خريطة جديدة من «ناسا» تفتح نافذة ثلاثية البُعد على أسرار الكون

أول مسح شامل للسماء بأكثر من 100 لون يكشف تاريخ المجرات

الكون كما لم يُرَ من قبل (ناسا)
الكون كما لم يُرَ من قبل (ناسا)
TT

خريطة جديدة من «ناسا» تفتح نافذة ثلاثية البُعد على أسرار الكون

الكون كما لم يُرَ من قبل (ناسا)
الكون كما لم يُرَ من قبل (ناسا)

أصدرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) خريطة جديدة مُبهرة للكون، تقول إنها قد تُساعد العلماء على حلّ بعض أقدم ألغاز الكون المُستعصية.

وذكرت صحيفة «الإندبندنت» أنّ هذه الخريطة التُقطت باستخدام تلسكوب الفضاء «سفيرإكس» التابع للوكالة، وهي أول خريطة شاملة تغطّي السماء بأكملها، وتحاكي الرؤية الثلاثية البُعد التي يوفّرها هذا الجهاز، مُتضمّنة غباراً كونياً بلون أحمر داكن، وغاز الهيدروجين بلون أزرق كهربائي، إضافة إلى نجوم بيضاء، وزرقاء، وخضراء. ويُظهر المشهد البانورامي هذه الألوان وعشرات غيرها، مستفيداً من قدرة التلسكوب على رصد الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء، وهي أطوال غير مرئية للعين البشرية. وتتيح هذه الألوان لعلماء الفلك قياس المسافة بين التلسكوب ومئات الملايين من المجرات، في حين تسمح الرؤية الثلاثية البُعد للخريطة بتحديد كيفية توزّع هذه المجرات في أنحاء الكون. فالمجرات الأكثر احمراراً تكون أبعد مسافة، بينما تبدو الأقرب أكثر زرقة، نتيجة تمدُّد الضوء أو انكماشه، في ظاهرة تُعرف باسم «الانزياح الأحمر».

وسيستخدم العلماء هذه البيانات، التي جُمعت منذ إطلاق التلسكوب إلى مدار أرضي منخفض في مارس (آذار) الماضي، لدراسة كيفية تطور المجرات على مدى نحو 14 مليار عام من تاريخ الكون، وربما التوصل إلى فهم أعمق لكيفية تكوّن المكوّنات الأساسية للحياة في مجرة «درب التبانة». وقالت «ناسا» في بيان: «رغم أنّ هذه الأطوال الموجية الـ102 من الأشعة تحت الحمراء غير مرئية للعين البشرية، فإنها شائعة الانتشار في الكون. ورغم أنّ تلسكوب (جيمس ويب) الفضائي يستطيع أيضاً الرصد بالأشعة تحت الحمراء، فإنّ نطاق عمله أصغر بآلاف المرات. وحتى الآن، لم تُنفّذ أيّ مهمة فضائية عملية مسح للسماء بأكملها بهذا العدد الكبير من الألوان كما فعل (سفيرإكس)».

السماء تُقرأ بالأشعة (ناسا)

ويُعرف تلسكوب «سفيرإكس» أيضاً باسمه الكامل: «مقياس الطيف الضوئي لتاريخ الكون وعصر إعادة التأيّن ومستكشف الجليد»، وهو يدور حالياً على ارتفاع نحو 400 ميل فوق سطح الأرض. ويكمل التلسكوب نحو 14.5 دورة حول الأرض يومياً، ملتقطاً قرابة 3600 صورة على امتداد شريط دائري واحد من السماء، مع تغيير موقعه باستمرار لالتقاط صور تُغطّي السماء كاملة بزاوية 360 درجة. ومن المقرَّر أن يُنجز «سفيرإكس» 3 عمليات مسح إضافية شاملة للسماء خلال مهمّته التي تمتدّ لعامين، جامعاً بيانات عن أكثر من 450 مليون مجرة، وأكثر من 100 مليون نجم في مجرة درب التبانة.

وقال مدير مختبر الدفع النفاث التابع لـ«ناسا»، ديف غالاغر: «تُعد (سفيرإكس) مهمّة فلكية متوسطة الحجم، لكنها تُقدّم علماً عظيماً. إنها مثال مذهل على كيفية تحويل الأفكار الجريئة إلى واقع ملموس، وإطلاق إمكانات هائلة للاكتشاف».


مقالات ذات صلة

ترمب يعطي الأولوية للقمر في مشاريع الفضاء

الولايات المتحدة​ قمر مكتمل وأمامه صاروخ «ناسا» مخصص لمهمة الإطلاق نحو القمر ضمن برنامج «أرتيميس 1»... في مركز كيندي للفضاء في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأميركية (رويترز - أرشيفية)

ترمب يعطي الأولوية للقمر في مشاريع الفضاء

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، عزمه على إعادة الأميركيين إلى القمر في أقرب وقت ممكن، معطياً استكشاف المريخ أولوية أقل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق ندبة «عنكبوتية» غامضة (ناسا)

شكل عنكبوتي غامض على قمر المشتري... هذا تفسيره

رصد العلماء ندبة غريبة تشبه العنكبوت على سطح قمر «أوروبا»، أحد أقمار كوكب المشتري...

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم المركبة «مافن» (أ.ب)

«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

فقدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الاتصال بمركبة فضائية كانت تدور حول المريخ منذ أكثر من عقد.

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
يوميات الشرق رائد الفضاء جوني كيم من «ناسا» ورائدا الفضاء سيرغي ريجيكوف وأليكسي زوبريتسكي من «روسكوزموس» داخل كبسولة الفضاء (رويترز)

«سويوز إم إس - 27» تعود إلى الأرض... وعلى متنها رائدا فضاء روسيان وأميركي

أعلنت وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس» اليوم (الثلاثاء)، أن مركبة الفضاء «سويوز إم إس - 27» عادت إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القاهرة تحتفي برائد الفن السعودي عبد الحليم رضوي

عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)
عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)
TT

القاهرة تحتفي برائد الفن السعودي عبد الحليم رضوي

عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)
عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)

يُعدّ معرض الفنان التشكيلي السعودي الراحل عبد الحليم رضوي، المُقام في غاليري «ضي الزمالك» بالقاهرة، تجربةً غامرةً للمتلقّي، تتيح له مشاهدة مجموعة متنوّعة من أعمال الفنان مجتمعةً، كما يُقدّم المعرض نظرةً معمَّقةً على ممارسات فنان من الرعيل الأول، أسهم في تحديد معالم الفنّ البصري السعودي بوصفه رائداً لمدرسة «الأصالة».

وتعكس اللوحات الـ50 التي يضمها المعرض، المستمرّ حتى 28 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحت عنوان «مائيات رائد الحركة التشكيلية السعودية»، ميله إلى تجسيد التراث وعناصر الهوية الوطنية، إلى جانب احتفائه بالطبيعة، معتمداً التبسيط والاختزال أسلوباً لفنّه، الذي كسر من خلاله القواعد الأكاديمية التقريرية الصارمة، في بحثه عن المعاصرة وتحدّي التوقعات.

وفي كلمته عن تجربة عبد الحليم رضوي، قال الفنان والناقد السعودي عبد الرحمن السليمان: «رضوي من الرعيل الأول الذين رسموا صورة حقيقية لمعالم الفنّ التشكيلي في السعودية». وتابع: «يستطيع المراقب لمسار الحركة التشكيلية في المملكة أن يتعرَّف إلى أي مدى تأثير مشواره الفنّي وما قدّمه لها، حتى توفي في جدة بعد صراع مع المرض خلال الأعوام الأخيرة، وقد عُرف عنه نشاطه وإصراره على أن يكون للفنّ التشكيلي دور في الثقافة العامة للمجتمع».

لوحات رضوي تتميَّز بديناميكية حركية تدعمها الأشكال الدائرية والدوامات اللونية (الشرق الأوسط)

ويُعدّ استلهام التراثَين العربي والإسلامي، والأصالة بشكل عام، من أهم سمات فنه؛ إذ انطلق منهما، وفق السليمان، إلى عالم الفنّ، وقد تطلَّب منه ذلك اهتماماً كبيراً، وكرَّس له أعمالاً تحمل هذا التوجُّه أو تتأثَّر به.

وُلد التشكيلي السعودي عبد الحليم رضوي عام 1939 في مكة المكرمة، وعاش بداية حياته عصامياً؛ فكان لوالدته الدور الكبير في تنشئته وتعليمه، وكان محاطاً في مدرسته بالتشجيع والاهتمام، فخصَّصت جناحاً لرسوماته نفّذها بالألوان المائية والبلاستيكية.

وكان عام 1958 بداية انطلاقه لحياة فنّية تميَّزت بالمثابرة والجدّ والاجتهاد؛ إذ شارك في أول مسابقة جماعية على مستوى المدارس الثانوية في مدينة الرياض، وفاز حينها بالمركز الأول، وكان لهذا الفوز أثره في أن يتّجه، بعد إنهائه الدراسة الثانوية في مدرسة «العزيزية» بجدة، إلى دراسة الفنون الجميلة، بعدما كان يتمنّى دراسة الطب.

وسافر إلى إيطاليا عام 1961 على نفقته، ليدرس في أكاديمية الفنون الجميلة في روما الديكور وفنونه، وفيها أقام أول معارضه الشخصية في العام التالي من التحاقه بالدراسة، قبل أن يُضمّ لاحقاً إلى البعثة الرسمية.

ورغم أنّ المشهد التشكيلي كان ينتظر من رضوي تمثيل الواقع ومحاكاته، فإنه رفض استنساخه. ففي الوقت الذي جسَّد فيه كنوز بيئته المتفرّدة، وفي مقدّمتها الكعبة المشرَّفة ومحيط الحرم المكي، إلى جانب الصحراء والخيول، مؤكداً الهوية الوطنية والخصوصية المكانية والحضارية، أطلق لخياله العنان عبر تقنيات حداثية، مقدّماً للجمهور طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر.

والمتأمّل للوحات المعرض يلمس إلى أي مدى أسهمت البيئة في المملكة في تشكيل وجدان رضوي ومزاجه الفنّي، وفي الوقت نفسه يستشعر كيف برع الفنان في توظيف الحلول والتصوّرات الحداثية في أعماله لتأكيد اعتزازه بهذه البيئة.

الفنان الراحل عبد الحليم رضوي مع الناقد الفني هشام قنديل (غاليري ضي)

ومن اللافت أيضاً تعبير هذه الأعمال عن اطّلاعه وتفاعله مع المدارس الفنية العالمية؛ فهو، وإن احتفى بإرثه الثقافي والحضاري، قدَّم في الوقت عينه لغةً تشكيليةً تتوافق مع التيارات الحديثة في حركة الفنّ العالمية.

ولم يقتصر نتاج هذا الفكر والتوجُّه على اللوحات التشكيلية فقط، بل شارك رضوي في كتاب «قضايا معاصرة» مع الدكتور أبو بكر باقادر وأكرم طاشكندي، وجاء إسهامه في شكل مقالات نُشرت في عدد من الصحف.

وخلال دراسته الفنية في إسبانيا، التقى عدداً من الفنانين العرب، وكان حريصاً خلال مناقشاته معهم ومع تلاميذه على التأكيد على أهمية أن تكون للشخصية الفنّية في النتاج العربي خصوصيتها وأسلوبها المميز، مع استخدام المعايير الحديثة.

وتتميَّز لوحات المعرض بديناميكية حركية تدعمها الأشكال الدائرية والدوّامات اللونية، إضافة إلى التقويسات، والشخوص، والرقصات الشعبية، والاحتفالات، والحروفيات المُصاحبة للتقسيمات الهندسية المليئة بالحركة، والنابضة بالحياة.

معرض «إبداعات سعودية معاصرة» نوَّع في موضوعاته (الشرق الأوسط)

وتحمل اللوحات مفردات ترمز إلى الأصالة والحميمية في المجتمع، مثل مفردة الخيول في عنفوان حركتها، والبيوت العربية بعناصر الحياة اليومية داخلها، فضلاً عن القباب والمآذن بكل رمزيتها وشحناتها الدينية والروحية.

وحقَّق الفنان عبد الحليم رضوي عدداً من الأنشطة الفنّية، تمثلت في المعارض الشخصية والجماعية خلال تولّيه منصب مدير فرع «جمعية الثقافة والفنون بجدة»، كما قدَّم فكرة معرض «مختارات من الفنّ التشكيلي السعودي المعاصر» التي تبنّتها الجمعية.

وحصل عام 1984 على وسام القائد من البرازيل، وأنشأ متحفه في جدة، حيث عرض أعماله الفنّية، كما أقام أكثر من 100 معرض شخصي طاف بها عدداً من بلدان العالم، كان أولها في روما وبيروت، ثم في إسبانيا ومصر وتونس وغيرها.

وكرَّمته أكثر من جهة، وتقتني أعماله جهات رسمية عدة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، ليبقى رائداً حقيقياً للفنّ التشكيلي السعودي.

جانب من معرض «إبداعات سعودية معاصرة» (الشرق الأوسط)

ويُصاحب معرض رضوي تقديم أعمال نخبة من رواد وكبار التشكيليين المعاصرين في المملكة، في قاعة خاصة تحت عنوان «معرض إبداعات سعودية معاصرة».

ويضمّ المعرض مجموعة مختارة من أعمالهم، من بينهم الفنانون: بكر شيخون، وأحمد فلمبان، وفيصل السمر، وفؤاد مغربل، ومحمد سيام، ونوال مصلي، وعبد الرحمن السليمان، وطه الصبان، وعبد الله حماس، وسمير الدهام، وفهد الحجيلان، وشاليمار شربتلي، وعبد الله إدريس، وأيمن يسري، وعلا حجازي، ومحمد الرباط، وفهد خليف، ومحمد الغامدي، وعبد الرحمن المغربي، ورياض حمدون، وغيرهم.


المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
TT

المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

قال المخرج البريطاني روان أثالي إن اختيار المشهد الافتتاحي لفيلم «العملاق» لم يكن قراراً مفاجئاً، بل كان محدداً منذ المراحل الأولى للكتابة، موضحاً أن الفيلم يبدأ بلحظة فوز نسيم حامد الساحق ببطولة الملاكمة، لأنها تمثل الذروة الأهم في حياته، حين تحوّل إلى ظاهرة داخل الولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه اللحظة التي بدأ فيها يفقد علاقته بمدربه بريندون إيجل.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التناقض هو جوهر الفيلم، حيث يتجاور الانتصار المطلق مع بداية الخسارة الإنسانية، وهو ما دفعني لتصوير المشهد بالأبيض والأسود، باعتباره انتصاراً لا يقبل التأويل أو الالتباس، تماماً كضربة قاضية في حلبة الملاكمة، قبل أن يبدأ السرد لاحقاً في كشف الألوان المتعددة والمعقدة التي تحكم القصة والشخصيات».

المخرج البريطاني روان أثالي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

وأوضح أثالي أن الانتقال البصري من الأبيض والأسود إلى الألوان لم يكن مجرد خيار جمالي، بل تعبير عن طبيعة الحكاية نفسها، مشيراً إلى أن ما يبدو في ظاهره لحظة حاسمة وواضحة يخفي وراءه طبقات متشابكة من المشاعر والدوافع والتناقضات، وهو ما أراد أن يتكشف تدريجياً أمام المشاهد، وفق قوله.

وأكد أن «الفيلم لا يسعى لتقديم سرد مبسط أو أحادي، بل يفتح المجال لرؤية متعددة الزوايا، حيث لا توجد حقيقة واحدة مطلقة، بل شبكة من العلاقات الإنسانية التي تتلون مع الزمن والنجاح والخذلان».

وعن دقة الفيلم تاريخياً، قال المخرج إن «العمل لا يدّعي تقديم توثيق حرفي لكل تفصيلة، لأن الفيلم يضغط ما يقرب من عشرين عاماً من حياة شخصياته في أقل من ساعتين، وهو ما يفرض بالضرورة تكثيفاً زمنياً ودرامياً»، مشيراً إلى أن بعض الأحداث التي استغرقت سنوات في الواقع جرى التعبير عنها من خلال نزالات محددة أو محطات مفصلية، لكنه شدد في المقابل على أن الخط الزمني العام دقيق، وأن الأهم بالنسبة له كان صدق المشاعر التي عاشتها الشخصيات في تلك اللحظات، كما كشفتها أبحاثه وشهادات من عاصروا تلك الفترة.

يتتبع فيلم «العملاق» الذي عرض في افتتاح النسخة الماضية من «مهرجان البحر الأحمر» جانباً مفصلياً من رحلة الملاكم البريطاني من أصل عربي، نسيم حامد، لكن من خلال منظور مدربه بريندون إيجل، الرجل الذي اكتشف موهبته في صالة ملاكمة متواضعة بمدينة شيفيلد مطلع الثمانينات.

يبدأ السرد من ذروة المجد، مع فوز نسيم بلقب عالمي جعله ظاهرة رياضية وإعلامية، قبل أن يعود الفيلم بالزمن إلى طفولته، حين يلتقطه بريندون بعينه الخبيرة ويبدأ في تشكيله بدنياً ونفسياً، ليس فقط كملاكم، بل شخص قادر على مواجهة عنصرية المجتمع المحيط وتحويل الكراهية إلى وقود للنجاح داخل الحلبة.

ومع تصاعد شهرة نسيم وانتصاراته المتتالية، تتوتر العلاقة بين التلميذ ومدربه، إذ تتداخل الطموحات المادية والغرور والضغوط العائلية مع فلسفة التدريب الصارمة التي يتبناها بريندون، ويصل الصراع إلى ذروته بانفصال الطرفين بعد سنوات طويلة من الشراكة، لتنعكس آثار هذا الانفصال على مسيرة نسيم داخل الحلبة وخارجها.

مع أمير المصري خلال الحديث على المسرح بعد عرض الفيلم (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

يؤكد المخرج روان أتال أن من أكثر ما يعتز به في «العملاق» هو الأداء الذي قدمه الممثل أمير المصري معتبراً أن ما أنجزه يتجاوز حدود التمثيل التقليدي رغم ثقته في موهبته قبل ترشيحه، لكن التحدي الحقيقي تمثل في الجانب الجسدي للدور، فالفيلم يتطلب حضور ملاكم محترف داخل الحلبة، وهو ما يحتاج عادة إلى شهور طويلة من التدريب، في حين لم يستغرق أمير سوى أربعة أسابيع فقط للاستعداد، ومع ذلك قبل التحدي من دون تردد، مؤكداً استعداده لبذل أي جهد من أجل إنجاح الفيلم.

وأشار إلى أن «أمير خاض خلال تلك الفترة القصيرة برنامجاً تدريبياً قاسياً، عمل فيه يومياً ولساعات طويلة مع منسقي المعارك ومدربي القتال، إلى درجة أنه كان ينتقل مباشرة من موقع التصوير إلى صالة التدريب ليقضي ما يصل إلى خمس ساعات يومياً في التحضير البدني والحركي».

وأوضح أن «مشاهد النزالات جرى تصويرها في المراحل الأخيرة من التصوير لمنحه أكبر وقت ممكن للتطور»، لافتاً إلى أن التحول الذي حققه، من تدريبات أولية بسيطة إلى الأداء القتالي المعقد الذي يظهر في الفيلم، يُعد أمراً نادر الحدوث في سينما أفلام القتال، معتبراً ما حققه أمير أمام الكاميرا يفوق ما ينجزه كثير من الممثلين الذين تتاح لهم فترات إعداد أطول بكثير.

بالانتقال للحديث عن تفاصيل العمل، يقول أثالي إنه أجرى بحثاً موسعاً شمل قراءة مكثفة ومقابلات مع أكثر من عشرين شخصاً كانوا قريبين من التجربة، سواء داخل الصالة أو في محيطها، مؤكداً أن هدفه لم يكن الانحياز لطرف على حساب آخر، وأن الانقسام الذي حدث بين نسيم ومدربه يشبه في جوهره حالات الانفصال الإنساني المؤلمة، حيث يميل كل طرف إلى تبني روايته الخاصة، لكن الحقيقة غالباً ما تكون موزعة بين الجميع.

وأكد أنه تعمّد «عدم شيطنة أي شخصية أو تبرئة أخرى»، وفق قوله، ساعياً إلى تقديم صورة إنسانية عادلة، تعترف بالخطأ والفضل معاً، وتترك الحكم النهائي للمشاهد.

واختتم المخرج حديثه بالتأكيد على أن «العملاق» ليس فيلماً عن بطل واحد بقدر ما هو فيلم عن الكيفية التي يمكن بها للموهبة، حين تلتقي بالتدريب والحب والسيطرة والخوف، أن تصنع مجداً هائلاً، لكنها في الوقت نفسه قد تزرع بذور الانكسار. وأضاف أن صدق هذه الرحلة الإنسانية كان هاجسه الأول، وأنه فضّل الصراحة والإنصاف على الإثارة أو التجميل، إيماناً منه بأن قوة الفيلم الحقيقية تكمن في إنسانيته لا في أسطورته.


حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)
لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)
TT

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)
لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

أبدى المخرج العراقي حسن هادي سعادته وفخره بترشيح فيلمه «مملكة القصب» ضمن «القائمة المختصرة» لجوائز «الأوسكار» الـ98، وقال إن اختياره لمرحلة التسعينات ليروي تفاصيل قصته التي تتمحور حول الظروف التي مرَّ بها الشعب العراقي وقت الحصار وتبعاته السلبية على الناس كافة «كان ضرورياً لتوثيق بعض الأحداث المريرة».

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما علم بترشيح الفيلم ضمن القائمة المختصرة لجوائز «الأوسكار»، انتابه شعور بالفخر والسعادة لوصول فيلم عراقي مصنوع محلِّياً إلى هذه القائمة.

وأوضح أنَّ «الترشيح أضفى الشرعية على فكرة أنَّ السينما المحلِّية من الممكن أن تكون سينما عالمية بامتياز»، مُعرباً عن أمنيته أن يكون الوصول إلى هذه القائمة مجرَّد بداية: «لأنَّ هناك كثيراً من العمل لإنجازه حتى الوصول إلى صناعة سينمائية عراقية محترفة، تكون ضمن المنافسين على أهم الجوائز السينمائية»، وفق تعبيره.

المخرج حسن هادي يتحدَّث عن فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

الفيلم الحاصل على تمويل «مؤسَّسة الدوحة للأفلام»، والذي عُرض خلال فعاليات مهرجان «الدوحة السينمائي» 2025، للمرة الأولى في الشرق الأوسط، نافس في «المسابقة الدولية للأفلام الطويلة»، عقب فوزه بجائزتين في مهرجان «كان السينمائي» بدورته الماضية، وشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً في الدوحة، إلى جانب إشادات نقدية.

ويقول هادي إنّ «(مؤسَّسة الدوحة للأفلام) أصبحت تمثل اليوم مقصداً لرواد الإبداع في العالم العربي، فهي آمنت بأنَّ الصوت المحلِّي في المنطقة يستحق أن يروي قصته بنفسه، وكان دعمها ووقوفها خلف هذه المشروعات ذا أثر بالغ في وصول السينما العربية إلى آفاق عالمية، فقد منحتنا الصدقية التي احتجنا إليها، وكانت شهادتها قيمة لا تُقدَّر».

فيلم «مملكة القصب»، أو «كعكة الرئيس» كما أطلق عليه البعض بعد ترجمته إلى العربية، وفق المخرج العراقي، يدور حول فتاة قدَّمت شخصيتها بطلة الفيلم الممثلة العراقية بنين أحمد نايف، البالغة 11 عاماً، والتي حاولت بكلِّ الطرق الممكنة صنع كعكة لعيد ميلاد الرئيس الراحل صدام حسين، بعدما وقع الاختيار عليها لإتمام هذه المهمة، وسط تحدِّيات وظروف قاسية شهدتها تلك المرحلة، من عقوبات أثَّرت في الناس تحت ضغط واقع صعب في العراق.

وأكد حسن هادي أنَّ الفيلم حاول عكس صورة المجتمع خلال التسعينات بسبب الحصار والعقوبات المفروضة؛ مشيراً إلى التأثير السلبي للحصار على أخلاقيات المجتمع آنذاك، وأنَّ ما حدث ما زال محفوراً في الذاكرة، ولا يمكن محوه؛ لأن آثاره قائمة حتى اليوم.

«مملكة القصب» يترشَّح ضمن قائمة الجوائز القصيرة بـ«الأوسكار» (الشركة المنتجة)

وتطرَّق الفيلم إلى كثير من التفاصيل التاريخية والواقعية للعراق وتاريخه وثقافته، وعدَّ المخرج العراقي تقديم هذه القصة في أول فيلم روائي طويل له، بعد تجارب قصيرة: «حلماً تحقق».

وكشف حسن هادي أنه تعمَّد توظيف «الكوميديا السوداء» في التفاصيل؛ لأنها نتاج ما عاشه العراق من ضغوط في عهد صدام حسين، لافتاً إلى أنَّ العراق غني بالحكايات التي تمسُّ الشعب، ولا بد من أن تُروى، وهو حريص على ذلك.

وعن التحدِّيات التي واجهته، قال: «العودة بالزمن إلى مرحلة التسعينات لم تكن سهلة، وكذلك وجود فريق من الممثلين غير المحترفين. كلها تحدِّيات وليست معوقات، وربما هي أفضل التحدِّيات التي واجهتُها؛ لأن العمل على تفاصيل دقيقة بحرص وإتقان تنتج عنه صورة مختلفة ومتميِّزة».

وعن أداء الطفلة بنين لدور البطولة، أوضح: «كانت خجولة جداً، ولكننا أردنا من الممثلين الأطفال أن يدركوا أنه لا شيء اسمه صواب أو خطأ، لذلك كنا نرحِّب باللحظات العفوية والسعيدة، والتي استقبلها الناس بأريحية بعد مُشاهدة الفيلم».

وفي جلسته الحوارية خلال فعاليات «الدوحة السينمائي»، قال حسن هادي، المولود في العراق والمقيم فيه، إنَّ بداياته في عالم السينما جاءت عبر أشرطة الفيديو، مؤكداً أنه نشأ ودور السينما مغلقة، مع وجود حظر على تصدير الأفلام إلى العراق، قائلاً: «ولكننا كنا نتداول أشرطة الفيديو فيما بيننا بشكل سرِّي لمُشاهدة الأفلام».

وحرص خلال التحضيرات للفيلم على عدم تحديد عام بعينه خلال التسعينات، حتى لا يقع في أخطاء تاريخية، موضحاً أنَّ حماسته لعرض هذه المرحلة يعود إلى قلَّة التطرُّق إليها فنِّياً من قبل، وأنه لم يفكر في صناعة أفلام تناقش المرحلة الحالية في العراق؛ لأن المقارنة بين اليوم وما عاشه العراقيون في تسعينات القرن الماضي لا تُذكر.

وأكد المخرج العراقي أنَّ صناعة الفيلم لم تنطلق من معاناة شخصية؛ بل من إطار عام تألَّم منه وعايشه الشعب العراقي في تلك المرحلة، سواء بالحرب أو بالاعتقال أو بغير ذلك من الأساليب المُتَّبعة آنذاك، موضحاً أنَّ «الهدف من الفيلم ليس إدانة صدام حسين؛ بل إبراز تفاصيل معاناة الشعب، وقد تعمَّدت عدم كتابتها من منظور سياسي»، وفق تعبيره.