر مهرِّب سلاح وأنه بات مطارداً. أنطونيوني من الذكاء بحيث يضع الأحداث في قالب لا يقصد التشويق بيد أنه يضمن ثبات الرغبة في معرفة هذا المصير البادي.

جاك نيكلسون أيضاً ظهر في فيلم ميلوش فورمن (One Flew Over the Cuckoo's Nest) «واحد طار فوق عش الوقواق». العنوان مجازي لمستشفى المجانين ونيكلسون هو الممتنع عن الانصياع للمؤسسة متمرداً بعناد ضد تعاليمها. هذا الموضوع يوازي موضوعات سابقة حققها هذا المخرج التشيكي في بلده خلال الستينات. فاز الفيلم بخمس جوائز أوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج.

إلى جانب كل هؤلاء كانت هناك أفلام أخرى رائعة لعدد كبير من المخرجين الذين ذهبوا وذهب معهم ما رسموه بالكاميرا عن الحياة وإيقاعاتها وأحداثها وبأساليب تستوعب كتاباً وليس مقالاً. من هؤلاء الياباني أكيرا كورساوا الذي أنجز «درسو أوزالا»، حكاية صيّاد عجوز يرفض مغادرة الغابة التي عاش فيها. جون هيوستن تعامل في «الرجل الذي قد يُصبح ملكاً» مع حكاية جنود بريطانيين خلال حقبة احتلال الهند. إليهم أخرج آخرون أعمالاً مهمّة شكَّلت مفاصل بارزة في مسيراتهم مثل فرنسوا تروفو («قصة أديل هـ.») وديك ريتشاردز («وداعاً يا حبي»)، وإنغمار برغمان («المزمار السحري»)، وثيو أنجيلوبولوس («الممثلون الرحالة»)، وجان-لوك غودار («الرقم 2»)، وجون شليسنجر («يوم الجراد») من بين كثيرين.


مقالات ذات صلة

القصّة الخلفية لأصعب مهام «بوند» الجديد

يوميات الشرق «سكايفول»: أعلى إيراد لـ«بوند»... (مترو غولدوين ماير)

القصّة الخلفية لأصعب مهام «بوند» الجديد

خوف كثير من النقاد والمعجبين بهذا الجاسوس الذي لا يهاب الموت ينبع من حقيقة أن «أمازون» ستعيد صياغة الأفلام التالية من السلسلة كما لو كانت تنتج «أفلام الكوميكس».

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق حمدان بلال بعد الإفراج عنه يحمل جائزة الأوسكار في قريته بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

بعد بيان من 600 عضو... الأكاديمية الأميركية تعتذر للمخرج الفلسطيني حمدان بلال

أرسل الرئيس التنفيذي للأكاديمية بيل كرامر، ورئيستها جانيت يانغ رسالةً إلى أعضاء الأكاديمية، عبَّرا فيها عن أسفهما على عدم إصدار بيان مباشر عن بلال.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق تامر حسني وهنا الزاهد في كواليس تصوير فيلم «ريستارت» (الشركة المنتجة)

«عيد الفطر السينمائي» بمصر... الكوميديا تنافس الرومانسية

تخوض 5 أفلام مصرية جديدة سباق موسم عيد الفطر المقبل، وهو الموسم الذي يشهد عدداً أقل من عروض الأفلام الجديدة حيث يتقاطع مع الدراسة.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق «إي تي» يُجسِّد براعة عصر آفل (إ.ب.أ)

الكائن الفضائي «إي تي»... للبيع

تطرح دار «سوذبيز» في نيويورك نموذجاً أصلياً لشخصية الكائن الفضائي «إي تي»، استُخدم في فيلم «E.T. the Extra-Terrestrial» للمخرج ستيفن سبيلبرغ، للبيع في مزاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق المخرج حمدان بلال (أرشيفية - أ.ف.ب)

«أكاديمية الأوسكار» تعتذر لإغفالها اسم مخرج فلسطيني في استجابتها للاعتداء عليه

اعتذرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأميركية عن عدم ذكر اسم المخرج حمدان بلال المشارك في فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على جائزة الأوسكار.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

شاشة الناقد: فيلم رعب وآخر اجتماعي

دَيمي مور في «المادّة» (ووركينغ تايتل)
دَيمي مور في «المادّة» (ووركينغ تايتل)
TT
20

شاشة الناقد: فيلم رعب وآخر اجتماعي

دَيمي مور في «المادّة» (ووركينغ تايتل)
دَيمي مور في «المادّة» (ووركينغ تايتل)

SUBSTANCE

★★

‫• إخراج: كورالي فارجا

• فرنسا | رعب

• عروض تجارية (2025).

بعد نصف ساعة من العرض ينتقل الفيلم من بداية مشوِّقة وجيدة التأسيس (بفضل مونتاج قامت به المخرجة بنفسها) إلى لون آخر من السَّرد. هذا يكاد لا يُعيبه سوى أن النقلة تمرُّ فوق منخفض يحوِّل عملاً يبدأ جاداً عن امرأة تبحث عن شباب دائم، إلى فيلم رعب بيولوجي ليس بعيداً كثيراً عن أعمال الكندي ديڤيد كروننبرغ، ولكن مع خفَّة وسرعة سرد مثيرة للاهتمام.

إليزابيث (ديمي مور) ممثلة سابقة تحوّلت إلى مقدّمة تمارين رياضية لبرنامج تلفزيوني يُشرف عليه المنتج المنفّذ هارڤي (دينيس كوايد) يُجسد، تبعاً للفيلم، جهلاً تاماً بكل شيء ما عدا الوثوب في الدنيا تبعاً لمصالحه ومنافعه. إنه من نِتاج جيل يتكرَّر وجوده في دنيا الأفلام والبرامج والموضة على حد سواء تستغله المخرجة لنقد أمثاله. في تلك المقدِّمة نشاهد إليزابيث وهي تؤدي التمارين بتلقائية رائعة. تتحرك في كل اتجاه وتلتوي وتستخدم كل عضلة من عضلات ساعديها وقدميها في تلقائية لا بدّ أن الممثلة (62 سنة)، بذلت كثيراً من الوقت والجهد لإتقانها. تكتشف أن هارڤي يبحث عن بديل لها. تعود إلى منزلها حيث تعيش بمفردها محطّمة القلب.

هذا قبل أن تكتشف مصلاً سيُعيد خلاياها شابَّة إنما في جسد جديد. سيخلق منها امرأة أخرى شابة تماماً. لكي تستعيد إليزابيث شبابها عليها أن تموت لتعيش نسخة شابّة منها، هي جزء لا ينفصل عنها كما يُكرر لها ذلك البائع المجهول. هنا تدخل سو (مارغريت كوالي) الفيلم. هي سو التي هي إليزابيث ولاحقاً على إحداهما أن تعيش والأخرى عليها أن تموت للأبد.

هذا هو مدخل الفيلم إلى مشاهد دموية. الرعب الناتج ليس من نوع أفلام الرعب الهوليوودية المألوفة حيث القاتل وراء الباب أو يخرج من القبو لينتقم أو ما شابه من موضوعات. هنا الإضاءة مبهرة ومتساوية التوزيع والألوان ثرية مع ديكور أبيض ناصع في كل غرفة من ذلك المنزل الذي يُطل على لوس أنجليس من أعالي بيڤرلي هيلز. بيد أن الموضوع هو الذي يفلت من بين الأصابع. نشهد كيف يهترئ البدن وتتحوّل القصّة إلى صراع بين جزأين لامرأة واحدة.

ديمي مور تُوفِّر أداءً نقياً استحق جائزة الـ«غولدن غلوب» وجوائز أخرى، بيد أنه متكرِّر المنوال وبلا آفاق، مما يجعل تلك الجائرة وسواها هدية أكثر منها استحقاقاً.

SHADOWBOX

★★★

* إخراج: تانوشري داس وسومياناندا ساهي.

* الهند | دراما اجتماعية

* عروض مهرجان برلين (2025).

للعنوان استخدام رمزي لهذا الفيلم الذي يدور حول امرأة تُريد أن تُثبت هويَّتها المستقلة. من بدايته يُطالعنا هذا الرمز عبر لقطات مأخوذة خلف قضبان أو عبر حواجز. هناك صناديق دجاج مكَّدس داخلها. والرمز يؤدي بعد حين لتفهم حاجيات امرأة تعيش وضعاً مشابهاً لما تعنيه تلك اللقطات.

«شادوبوكس» (برلين)
«شادوبوكس» (برلين)

مايا (تيلوتاما شوم) أم لولد خجول تريد إدخاله المدرسة. عائلتها قطعت علاقتها معها منذ زواجها من رجل يعاني إحباطاً شديداً ويتصرّف كما لو كان به مسٌّ من الجنون. جيرانها عدائيون وهي تتحرك وسط كل ذلك بعزم ووهن مجتمعين. تتعقد الأمور عندما يختفي زوجها إثر اكتشاف جريمة قتل. من هذا الوضع ينطلق الفيلم ملتزماً بمعطياته قبل أن يتغيَّر تبعاً لسيناريو يتحوَّل إلى سرد متتالٍ يلتهم أفكاراً غير محدَّدة وأسلوب إخراج ينقصه الثبات. للفيلم حسنة نقد المدينة (كالكوتا) ومجتمعها واستعداد الناس للحكم قبل فهم الدوافع. هذا إلى جانب تلك الرموز التي تهدف لشرح وضع المرأة يجعلان «SHADOWBOX» دراما جادّة كانت تحتاج تفعيل بعض ما يَرِد فيها كون الحكاية تفتقد الضرورة.

في الصالات

* A Working Man ★★★ ‫- دور جديد - قديم لجيسون ستاثان من حيث تكراره تجسيد شخصية رجل يكتنز خبرة قتال رغم عمله البعيد عن المشاكل. أكشن على طول الخط مناسب لهواة النوع والممثل معاً.‬

* A Woman in the Yard ★★ - فيلم تشويق مع مشاهد قُصد بها أن تكون مُرعبة عن امرأة غامضة تظهر في حقل مواجه لبيت عائلة مثيرةً استغراب أفرادها ومن ثَمّ مخاوفهم.

* سلمى ★★★☆ - فيلم سوري من إخراج جود سعيد وبطولة سلاف فواخرجي، عن امرأة تحارب وحدها كلَّ ظروف الحياة الصعبة، ومنها أن زوجها ما زال سجينَ تُهمٍ سياسية.

* Death of a Unicorn ★★ - مقتل وحيد القرن النادر بداية لانتقام وحيد قرن آخر في هذا الفيلم الطموح لإنجاز حكاية ذات أبعاد. بيد أن إمكانات المخرج أليكس شارفمان تمنع ذلك.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز