السعودية تتعاون مع «ناسا» لإطلاق أول قمر سعودي لدراسة مناخ الفضاء

القمر الاصطناعي سيكون ضمن مهمة «أرتميس 2» التاريخية

القمر الاصطناعي يهدف إلى جمع بيانات دقيقة حول النشاط الشمسي وتأثيراته على الغلاف المغناطيسي للأرض لدعم أبحاث الفضاء العالمية (شاترستوك)
القمر الاصطناعي يهدف إلى جمع بيانات دقيقة حول النشاط الشمسي وتأثيراته على الغلاف المغناطيسي للأرض لدعم أبحاث الفضاء العالمية (شاترستوك)
TT

السعودية تتعاون مع «ناسا» لإطلاق أول قمر سعودي لدراسة مناخ الفضاء

القمر الاصطناعي يهدف إلى جمع بيانات دقيقة حول النشاط الشمسي وتأثيراته على الغلاف المغناطيسي للأرض لدعم أبحاث الفضاء العالمية (شاترستوك)
القمر الاصطناعي يهدف إلى جمع بيانات دقيقة حول النشاط الشمسي وتأثيراته على الغلاف المغناطيسي للأرض لدعم أبحاث الفضاء العالمية (شاترستوك)

في خطوة تعكس صعود المملكة العربية السعودية على أنها لاعب فاعل في قطاع الفضاء العالمي، وقّعت المملكة ممثلةً بـ«وكالة الفضاء السعودية»، اتفاقية تنفيذية مع وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» لإطلاق أول قمر اصطناعي سعودي مخصص لدراسة مناخ الفضاء. وسيكون هذا القمر جزءاً من مهمة «أرتميس 2» التاريخية، والتي تمثل ثاني رحلة مأهولة ضمن برنامج «أرتميس» التابع لـ«ناسا»، ويُعد من أبرز المشاريع الفضائية العالمية الحالية.

ويأتي هذا التعاون امتداداً لاتفاقية إطارية شاملة وقّعتها حكومتا المملكة والولايات المتحدة في يوليو (تموز) 2024، ويجسّد أيضاً التزام السعودية بتنفيذ اتفاقية «أرتميس» الدولية التي تضم تحالفاً من الدول المشاركة في استكشاف القمر، والمريخ، والكويكبات لأغراض سلمية.

مهمة سعودية برؤية عالمية

لا تقتصر أهمية الاتفاقية على بعدها الرمزي، بل تشكّل نقلة عملية في ترسيخ دور المملكة باعتبار أنها لاعب علمي وتقني في الفضاء. فالقمر الاصطناعي السعودي، الذي يُعد من المبادرات الاستراتيجية ضمن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، يهدف إلى جمع بيانات علمية دقيقة عن النشاط الشمسي، وتأثيراته على الغلاف المغناطيسي للأرض. وتُعد هذه البيانات حيوية في دعم أبحاث الفضاء العالمية، وتعزيز سلامة رواد الفضاء خلال مهماتهم، وضمان كفاءة واستمرارية أنظمة الاتصالات، والأقمار الاصطناعية التي أصبحت عموداً فقرياً للبنية التحتية الرقمية في العالم.

تعزيز القدرات الوطنية والابتكار المحلي

بموازاة البعد العلمي الدولي، تحمل هذه المهمة أبعاداً وطنية مهمة، أبرزها المساهمة في توطين تقنيات الفضاء المتقدمة داخل المملكة، ورفع نسبة المحتوى المحلي في الصناعات الاستراتيجية. كما تدعم المهمة جهود تطوير رأس المال البشري السعودي في مجالات علوم الفضاء، عبر تدريب وتأهيل كوادر وطنية قادرة على تصميم وتنفيذ وتشغيل الأنظمة الفضائية. وفي هذا السياق، تؤكد «وكالة الفضاء السعودية» أن هذه المشاريع لا تهدف فقط إلى التمركز في خريطة الفضاء العالمية، بل أيضاً إلى تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد معرفي يرتكز على الابتكار، والتقنية، ونقل المعرفة.

‏ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال الزيارة التاريخية للمملكة (رويترز)

شراكة استراتيجية في لحظة رمزية

وجرى توقيع الاتفاقية على هامش زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة، في لحظة ذات دلالات استراتيجية، تعكس متانة العلاقات الثنائية، وعمق التعاون بين البلدين في مجالات التقنية والابتكار.

وفي تعليق على الحدث، شدد مسؤولون من الطرفين على أن المشروع يفتح آفاقاً جديدة للتعاون البحثي والتقني، ويعزز من الحضور السعودي في الفضاء على أنها قوة طموحة تعتمد على الشراكات العلمية المتقدمة.

كما تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية أشمل تقودها المملكة للانخراط في مشاريع الفضاء الدولية الكبرى، لتكون مساهماً فعلياً في إنتاج المعرفة، وتوسيع حدود الاكتشاف العلمي. وتسعى السعودية من خلال وكالة الفضاء إلى ترسيخ مكانتها لتكون قوة فضائية ناشئة تؤمن بأن استكشاف الفضاء هو امتداد طبيعي لطموحها التنموي.


مقالات ذات صلة

بلورات سيليكون ساخنة ترسم ملامح كوكب ناشئ خارج النظام الشمسي

يوميات الشرق خفايا الزمن الأول لنشأة الكواكب (أ.ب)

بلورات سيليكون ساخنة ترسم ملامح كوكب ناشئ خارج النظام الشمسي

رصد علماء فلك المراحل الأولى لتكوين كواكب حول نجم، وهي عملية مُشابهة لتلك التي شكَّلت نظامنا الشمسي...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من عودة ناجحة لتجارب «الفضاء مداك» من محطة الفضاء الدولية (وكالة الفضاء السعودية)

السعودية: عودة ناجحة لتجارب «مداك» من المحطة الدولية إلى الأرض

أعلنت وكالة الفضاء السعودية، الأربعاء، نجاح تنفيذ تجارب 10 طلاب وطالبات من المملكة ومختلف الدول العربية على متن محطة الفضاء الدولية وعودتها إلى الأرض بسلام.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق كوكب غازيّ هائل يخرج من عتمة الضباب (جامعة كمبردج)

رصد كوكب حجمه 10 أضعاف المشتري يختبئ في الضباب

تمكّن فريق دولي بقيادة جامعة كمبردج البريطانية من رصد كوكب غازيّ عملاق يتراوح حجمه بين 3 و10 أضعاف حجم كوكب المشتري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
علوم شكل تصويري من «ناسا» لالتقاء المركبتين الأميركية والروسية

مصافحة أميركية - روسية في المدار قبل 50 عاماً غيّرت مسار سباق الفضاء

بفضلها أصبحت محطة الفضاء الدولية مختبراً عائماً ورمزاً للشراكة الدولية.

بيكي فيريرا (نيويورك)
يوميات الشرق يُقال إن النيزك المريخي هو أكبر قطعة من المريخ على الأرض حيث يعرض في دار «سوذبيز» للمزادات في نيويورك (أ.ب)

«سوذبيز» تطرح أكبر قطعة من المريخ للبيع في مزاد علني بسعر خيالي

تنظِّم دار «سوذبيز» للمزادات في نيويورك، الأربعاء المقبل، مزاداً لبيع أكبر قطعة من المريخ تم اكتشافها على سطح الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

السباق نحو «الأطفال الخارقين» يُشعل وادي السيليكون

هناك انخفاض «غير مسبوق» في معدلات الخصوبة والإنجاب بالعالم (رويترز)
هناك انخفاض «غير مسبوق» في معدلات الخصوبة والإنجاب بالعالم (رويترز)
TT

السباق نحو «الأطفال الخارقين» يُشعل وادي السيليكون

هناك انخفاض «غير مسبوق» في معدلات الخصوبة والإنجاب بالعالم (رويترز)
هناك انخفاض «غير مسبوق» في معدلات الخصوبة والإنجاب بالعالم (رويترز)

في مشهد أشبه بلقاءات نخبوية لعصر ما بعد الحداثة، اجتمعت مجموعة من النساء الشابات، من الطبقة الثرية والمهتمة بالتكنولوجيا، حول مائدة عشاء في ربيع العام الماضي في سان فرنسيسكو. لم يكن اللقاء اجتماعياً بقدر ما كان استكشافياً لفرص غير مسبوقة في مجال الإنجاب؛ حيث قدّمت نور صديقي، مؤسسة شركة «أوركيد» الناشئة، عرضاً عن مستقبل قد يتيح للآباء تحسين صفات أطفالهم قبل ولادتهم، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

تتبنّى «أوركيد»، وهي شركة ناشئة مدعومة من مستثمرين بارزين في وادي السيليكون، تقنية جديدة تقوم على فحص شامل للجنين عبر تحليل 5 خلايا فقط، لتحديد احتمالات الإصابة بآلاف الأمراض الوراثية، بما في ذلك السرطان والألزهايمر والفصام، وترى نور صديقي أن هذه التقنية تمثل تحولاً في مفهوم الإنجاب، من فعل طبيعي إلى عملية مدروسة قائمة على الجينات والبيانات.

تقول نور صديقي، البالغة من العمر 30 عاماً: «في أمر مصيري مثل إنجاب طفل، لا أعتقد أن الناس يريدون أن يغامروا».

بين «التخطيط الجيني» و«التحكم بالنسل»

الابتكار الذي تعرضه «أوركيد» يحمل طابعاً إشكالياً، إذ يرى فيه بعض الخبراء خطوة نحو ما يُعرف بـ«تحسين النسل الليبرالي»؛ حيث يُتاح للأثرياء تصميم أطفال يتمتعون بأفضل الصفات الوراثية، ففي حين تبلغ تكلفة فحص الجنين الواحد نحو 2500 دولار، بالإضافة إلى ما يقارب 20 ألف دولار لدورة تلقيح صناعي واحدة، تظل هذه الخدمات حكراً على نخبة ميسورة من رواد التقنية وهواة تحسين الذات.

وتُظهر نور صديقي حماسة شخصية للفكرة، إذ أعلنت عن رغبتها في إنجاب 4 أطفال، جميعهم من أجنة تم فحصها عبر شركتها، بل إنها صرحت عبر منصة «إكس» بأن الإنجاب له طريق آخر، في إشارة إلى التلقيح الاصطناعي المقرون بالتحليل الجيني.

حضور شخصيات وازنة... وشكوك علمية متزايدة

الفاعلية التي تحدثت فيها نور صديقي حضرها شخصيات مؤثرة، منها شيفون زيليس، المسؤولة التنفيذية السابقة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي أنجبت أحد أطفال إيلون ماسك الـ13.

وتُشير مصادر مطلعة إلى أن شيفون زيليس كانت من عملاء «أوركيد»، وقد يكون أحد أطفالها جزءاً من هذه التجربة المتقدمة.

ورغم الإقبال المتزايد، لا تزال الأوساط العلمية منقسمة بشدة حيال دقة هذه الفحوصات. إذ أعربت الدكتورة سفيتلانا ياتسينكو، الخبيرة في جامعة ستانفورد، عن شكوكها حيال تقنيات تضخيم الحمض النووي المستخدمة في فحص عدد ضئيل من الخلايا الجينية، عادّةً أن نسبة الخطأ فيها مرتفعة، وشبهت العملية بـ«الروليت الروسية».

في المقابل، يصرّ البروفسور جورج تشيرش، أحد رواد علم الجينوم والمستثمر في «أوركيد»، على أن الاعتراضات الحالية تُشبه الانتقادات التي واجهها السفر بالطائرة عند اختراعه، مؤكداً أن التقدم في هذا المجال لا يمكن إيقافه.

من أزمة الخصوبة إلى ثقافة «الإنجاب المدروس»

تأتي هذه الابتكارات في سياق توجه فكري يُعرف بـ«البرونتالينية» (Pronatalism)، وهو تيار يدعو إلى زيادة معدلات الإنجاب في المجتمعات الصناعية، ويروج لهذا الفكر عدد من الشخصيات المؤثرة، من بينهم ماسك ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، ومؤسس «أوركيد» الأول بيتر ثيل.

وقد أظهرت سياسات أميركية ميلاً لدعم هذه التوجهات؛ ففي عهد ترمب، صدر أمر تنفيذي لتوسيع خدمات التلقيح الاصطناعي، في حين تبنّت ولاية كاليفورنيا تشريعاً يُلزم شركات التأمين بتغطية تلك الخدمات.

أما نور صديقي، فتصف نفسها بأنها في مهمة لمواجهة أزمة الخصوبة، وقد أنشأت حتى الآن 16 جنيناً، وتسعى للمزيد، عادّةً أن القدرة على إنجاب طفل سليم حق إنساني أساسي.

الأسواق تستجيب... والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات

ورغم التحفظات الأخلاقية والعلمية، تلقى خدمات «تصميم الأطفال» اهتماماً متزايداً من المستثمرين، الذين يرون في هذه التقنيات أشبه بصندوق ائتمان مستقبلي يمنح الطفل أفضل فرص للحياة.

وقد ولدت بالفعل أول طفلة باستخدام بيانات «أوركيد» في مارس الماضي، وتحمل اسم أسترا ميريديان. يقول والدها روسهان جورج: «أردنا راحة البال... لم يكن هناك شيء مضمون، لكننا شعرنا بأننا نقوم بما بوسعنا».

ربما تكون أسترا رمزاً لبداية مرحلة جديدة في مسيرة البشرية؛ حيث تختلط الأمنيات الوراثية بالتقنيات الحديثة، وتصبح القرارات الجينية جزءاً لا يتجزأ من الرحلة نحو المستقبل... بكل ما تحمله من آمال وهواجس.