كانوا ينتظرون الرحلات الجوية... ثم أغلق ترمب الباب أمام الحلفاء الأفغان

بعد الموافقة على إعادة توطين نحو 15 ألفاً في الولايات المتحدة

طيار من القوات الجوية الأميركية يدرب أفراد الخدمة الأفغانية في عام 2018 (نيويورك تايمز)
طيار من القوات الجوية الأميركية يدرب أفراد الخدمة الأفغانية في عام 2018 (نيويورك تايمز)
TT

كانوا ينتظرون الرحلات الجوية... ثم أغلق ترمب الباب أمام الحلفاء الأفغان

طيار من القوات الجوية الأميركية يدرب أفراد الخدمة الأفغانية في عام 2018 (نيويورك تايمز)
طيار من القوات الجوية الأميركية يدرب أفراد الخدمة الأفغانية في عام 2018 (نيويورك تايمز)

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً يقضي بوقف رحلات اللاجئين الأفغان الذين دعموا المهمة الأميركية في أفغانستان وكانوا قد تمت الموافقة على إعادة توطينهم في الولايات المتحدة.

أشخاص بمطار كابول يأملون في الفرار من أفغانستان بعد أيام من استيلاء «طالبان» على البلاد أغسطس 2021 (نيويورك تايمز)

مختبئاً في أفغانستان

ناصر، المستشار القانوني للقوات الجوية الأفغانية خلال الحرب، الذي ساعد في الموافقة على توجيه ضربات جوية ضد مقاتلي «حركة طالبان»، لا يزال يعيش مختبئاً في أفغانستان منذ استيلاء الحركة على السُلطة في كابول عام 2021، إذ ينتظر الموافقة على إعادة توطينه في الولايات المتحدة. وصرَّح ناصر بأنه اجتاز الفحوصات الأمنية، وكان يحتاج فقط إلى فحص طبي لإتمام الإجراءات، لكن الأسبوع الماضي، فوجئ هو وعشرات الآلاف من الأفغان الآخرين بأن طريقهم إلى الولايات المتحدة قد بات مسدوداً بسبب أمر تنفيذي وقّّعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، الأحد.

جنود «طالبان» يحتفلون بالذكرى الثانية لسقوط كابل بالقرب من السفارة الأميركية في أفغانستان 15 أغسطس 2023 (رويترز)

وجاء قرار ترمب ليوقف برنامج إعادة التوطين الذي يجلب آلاف اللاجئين الشرعيين إلى الولايات المتحدة سنوياً، ومن بين الكثير من اللاجئين الذين أصبحوا في وضع مُعلَّق الآن هم الأفغان الذين ساعدوا الجهود الحربية الأميركية، وهم الآن يبحثون عن بداية جديدة وإحساس بالأمان في الولايات المتحدة.

وكتب ناصر، الذي كان برتبة مقدم، وطلب عدم ذكر اسمه كاملاً، في رسالة نصية أن ترمب «لم يتجاهل مصالح الأفغان وحدهم من خلال هذا القرار، بل لم يراعِ أيضاً مصالح الولايات المتحدة نفسها». وتساءل: «كيف يمكن للعالم وحلفاء أميركا أن يعتمدوا على الحكومة الأميركية بعد ذلك؟».

انتظار ركوب الطائرات في كابل أغسطس 2021 (نيويورك تايمز)

برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة الذي يتم تنفيذه منذ عام 1980، يتيح الهجرة القانونية للأشخاص الذين فروا من بلدانهم الأصلية بسبب تعرضهم للاضطهاد أو الحروب أو التهديدات الأخرى، وذلك بعد خضوعهم لفحوصات أمنية.

وفي تعليقه للبرنامج، صرَّح ترمب بأن استمراره «سيشكل عبئاً على المجتمعات الأميركية التي لم تكن مهيأة للتعامل مع اللاجئين».

حيز التنفيذ يوم الاثنين

ومن المقرر أن يدخل أمر ترمب التنفيذي، الذي يحمل عنوان «إعادة تنظيم برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة» حيز التنفيذ يوم الاثنين، وينُص الأمر على أن وزيرَي الخارجية والأمن الداخلي قد يقبلان اللاجئين بعد دراسة كل حالة على حدة، ولكن فقط إذا قررا أن ذلك «يخدم المصلحة الوطنية ولا يشكل تهديداً لأمن أو رفاهية الولايات المتحدة». ولا يحدد الأمر التنفيذي متى سينتهي هذا التعليق، بل يقول إنه سيستمر «حتى يصبح السماح بدخول المزيد من اللاجئين إلى الولايات المتحدة متوافقاً مع مصالحها».

شون فان دايفر، مؤسس منظمة "مساعدة الأفغان" في مكتبه المنزلي يوم السبت في سان دييغو " نيويورك تايمز"

ووفقاً لتحالف «AfghanEvac»، وهو ائتلاف يضم 250 مجموعة تعمل على مساعدة الأفغان على الهجرة، كان هناك ما لا يقل عن 40 ألف أفغاني يسعون لإعادة التوطين في الولايات المتحدة قبل صدور الأمر التنفيذي يوم الاثنين، وتوقف رحلات اللاجئين في اليوم التالي.

ويقول «AfghanEvac» إن قرار تعليق هذه الرحلات يعد كارثياً بشكل خاص بالنسبة لـ10- 15 ألف أفغاني الذين تم فحصهم أمنياً بالكامل، وكانوا يستعدون للرحلات الجوية، كما أنه يشكل ضربة قاسية لما يقدر بـ200 من أفراد الخدمة الأميركية الذين يحاولون إخراج عائلاتهم من أفغانستان.

وقال أحد الجنود في وحدة المظليين في الجيش الأميركي بقاعدة فورت ليبرتي في ولاية نورث كارولينا، الذي طلب أن يتم تحديد هويته باسمه الرمزي «موغو»، إنه قضى العام الماضي في مساعدة شقيقته وزوجها في التقدم بطلب للحصول على وضع لاجئ لدخول الولايات المتحدة من أفغانستان.

مترجم للقوات الأميركية

وعمل موغو، البالغ من العمر 26 عاماً، مترجماً للقوات الأميركية في أفغانستان، وقال إنه انضم إلى الجيش الأميركي قبل عامين بعد مغادرته أفغانستان في 2021 بموجب برنامج يمنح التأشيرات للأفغان الذين خدموا بشكل مباشر مع الجيش أو الحكومة الأميركية.

وأضاف موغو أن شقيقته وزوجها، اللذين يعملان أطباء، مختبئان الآن خوفاً من التعرض للانتقام من «طالبان» بسبب خدمته العسكرية، مشيراً إلى أنهما اجتازا مؤخراً عملية الفحص الأمني المطولة للاجئين، وتمت الموافقة لهما على إعادة التوطين في الولايات المتحدة، وكل ما كان يتبقى هو ترتيب رحلة جوية للخروج من أفغانستان.

وقال موغو في مكالمة عبر الهاتف من قاعدة «فورت ليبرتي»، المعروفة سابقاً باسم «فورت براغ»، التي يخدم فيها في الفرقة المحمولة جواً رقم 82: «كنا قريبين جداً من نقلهما إلى بر الأمان، لكن فجأة توقف كل شيء»، مضيفاً أنه عندما سمعت شقيقته الخبر «بدأت في البكاء، وبدأت أنا أيضاً في البكاء معها».

ووصف شون فاندايفر، رئيس تحالف «AfghanEvac»، الأمر التنفيذي بأنه «خيانة للأفغان الذين دعموا الحكومة أو الجيش الأميركي»، قائلاً في مقابلة أُجريت معه عبر الهاتف: «الجميع مُجمَّد في مكانه... إنه لأمر مُفجع».

أنصار «طالبان» يتجمعون خلال احتجاج ضد المحكمة الجنائية الدولية في غزنة 26 يناير 2025

ومن بين أولئك الذين تم دفعهم إلى حالة من عدم اليقين بسبب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي هم الأفراد السابقون في القوات العسكرية والأمنية الأفغانية، بالإضافة إلى القضاة والمحامين الذين شاركوا في محاكمات أعضاء «طالبان»، كما أن بعض هؤلاء القضاة والمحامين من النساء اللاتي تعرضن للاضطهاد من قِبَل الحركة.

وأضاف فاندايفر أن تعليق برنامج إعادة التوطين لا يعالج مشكلة الدخول غير القانوني للمهاجرين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وهي نقطة محورية في حملة ترمب الانتخابية، فالأفراد في البرنامج لا يمكنهم التقدم بطلباتهم بأنفسهم، بل يجب أن تتم إحالتهم من قبل وكالات الحكومة الأميركية أو الشركاء غير الحكوميين المعتمدين.

وتابع: «الفشل في حماية حلفائنا الأفغان يبعث برسالة خطيرة إلى العالم مفادها أن التزامات الولايات المتحدة مشروطة ومؤقتة».

إلى باكستان المجاورة

وجدير بالذكر أن مئات الآلاف من الأفغان الذين فروا بعد استيلاء «طالبان» على السلطة قد لجأوا إلى باكستان المجاورة، ويعيش عدد كبير منهم في العاصمة إسلام آباد، حيث يسعون لإعادة التوطين في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من خلال السفارات ووكالات اللاجئين هناك.

ويخشى كثيرون أن يتم ترحيلهم إلى أفغانستان الآن بعد أن انقطع طريقهم إلى الولايات المتحدة، وقد طردت باكستان بالفعل مئات الآلاف من الأفغان بسبب التوترات المتصاعدة مع «طالبان».

وقال إحسان الله أحمدزاي، صحافي كان يعمل مع وسائل إعلام ممولة من الولايات المتحدة في كابل، العاصمة الأفغانية، قبل أن يفر إلى إسلام آباد في عام 2021: «لقد تحملنا لمدة ثلاث سنوات مضايقات مستمرة من السلطات الباكستانية»، مضيفاً: «لكننا ظللنا نأمل في أن نغادر قريباً إلى الولايات المتحدة».

لكن هذا التفاؤل تبدد الآن، وهذا هو ما عبَّر عنه أحمدزاي بقوله: «كان أمر ترمب كالقنبلة، لقد حطَّم آمالنا وتركنا عرضة للخطر مرة أخرى».

طلاب حديثو التخرج من مدرسة منبع الجهاد يحضرون حفل تخرجهم في خوست 24 يناير 2025 (أ.ف.ب)

أما نور حبيبة، التي كانت تعمل مع منظمة معنية بحقوق المرأة ممولة من الولايات المتحدة في كابول قبل أن تفر مع زوجها وابنتيها إلى إسلام آباد، فقالت إنها كانت تأمل حتى الآن في الوصول إلى الولايات المتحدة في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) المقبلين.

دخول 76 ألف أفغاني لأسباب إنسانية

وأضافت: «لا يمكننا العودة إلى أفغانستان، لم يعد هناك شيء يمكن للنساء العيش من أجله في ظل حكم (طالبان)».

ويشعر المدافعون عن المهاجرين بالقلق من أن الأفغان الذين وصلوا بالفعل في الولايات المتحدة قد يكونون أيضاً معرضين للخطر، إذ إنه وفقاً لمذكرة داخلية حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز»، يمكن ترحيل المهاجرين الذين دخلوا البلاد بموجب برامج إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بسرعة باستخدام الصلاحيات التي يمنحها ترمب لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك.

وكانت إدارة بايدن قد بدأت، بعد انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، في تنفيذ برنامج يسمح لـ 76 ألف أفغاني تم إجلاؤهم من كابل بدخول الولايات المتحدة لأسباب إنسانية، وفقاً لـ«معهد سياسات الهجرة».


مقالات ذات صلة

فلوريدا تصنِّف «كير» و«الإخوان» منظمتين إرهابيتين

الولايات المتحدة​ حاكم فلوريدا رون ديسانتيس (إنترنت)

فلوريدا تصنِّف «كير» و«الإخوان» منظمتين إرهابيتين

بعد قرار مماثل لتكساس الشهر الماضي، صنَّف حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، مجلس العلاقات الأميركية- الإسلامية (كير) وجماعة «الإخوان المسلمين» منظمتين إرهابيتين.

علي بردى (واشنطن)
أفريقيا عناصر من الجيش المالي خلال دوريات قرب أماكن تنتشر فيها جماعات متطرفة جنوب البلاد (رويترز)

مالي: الجيش يعلن القضاء على إرهابيين

تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة وتيرة الهجمات الإرهابية في دولة مالي، في حين يواصل تنظيم «القاعدة» محاولة حصار العاصمة باماكو.

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا عناصر أمنية من «طالبان» تقف في دورية للحراسة داخل المنطقة الحدوية بين باكستان وأفغانستان (إ.ب.أ)

باكستان: مقتل 9 إرهابيين في عمليتين منفصلتين بإقليم خيبر بختونخوا

أعلن الجيش الباكستاني، اليوم السبت، أن قواته نفذت عمليتين منفصلتين، استناداً إلى معلومات استخباراتية أفادت بوجود «إرهابيين» في منطقتي تانك ولاككي مروت.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

تشهد الأزمة بين الجزائر وجارتها الجنوبية، مالي، تصاعداً مستمراً منذ بداية 2024، ويرجح مراقبون أن تتفاقم الأحداث لاحقاً.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

قاضٍ يأمر إدارة ترمب بإنهاء نشر قوات حرس كاليفورنيا الوطني في لوس أنجليس

أفراد من الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا ينتشرون خارج مجمع من المباني الفيدرالية في كاليفورنيا (رويترز)
أفراد من الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا ينتشرون خارج مجمع من المباني الفيدرالية في كاليفورنيا (رويترز)
TT

قاضٍ يأمر إدارة ترمب بإنهاء نشر قوات حرس كاليفورنيا الوطني في لوس أنجليس

أفراد من الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا ينتشرون خارج مجمع من المباني الفيدرالية في كاليفورنيا (رويترز)
أفراد من الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا ينتشرون خارج مجمع من المباني الفيدرالية في كاليفورنيا (رويترز)

أمر قاض فيدرالي أميركي، اليوم الأربعاء، إدارة الرئيس دونالد ترمب بضرورة إنهاء نشر قوات الحرس الوطني بولاية كاليفورنيا في لوس أنجليس، وإعادة السيطرة على القوات إلى الولاية.

وأصدر القاضي الجزئي الأميركي في سان فرانسيسكو، تشارلز براير، أمراً قضائياً أولياً بناء على طلب مسؤولي ولاية كاليفورنيا الذين عارضوا خطوة الرئيس دونالد ترمب الاستثنائية باستخدام قوات الحرس الوطني التابعة للولاية دون موافقة الحاكم لتعزيز جهوده في تطبيق قوانين الهجرة. لكن القاضي علق تنفيذ الأمر حتى يوم الاثنين.

وتدفع ولاية كاليفورنيا بأن الأوضاع في لوس أنجليس قد تغيرت منذ أن تولى ترمب قيادة القوات في البداية ونشرها في يونيو (حزيران) الماضي.

واستدعت الإدارة في البداية أكثر من 4 آلاف من قوات الحرس الوطني في كاليفورنيا، لكن هذا العدد انخفض إلى عدة مئات بحلول أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، مع بقاء نحو 100 جندي فقط في منطقة لوس أنجليس.

لكن الإدارة الجمهورية مددت فترة نشر القوات حتى فبراير (شباط)، في الوقت الذي حاولت فيه أيضاً استخدام عناصر الحرس الوطني في كاليفورنيا في بورتلاند بولاية أوريجون باعتبار ذلك جزءاً من جهودها لإرسال الجيش إلى مدن يديرها الديمقراطيون، رغم المعارضة الشديدة من قبل العمد وحكام الولايات.

وقال محامو وزارة العدل الأميركية إن الإدارة لا تزال بحاجة إلى عناصر الحرس الوطني في منطقة لوس أنجليس للمساعدة في حماية الموظفين والممتلكات الفيدرالية.


الديمقراطيون ينتزعون رئاسة بلدية ميامي

إيلين هيغينز تلقي كلمة أمام أنصارها في ميامي يوم 9 ديسمبر (أ.ب)
إيلين هيغينز تلقي كلمة أمام أنصارها في ميامي يوم 9 ديسمبر (أ.ب)
TT

الديمقراطيون ينتزعون رئاسة بلدية ميامي

إيلين هيغينز تلقي كلمة أمام أنصارها في ميامي يوم 9 ديسمبر (أ.ب)
إيلين هيغينز تلقي كلمة أمام أنصارها في ميامي يوم 9 ديسمبر (أ.ب)

شهدت مدينة ميامي، القلب النابض لجنوب فلوريدا والمتسمة بتركيبتها السكانية الغالبة من أصول لاتينية، تحولاً سياسياً لافتاً ومزلزلاً، مساء الثلاثاء، تمثل في فوز الديمقراطية إيلين هيغينز بمنصب رئيسة بلدية المدينة. لم يكن فوز هيغينز مجرد انتصار عابر، بل كان حدثاً سياسياً لافتاً يتجاوز نتائجه المحلية المباشرة إلى دلالات أعمق ترتبط بالمشهد الحزبي الأميركي، وبمثابة كسر للجدار الجمهوري الذي أحكم قبضته على كرسي رئاسة البلدية لنحو ثلاثة عقود، وتحديداً منذ عام 1997، ما يجعله أول فوز ديمقراطي منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً.

وعلى الرغم من الاتجاه العام بين الخبراء إلى التحذير من «المبالغة في قراءة» نتائج هذه الانتخابات، فإن حجم الاهتمام الوطني الذي حظيت به وصراع الاصطفافات فيها، يضعان هذا الفوز في خانة التطورات الجديرة بالتوقف عندها.

عودة ديمقراطية في مدينة «يمينية»

من حيث المبدأ، تبدو استعادة الديمقراطيين لمنصب عمدة ميامي تطوّراً غير عادي في مدينة كانت تميل بوضوح في العقد الأخير إلى اليمين. فهذه المدينة ذات الغالبية اللاتينية، التي تضم نحو نصف مليون نسمة، شهدت في عام 2020 انتقالاً كبيراً في المزاج الانتخابي مع تراجع الفارق الديمقراطي، وصولاً إلى تحقيق دونالد ترمب مكسباً تاريخياً في 2024 عندما أصبح أول مرشح رئاسي جمهوري يتقدم في مقاطعة ميامي-ديد منذ 36 عاماً.

في هذا السياق، يبرز فوز هيغينز بما يقارب 59 في المائة من أصوات الجولة الحاسمة، مقابل 41 في المائة لمنافسها الجمهوري إيميليو غونزاليس، إشارة إلى قدرة الديمقراطيين على إعادة تنظيم صفوفهم واستثمار حالة السخط المحلي على ضعف قدرة الإدارة الحالية على معالجة أزمات السكن وارتفاع الضرائب العقارية، وهي ملفات شكّلت جوهر حملة المرشحة الديمقراطية.

فازت إيلين هيغينز بانتخابات رئاسة بلدية ميامي يوم 9 ديسمبر (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من أن انتخابات رئيس بلدية ميامي تُعدّ رسمياً «غير حزبية»، فإن اصطفاف الحزبين الكبيرين حول المرشحين عكس واقعاً مختلفاً تماماً. فقد حظي غونزاليس بدعم مباشر من الرئيس ترمب، الذي وصفه بأنه مرشح لن «يخذلكم أبداً»، وسيعمل على «وقف جرائم المهاجرين» وخفض الضرائب. كما حصل على تأييد حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، والسيناتورين ريك سكوت وآشلي مودي، فضلاً عن دعم من شخصيات «قومية جمهورية» مثل السيناتور تيد كروز.

في المقابل، تحوّل دعم الديمقراطيين لهيغينز إلى اختبار رمزي لقدرتهم على اختراق مناطق انزاحت نحو الجمهوريين خلال السنوات الماضية. وقد دخلت قيادات ديمقراطية كبرى على خط الحملة، من بينها شخصيات تُعدّ أسماء محتملة في السباق الرئاسي لعام 2028، مثل السيناتور روبن غايياغو ورام إيمانويل وبيت بوتيجيج.

هذا الاستقطاب الحاد بين الطرفين جعل من الانتخابات حدثاً وطنياً بامتياز، وفتح الباب أمام مقارنات مع الاختراقات الديمقراطية الأخيرة في ولايات أخرى، من فيرجينيا إلى نيوجيرسي، إضافة إلى النتائج الإيجابية للحزب في انتخابات فرعية متعددة. وفي تعليق له، عدّ رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، كين مارتن، الفوز بأنه «دليل على ما يمكن للديمقراطيين إنجازه عندما نُنظّم وننافس في كل مكان»، مضيفاً: «نتيجة الليلة هي علامة تحذير أخرى للجمهوريين بأن الناخبين سئموا من أجندتهم البعيدة عن الواقع التي تزيد التكاليف على الأسر العاملة في جميع أنحاء البلاد».

رسائل إلى الجمهوريين

على الرغم من الخطاب الجمهوري المسبق الذي حاول التقليل من أهمية الانتخابات والتحذير من التعامل معها بوصفها «استفتاء على ترمب»، فإن الهزيمة جاءت في لحظة حساسة للحزب وهو يستعد للانتخابات النصفية في 2026. ويبدو أن ارتباط غونزاليس المباشر بالرئيس ترمب، الذي تراجعت شعبيته أخيراً، حسب عدة استطلاعات، كان أحد عوامل الإضرار بحملته، وفق تقديرات ديمقراطية.

كما أن محاولة مجلس المدينة لتأجيل الانتخابات ومنح سنة إضافية للمسؤولين المحليين، وهي خطوة أجهضها القضاء، عززت المزاج الرافض لـ«الامتداد السياسي» وساعدت هيغينز في تقديم نفسها بديلاً إصلاحياً نظيفاً. هذا الخطاب لقي صدى لدى قطاعات من الناخبين المحبطين من اتهامات الفساد والانقسامات داخل إدارة بلدية ميامي خلال السنوات الأخيرة، حسب ما ذكرته صحف أميركية عدة.

استراتيجية جديدة

توالت خلال الأشهر الماضية مؤشرات إلى ميل الناخب الأميركي نحو أصوات «أقل صخباً وأكثر براغماتية»، كما ظهرت في انتخابات ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي. وقد حاولت هيغينز البناء على هذا المزاج، مركّزة على خطاب إصلاحي معتدل يبتعد عن الاستقطاب الحزبي ويتصل بحاجات الناخبين اليومية: الإسكان، النزاهة الحكومية، الأمن الاقتصادي، حماية البيئة.

ؤ

هذا النمط من الخطاب كان بمثابة تذكير بأن جزءاً من القاعدة اللاتينية في ميامي، وهي قاعدة حاسمة في رسم اتجاهات الولاية، يستجيب للملفات العملية أكثر من شعارات الهوية الآيديولوجية. وهو ما قد يعيد تشكيل الطريقة التي يخاطب بها الحزبان هذه الشريحة خلال السنوات المقبلة.

ويشير فوز هيغينز إلى وجود هوامش يمكن للديمقراطيين المناورة فيها، خصوصاً في المدن الكبرى ذات التركيبة المتنوعة. كما أن الانتخابات حملت رسالة مضاعفة للجمهوريين: الأولى، أن الارتباط المفرط بترمب قد لا يكون مربحاً في كل السياقات المحلية. والثانية أن تجاهل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مثل أزمة السكن في ميامي، قد يفتح نافذة للخصوم.

من الصعب القول إن فوز إيلين هيغينز يمهّد لانعطافة عميقة في المشهد السياسي لجنوب فلوريدا، ولكنه بلا شك انتصار محلي بطابع وطني وجرس إنذار مبكر قبل دخول الولايات المتحدة منعطف انتخابات 2026، وما بعدها.


مقاتلات أميركية تُحلّق قرب فنزويلا... وترمب يتوقع «أياماً معدودة» لمادورو

مقاتلتان أميركيتان من طراز «إف بي» تحلقان في أجواء كوستاريكا يوم 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
مقاتلتان أميركيتان من طراز «إف بي» تحلقان في أجواء كوستاريكا يوم 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

مقاتلات أميركية تُحلّق قرب فنزويلا... وترمب يتوقع «أياماً معدودة» لمادورو

مقاتلتان أميركيتان من طراز «إف بي» تحلقان في أجواء كوستاريكا يوم 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
مقاتلتان أميركيتان من طراز «إف بي» تحلقان في أجواء كوستاريكا يوم 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

حلّقت مقاتلتان أميركيتان فوق خليج فنزويلا عند نقطة يُعتقد أنها الأقرب إلى هذه الدولة في أميركا الجنوبية منذ بدء حملة الضغط التي تقودها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الذي عدّ أن أيام الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في الحكم باتت «معدودة».

وبينما أبلغ وزير الحرب، بيت هيغسيث، قادة الكونغرس أنه يدرس إمكان نشر الفيديو الكامل لهجوم نُفّذ بضربتين ضد قارب يُشتبه في أنه كان ينقل مخدرات؛ ما أدى إلى مقتل شخصين ناجيين كانا تشبثا بحطام القارب الناتج عن الضربة الأولى، فقد سجّلت مواقعُ تتّبع الرحلات الجوية العامة تحليقَ طائرتين حربيتين من طراز «إف إيه18» تابعتين للبحرية الأميركية فوق خليج فنزويلا، الذي يبلغ عرضه نحو 150 ميلاً (240 كيلومتراً) فقط عند أوسع نقطتين، وإمضاءهما أكثر من 30 دقيقة في التحليق فوق المياه.

ووصف مسؤول دفاعي هذا التحليق بأنه «رحلة تدريبية روتينية» في المجال الجوي الدولي، مضيفاً أنه لا يمكنه تحديد ما إذا كانت الطائرتان مسلحتين. وشبّه عملية التحليق بتمارين سابقة هدفت إلى اختبار قدرات الطائرات الأميركية، مؤكداً أنها «لم تكن استفزازية».

وسبق للجيش الأميركي أن نشر قاذفات من طرازَيْ «بي52 ستراتوفورتريس» و«بي1 لانسير» في المنطقة، وحلّقت قرب سواحل فنزويلا، وليس على مقربة من الأراضي الفنزويلية كما فعلت مقاتلتا «إف إيه18» الثلاثاء.

الهجمات البرية

وتعدّ هذه الطلعات الجوية أحدث خطوة اتّخذها الجيش الأميركي في إطار تعزيز وجوده العسكري في المنطقة، وهو الأكبر منذ عقود، وشنه سلسلة من الضربات الجوية المميتة على قوارب يعتقد أنها تُهرب المخدرات إلى الولايات المتحدة عبر جنوب البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ.

ويُكرّر الرئيس دونالد ترمب أن الهجمات البرية ستحدث قريباً، لكنه لم يُفصح عن أي تفاصيل بشأن مواقعها. وبرّر ترمب الهجمات بأنها تصعيد ضروري لوقف تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، مُعلناً أن بلاده تخوض «نزاعاً مسلحاً» مع عصابات المخدرات.

وكرر الرئيس ترمب، في مقابلة مع موقع «بوليتيكو» الإخباري الثلاثاء، أن أيام مادورو في الحكم «باتت معدودة». وعندما سُئل عن مدى استعداده لإخراج مادورو من الحكم، أجاب ترمب: «لا أريد أن أقول ذلك». وحين قيل له: «لكنك تريد رؤيته يرحل؟»، أجاب: «أيامه معدودة».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يمشي في «الحديقة الجنوبية» للبيت الأبيض يوم 9 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

ورداً على سؤال عمّا إذا كان سينظر في استهداف دول مثل المكسيك وكولومبيا للحد من تهريب مادة الـ«فانتانيل» المخدرة، أجاب: «نعم، سأفعل (...) بالتأكيد، سأفعل».

في المقابل، يُصرّ الرئيس مادورو على أن الهدف الحقيقي من العمليات العسكرية الأميركية هو إجباره على التنحي عن منصبه. وأكّد أن اقتصاد بلاده نما بنسبة 9 في المائة رغم ضغوط الولايات المتحدة، مشيراً إلى العلاقات الوطيدة لفنزويلا بكل من الصين وروسيا وإيران.

ضغوط الكونغرس

وتواجه إدارة ترمب تدقيقاً متنامياً من المشرّعين بشأن استهداف القوارب، الذي أدّى إلى مقتل 87 شخصاً على الأقل في 22 غارة معروفة منذ أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي، بما في ذلك الغارة الأخيرة، التي نُفّذت بضربتين، والتي أدّت إلى مقتل ناجيين اثنين كانا مُتشبثين بحطام القارب بعد الضربة الأولى.

ويطالب المشرعون بالحصول على تسجيلات فيديو غير منقحة للغارات، لكن وزير الحرب، بيت هيغسيث، أبلغ قادة الكونغرس، الثلاثاء، أنه ما زال يدرس مسألة نشرها. وقدّم هيغسيث إحاطة في جلسة مغلقة لقادة الكونغرس برفقة وزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) جون راتكليف، ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى في الأمن القومي.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يتابع بمنظار تجمعاً حاشداً في كاراكاس يوم 1 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وفي اليوم نفسه، تحدّث الأميرال آلفِين هولسي، الذي سيتقاعد من «القيادة الجنوبية الأميركية» هذا الأسبوع، بشكل منفصل مع رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السناتور الجمهوري روجر ويكر، وكبير الديمقراطيين في اللجنة السناتور جاك ريد.

وسأل زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وزيرَ الحرب عمّا إذا كان سيسمح لجميع أعضاء الكونغرس بمشاهدة فيديو الهجوم الذي وقع في 2 سبتمبر الماضي، فرد هيغسيث: «علينا دراسة» ذلك. ووصف شومر الإحاطة بأنها «غير مُرضية على الإطلاق»، مضيفاً أن «للديمقراطيين والجمهوريين الحقّ في الاطّلاع عليها، بل ورغبوا في ذلك، وكان ينبغي لهم الاطلاع عليها».

ويطالب المشرعون وزارة الحرب بتقديم بيان كامل بشأن الحملة العسكرية والهجوم؛ تحديداً ذلك الذي أدى إلى مقتل شخصين كانا يتشبثان بحطام القارب بعد الضربة الأولى.

وفي «مشروع قانون تفويض الدفاع» السنوي، الذي صاغه الجمهوريون والديمقراطيون، يطالب الكونغرس «وزارة الحرب (البنتاغون)» بتسليم تسجيلات فيديو غير محررة للغارات، بالإضافة إلى الأوامر التي أذنت بتنفيذها. ويهدد التشريع بحجب ربع ميزانية سفر هيغسيث في حال رفضه.

إلى ذلك، أظهر استطلاع أجرته وكالة «رويترز» مع «إيبسوس» للأبحاث والاستطلاع أن شريحة كبيرة من الأميركيين يعارضون الهجمات التي يشنها الجيش على القوارب، بما في ذلك نحو 20 في المائة من الجمهوريين المؤيدين للرئيس ترمب. وقال 48 في المائة إنهم يعارضون الغارات من دون الحصول على إذن من قاضٍ أو محكمة أولاً، في حين أفاد 34 في المائة بأنهم يؤيدونها. وعبر 18 في المائة عن التردد أو عدم اليقين.

وفي أوساط الجمهوريين، أيد 67 في المائة الغارات، وعارضها 19 في المائة، في حين عارضها 80 في المائة من الديمقراطيين، وأيدها 9 في المائة فقط.